أزمة الخبز تفضح عجز الوزارة محمد حامد الجمل صرح منذ عدة أيام د. نظيف، رئيس وزارة الماركتلية الإلكترونية بأن الحكومة تنفذ توجيهات الرئيس مبارك بكل دقة لانتهاء أزمة رغيف الخبز والقضاء علي ظاهرة الطوابير خلال فترة قصيرة، إلي أن يتم فصل الإنتاج عن التوزيع بجميع المحافظات، وأنه يتم حالياً توفير منافذ جديدة، لبيع الخبز، مع اتخاذ إجراءات مشددة لمنع التلاعب في حصص الدقيق. ويبدو من هذه التصريحات الصادرة من د. نظيف بعد توصيف الرئيس مبارك للأزمة بأنها أزمة »إدارة ورقابة ومحاسبة« وتكليف القوات المسلحة والشرطة بالإسهام في حلها إلا أن الوزارة لا تعترف أو لا تدرك خطر الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة ولا لأسباب غيرها من الكوارث والنكبات الكبري التي وقعت في عهدها، مثل أزمة مياه الشرب، وكارثة العبارة، البنوك، والإسكان، وسقوط العمارات، مع أزمة المرور، وفضيحة بيع وحدات القطاع العام، وأراضي الدولة، والعبث بميزانية الدولة، والمخالفات المالية المليارديرية في الصرف والإنفاق.. إلخ. وفي ظني أن أزمة رغيف العيش التي عاني ويعاني منها علي الأقل سبعون مليوناً من المصريين الذين تحتم وتفرض عليهم أوضاعهم المعيشية ومحدودية دخلهم، وقوتهم الشرائية الاعتماد علي الخبز المدعم مع الفول والعدس وغيرهما من البقول في غذائهم، يؤكد أنها ليست فقط أزمة خطيرة، لتعلقها بالقوت الأساسي الأول لأغلبية المصريين، ولكنها أيضاً أزمة مظهره وكاشفة، لملايين المصريين وغيرهم فشل وعجز الحكومة الماركتلية، وتضاعف عذاباتهم من البطالة والجوع والقهر السياسي مع المهانة، ولقد سقط بسبب الأزمة عشرات المصريين يعدون حقاً شهداء الرغيف في هذا الزمن النكد!!. ومن ثم فإن هذه الأزمة تفضح بدايتها سوء حالة المجتمع المصري مع المواجهة المشتعلة بين الشعب وسادة النظام السياسي والشمولي، وانحراف مراكز القوي، وتسلط مؤلفي أغبي وأظلم السياسات الإصلاحية النهبوية التي تحقق مصالح الطبقة الجديدة الجشعة والتي تقررها وتقترحها، أو تنفذها الحكومة الماركتلية تحت عنوان »برنامج الإصلاح الاقتصادي التنموي« و»برنامج الرئيس مبارك الانتخابي«.. إلخ. وبداية فإن الوزارة الحالية وما سبقها من وزارات مشكلة من وزراء البزنس الاستغلالي وبعض التكنوقراطيين، والبيروقراطيين، بواسطة »سلطة السيادة الانفرادية«، تعلم تماماً أن مساحة الأرض الزراعية في مصر، لم تتجاوز سبعة ملايين فدان، كما أنهم يعلمون أيضاً أن المصريين قد بلغ تعدادهم »75« مليون إنسان، وأغلبيتهم يعتمدون في غذائهم علي الأغذية البقولية، وعلي رأسها القمح، والفول والعدس.. إلخ. ولقد كانت مصر تخضع لخطة سنوية تحدد المساحات التي تزرع بالمحاصيل الاستراتيجية، التي تشكل الغذاء والكساء للشعب المصري، بل و»البرسيم« غذاء الحيوانات المنتجة للحوم والألبان، ولم يكن الإلزام القانوني بهذه الخطة تدخلاً استبدادياً واستغلالياً من الدولة أو الحكومة للفلاحين، ولكنها كانت حتماً وبالضرورة سياسة لتوفير الغذاء والكساء الضروري للمواطنين محلياً، وهي بذلك جزء من خطة الأمن القومي الداخلي. لارتباطها بالخطة الاستراتيجية لاستغلال رشيد لمياه الري، كما تسهم هذه الخطة أساساً في تحقيق السلام الاجتماعي والاستقلال الوطني وعلي رأس تلك المحاصيل الاستراتيجية »القمح«!! ولقد أدت سياسات حكومة الماركتلية، إلي أن تستورد مصر »45 مليون« طن قمح سنوياً، حيث لا تنتج ذاتياً سوي »55%« من الإنتاج المحلي، وبينما تنتج السعودية »100%« من القمح الذي تحتاجه رغم ظروفها المناخية وطبيعة أرضها!! وينفق الاتحاد الأوروبي المليارات لتشجيع المزارعين، بينما حكومة الماركتلية لا تشجع الفلاحين علي الزراعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة كاملة أو معقولة، فطن القمح يساوي 100 دولار، وقد بلغ حالياً 400 دولار ووزارات البزنس تدفع للمورد المصري الفلاح 380 جنيهاً فقط للطن، ولا شك ستزداد الأزمة، بالضرورة بعد تحويل القمح والذرة وغيرهما من الحبوب إلي »وقود الميثانول« مما سوف يرفع الأسعار عالمياً، ولقد ذكر د. جويلي أمين المجلس العربي الاقتصادي ووزير التموين الأسبق، بقناة الجزيرة، أنه يمكن معالجة الأزمة بخلط القمح ب 20% من الذرة حتي لا يصلح طحين الدقيق الناتج للاستخدام في صنع الخبز الفاخر والحلويات.. إلخ بالسوق السوداء مع وجوب زيادة المساحة المزروعة بالقمح وسائر المحاصيل الاستراتيجية، وفق حجم الاستهلاك الوطني، مع الالتزام بالتوسع الرأسي لزيادة الإنتاجية، وأضيف إلي ذلك ضرورة تعبئة الدقيق المدعم في أجولة مميزة، من حيث اللون والبيانات التي تعبر عن تخصيصه لقوت الشعب، ومن المعلوم أن مصر كانت مزرعة القمح الكبري للإمبراطورية الرومانية، كما أنها كانت تتيح ما يكفي استهلاك المصريين وحوالي مليونين من جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية . وإهمال الحكومة أو تعمدها إذلال وتجويع المصريين بسياستها الخادمة للطبقة الاستغلالية الجديدة، بالحزب الحاكم يؤكدها ما يحدث بالنسبة لباقي المحاصيل الغذائية الأساسية، التي توفر البروتين والكربوهيدرات.. إلخ لأغلب المصريين. فالفول مثلاً تقدر الاحتياجات السنوية منه ب 450 ألف طن والمنتج منه سنة 2007 أقل 300 ألف طن فقط، ويأتي العدس بعد الفول وقد صنفت مصر خلال السبعينيات بأنها واحدة من أكبر مراكز الفول بالعالم، حيث يزرع حوالي خمسين ألف فدان سنوياً، ولكن زراعة العدس تقلصت سنة 2008 إلي الف فدان فقط بينما يحتاج المصريون إلي خمسة وسبعين ألف طن سنوياً »الأهرام 12/3/2008 ص11 د. نادر نورالدين«، بينما يزرع الفلاحون المصريون سنة 2007 »170« ألف فدان لقزقزة اللب!! وتتم معالجة النقص المريع في إنتاج المحاصيل الأساسية الغذائية بواسطة المستوردين بالقطاع الخاص، وخاصة الذين لديهم صلات وثيقة مع المنحرفين في الإدارة المصرية!! والسياسة التي اتبعتها الحكومات الماركتلية بشأن تجاهل الخطة الزراعية القومية وترك توفير النقص في غذاء الشعب، لمطلق إرادة مجموعة المستوردين الاستغلاليين من الخارج، يمنح هؤلاء سلطة التحكم في الكمية التي تطرح بالسوق، ويسمح لهم بتعطيش وتجويع ملايين المصريين ذوي الدخل المحدود، ويتم ذلك تحت ستار حرية السوق شعار الماركتلية وحلفائهم وشركائهم النهابين من الطبقة الجديدة الانتهازية بالقطاع الخاص!! والنقص الغذائي الأساسي يضع الدولة بلا شك تحت رحمة هؤلاء مع المصدرين بالخارج لهذه الأغذية!! ولا يمكن إعفاء الحكومة الماركتلية من المساعدة في خلق هذه الأزمة وغيرها وذلك بإهمال تطبيق قوانين التموين وتحديد الأرباح وقمع الغش مع إلغاء وزارة التموين كحجة لعدم تطبيقها مع فرض الطوارئ المستدامة لقهر الشعب، وحماية للسادة المستوردين الجشعين والمستغلين!!. وليس ثمة شك في أن عدم توازن السلطات الثلاث في الدولة وسيطرة السلطة التنفيذية وسيادتها بواسطة مراكز القوي المتحالفة مع الطبقة الاستغلالية الجديدة، وتعطيل سيادة القانون أو محاسبة ومحاكمة المنحرفين من الوزراء والمحافظين، إلخ من الأسباب الرئيسية للأزمة والكوارث المتعاقبة التي تطحن أغلبية الشعب، مع الغلاء الفاحش الذي تقوده الوزارة الحالية لكل الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء ومواصلات، ووقود ورسوم نظافة. وإتاوات للمفسدين في كل مكان، ولن تحل نهائياً أزمة الخبز، ولا غيرها من الأزمات، ولن تتوقف الكوارث الفظيعة العديدة المتكررة، إلا بعلاج البنية الأساسية للنظام السياسي الاستبدادي وإعادة السيادة للشعب المصري، وربط كل سلطة عامة بالمسئولية والرقابة والمحاسبة من ممثلي هذا الشعب بالبرلمان، ومن السلطة القضائية المستقلة الحامية لسيادة القانون. عن صحيفة الوفد المصرية 29/3/2008