"إن اعترض أحدهم طريقك وقطع سبحتك، فانحني لتجمع حباتها في هدوء، وإن منعك من ذلك، فاذهب واشتري واحدة أخرى"..بهذه العبارة كان ابن شقيق الخليفة الحالي للطريقة اللاينية في السنغال (إحدى الطرق الصوفية، مثلها مثل التيجانية والقادرية والمريدية) وذراعه الأيمن، "موسى غاي"، يستهلّ في كلّ مرّة حديثه، متوجّها إلى أتباع هذه الطريقة الصوفية، ممّن كانوا يتدفّقون بغزارة على بلدة "يوف" الواقعة في ضواحي العاصمة داكار، للنهل من مناهج هذه الطريقة الروحية في السنغال. صحفي سنغالي يدعى "أبراهيما ديونغ"، يعمل بالتوازي مع ذلك منشدا دينيا لدى أتباع الطريقة اللاينية في السنغال، قال في تصريح للأناضول "لطالما حثّ مؤسّس هذه الطريقة الناس على مساعدة بعضهم البعض، وعلى التحابب والانفتاح، والاتحاد، وتجنّب العداوة والبغضاء والتفاخر والقذف والكذب والافتراء". تختلف الطريقة اللاينية عن غيرها من الطرق الصوفية الأخرى في السنغال خصوصا فيما يتعلّق بعلاقة خليفتها بمتّبعي هذا النهج الروحي. فأنصار اللاينية يتحدّثون عن "الصحابة"، وليس عن "طلاّب" أو تلاميذ"، كما هو الحال في الطرق الصوفية الأخرى. ويصطلح على تسمية جميع أتباع اللاينية ب "لاهي". "موسى غاي لاهي" قال في تعقيب على هذا الجانب للاناضول، إنّ "التأكيد على المساواة منطلقه الإيمان بمبدأ المساواة بين الجميع، وهو ما من شأنه أن يمنع ظهور مشاكل الطائفية، أو الاعتقاد بأفضلية اسم عائلة على حساب أخرى". أتباع النهج اللايني غالبا ما يتمّ تمييزهم بواسطة طريقة لباسهم، فهم يحرصون على ارتداء ملابس ناصعة البياض ل "الاحتفاظ بنقاوتهم"، على حدّ تعبير "غاي"، كما أنّه يحجّر عليهم تدخين السجائر. في الحادي والثلاثين من مايو/ أيار 2014، غزت موجة من البياض بلدة "يوف" الواقعة في الشمال الغربي لداكار.. مسحة من البياض كادت أن تلتحم بلون الأفق الخالي من السحب في ذلك اليوم، تدفّقت في طريقها نحو مسجد اللاينية. رجال ونساء وأطفال وشيوخ.. الجميع تقريبا كان يرتدي ملابس بيضاء، والوجهة كانت واحدة: شاطئ بلدة "يوف"، هناك حيث ينتصب المسجد الخاص بهذه الطريقة الصوفية في السنغال. بدا أنّ المنازل أفرغت من سكانها في ذلك اليوم. حشود بيضاء شبيهة بالأشباح زحفت من مختلف الشوارع والأزقة باتجاه المبنى الديني. المناسبة كانت جديرة بتلك التعبئة، فهذا التاريخ يصادف الذكرى 134 ل "نداء سيدنا ليمامو لاهي" (1843- 1909)، والملقب ب "المهدي"، وهو مؤسس الطريقة اللاينية. ففي هذا اليوم من كلّ سنة، تتدفّق الحشود البيضاء بالآلاف، تلبية ل "النداء"، والذي تمحور هذه السنة حول الزكاة. في "يوف"، تلك البلدة الصغيرة الواقعة على مشارف داكار في السنغال، والتي يقتات سكانها من صيد الأسماك، رأت الطريقة اللاينية النور. حكاية ظهور هذا النهج الروحي يتداولها . جميع سكان البلدة.. ف "في العام 1883، نزل الوحي على "ليماموضياو"، وهو أب لعائلة، ولديه زوجتان، وهو في الأربعين من عمره، أي نفس السنّ التي نزل فيها الوحي على النبي محمد (صلعم). كان الرجل يذرع شوارع البلدة، ممسكا برايتين من القماش الأبيض، وهو يصرخ "استجيبوا لنداء الله، أنتم من بني الإنس والجن.. أنصحكم يا عباد الله بالسعي في العبادات وبالإمساك بحبل الله الذي لا ينقطع". في قرية متشبّثة بتقاليدها، وغارقة في الشعوذة والسحر، اعتبر "ليمامو ضياو" مجنونا من قبل سكان بعض القرى المجاورة، بيد أنّه سرعان ما تمكّن - إثر ذلك- من استقطاب اهتمام أتباع له، ممّن سحرهم خطابه الداعي إلى عبادة الله والمواضبة على أداء العبادات مثل الصلاة والصوم والزكاة، وذكر الله، وقراءة القرآن، والمحافظة على علاقات جيدة بين الناس.. وبمرور بعض الوقت، تحوّل ذلك الرجل إلى "سيدنا ليمامو لاهي". بعد سنوات من الوعظ الديني، أعلن "سيدنا ليمامو لاهي" أنّ ابنه "عيسى" (1876- 1949) سيتكفّل بإنهاء عمله، ليصبح الأخير أوّل خليفة لللاينية، بالنسبة لأتباع هذه الطريقة، خصوصا وأنّه خلف والده وهو بسن ال 33. لأتباع اللاينية طقوس خاصة، فهم يقومون بالإنشاد (أهازيج دينية خاصة بطريقتهم) قبل أداء الصلوات وبعدها. وخلال الوضوء، يغسلون أرجلهم إلى الركبة، وليس إلى الكاحل، كما يفعل بقية المسلمين. وتعدّ الطريقة اللاينية اليوم 6 % من سكان السنغال، أي حوالي 768 ألف نسمة، يتمركزون في قرى "ليبوس" (مجموعة عرقية تتكوّن من الصيادين) القديمة . حوالي 65 ألف ساكن منهم يتمركزون في بلدة "يوف"، في حين يتوزّع البقية على قرى "كامبيرين" و"نغور". خليفتهم الحالي يدعى "عبدولاس ضياو"، بحسب تقديرات غير رسمية لمختصين. وخلال الاحتفال الرسمي ل "النداء" 134، حضرت شخصيات سنغالية بارزة على غرار وزيرا الداخلية السنغالي "عبد الله ديالو داودا"، وعمدة مدينة داكار "خليفة سال"، بالإضافة إلى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي "أميناتا تال".. اهتمام على أعلى مستوى بهذه الطريقة الصوفية، رغم انّها لا تضاهي القادرية أو المريدية من حيث عدد الأتباع، غير أنّها تمكّنت من المحافظة على ولاء عدد من سكان السنغال. أعدّته للنشر بالعربية - ليلى الثابتي