الصوم تعبد و تطهير للنفوس على مر التاريخ ، فيقول الله سبحانه و تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " ، فمنذ قديم الأزل كانت الشعوب تلجأ للصيام تقربا للآلهة و تهذيبا للنفس ، و من أقدم الشعوب التى عرفته "المصريون القدماء " ، حتى أن كلمة " صوم " أصلها من " صاو الهيروغليفية " أي امتنع أو كبح . كان المصريون القدماء من ضمن طقوسهم الاحتفالية بالأعياد " الصوم " ، كما أنهم عرفوا فوائد الصوم فى الحفاظ على الصحة ، و عرفوه كعادة دينية للتقرب من الآلهة و أرواح الموتى و تهذيب النفس . صام المصريون القدماء وفاءا للنيل فى عيده الذي اعتبروه مصدر الرزق والخير لهم، كما كانوا يصومون أيام الحصاد وجني الثمار ، و كان يعتقد المصريون أن صوم ثلاثة أيام فى الشهر يساعد على البقاء فى صحة جيدة ، كما كانوا يتقربون لأمواتهم بالصيام ، ظنا منهم أن صيام الأحياء يرضي الموتى لحرمانهم من طعام الدنيا . و صيام الكهنة أيام الفراعنة اختلف عن صيام الشعب ، فعلى خادم المعبد صوم سبعة أيام متتالية، من غير ماء، قبل أن يلتحق بالمعبد ، وقد تمتد فترة الصيام إلى اثنين وأربعين يومًا، ويبدأ صيامهم من طلوع الشمس إلى غروبها، إذ يمتنعون عن تناول الطعام ومعاشرة النساء. ويمر الكاهن في صيامه بمراحل، أولها صيام عشرة أيام عن أكل اللحم، وشراب النبيذ، ثم يعقب ذلك تلقينه واجباته المتعلقة بالمسائل المقدسة، وذلك بعد صيام عشرة أيام أخرى . أما صيام الشعب فبخلاف صوم الأعياد ، كانوا يصومون أربعة أيام من كل عام، تبدأ عندما يحل اليوم السابع عشر من الشهر الثالث من فصل الفيضان، وهناك نوع آخر من الصيام يحرّم فيه أكل كل شيء من الطعام، عدا الماء والخضر مدة سبعين يومًا . و عرفت اليونان الصوم إذ انتقل إليهم من قدماء المصريين وكانوا يفرضونه بشكل خاص على النساء ، وعرف الرومان أيضا الصيام فكانوا يصومون خمسة عشر يوماً إذا أرادوا الحرب طلبا للنصر، و عرفه الصينيون فكانوا يجعلونه واجبا عليهم في أوقات الفتن، أما في غير تلك الأوقات فقد كانوا يعتبرونه نوعا من أنواع العبادة. و ما لا يعرفه الكثيرون إننا نستقبل رمضان بغناء كلمات هيروغليفة قديمة ‘'وحوي يا وحوي إياحا'‘،" وحوى " تعنى يظهر رويدا ، و " إياحا " تعنى جاء القمر ، كما أن لتلك الكلمات قصة معروفة فى التاريخ المصرى القديم ، حين غزا الهكسوس مصر . و ذلك بعث ملك الهكسوس لمصر رسالة يطلب فيها إسكات أفراس النهر التي تزعجه في منامه، فرد عليه المصريون بإعلان الحرب ، و التى كان ل " إياح حتب "- و تعنى قمر الزمان - ملكة مصر دورا كبيرا فيها ، و هى زوجة الملك " سقنن رع " الذى مات أثناء حربه مع الهكسوس ، فقدمت " إياح " ابنها "كامس " ثم " أحمس " الذى أنزل بالهكسوس شر هزيمة و طاردهم حتى فلسطين . و بعد الفوز خرج الشعب حاملا المشاعل لاستقبال الملكة التي قدمت زوجها وابنها البكر فداءا للوطن ، ويعلو الهتاف للملكة: ‘'وحوي وحوي إياحا'' - أي هل القمر .