الاستيطان يتسارع لفرض سياسة الأمر الواقع علي الرغم من الاستقبال الفاتر من جانب أوباما لنتنياهو في البيت الأبيض موخرا إلا أنه أعلن منذ عدة أيام أن علاقات أمريكا وإسرائيل متينة مثل الصخرة وأن التزامه الشخصي بضمان أمن إسرائيل لايمكن زعزعته، مصادر البيت الأبيض أعلنت أن واشنطن ترفض طرح أي مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدين انتهاكات إسرائيل في القدس أو الاستيطان في الضفة الغربية وسوف تستخدم حق النقض ( الفيتو)، وتيرة الاستيطان تتسارع وتهويد القدس يجري علي قدم وساق وإعلان العام الحالي عاما لحسم ومحو هوية المدينة العربية المقدسة فبعد كنيس الخراب يستعد قطعان المتطرفين لإنشاء عدة كنس أخري تضيق الخناق علي المسجد الأقصي المعلق في الهواء بسبب الحفريات التي تهدد أساساته، وبناء الجدار يتواصل لابتلاع المزيد من الأرض الفلسطينية، ومازال العرب يتطلعون إلي السلام كخيار استراتيجي ووعود أمريكية فات أوان تصديقها فواشنطن هي شريك متضامن في كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل علي الأرض العربية والفلسطينية منذ أن اعترف ترومان بدولتها وحتي يومنا هذا وكذلك دول الغرب ولاحل للمعضلة الفلسطينية سوي بالعودة لخيارات الشعوب وإراداتها فالتاريخ لن يرحم من فرط في هذه القضية والسماء أيضا . يخطيء من يعتقد أن مأساة الفلسطينيين بدأت بحرب 48 وقيام دولة إسرائيل أو أنها بدأت بوعد وزير الخارجية البريطاني »اللورد أرثر جيمس بلفور« عام1917 بمنح اليهود فلسطين كوطن قومي أو بظهور الحركة الصهيونية العالمية علي يد »تيودور هرتزل« في أواخر القرن التاسع عشر ومؤتمرها الأول في بازل عام 1897 وماتلاه من مؤتمرات للحركة، لكن القضية بدأت قبل ذلك بقرون واختلط فيها ماهو سياسي بديني وماهو حقيقي بالخرافات والمزاعم وخاصة ما يتعلق باستيطان أرض فلسطين فمارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتي الجديد قام بترويج فكرة أن اليهود هم شعب الله المختار- التي تحاكي شعار النازية ألمانيا فوق الجميع – وأن وطنهم المقدس هو فلسطين ويجب أن يعودوا إليه، كما أعد تاجر دنماركي يدعي »أوليجر بولي« خطة لتوطين اليهود في فلسطين وسلمها لملوك أوروبا تجاوب معها نابليون بونابرت حيث دعا لإنشاء دولة يهودية في فلسطين خلال حملته علي مصروالشام نهاية القرن 18، كما اشتدت الدعوات خلال القرن التالي لهذه المسألة، وظهرت الحركة الصهيونية العالمية التي احتضنها الغرب في النصف الثاني من ذلك القرن كحركة سياسية وبدأت الخطي تتسارع لبناء أولي المستوطنات علي أرض فلسطين وهي مستوطنة بتاح كفا ثم توالت المستوطنات وبدأت موجات الهجرة اليهودية لفلسطين عبر ست موجات رئيسية وصل عدد المهاجرين من خلالها حتي عام 1948 حوالي 650 ألف مهاجر، إذن هناك توافق وتواطؤ غربي ممتد عبر الزمن ولم يبدأ من بعد الحرب العالمية الثانية وتعويض اليهود عما ارتكب ضدهم خلالها ( المحرقة أو الهولوكوست) بمنحهم أرض فلسطين للتكفير عن جرائم النازي الذي لم يقم بارتكابها ضد اليهود وحدهم فالنوايا كانت مبيتة من عدة قرون لارتكاب هذه الجريمة بنزع شعب من أرضه وإعطائها لخليط من المهاجرين من كافة بقاع العالم تجمعهم الفكرة الصهيونية وخرافات أرض الميعاد والحرب الفاصلة بين الأخيار والأشرار واكتملت المؤامرة بتواطؤ بين حكومة الانتداب البريطاني وزعماء العصابات اليهودية بعد قرار التقسيم رقم 181عام 1947 الذي رفضه العرب وإعلان قيام دولة إسرائيل في مايو عام 48 والذي سارعت بلدان الغرب للاعتراف بها سريعا اقتلاع شعب الفكرة الصهيونية هي فكرة استيطانية بامتياز فهي تقوم علي مبدأ رئيسي هو أرض بلا شعب لشعب بلا أرض (فلسطين)كما تقوم علي مجموعة من الأساطير التاريخية والدينية بالإضافة إلي اعتمادها في تنفيذها علي أرض الواقع علي قوي استعمارية تساندها وتعمل هي لصالحها وهو ما تحقق لها فقد سعي مؤسسو الحركة لانتهاز كل الفرص التي اتيحت لهم لتنفيذ حلمهم في وطن يجمع شتات اليهود لكن في عمق الفكرة تكمن العنصرية بكل صورها فالوطن القومي لابد أن يكون نقيا لاوجود للآخر فيه ومن هنا كانت المواجهات العنيفة خلال فترة النكبة لتصفية الوجود العربي الذي كانوا يرونه مزاحما لتحقيق أحلامهم فكانت حملات الترويع والمجازر ضد العرب علي يد العصابات اليهودية (آرجون وشتيرن والهاجاناه وغيرها) في عشرات المدن والقري العربية وخلفت وراءها الآلاف من الشهداء وتدمير 400 قرية كجزء من الإرهاب الذي يوجد في عمق الفكرة الصهيونية، وأدت عمليات التهجير والطرد ( الترانسفير) إلي هجرة حوالي 750 ألف فلسطيني خارج البلاد وتبقي 150ألفا تمسكوا بالبقاء في الأرض وهؤلاء كان لاستمرارهم أكبر الأثر في تعثر المشروع التوسعي الإسرائيلي حتي الآن لأنهم وخلال أكثر من ستين عاما وصل تعدادهم إلي مليون و 300 ألف نسمة ممن يسمون بعرب 48 يشكلون حاليا أكثر من 18٪ من إجمالي سكان إسرائيل ويهددون مستقبلها إذا استمر معدل الزيادة الطبيعية مرتفعا في أوساطهم بتشكيل غالبية سكانية خلال العقود الزمنية القادمة، وكان سكان القدس عام 67 حوالي 70 ألفا وصل رغم الحصار وسحب الهويات إلي 300 ألف عربي وقد أسهم التخبط الذي اتسم به أداء الجيوش العربية في تدعيم الوجود اليهودي والحصول علي مساحات إضافية تجاوزت قرار التقسيم . الاستيطان للاستمرار شكلت الأرض في الفكر الاستيطاني الإسرائيلي أمرا له أهميته البالغة لأنه يحقق الانقلاب الديموجرافي بطرد العرب وتوطين اليهود، فإسرائيل استولت علي أكثر من 20 ألف كيلومتربعد حرب 48 ثم استولت علي مساحات تفوق مساحتها بعد حرب 67 من الأراضي في سيناء والجولان والضفة الغربية والإجماع الوحيد لدي الإسرائيليين هوالاستيطان والتوسع فيه وتوسيع مساحة الدولة ضمن حلم إسرائيل الكبري من النيل إلي الفرات والعلم الذي يحمل شريطين باللون الأزرق يرمزان للنيل والفرات ويتوسطه شعار الدولة نجمة داود، وثلاثية الهجرة والتوسع والاستيطان هي نمط حياة الكيان الإسرائيلي وأهم شروط بقائه ومنذ عام النكبة فإن العديد من الجمعيات اليهودية نشطت للعمل علي تهويد القري العربية عن طريق شراء الأراضي بأي ثمن، وتعد المستوطنات هي أساس الدولة العبرية وعن طريقها يتقلص الوجود العربي كما أنها تعوق الامتداد الجغرافي للمدن والقري الفلسطينية وإجبارهم علي مغادرة مناطقهم وتعد بمثابة قلاع أمنية وعسكرية وقد امتدت المستوطنات علي عدة محاور شرقية وغربية حول وداخل الضفة الغربيةوغزة ووصل عدد المستوطنين حتي اليوم إلي أكثر من نصف مليون مستوطن ثلثهم في محيط القدس وتشير أحدث الأرقام التي صدرت مؤخرا عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلي أن أكثر من 85٪ من أرض فلسطين التاريخية استولت عليها إسرائيل منذ قيامها والنسبة المتبقية ليست كلها للفلسطينيين فهناك مناطق يوجد قيود علي استخدامها في منطقة الأغوار، كما ابتلع الجدار العنصري العازل مساحات ضخمة من أراضي الضفة بلغت حوالي 12 ٪ من مساحتها والاستيلاء علي الموارد المائية وحرمان سكانها منها وكذلك الأراضي الخصبة، كما استولت إسرائيل علي الكثير من الأراضي العربية عن طريق قانون أملاك الغائبين ومصادرة الاراضي للمنفعة العامة وقانون الأراضي البور، كما استولت علي أملاك حكومة الانتداب وقدرت بحوالي 3-2 ملايين دونم ( الدونم يعادل 1000 متر مربع) وإجبار الفلسطينيين علي رهن أراضيهم، وقد استولت العام الماضي علي مساحات ضخمة في منطقة الأغوار ومدن القدس والخليل وبيت لحم وجنين ونابلس بهدف توسيع رقعة الاستيطان جيتو جديد منذ قرون بعيدة عرف اليهود طريقهم للعزلة عن باقي البشر ليشكلوا مايسمي” بالجيتو” وهو مايسمي في الشرق العربي بحارة اليهود والتي انتهت بعد قيام الدولة وهجرة معظم اليهود إليها وأصبحت هذه الحارة جزءا من التراث وارتكز مفهوم الجيتو لدي اليهود علي انعدام الإحساس بالأمان خارج أسوار هذا الحي أو المنطقة المعزولة والتفرغ للحياة الروحية الراقية في تصوراتهم، وقد أمر البابا بولس الرابع في القرن 16بعزل اليهود إجباريا في حي بالبندقية، ويبدو أن إسرائيل تقتفي آثار النازيين في ممارساتهم الوحشية وما فعلته علي مدي أكثر من ستين عاما من أعمال القمع والترويع والتدمير والقتل لايختلف كثيرا عما فعله النازيون وما انطلقوا من خلاله من مفاهيم وشعارات، ولكي يمضوا في محاكاتهم للنهاية فقد لجأوا لأسلوب النازي في عزل الفلسطينيين في العديد من الجيتوات مثل جيتو غزة والذي تحول لسجن كبير يعيش داخله مليون ونصف المليون من البشر وجيتو الضفة الغربية المحاصر بالمستوطنات والطرق الالتفافية ويكفي مأساة الجدار العازل الذي حول حياة الفلسطينيين إلي جحيم لأن 80٪ من مساره يمر علي أراض فلسطينية وهناك 260 ألف فلسطيني أصبحوا محاصرين بين الجدار وحدود عام 67 كما سيفصل الجدار أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون علي الجانب الشرقي للجدار عن القدسالشرقية ويتوقع أن يمتد الجدار إلي أكثر من 700 كيلومتر وتم الانتهاء من 60 ٪ من مساره وقد قضم الجدار آلاف الأفدنة من الأراضي الخصبة ونصف موارد المياه بالضفة، وتهدف إسرائيل من مشاريعها سواء الجدار أو المستوطنات أو الطرق الالتفافية ومصادرة الأراضي وهدم المنازل إلي محاصرة الفلسطينيين في معازل أو جيتوات وإلغاء فكرة الدولة وقطع التواصل الجغرافي بين مناطق ومدن الضفة وغزة كما تهدف من تسارع عملية تهويد القدس إلي عدم وضعها علي مائدة المفاوضات وضمها للدولة باعتبارها عاصمة للدولة اليهودية وتسعي إسرائيل حاليا من خلال غض الطرف عن ممارسات قطعان المتطرفين حول المسجد الأقصي تمهيدا لتقسيمه ثم هدمه. وهكذا يمضي المشروع اليهودي المتطرف نحو أهدافه دون إعاقة لا من الطرف العربي الذي مازال يتحدث بلغة السلام ولا من الطرف الفلسطيني الأضعف في المعادلة ولا من الغرب وخاصة واشنطن التي ترعي عملية استيلاء إسرائيل علي باقي الأرض الفلسطينية وتمارس نفس أسلوب العرب وهو الشجب والإدانة وضرورة العودة إلي مائدة المفاوضات فعلي أي شيء سيتفاوض العرب ؟ هل علي ماتبقي من الأرض الفلسطينية والإقرار بشرعية الاستيطان وبما وصلت إليه الأمور في القدس .. ويبدو أنه لاحل إلا العودة لقرارات الشرعية الدولية رغم تآكلها علي مدي أكثر من ستين عاما وأن يتم دعم صمود الفلسطينيين سياسيا واقتصاديا وخاصة في القدس وأن يسحب العرب خيارهم الوحيد وهو السلام مع كيان لايعرف إلا سلام الأقوياء، فإسرائيل تمضي لإشعال الحروب بالمنطقة عبر تصفية الوجود العربي في فلسطين وبناء دولتها النقية يهوديا أي أن المعركة القادمة هي علي من يحق له الوجود علي أرض فلسطين : اليهود أم العرب والمسلمون؟