بهاء طاهر قدّم استقالته من اتحاد الكتاب لأنه لم يبذل الكثير من أجل المهنة طاهر كان مخرجاً مسرحياً وعمل مع يوسف وهبي طاهر: "الست اللي أكلت دراع زوجها" تؤكد أن التاريخ ينتصر للقيمة وليس الرواج! بهاء طاهر قال في اعتصام المثقفين ضد الإخوان "كلنا غاندي" "هذا كاتب لا يقلد أحدا، ولا يستعير أصابع أحد، هذا كاتب بهائي طاهري"، هكذا قدّم الكاتب الكبير الراحل يوسف إدريس، الكاتب الكبير بهاء طاهر في أول قصة نشرها له بعنوان "المظاهرة"، التي نشرها يوسف إدريس في صفحة كاملة. هذا الوصف هو مااتفق عليه محبو الكاتب الكبير بهاء طاهر الذين اجتمعوا للاحتفاء بمشواره الإبداعي في مكتبة "الشروق" مساء أمس الخميس، بمناسبة إعادة طبع روايتين من أعماله هما: "الحب في المنفى"، و"نقطة نور". أكد بهاء طاهر أنه كان من المدعوين على لقاء مرشح الرئاسة عبدالفتاح السياسي، ضمن وفد الأدباء والكتاب والمثقفين، لكنه اعتذر بسبب ظروف صحية ألمت به، قائلاً أنه منحاز إلى السيسي، وسيعطيه صوته في الانتخابات، لأنه يبني موقفه على محاربة الفكر الرجعي الذي دمر مصر خلال سنة من وجوده، على حد قوله. وأضاف طاهر: في هذه الانتخابات نحن نختار بين حسن وأحسن، وليس كما كنا في جولة مرسي وشفيق نختار بين سئ وأسوأ، قائلاً أنه عاش أجمل فترات حياته أثناء الحكم العسكري في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ولم ينزعج طاهر من ذلك!. شكر بهاء طاهر دار الشروق لإعادة طبع روايتيه "الحب في المنفى"، و"نقطة النور"، قائلاً أن هذا تزامن مع احتفاء دار الآداب اللبنانية بي، فقد هاتفوني ليخبروني أنهم خصصوا اسبوعاً لتكريمي في بيروت لمواقفي، معلقاً بقوله: اتفق الداران على الاحتفاء بي في وقت وحد دون ترتيب. وتحدث طاهر عن مسئولية الناشر، الذي عليه أن يطرح أعمالاً جيدة، وأن يقدم الثمين وألا ينساق للسوق، ضارباً مثالاً بالشاعر الألماني الكبير "شيلر" التي عرضت إحدى أعماله المسرحية ولم تلق رواجاً في عرضها الأول، لكنه أصر على استمرار عرضها لكي يعرف الجمهور أن المسرحية أفضل من رأيه فيها، وأن الأعمال الجيدة يجب أن تبقى في المسرح وألا يتم سحبها!. يتابع طاهر: في التاريخ أمثلة كثيرة لكتب لم تحظ باحتفاء عند صدورها، لكنها أصبحت من الدرر بعد ذلك، وتحدث عن الناشر الذكي الذي يقدم الجيد وينتقيه بينما يخفي الردئ. وضرب طاهر مثالاً على أن الأعمال الرائجة في وقت ما، قد لا تبقى في التاريخ، فالرواج برأيه ليس دليلاً على الجودة، واستشهد برواية "الست اللي كلت دراع زوجها"، قائلاً أنها كانت توزع كثيراً في وقت نشرها، لكن لا أحد يتذكرها الآن، لذلك أكد ان مسئولية الناشر كبيرة في تقديم الأعمال المهمة. فالناشر يستطيع أن يقتل عملاً بتجاهله، وبالمثل يستطيع أن يحيي عملاً عبر الاهتمام به. وأشار إلى وجود أزمة حدثت في الكتابة في السنوات الأخيرة، وهي تقديم الرواج على القيمة، فمن السهل إخراج أعمال تكتسح السوق، ثم يكتسحها التاريخ بعد ذلك، مؤكداً أن الالتفات إلى القيمة أهم. يتابع طاهر: عندي مآخذ على بعض الأسماء الرائجة، فهناك أعمال كثيرة تخصم من الأدب ولا تضيف إليه رغم رواجها الشديد، لافتاً إلى أن اللغة مهمة جداً في الكتابة، فهي ليست وسيطاً، بل هي الأدب نفسه، من لا يملك لغة فرواياته "عرجاء". وأعرب طاهر عن سعادته بطبع الروايتين قائلاً، أتمنى أن تعيد دار "الشروق" القصص القصيرة التي اعتبرها "شعر السرد"، فقد عشت العصر الذهبي للقصة القصيرة حين كنا ننتظر قصص يوسف إدريس، حيث ازدهرت في عهده، لذلك أتمنى أن تلقي "الشروق" نظرة على القصة القصيرة وتعيد طباعتها. وأوضح طاهر أن الكتابة بلغة بسيطة أفضل، فمن المهم برأيه ألا "يلغز" الكاتب، قائلاً: رغم إدراكي لأهمية العقاد إلا أنه ليس من "كُتابي" المفضلين، فأنا أفضل طه حسين، فلست من حزب العقاد!. فالكاتب يمكنه تبليغ رسالته ببساطة دون تعقيد. وصف الناقد والكاتب ومقدم الندوة أسامة عرابي، تجربة الكتب الكبير بهاء طاهر بأنها ثرية تمتلأ بالحياة، لافتاً إلى أن بهاء طاهر آمن بأن الرواية الحقيقية هي التي تفكك الواقع وتعيد ترتيبه مرة أخرى، بفهم أفضل كما أنها تغور في أعماق النفس الإنسانية، لذلك لجأ فرويد إلى روايات الكاتب الكبير الروسي ديستوفيسكي ليجد دليلاً على نظرياته في علم النفس. ولد بهاء طاهر في 15 يناير 1935، كان والده عضواً بالتنظيم السري لثورة 1919، حرص بهاء طاهر على أن يكون كاتباً مستقلاً غير حزبي، رغم عدم تقاعسه عن الاشتراك في مظاهرات ضد الاحتلال الإنجليزي، وضد كل الأنظمة المتعاقبة السادات، مبارك، ومرسي. يواصل عرابي: كان الأديب الكبير ممن تطوعوا في لجان المقاومة الشعبية عام 1951، التي شكلت ضد الإنجليز، كذلك تطوع في لجان عام 1967 لإزالة آثار العدون. آمن وجيله أن الانتماء للوطن أشبه بجلد الإنسان لا يستطيع منه فكاكاً – يتابع - سار على درب نجيب محفوظ ويوسف إدريس وهو درب الحرية الإبداعية، لذلك لم ينتم للمؤسسات، ظل طوال عمره يشعر بمسئوليته ككاتب لذلك قدّم استقالته من اتحاد الكتاب، لأنه لم يبذل جهداً كبيراً للدفاع عن المهنة. ووصفه عرابي بأنه شخص بسيط لا تجتذبه العداوات، لم يسع وراء المال أو الشهرة، فهو عدو أصيل لجرثومة الملكية والاقتناء، يكفيه القليل ليحيا، هو منذور لأن يكتب شيئاً يحقق للناس الحق والخير والجمال. يرى طاهر – يواصل عرابي - أن رواياته دائماً تاريخية، يقصد بهذا أن وعي الكاتب بتاريخه وجدل الفكر مع اللحظة الآنية، يكتب بأسلوب كما قال ابن المقفع "لو قرأه الجاهل يظن أنه يُحسن مثله"، كذلك تميز أسلوبه بالشاعرية. واختتم حديثه عنه بقوله: قدّم أعمال أدبية باقية، رواياته تروي سيرة الروح التي تلامس مطلق الحرية الذي لا زمن له، وأثنى على عطائه الفكري. من جانبه قال الكاتب فؤاد قنديل أن روايات بهاء طاهر وقصصه لا تقدم سرداً زاعقاً بل نصاً يتسلل إلى النفوس والأرواح، وهو حريص على التوجه نحو شخصياته ليستنطق أعماقها الدفينة، لكنه في استخراج هذه الأعماق يحتضنها برفق. وقال الكاتب الكبير سعيد الكفراوي أن بهاء طاهر يتحقق فيما أنجزه من كتابة مصرية، فهو أحد الروائيين الذين يصدق عليهم بأنه "رجل أدب"، قائلاً: أعرفه منذ خمسين عاماً على الأقل، كنا جماعة بدأنا مشوارنا في المحلة الكبرى، محمد المنسي قنديل، جابر عصفور، نصر حامد أبو زيد، جار النبي الحلو، كنا جماعة تسعى للأدب بجدية. كا حينها بهاء طاهر أحد الذين يقودون العمل الثقافي في البرنامج الثاني في القاهرة، كان يقدم برنامجاً بعنوان "مع الأدباء"، أرسلنا له قصصنا عام 1965 – 1966، وإذا به يهتم بنا ويقدمها بشكل إسبوعي، عن طريق قراءة نص ومناقشته والإشادة بكاتبه الشاب، فكان بهاء طاهر المعبر الذي عبرت به عام 1968 وجئت من المحلة إلى القاهرة. كن بهاء أحد مؤسسي الحداثة العربية، كانوا جماعة من الكتاب يملكون شرف تغيير الكتابة ويمثلون الوثبة المضادة لكل السائد والموجود، من خلال نصه الروائي قدم نصوص وكتب متغيرات حياتنا. من جانبه قال الشاعر والناقد أسامة العفيفي أن بهاء طاهر احتفاء بإعادة إصدار مجلة "المجلة" بعد أن أغلقها السادات عام 1971، حتي اتصلت به وكت أتولى رئاسة تحريرها، طلبت منه مقالاً لينشر في العدد الأول بعد إعادة إصدارها، فوافق وأرسله لي دون ان يرى التجربة الجديدة، ليدعم فكرة إعادة إصدار المجلة التي ظلمها النظام، وأشاد بها حين قال لي: "أول مرة أرى مجلة ثقافية دمها مش تقيل". ولفت إلى مشاركة بهاء طاهر في اعتصام المثقفين ضد نظام الإخوان، قائلاً أنه كان دائماً في الصفوف الأولى من الاعتصام، حتى يثبت أن الكاتب الحق هو من ينتمي لوطنه، رغم أن الأمواج والأخطار كانت عالية، لكن طاهر صمم أن يكون واقفاً حتى يرحل النظام. قال الفنان أحمد شيحة أن طاهر كان الأشجع في ليال كثيرة مظلمة، ففي أثناء اعتصام المثقفين العام الماضي، سمعنا أن هناك أفراد مع الوزير علاء عبدالعزيز، يريدون دخول الوزارة حينها قال طاهر، سنجلس أمام الوزارة وسنترك الباب مفتوحاً، فإن أرادوا الدخول عليهم أن يعبروا على أجسادنا أولاً، وقد رفعنا صور المثقفين، وأخافهم هذا المشهد السلمي فلم يأتوا، وحينها قال طاهر؛ "كلنا غاندي" كان يستلهم قيم الزعيم الهندي، وكان يرى بوضوح غروب مشهد الإخوان. كان بتهذيبه المعتاد – كما يروي شيحة – يُجمل قب وعقل من يخرج عن السياق، وكان متفائل دائماً يرى مصر أمة واحدة وأرضها مقدسة دائماً. وقد ساهم كثيراً من داخل وزارة الثقافة في قيام ثورة 30 يونيو. من جانبه قال الكاتب جرجس شكري أن برنامج بهاء طاهر "مع الأدباء" في الإذاعة يحتاج إلى تفريغ وإعادة كتابة، لافتاً إلى جانب من جوانب بهاء طاهر الإبداعية لا يعرفها الكثيرون، وهو أنه مخرج مسرحي قدّم مجموعة كبيرة من المسرحيات في البرنامج الثاني "الثقافي" في الإذاعة، ومثّل معه يوسف وهبي، وصلاح منصور، وسناء جميل، ومحمود مرسي، وقدّم مسرحيات من كلاسيكيات الأدب اللبناني، والأمريكي، وهو جزء طالب شكري بالتوقف أمامه، لافتاً إلى أن الحس المسرحي هو ما ميّز بهاء طاهر عن جيل الستينيات من الأدباء. وقال الكاتب والأديب شوقي عبدالحميد أنه كن يرسل أعماله وهو شاب إلى بهاء طاهر حين كن مذيعاً بالبرنامج الثاني، قائلاً أنه كان يعرفي حين أذهب إليه في الإذاعة على كبار الأدباء والكتاب، وحين أصدر بهاء طاهر مجموعته "الخطوبة" كتبت مقالاً نقدياً عنها، وحين قابلني ادوار اللخراط عنفني بسبب هذا المقال، وسألني كيف أكتب عن بهاء طاهر مثل هذا، وحين أصدر بهاء طاهر آخر مجموعته القصصية الأخيرة "النوارس" كتبت عنها مقالاً نقدياً، وأشرت فيه إلى مجموعته "الخطوبة" وأعدت قراءتها من جديد بنضج، كأني أقدم اعتذاراً عمّا كتبته عنها سابقاً. وحينها رد عليه بهاء طاهر قائلاً: "ولا اعتذار ولا حجة، اعتذار غير وجب، فأنت لم تفعل شيئاً".