نظمت جمعية محبي الفنون الجميلة أمس احتفالية للروائي بهاء طاهر تحدث فيها عدد من الكتاب عن حياته وأعماله، وأجمع الجميع على أنه كاتب من طراز رفيع، لا تنفصل مواقفه السياسية وحياته الإنسانية عن أدبه الراقي. أدار الندوة الشاعر والناقد شعبان يوسف الذي أشار إلى ثناء الراحل يوسف إدريس عملاق القصة القصيرة بكتابات بهاء طاهر، الذي نشر قصته الأولى في مجلة "الكاتب" بعنوان "المظاهرة".
وعن أبطال طاهر يقول يوسف: أن البطل دائماً في أعماله مهزوماً ومحبطاً، يبحث طوال الوقت عن الجمال والحرية، مشيراً إلى انه بصدد إعداد دراسة عن مسرحيات الكاتب الكبير في كتاب سيصدر قريباً.
الكاتب الصحفي والإذاعي منير عامر عد أبرز ما يميز طاهر هو الجدية، مشيراً إلى أن أقرب أعمال طاهر إليه هو "أنا الملك جئت" التي عبر فيها الكاتب الكبير عن حيرة البشر حين قال "أي فخر أن نعرف كل تشخيص، ولا نعرف إقامة العدل"، مؤكداً أننا نعرف ما الداء ونقف على التشخيص، لكننا نعجز عن إقامة العدل، ممتدحاً أيضا جهد الأديب الكبير حين كان يمارس وظيفة تثقيف الشعب عبر برنامجه في إذاعة البرنامج الثاني "بريد المستمعين". أشاد عامر كذلك بموقف طاهر حين رفض أن يكون بوقاً ليوسف السباعي ويؤسس مكانته الأدبية في البرنامج الثاني، ودفع ثمن ذلك بإبعاده عن الإذاعة، ليسافر بعدها إلى جنيف، ويصدر روايته "قالت ضحى" عام 1984 في "المصور"، يحكي فيها عن الحالة السياسية في مصر.
يواصل الإذاعي المصري : في مجموعته القصصية "أنا الملك جئت" يحكي عن الأرض، ونلمح في قصصه الصحراء وشخصية غربية، وشخصية عميقة الجذور المصرية، والصحراء تحديداً لها مكانة في نفسه، حتى أن الرواية الوحيدة التي ترجمها كانت "ساحر الصحراء" لباولو كويلو، قائلاً: سافر بهاء إلى سويسرا وعاد دون أن يفقد نقاءه أو يسلبه الغرب أيا من قيمه.
من جانبها وصفت الكاتبة هويدا صالح بهاء طاهر بأنه مثقف مهموم بوطنه، وتحدثت عن روايته "الحب في المنفى" التي تعرض لجدلية العلاقة بين الشرق والغرب والتي تناولها طاهر بشكل مختلف، فالعربي في الرواية لم يشعر بالدونية تجاه الغرب، وانحاز الكاتب في الرواية للقيمة الإنسانية ولم يقدم لنا الغرب باعتباره قبيحاً، فرغم أن الغرب إمبريالي واستعماري، إلا أن البطلة "بريجيت" تتمتع بقدر من الإنسانية والرغبة في مساندة القضية الفلسطينية.
ويظهر في الرواية كما تشرح الناقدة مثقف ينتمي إلى العصر الناصري حينما انتهت فترة عبد الناصر بخيباتها وإخفاقاتها وانجازاتها، حاول كهنة العصر الساداتي أن يقصوا كل صوت ينحاز عاطفيا وفكريا إلى العصر الناصري، لم يجد لبطل إلا أن يغادر البلاد ويذهب إلى أوروبا وهناك يستدعي الوطن بكل مشاكله، ليس مصر وحدها بل العرب وصراعاتهم مع الغرب.
الرواية محكمة فنياً، قدم طاهر من خلالها كما تقول صالح قدر كبير من التجريب، فبعد هذا المشوار الإبداعي الطويل إلا أنه يحاول تجديد نفسه في موقع الرواة في الرواية، حيث استخدم السرد بضمير الأنا مرة وبضمير الراوي العليم مرة أخرى، ومرة بضمير المخاطب وهذا يعطي حيوية يحققها هذا التنوع في استخدام الرواة.
استخدم كذلك إحالات لحقول معرفية أخرى كالشعر والموسيقى، ونوّع في اللغة بين السردية والوصفية، فجاءت اللغة شعرية تتوازي مع شعرية العالم والرؤية.
الناقد الدكتور حسين حمودة تحدث عن الكاتب الإنسان بهاء طاهر، الذي لم يعرف مسافة بين ممارساته الاجتماعية ومواقفه السياسية وإبداعه، مشيراً إلى سؤال أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ الدائم عن إبداعات بهاء طاهر، قائلاً: "هو بهاء نشر حاجة جديدة؟". تحتفي كتابات بهاء طاهر بضعف الإنسان وتساؤلاته واعتراضاته – يواصل حمودة - كاشفة عن معاناته ووطأة واقعه، في هذه الكتابة نجد ملامح بهاء طاهر الذي علمنا كيف نقترب أكثر من أنفسنا وأن نكونها، ثم أهدته الجمعية ميداليتها في تكريم له.
يواصل: سعدت في مرافقة بهاء طاهر في رحلتين خارج مصر هما المغرب والأردن، في الرحلتين وضعني الكاتب الكبير في مواجهة نفسي وموقع المحاسب لها بسلوكه الراقي، الذي كان يترفع عن الصغائر أو مجاراتنا في اللهو والمرح.
مشيراً إلى أن كتابة بهاء طاهر محملة بقدر كبير من القيم، وأغلب شخصياته المحورية في قصصه، ورواياته بعد تأملها لتجاربها وتجارب الآخرين، وخلال الصور التي ترى بها أنفسها ويراها به الآخرون، تكشف عما اختارت وعما انتهت إليه وآلت، وعما توقفت عنده ولم تبلغه أبدا، وكأن هذه الصيغة في عمقها ودلالتها غير المعلنة، وفي لبها المبتغي وجه العدالة والحقيقة بمثابة درس آخر تصل إليها هذه الشخصيات في نقاط متأخرة من مسارات مختلفة، بما يجعل كتابات بهاء طاهر يقدم لنا ما يشبه الخلاصات عن حيوات بأكملها، وتهبنا على أعمارنا أعمار كاملة.