بعد ان أوجدت الدول الاستعمارية في حينها فكرة اقامة وطن لليهود في قلب الوطن العربي وترجموها على ارض الواقع واختاروا فلسطين لذلك الامر قابلها وعيد وتهديد من قبل الدول العربية (من باب حفظ ماء الوجه) والتي لم يتعدى اسوار المحطات الاذاعية واروقة قاعات التلفزة .
وكانت بمثابة المهديء والمخدر (المورفين) الى ابناء الوطن العربي الثائر والغاضب من تلك المؤامرات .. واصدرت حينها الاممالمتحدة القرارين (183) و (242) والتي ضمنت لليهود إقامة دولتهم على ارض فلسطين والتي قوبلت حينها برفض شديد من قبل الانظمة العربية (والرضا خلف الكواليس) .
وامتلات النشرات الاخبارية بتصريحات الاستنكار والشجب والرفض على ذلك وهذه التصريحات ادت الى تخفيف حدة الغضب في الشارع العربي الذي خرج بمظاهرات منددة بتلك القرارات ..
وفي خطوة لذر الرماد في العيون اقدمت بعض الدول العربية بتحريك جيوشها معلنة الحرب عام (1948) ونظرا لقوة المخططات التي حيكت خلف الكواليس بين الانظمة العربية والدوائر الغربية اندحرت الجيوش العربية امام جيش فتي في بدء الانشاء لليهود ليوهموا الشارع العربي بقوة (دولة) اسرائيل.
وانسحبت الجيوش العربية تجر اذيال الخيبة في اقوى سيناريو اعد لذلك وكانت بمثابة اولى الخطوات للاعتراف بهذا الكيان المفتعل ...
ثم جاءت ما يسمى بنكسة حزيران (والتي نحن نعيش ذكراها هذه الايام) بخطة محكمة اقوى من الخطة السابقة اذ استولت اسرائيل ليس على الاراضي الفلسطينية بل ضمت اليها اراضي الضفة الغربيةوسيناء والجولان وتمكنت من تدمير اغلب المطارات الحربية في جمهورية مصر العربية .
وحدثت انتكاسة شديدة للجندي العربي مقابل تعاظم قوة اسرائيل واظهارها كقوة لا تقهر وبإستطاعتها ضم الوطن العربي بأكمله لو ارادت ذلك ..
حيث استطاعت اسرائيل وبيومين او ثلاث من الاستيلاء على الجولان وسيناء وهي ابلغ رسالة وجهت الى المواطن العربي بقدرة هذا الكيان الجديد.
(حدثني احد ابناء الجنود المصريين المشاركين في حرب النكسة وكان ضمن كتيبة مقاومة الطائرات ان الاوامر التي اوردت اليهم في تلك الليلة بعدم اطلاق طلقة واحدة اتجاه أي طائرة لانها طائرات صديقة وحدث ما حدث من تدمير اغلب المدارج والمطارات المصرية وتدمير الكثير من الطائرات الحربية وهي جاثمة على المدارج).
ثم انعقدت قمة الخرطوم والتي سميت بقمة (اللاءات الثلاث .. لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات ) وهي ضمن السيناريو المعد حسب الاجندات والاتفاقيات بين الانظمة العربية والدوائر الغربية .
وكانت من اجل اظهار قوة العرب (على الورق) وانهم يرفضون الاحتلال ولابد من تحرير كافة الاراضي العربية مستعنين بالخطابات والتصريحات وسيل من الشجب والاستنكار لاحتلال الاراضي العربية الجديدة ...
ومن اجل احكام الخطة والحفاظ على هيبة الانظمة العربية امام شعوبها الغاضبة لتمرير ما اتفق عليه جاءت معركة (1973) كرد عربي قوي والذي تم فيه عبور خط (بارليف) والعبور الى الضفة الاخرى في الجانب المصري.
وفي الجانب السوري جاءت القوات العراقية لتدحر القوات الاسرائيلية التي ارادت دخول دمشق وكذلك تحققت انتصارات على الجبهة الاردنية حتى ظن المواطن العربي ان النصر آت وتحرير فلسطين ما هي الا مسألة وقت ..
لكن وبفترة قياسية تم محاصرة الجيش الثالث المصري وتم اصدار الاوامر من قبل القيادة السورية بوقف تقدم الجيش العراقي الذي احرز الانتصارات وسحبه من الجبهة حتى تحول النصر الى شبه هزيمة وانتهت المعركة ببقاء القوات الاسرائيلية جاثمة على الاراضي العربية .
وبعد هذه الخطوات تم تهيئة الشارع العربي للقبول بالدخول في مفاوضات ومساومات مع اسرائيل (لانها دولة لا تقهر) وكانت طليعة تلك المفاوضات ذهاب رئيس اكبر دولة عربية واقوى دول المواجهة الى اسرائيل حيث تفاوض محمد انور السادات مع اسرائيل وجها لوجه لتحرير جزيرة سيناء بالمفاوضات لا بالسلاح.
الذي اثبت حسب المعطيات السابقة ضعفه وعدم جدواه وكذلك انطلقت موجات الشجب والاستنكار لهذه الخطوة وضجت الدنيا حينها وخفت ثورة وغليان الشارع العربي والذي لم يعلم انها كانت هي الخطوة الاولى للاستسلام والخنوع .
والتي تلتها خطوات اخرى لارضاء هذا الكيان بقبول التنازل عن بعض الاراضي مقابل الاعتراف بإقامة دولتهم حتى وصل الى الاستجداء الذي نراه اليوم واصبح السفراء الاسرائيلين يتنقلون في بعض الدول العربية ويرفرف العلم الاسرائيلي في سمائها .
ومازالت سيل الاستنكارات تهدر عقب كل جريمة يفعلها هذا الكيان من مجازر صبرا وشاتيلا الى حرب لبنان الاخير وتدمير بيروت من اجل جندي واحد اسرائيلي اسر من قبل حزب الله ومجزرة قانا ...
وهذه الايام اعتدت اسرائيل على سفينة "الحرية" للمساعدات في جريمة يندى لها جبين الانسانية وقتلت عشرة اشخاص مدنيين لم يحملوا السلاح بل حملوا الروح الانسانية لفك الحصار الظالم عن غزة .
وكعادتهم شمر العرب عن سواعدهم بحملة كبيرة من الشجب والاستنكار واطلاق الوعيد والتهديد التي بقيت فقط كتابات على صدر الصفحات الاول للصحف العربية .
ولم تقدم دولة عربية واحدة بوقف علاقاتها مع اسرائيل (كأضعف الايمان) كما فعلت الدولة الغير عربية (تركيا) التي سحبت سفيرها وهددت بلسان رئيس وزرائها بعدم امتحان صبرها.
كما سحبت اتفاقها واوقفت مشاركتها في المناورات الثلاث التي اتفق عليها بين الجيشين التركي والاسرائيلي بل انها اكدت بعدم رجوع العلاقات الدبلوماسية حتى يتم رفع الحصار عن غزة .
وحسب هذه القراءة السريعة والمقتضبة نقول حقا ان العرب هم ابطال وفرسان الشجب والاستنكار الى ان يأتي يوم يستنكرفيه العرب عدم وضع اسرائيل محطات لتحريك الهواء من اجل زيادة قوة رفرفة العلم الاسرائيلي فوق ربى وقمم الدول العربية !!!!.