فى تأبين الشيخ " أحمد التونى " سلطان المنشدين و شيخ المداحين ، و ساقى الأرواح ، رغم غياب الجسد عنا ، و لكن كانت روحه ترفرف حولنا ، و كأننا نسمع بحة صوته و هو يردد أشعار ابن الخياط و هو ممسك بيديه كعادته " المسبحة و الكوب الزجاجى " ، قائلا : " كل القلوب إلى الحبيب تميل .. ومعي بهذا شاهد ودليل ..أما الدليل إذا ذكرت محمداً .. فترى دموع العاشقين تسيل " . بصوته الفطرى و تلقائيته و ملامحه شديدة المصرية ببشرته السمراء و جلبابه الصعيدى الفضفاض و عمامته و جسده النحيل ،و المسبحة التى لا تفارق يده ، و إيقاعه الخاص الذى اشتهر به " المسبحة و الكوب الزجاجى " ، استحق عن جدارة لقب " أمير الإنشاد الدينى " و " بلبل الصعيد " . و فى جمع لمريدي الشيخ ، و رموز الإنشاد الدينى فى مصر ، أقيم مساء أمس تأبين شيخ المنشدين " أحمد التونى " بمسرح البالون ، برعاية نقابة الإنشاد الديني و الاتحاد النوعي للتراث الشعبي والمركز القومي للمسرح والفنون ، وتم تكريم الشيخ محمود التوني نجل الراحل خلال الحفل. و قال " ناصر عبد المنعم " رئيس المركز القومى للمسرح و الموسيقى و الفنون الشعبية فى كلمة الافتتاح : برغم تعدد ألقابه و لكن الاسم واحد " أحمد التونى " الذى خرج من قرية الحواتكة مركز منفلوط بأسيوط ، حاملا الغناء الصوفى إلى العالم كله ، مؤكدا أن عالم التصوف يتسع للجميع باختلاف عقائدهم و دياناتهم و ألوانهم . و يروى على لسان الشيخ التونى ، لحظة قدوم الشيخ لمقام السيدة زينب " أم العواجز " مبتغيا الإنشاد فى حضرتها ، و لكن خرج عليه مسئول و قال له : " يا ولد انت مين يا ولد ؟!! " ، فدخل التونى إلى المقام و لم يستطع أن يمنع دموعه ، و فى تلك اللحظة جاء إليه رجل من منفلوط ووضع عليه عباءة و قال له "لقد استجيبت دعوتك فقم " ، فقام حينها متهللا و أنشد رائعته " خضر العمايم و أنا نايم ندهونى " . ستون عاما و الشيخ الجليل يحمل ترانيمه التى تفيض بالعشق الإلهى و محبة الرسول محمد ، أنشد خلالها أشعار كبار المتصوفة مثل : بن الفارض و الحلاج و أبو العزايم و غيرهم ، و قدم تراث الإنشاد الدينى كما ورد على ألسنة الرفاعى و الدسوقى و الجيلانى و الجندى و غيرهم من العارفين بالله ، ليصبح نجما للموالد الشعبية المصرية كلها ، و بشكل خاص المولد الأقرب إلى قلبه " مولد سيدى البدوى " . و تابع ناصر أن الشيخ غزا قلوب العاشقين ،بالإنشاد من القلب ، معتمدا على فطرته و الارتجال ، ليحل نجما على مهرجانات الموسيقى الروحية العالمية ، فكان سفيرا فوق العادة يحمل رسالة التواصل و التلاقى و التعارف بين الحضارات ، و كان يقول : " الموسيقى تجلب الجمهور ، و تقرب المعنى و تطرب النفس ، و ترقرق المشاعر " . " صلى الله على محمد " كانت الأنشودة التى أهداها الشيخ الكبير عبد الرحيم دويدار على روح التونى ، و رددها الحاضرون معه متأثرين ، كما ردد أنشودة أخرى فى وداع التونى قائلا : " يارب أنا فى الطريق إليك .. يا مؤنسى هون رحلتى ..أنا الروح الغريبة " . و قال دويدار عن التونى أنه روح تنشد بكل جوارحها قبل كل شئ ، و مما لا يعرفه الكثيرون أن الشيخ كان يحبب أن يدندن أغانى أم كلثوم ، و انفرد بغنائه للمتصوفين الكبار ، و تبعه المنشدين فى ذلك ، و تربى على يديه الكثير من المنشدين . و فى كلمة نقيب المنشدين " محمود التهامى " قال أن التونى أفنى حياته منشدا ، و يحسبه عند ربه منشدا و مادحا للرسول ، و إن حجبه ملك الموت عن التواجد معنا اليوم و لكنه لم يحجبه عن الإنشاد ، فمن مات على شئ بعث عليه ، متابعا أن الشيخ أحمد التونى كان مدرسة فى الإنشاد الدينى ، استطاع بفطرته نشر التراث و الحفاظ عليه . قرأ التهامى الفاتحة على روح شيخ المنشدين قبل أن ينشد على روحه باقة من أروع الأناشيد ، و من أناشيده " أسوتى و ملاذى " : يا سيدي و حبيبي يا خاتم الأنبياء .. يا عطر كل الوجود .. ويا صفاء الصفاء .. بعثت نورا وحبا .. بالسمحة الغراء يا محمد .. الله الله يا رسول الله .. يا حبيب الله .. يا نبي الله يا محمد " . " من أنجب لم يمت " هذا ما شعر به الحاضرون عندما اعتلى الشيخ محمود أحمد التونى خشبة المسرح و فى يده السبحة و الكوب الزجاجى ، يرتل مع الفرقة الموسيقية التى أسسها والده أنشودة " يا خضر العمائم " : خضر العمائم و أنا نايم ندهونى .. و أهل الكرم فى الحرم ناديتهم جونى .. قالوا نعدك معانا قلت عدونى .. أشرط عليكم فى بحر الخوف تعدونى .. لما لقيونى موافى الشرط ثبتونى .. فرطوا البوارق و حلفوا لم يفوتونى ". الجدير بالذكر أن شيخ المنشدين رحل عن عالمنا فى ال 17 من مارس 2014 ، ليودع عالمنا بعد 80 عاما من العطاء ، قضى معظمهم فى مديح الرسول ، حيث احترف الإنشاد و المديح منذ صغره بقرية الحواتكة فى أسيوط ، التى انطلق منها صوت يصدح فى مختلف أرجاء مصر و العالم ، متغنيا بقصائد أقطاب الصوفية . في يوليو 2011 ظهر التوني على أحد منصات ميدان التحريرمع فرقته وأدى العديد من القصائد الشهيرة التي تفاعل معها آلاف الشباب الذين تجمعوا في الميدان للاستماع إليه . ونظم التونى العديد من حفلات الإنشاد الديني في الوطن العربي، وفي مختلف دول العالم، مثل سوريا، باريس، والولايات المتحدة، والبرازيل، والأرجنتين، ودول شمالي أفريقيا ، ناشرا رسالة الإسلام السمح و التصوف حول العالم .