اختتمت الخميس الماضى فاعليات احتفالية «القدس وثقافة المقاومة» التى أقامها اتحاد كتاب مصر خلال مؤتمره السنوى، بالتعاون مع مؤسسة القدس الدولية، وبحضور اتحادات كتاب العرب، بمناسبة الاحتفاء بالقدس كعاصمة الثقافة العربية لهذا العام. المؤتمر شهد أكثر من مناسبة مهمة، مثل تسليم جائزة نجيب محفوظ لوزير الثقافة المغربى الروائى الكبير بن سالم حميش، وهى المرة الثانية التى يفوز فيها حميش بجائزة تحمل اسم نجيب محفوظ، وكانت المرة الأولى من الجامعة الأمريكية، كما سلمت جائزة رجاء النقاش للدكتور محمد عبدالمطلب، وهى جائزة مخصصة للنقد الأدبى ينظمها الاتحاد بالتعاون مع دار الشروق. ولكن أهم ما جاء به المؤتمر، هو العنوان الذى حملته الاحتفالية «القدس وثقافة المقاومة»، فهو عنوان يطرح عدة محاور للنقاش، أولها أهمية أن تقام احتفالية تحمل هذا المعنى بمصر وفى هذا التوقيت، الذى تنتشر فيه فكرة ميوعة موقف النظام العربى «الرسمى» من القضية الفلسطينية. ثانيا التعريف بمعنى كلمة «ثقافة المقاومة»، وكيفية نشرها، وهو ما جاء فى أربعة عشر بحثا قدمها الكتاب المشاركون، حملت عناوين مبلورة للمشكلات التى تمر بها القضية الفلسطينية، مثل «سياسات تهويد القدس»، «رحلة الموت الفلسطينى»، «مصير القدس فى ظل مشروع التهويد»، وغيرها من العناوين المهمة، بجانب التعريف بدور المثقفين فى معنى ثقافة المقاومة. والذى وضحه الكاتب محمد سلماوى رئيس اتحاد الكتاب فى حديثه ل«الشروق»، قائلا: إن أهميته ترجع إلى الإيمان بدور المثقف فى نشر الوعى بثقافة المقاومة والذى لا سبيل لنجاحها بدون إدراكه، حيث إن المعرفة بإمكانات الآخر، وبخلفيات الأحداث، تساعد على استمرار المقاومة، وعلى حمل السلاح، لأن عدم المعرفة بدوافع وأبعاد القضية من المؤكد أنه سيؤثر بالسلب على روح المقاومة، وأردف «أردنا أن نؤكد على الدور الكبير الذى تلعبه الحركة الثقافية فى دفع المقاومة للأمام، والتأكيد عليه، والتذكير به». وبينما أعرب سلماوى عن سعادته بالنجاح الذى لاقاه المؤتمر، أبدى الدكتور حمدى المرسى مدير مؤسسة القدس الدولية بالقاهرة استياءه من تنظيم الاحتفالية، حيث يرى أنه كان من المفترض التعامل معها بشكل أوسع إعلاميا، وأن يدعى لها أكبر عدد ممكن من الأشخاص المعنيين بالقضية، وعدم النظر إليها على أنها مجرد فعالية ثقافية. وقال إن اتحاد الكتاب حاول أن يكون فى الصورة بشكل أكبر من المؤسسة، ولكننا أدبيا تعاوننا مع هذا ولم نعارضه، وأضاف «لو كانت المنظمة أقامت الاحتفالية بمفردها، لكان الأمر اختلف كثيرا، وأخذ شكلا أوسع من هذا التنظيم «ولكن رغم هذا يرى المرسى أن الاتحاد كان على قدر كبير من الجرأة عندما قرر أن يشارك فى احتفالية كهذه تعلى من شأن ثقافة المقاومة. وكان سلماوى قد أرجع فى حديثه ل«الشروق» غياب المثقفين المصريين عن المؤتمر بأن المتخصصين فى المحاور التى يتم تناولها هم الذين يهتمون بحضور الجلسات، مما ينعكس بالإيجاب على المناقشات، على عكس يوم الافتتاح الذى شهد حضور حشد كبير من المثقفين المصريين، بجانب نخبة من الشخصيات العامة، مثل الدكتور مفيد شهاب، والدكتور أحمد ماهر وزير الخارجية السابق، والدكتور حمدى السيد نقيب الأطباء. من الكتاب المصريين الذين اهتموا بحضور فاعليات المؤتمر، القاص سعيد الكفراوى، والذى أكد أهمية المعنى الذى حمله عنوان الاحتفالية، ويرى أن هذا الحدث أسهم فى إحياء الذاكرة العربية تجاه القدس والقضية الفلسطينية، والتى رغم وجودها طوال الوقت فى الوعى العام، لكنها تحتاج إلى تذكير دائم، ولم يندهش الكفراوى من إقامة مثل هذه الاحتفالية فى مصر « لأنه برغم العلاقات السياسية والدبلوماسية بين مصر وإسرائيل. فإن مصر هى البلد العربى الوحيد الذى لم تستطع إسرائيل اختراق ثقافته، أو قناعته بعدم السعى للتطبيع إلا بعد التحرير، ولهذا ليس من الغريب أن يقف المثقفون العرب على أرض مصر، ليساندوا القضية الفلسطينية. وأصر الكفراوى على أنه ليس من اللائق أن تتم المزايدة على الدور المصرى فى تعامله مع القضية الفلسطينية. فى نهاية المؤتمر أوصى المشاركون من الكتاب والشعراء بعدة توصيات منها، ضرورة إيقاف جميع أعمال الاستيطان والتهويد فى القدس خاصة وفى فلسطين بشكل عام، والحفاظ على الطابع العربى لجميع الأراضى العربية المحتلة، وتوحيد الجهود العربية لنشر الوعى بما يحدث الآن فى القدس، عبر الكتابة ووسائل الإعلام، ونشر فكرة أن القدس مدينة عربية تحت الاحتلال، وأن كل ما يجرى بها من انتهاكات مخالف للقانون الدولى ولقرارات المنظمات الدولية فى هذا الشأن. كما اقترح المشاركون إنشاء ببليوجرافيا لمدينة القدس، يتبناها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بالمشاركة مع مؤسسة القدس الدولية والحملة الأهلية للقدس واتحاد الإعلاميين والمحامين والمعلمين والأطباء والفنانين وكل النقابات والمؤسسات الأهلية العربية، كما أكدوا ضرورة إحياء ثقافة المقاومة باعتبارها قاعدة الانطلاق لجميع الجهود الرامية لتخليص القدس مما تتعرض له من عدوان غاشم على المستويات العسكرية والسياسية والثقافية. كما وجه الكتاب العرب نداء إلى كل مثقفى العالم، يلفتون فيه الأنظار لما يحدث فى القدس زهرة المدائن من إجراءات إسرائيلية لطمس معالمها الأثرية والتاريخية لصالح أغراض سياسية وعنصرية لا يقبلها الضمير الإنسانى. وقالوا فى البيان «إن هذه المحاولات المقصودة والمدبرة لتغيير هوية المدينة ذات الخصوصية العالمية يعتبر انتهاكا وتدميرا للتراث الإنسانى، وإهدارا للحقوق الطبيعية، إذ إن ما يحدث من عمليات تغيير للمعالم الجغرافية، وهدم للبيوت القديمة والأثرية وإحلالها بمبان ومستوطنين ليسوا من سكانها المقيمين، فضلا عن إرغام الفلسطينيين الأصليين على النزوح بالقتل والاعتقال والتشريد، ينم عن نزعة عنصرية إسرائيلية مرفوضة من قبل الضمير الإنسانى، وإن تغليب عنصر سكانى على آخر يعتبر فى حد ذاته أبشع أنواع العنصرية، بل يعتبر تطهيرا عرقيا مرفوضا». وأكدوا أن المحافظة على بقاء القدس وما تحويه من آثار ومعالم ومبان تاريخية وأثرية تعتبر مهمة إنسانية ومسئولية ثقافية تقع على عاتق مثقفى العالم عن طريق منظمة اليونسكو، باعتبارها المعنية بالشأن الثقافى والإنسانى. كما أشار البيان إلى نقطة غاية فى الأهمية حول الفكر الذى ينشره اليهود فى الخارج حول ما تعرضوا له من مشكلات قديمة «إن المثقفين فى العالم يدركون أننا فى هذه المنطقة العربية لم يكن لنا ذنب فيما حدث لليهود فى أوروبا حتى يحدث لنا ما لم يكن لنا فيه ذنب أو جريرة من جراء آلة الحرب الإسرائيلية، ومع ذلك فقد تحملت المنطقة الكثير من الأهوال والحروب والدمار من أجل قضية لا دخل لنا بها، لذلك فإننا كمثقفين عرب، نعيش فى هذه المنطقة. وندرك خطورة ما يحدث لهذه المدينة المقدسة التى يقدسها العالم كله كتراث عالمى بعيدا عن الدعاوى الدينية أو السياسية، نهيب بمثقفى العالم وفى مقدمتهم المثقفون الأوروبيون والأمريكان أن يتفهموا ضرورة الوقوف بجانبنا من أجل إنقاذ مدينة القدس مما يحدث من طمس لهويتها العربية». واقترح المشاركون تكوين لجنة علمية تشرف على القدس وتحقق فيما تم فيها من تغيير للمعالم والآثار، وأن تلزم إسرائيل باعتبارها دولة احتلال بقوانين وقرارات الأممالمتحدة سنة 1947، والتى تقضى بأن تكون مدينة القدس منطقة مجردة من السلاح، فضلا عن أنه تم إدراج موقع القدس منذ عام 1981 فى قائمة التراث العالمى، كما تم إدراجها أيضا عام 1982 على قائمة التراث المهدد بالضياع. تعليق الصورة: المتوكل بالله طه ومحمد صبيح ومحمد سلماوى ومفيد شهاب وبنسالم حميش وبهاء طاهر ومدحت الجيار