الأدباء العرب يبحثون عن مدينتهم الضائعة جانب من المؤتمر محيط – شيرين صبحي اختتمت مؤخرا احتفالية "القدس عاصمة الثقافة العربية 2009" التي نظمها إتحاد كتاب مصر بالتعاون مع منظمة القدس الدولية، وشارك فيها عدد كبير من أبرز الباحثين والأدباء العرب. وجاء في كلمة الوفود الزائرة التي قدمها البحريني د. علوي الهاشمي "نقول للعالم والمعتدي الغاصب أن القدس ليست وحيدة في مهب الريح، وحين نرفع اسم القدس عاليا فإننا نؤمن أنها رمز للإباء العربي، فلا عجب أن نراها وردة الله على الأرض التي إن لم تسقى بالدماء الطاهرة، فإن ميزان الحق والخير يميل في الاتجاه المعاكس ليصبح عاليها سافلها". بينما وجه المجتمعون في ختام المؤتمر نداء إلى مثقفي العالم يخاطبون ضميرهم الإنساني للفت النظر إلى ما يحدث بالقدس من إجراءات إسرائيلية لطمس معالمها الأثرية والتاريخية لصالح أغراض سياسية وعنصرية لا يقبلها الضمير الإنساني. وشدد المثقفون على أن هذه المحاولات المقصودة والمدبرة التي تجرى لتغيير هوية القدس تعتبر انتهاكا وتدميرا للتراث الإنساني عن طريق تغيير المعالم الجغرافية وهدم البيوت القديمة والأثرية، وإرغام الفلسطينيين الأصليين على مغادرة أماكنهم بالقتل والاعتقال والتشريد، والذي يعتبر تطهيرا عرقيا وعنصرية في أبشع أنواعها. ودعا الكتاب العرب مثقفي العالم إلى المحافظة على بقاء القدس بما تحويه من آثار ومعالم ومباني تاريخية، باعتبار ذلك مهمة إنسانية ومسئولية ثقافية لابد أن يلتزمون بها عن طريق منظمة اليونسكو المعنية بالشأن الثقافي والإنساني، إضافة إلى ضرورة المحافظة على المعنى الذي يدل عليه اسم مدينة القدس وهو "مدينة السلام"، والذي تحاول السلطات الإسرائيلية المحتلة تحويلها إلى مدينة للحرب. غريبة وبعيدة وكانت الاحتفالية التي استمرت على مدى ثلاثة أيام قد ناقشت العديد من الأبحاث المقدمة، حيث تناول الدكتور عمر قدور رئيس إتحاد كتاب السودان "القدس في أدبنا المعاصر" موضحا أن القدس ظلت ملهمة لأهل الأدب والفكر والفن عبر التاريخ، والمطلع على أساطير القدامى يجد المكانة العالية لهذه المدينة بحيث تكتمل صورتها الخالدة، وأورد مقطعا للشاعر الفتيوري يقول فيه: ليبق كل بطل في مكانه ولتصعق الخيانة ولتخرس الرجعية الجبانة فالشعب سوف يغسل الإهانة المتوكل طه "مقاومة المكان المقدس.. آليات التطبيع ونقيضه" عنوان الورقة البحثية التي قدمها د. المتوكل طه رئيس إتحاد كتاب فلسطين، أكد فيها على تمزق واختراق ومحي وتهويد المدينة المقدسة التي استطاع المحتل أن يسورها بعدد من الأسوار التي لم تشهدها مدينة في التاريخ. وأشار إلى أن القدس تشهد اليوم أقوى وأعمق هجمة استيطانية إحلالية في تاريخها الحديث، حيث يقوم المحتل بإفراغ أحياء كاملة من مواطنيها الأصليين، حتى أصبحت مدينة القدس غريبة وبعيدة، بينما تحولت بوابات المسجد الأقصى إلى نقاط تفتيش ومراكز اعتقال. وعلق المتوكل أنه من الفانتازيا أن العرب يحتفلون بثقافتهم في مدينة محتلة لا يمتلكون الوصول إليها! وأن الأجدر العمل من أجل استعادتها أولا أو على الأقل وضع سياسة اعتراضية تمنع محتلها من طرد مواطنيها. العرب و الأدب العبري الباحث المصري السيد نجم أكد أن الأدب العبري يتم توظيفه بحيث باتت الصهيونية الأدبية هي الوجه الأحدث للصهيونية السياسية ؛ ففي العشرينات كانت النظرة تجاه العرب أنه "ذلك البدوي المتوحش القاسي الذي يتاجر في العبيد، ومع بداية السبعينات تحول إلى بدوي ثري عربيد نهم للنساء، لتصل الصورة في التسعينات إلى الإرهابي الأصولي المتعصب الذي لا يصلي قبل أن يقدم على قتل الأبرياء وتفجيرهم. فهو شخص همجي أشعث الرأس يتحدث بلكنة ثقيلة يشتهي أن يملك أموال العالم، يشبه الخنزير في كيفية ابتلاعه للطعام، ويقتل الأطفال بلا رحمة". وأوضح أن الأدب العبري يزكي فكرة الهيمنة والإيهام بالتفوق وتزكية استخدام العنف والقتل، مذكرا بما قاله مفكريهم من أن العرب (الفلسطينيين) شعب زائد عن حاجة البشرية لذا يجب إلغاؤه فلا وجود له في وطنه. وقد تجلى تهويد القدس ثقافيا، بحسب نجم، في فرض سلطات الاحتلال رقابة صارمة على طباعة الكتب العربية ونشرها في القدس، وإغلاق العديد من المؤسسات الثقافية بها، والاستيلاء على وثائق وأوراق ومستندات وسجلات المحكمة الشرعية بالقدس التي تحتوي على وثائق هامة تخص حياة المسلمين في القدس منذ عام 1517م، وإتباع سياسة الاعتقال والإبعاد وفرض الإقامة الجبرية ومنع السفر بحق العشرات من الكتاب والباحثين والمثقفين من أبناء القدس وخاصة الذين نشطوا في الدفاع عن عروبتها. جبهة مقاومة ثقافية د. أسعد السحمراني أمين الشؤون الخارجية بإتحاد الكتاب اللبنانيين رأى أن استعادة الأرض وضمان حق العودة لكل فلسطيني ورفع العدوان عن المقدسات لا يكون بالاستجداء، ولا يتم مع الضعف والاستسلام، وإنما الأساس هو أن "الحق بغير قوة ضائع"، وأن المقاومة هي السبيل الوحيد للتحرير والتي يجب أن تكون في كافة الميادين العسكرية والسياسية والاقتصادية والفكرية والإعلامية والأدبية والفنية والدبلوماسية. وأشار إلى دور الأدب الأساسي في تأصيل ثقافة المقاومة، داعيا لجهود مفكري الأمة ومبدعيها ضمن "جبهة مقاومة ثقافية" تقترن بجبهة المقاومة العسكرية وجبهة المقاومة الاقتصادية، والتي اقترحها منذ عامين نائب رئيس إتحاد الكتاب اللبنانيين الشاعر طارق آل نصر الدين. بينما أكد الكاتب الأردني نواف الزرو على تصاعد دور الحاخامات والمرجعيات الدينية للمستوطنين في الهجوم على الأقصى والقدس، ووقوفهم بقوة ضد أية خطوة يمكن أن تقود للتراجع عن عمليات العدوان والسلب بحق الأراضي الفلسطينية، والذي حذرت منه الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس. وأشار الزرو إلى تصريحات الحاخام المتطرف يونا متسغر التي قال فيها " إن على العرب الذين يصلون في المسجد الأقصى أن يعترفوا بأن مدينة القدس تعود لليهود وحدهم"، وقوله أن المسلمين يمتلكون مكةوالمدينة وليسوا بحاجة إلى مكان مقدس ثالث!، وكذلك اقتراحه بإقامة دولة فلسطينية في صحراء سيناء ونقل سكان غزة إليها. القدس مشاعر المنفى والتشرد الباحث أحمد رفيق عوض تناول القدس في الرواية الفلسطينية، موضحا فيها أن الروائي العربي قد وقف على مسافة كبيرة من مدينته لينقدها أو ليدينها أو يرفضها، بينما الروائي الفلسطيني لم ينكر أو يرفض ولم يدن مدينته، لأنه ببساطة لا يملكها ولا يستطيع أن يصلها، ولذلك فالروائي الفلسطيني الذي فقد مدينته كتب عن حنينه إليها ورسمها من جديد وأصلح تشوهاتها وربما تخيلها كما لم تكن أبدا. وأضاف أنه يمكن القول أن الروائي الفلسطيني تأخر كثيرا في مقاربة مدينته وخاصة القدس، ذلك أن الاشتباك اليومي مع المحتل منذ عشرينيات القرن الماضي استدعى وسائل أخرى للتعبير، وبعد وقوع النكبة عام 1948 سيطرت مشاعر المنفى والتشرد والحالة المتردية والذهول في غياب نص روائي يحكي قصة المدينة الضائعة. من الروايات المبكرة التي تناولت القدس، رواية أمين شنار "الكابوس" عام 1968التي رأى فيها فلسطين كالقرية أما القدس فهي البيت الكبير الذي يسعى الغرباء إلى احتلاله وفي عام 1969 كتب الفلسطيني نبيل خوري ثلاثيته "حارة النصارى" لتحكي قصة سقوط القدس. أكفان السلام د. حسين جمعة رئيس إتحاد أدباء سوريا تحدث عن مصير القدس في ظل مشروع التهويد، موضحا أن الكيان الصهيوني يصر على مزيد من عمليات الاستيطان ليحصل على مزيد من التنازلات في التطبيع أولا، وانتزاع مزيد من حقوق الشعب الفلسطيني ثانيا، وقتل روح ثقافة المقاومة في نفسه ثالثا؛ ما يعني تقزيم القضية الفلسطينية برمتها ليصبح الخلاف على الاستيطان وليس على الاحتلال الصهيوني برمته. وانتقد جمعة العبث السياسي الذي يمارسه النظام العربي الرسمي الذي تمترس خلف مبادرة السلام وخلف بوابة التسوية مترقبا إذن الإدارة الأمريكية بالإطلال عليها، معلقا بأننا "محمولون على ثقافة الوهم ومصممون على رفع غصن الزيتون، ومصرون على أن نبقى مسجيين في أكفان يقال لها أكفان عملية السلام، على حين تسبح فلسطينوالقدس بكل أنماط التغيير المنهجي المدروس الذي يشوه ملامحها العربية والإسلامية". ويتفق معه الباحث الفلسطيني حمزة برقاوي مؤكدا أن كل حديث عن القدس خارج المقاومة ناقص، مشيرا إلى المشاريع الاستيطانية التي تهدف إلى تحقيق تواصل جغرافي بينها يعزل المناطق العربية ويفصلها عن بعضها، بينما تبدو كحزام يطوق المدينة. بالإضافة إلى الاستيطان يأتي أسلوب التهجير والذي يتم عن طريق استخدام أكثر من إجراء مثل ممارسة الإرهاب في منطقة ما بهدف ترويع السكان، أو الهدم والإنذار بالهدم، ومصادرة الأبنية، وغيرها من الطرق. الشعب الفلسطيني في أحضان الأقصى رحلة الموت الفلسطيني رحلة الموت الفلسطيني دراسة قدمها الناقد د. شريف الجيار أوضح فيها أن الذات الفلسطينية لم تشعر بالاستقرار منذ عام 1948 وحتى هذه اللحظة نتيجة للاحتلال الذي شتت المواطن الفلسطيني ما بين الأرض المحتلة وبين المخيمات، فضلا عن الشتات في بقاع الأرض بعيدا عن وطنه وذكرياته وأهله؛ فالذات الفلسطينية تعيش دائما في حالة موات على الصعيدين النفسي والجسدي، وهي دائما تبحث عن الفردوس المفقود، وهو ما يتجلى في رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني. وأوضح أن الأزمة والفقر والذل لم يقتصران على جيل فلسطيني دون آخر، بل أن هذا الموت النفسي والجسدي قد طال الأجيال المتعاقبة، لاسيما الذين يعيشون في المخيمات. أما الباحث أحمد عبد الرازق أبو العلا فقد تناول "المسرح والقضية الفلسطينية"، مؤكدا أن المسرح العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص قد استطاع أن يعبر عن كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وبالرغم من أن مصر هي الدولة الوحيدة التي أبرمت اتفاقية للسلام مع الكيان الصهيوني 1978 إلا أن كتابها بشكل عام وكتاب المسرح خاصة لم يكتبوا كلمة واحدة تعزز من تلك الاتفاقية المبرمة، بل قاوموها بشكل لافت، وأصبحت قضية مقاومة التطبيع هي قضية كل المثقفين المصريين. وسلط أبو العلا الضوء على مفهوم الثورة في ثلاث مسرحيات للشاعر الفلسطيني معين بسيسو، وهي "مأساة جيفارا"، "ثورة الزنج"، و"شموشون ودليلة". بين الدين والسياسة تناول تاريخ القدس تحت الإدارة العثمانية والبريطانية والصهيونية د. عاصم الدسوقي ، الذي أوضح انه قبل صدور كتاب هرتزل "دولة اليهود"، كانت هناك بعض العناصر اليهودية تخطط بشكل دقيق للاستيطان في فلسطين عامة والسيطرة على القدس تدريجيا، ومنهم موسى مونتفيوري الذي وضع في عام 1859 حجر الأساس لأول حي يهودي في القدس. وأشار الدسوقي إلى أن الأمر لم يقتصر على إقامة الأحياء والضواحي بل عمد اليهود إلى القيام بجهود إعلامية ودينية إلى جانب الجهود السياسية التي واكبت قدوم هرتزل إلى فلسطينوالقدس لبعث الروح الصهيونية وتحسين فكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. أما د. محمد أبو غدير فتناول القدس بين الدين والسياسة في إسرائيل، وأوضح أنه إذا كانت هناك خلافات في الرأي بين المتدينين حول مدى قداسة "الحرم القدسي" والتي وصلت إلى حد الفتوى بقتل كل يهودي ينتهك الحظر المفروض على زيارة المنطقة والصلاة فيها، فإن الغالبية العلمانية منقسمة أيضا على نفسها في هذا الشأن، فجزء كبير منهم لا يعبئون بأي قداسة للمكان بل يركزون فقط على الجانب الرمزي في الاحتفاظ بمنطقة الحرم القدسي. وأورد قول المؤرخ الإسرائيلي اساف عنبري "نحن لا نريد الهيكل بل نريد الصراع المستمر حوله".
اقرأ أيضا الكتاب العرب من قلعة صلاح الدين : القدس تحتاج للأفعال