نظام الانتخاب.. وتمثيل المرأة المصرية د. وحيد عبدالمجيد نظام الانتخاب المعمول به في بلادنا يحتاج إلي مراجعة. وهذا أمر لا خلاف عليه من حيث المبدأ. فهو موضع اتفاق بين الحزب الوطني والمعارضة في مجملها وكثير من المعنيين بالإصلاح السياسي جزئيا كان أو شاملا. غير أن اختزال الحياة السياسية في معادلة مغلقة ولعبة سياسية صفرية, في إطار التحول من احتواء حركة الإخوان إلي إقصائها, وبسبب ضعف أحزاب المعارضة المشروعة, قد يقلل جدوي مراجعة نظام الانتخاب برمته. ولذلك فثمة شواهد علي أنه إذا حدث تعديل في هذا النظام, قبل انتخابات2010, سيقتصر علي تخصيص مقاعد للمرأة. وهذا اتجاه قوي وآخذ في التعاظم في دوائر صنع القرار التشريعي. وهو يستند إلي أن الجهود التي بذلت لدعم مشاركة المرأة بشكل طبيعي لم تحقق نتائج تذكر, وأنه لابديل بالتالي عن اللجوء إلي أسلوب الكوتا مرة أخري. غير أنه قبل اتخاذ قرار بتخصيص أو حجز مقاعد للمرأة, ليتنا نتأني ونعيد التفكير لأن في الكوتا نظما أخري للتمثيل قد تكون أفضل من المقاعد المحجوزة. فهناك نظام آخر يزداد الإقبال عليه الآن هو الحصص الانتخابية. والفرق بين النظامين, بقدر من التبسيط, هو أن نظام المقاعد المحجوزة يضمن عددا من المقاعد للنساء تحت أي ظرف, بينما يتوجه نظام الحصص الانتخابية إلي الأحزاب السياسية لكي ترشح عددا معينا من عضواتها في سياق يضمن تمثيلا محددا للمرأة, بشرط الأخذ بنظام القوائم الحزبية النسبية. ومن هنا أهمية مراجعة نظام الانتخابات في مجمله مهما كانت جدوي ذلك في المدي القصير. ويزداد الإقبال علي الحصص الانتخابية نتيجة الانتقاد الذي يتعرض له نظام المقاعد المحجوزة, وهو أن التمثيل البرلماني المترتب عليه يكون في الأغلب الأعم شكليا أكثر منه حقيقيا. وقد يصبح هذا التمثيل تزيينا لمشهد سياسي ذكوري بامتياز.وعندئذ يزداد عدد النساء في البرلمان, بينما يتدهور وضع المرأة الفعلي أكثر فأكثر. وفي الأردن, مثلا, حيث أدي نظام المقاعد المحجوزة إلي زيادة تمثيل المرأة, تزداد جرائم الشرف التي تزهق فيها أرواح النساء لتسجل أحد أعلي المعدلات في هذا النوع من الجرائم. ويضاف إلي ذلك أن هذا النظام قد يعطل, في رأي البعض, الجهد الذي ينبغي بذله من أجل تحسين حقيقي في وضع المرأة, من حيث أنه يوحي بأن هذا الوضع تحسن وبأن المشكلة حلت.. ولذلك يكون هذا النظام أكثر جدوي عندما يطبق في حالات تكون المرأة نفسها فيها مستعدة للمشاركة وقادرة علي رفع مستوي تمثيلها البرلماني بحيث يكون الهدف هو تثبيت ما ينجزه العمل من أجل تمكينها في الواقع. والمثال الموحي, هنا والذي يغفله بعض أنصار هذا النظام, هو الدول الاسكندنافية التي تؤخذ عادة كنموذج. ففي هذه الدول لم يعتمد نظام الحصص الانتخابية إلا بعد أن أصبحت المرأة تتمتع بتمثيل معقول في البرلمان لايقل عن20 في المائة من مجموع المقاعد. وجاء اعتماده بهدف تثبيت هذا التمثيل وليس الوصول إليه. أما حين يطبق نظام المقاعد المحجوزة بهدف خلق تمثيل للمرأة لا تتوافر مقوماته الواقعية, فهو يثير قلقا من أن يزداد تمثيل المرأة أضعافا مضاعفة بدون عمل جاد في الواقع المعيش, فتظل المشكلة قائمة في هذا الواقع. ومن هنا يبدو نظام الحصص الانتخابية أكثر فاعلية, حين يبدأ بإلزام الأحزاب السياسية, وليس فقط مطالبتها, بتحديد نسبة معينة من النساء بين مرشحيها. وفي دراسة مقارنة أعدتها ريما حبش, في إطار البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة, تبين أن هناك نحو90 دولة في عالم اليوم تأخذ بنظام الحصص الانتخابية, وأنه في حوالي50 منها علي الأقل تلتزم الأحزاب بذلك طواعية من خلال أنظمتها الداخلية, بينما تلزم الأحزاب في20 دولة أخري بهذا النظام المنصوص عليه في القوانين المنظمة للانتخابات, في حين أن هناك12 دولة أخري تدرج النظام نفسه في دساتيرها. والمنطق في هذا النظام أنه يربط التمييز الإيجابي للمرأة بشيء في الواقع وليس فقط بالتشريع, لأن تحديد حصة للمرأة بين مرشحي حزب ما يمكن أن يؤدي إلي تحقيق توازن أيضا في هيكله التنظيمي, وبالتالي ازدياد دور النساء في نشاطاته وفي العمل العام. وعندما يزداد تمثيل المرأة في المستويات التنظيمية الأعلي في الأحزاب السياسية, يصبح ترشيحها للانتخابات العامة مرتبطا بتطور حقيقي في دورها وليس مجرد ديكور يزين قائمة مرشحي هذا الحزب أو ذاك. ويفيد ذلك, غالبا, في تزويد النساء بالخبرة في مجال القيادة والمشاركة في صنع القرار, وبتجربة انتخابية أيضا حين تكون الانتخابات الداخلية التي تخوضها المرأة في حزبها تنافسية وساخنة. وهناك من يفضل أن يكون تحديد حصة معينة للنساء ضمن مرشحي الحزب اختياريا, وليس إلزاميا, وكذلك الحال بالنسبة إلي ترتيب المرشحات في حالة نظام الانتخاب بالقوائم النسبية. ولكن من الضروري في حالات كثيرة, ومن بينها حالتنا في مصر, أن يكون هناك إلزام بشأن تحديد حصص للمرأة في قوائم الأحزاب لفترة معينة, وكذلك في مجال مواقع المرشحات في هذه القوائم حتي لاتلجأ الأحزاب إلي إدراجهن في أسفل هذه القوائم. ومع ذلك يظل هذا النظام, في رأي البعض, محدود الجدوي إذا كانت المشكلة في المرأة كما في المجتمع. ويدلل هؤلاء علي ذلك بعدم جدواه في العراق, بالرغم من إلزام الأحزاب السياسية بأن يكون ربع عدد المرشحين من النساء, وأن يكون ترتيبهن بطريقة تتيح أن يكون ربع الفائزين في الانتخابات منهن لضمان حصول المرأة علي ربع مقاعد البرلمان. وقد حدث ذلك بالفعل, في الوقت الذي تردي وضع المرأة العراقية إلي حد أن أيا من النائبات المحترمات لاتملك حماية فتاة مسكينة تتعرض للضرب والإهانة, وربما القتل, لأنها غير محجبة مثلا أو لأن حجابها سييء لايفي بمتطلبات من ينكلون بها جهارا نهارا. غير أن حالة العراق لاتصلح معيارا, إذ يصعب القياس عليها لأسباب لايجهلها من يتخذون هذه الحالة دليلا علي عدم جدوي نظام الحصص الانتخابية. فالأزمة في العراق أكبر وأعمق. إنها أزمة مجتمع صار نموذجا لما أسماه الفيلسوف البريطاني هوبز حرب الكل ضد الكل, وأزمة نظام سياسي أقيم في ظل الاحتلال. وبمنأي عن مثل هذه الحالة, فقد حقق نظام الحصص الانتخابية الحزبية نجاحا متفاوتا في عدد غير قليل من البلاد التي أخذت به, الأمر الذي يجعله هو الأفضل في حالة الأخذ بأسلوب الكوتا في مصر. عن صحيفة الاهرام المصرية 5/8/2008