(الكسندر سولجنتسين1918 2008) كما نعرف هو الكاتب الروسي الذي رحل قبل شهرين واهتمت برحيله صحافة العالم وأبنته قياداته السياسية. بدأ صدامه الاول مع السلطة في بلاده عندما أرسل الي أحد أصدقائه رسالة يقلل فيها من قدرات( ستالين) الحربية, حيث حكم عليه بقضاء ثماني سنوات في معسكرات الاعتقال وهو قضي هذه السنوات ثم خرج ليفضح أمام العالم كله ذلك الواقع البشع لهذه المعسكرات, الامر الذي أكسبه شهرة مدوية في العالم أجمع وحقق له جائزة نوبل. من هذه الاعمال( يوم في حياة إيفان ديلوسيفتش) و(أرخبيل الجولاج) الذي أدي صدوره الي حرمانه من جنسيته وطرده خارج بلاده عام1974 ولايعود الي روسيا إلا عام1994 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وهو حظي طوال هذه السنوات بلقب المنشق والرمز الاكبر لمعارضة بلاده في الداخل والخارج معا. والدردشة مع صديقنا الدكتور أنور ابراهيم وكيل وزارة الثقافة السابق للشئون الثقافية الخارجية حول الادب السوفيتي لاتدانيها متعة, فالرجل الذي حاز أطروحته من روسيا ليس حجة فقط في هذا المجال, ولكنه متيم عارف لدقائقه, وهو كان انتهي في الايام الماضية من ترجمة كتاب يحمل عنوان( بطرسبورج دستويفسكي) كما انتهي من ترجمة مقالتين كتبهما( سولجنتسين) نفسه. والمقالتان والكتاب لم ينشرا بعد وأنا أريد أن اتوقف معك قليلا عند واحدة من المقالتين وهي بعنوان( الحياة بدون كذب). المقالة عبارة عن دعوة إلى التطهر الايديولوجي كان فكر فيها العام1972 ثم نحاها جانبا وما أن تم اعتقاله عام1974 عقب نشر كتابه( ارخبيل جولاج) حتي تم طبعها, وهو يوجهها للنخبة المثقفة في بلاده: بعدما ماوصل بنا الامر الي الحضيض وملأ اعماقنا الفناء الروحي الشامل وأوشكت نيران الموت العضوي أن تسري فينا وتحرقنا جميعا. ونحن كسابق العهد بنا نبتسم في جبن وندمدم بألسنة معقودة ومن أجل لقمتنا اليومية المتواضعة تنازلنا عن كل المباديء عن روحنا وعن جهد أسلافنا من أجل الحفاظ علي وجودنا الهش ولم يعد لدينا عزيمة ولا شعور بالكبرياء أو حماسة في القلب الا أنه يؤمن بأن العنف الذي يجتاح الحياة سرعان ماسوف يخبو العنف يشيخ ولايتستر الا بالكذب وهنا يكمن مفتاح تحررنا: عدم المشاركة في الكذب الذي أحاط بكل شيء وماعلينا الا أن نبدي ولو قدرا من العناد فليسطر الكذب ولكن ليس عن طريقي أنا. ويستمر( سولجنتسين) في ازجاء نصائحه لهذه النخبة مخاطبا كل منهم باعتباره: لن يكتب لن يوقع لن ينشر بأي وسيلة من الوسائل عبارة واحدة يري أنها تشوه الحقيقة لن يعبر بالرسم أو النحت أو التصوير أو بإنتاج عمل تقني عن أي فكر كاذب لن يرفع يده بالموافقة علي اقتراح يعرف أنه كاذب وهو يدرك أن لذلك كله ثمنا فادحا الا أنه لايوجد أمامهم طريق آخر. هذا المشاغب الروسي أبنه الرئيس الروسي بقوله: سنتذكره شخصية شجاعة وجليلة بينما قالت زوجته( ناتاليا) إن سولجنتسين عمل طيلة أمس كعادته وفي المساء شعر أنه ليس علي مايرام وأضافت: لقد كان يأمل أن يموت في الصيف وهاهو يموت في الصيف. لقد كان يأمل أن يموت في المنزل وهاهو يموت في المنزل. لقد عاش سولجنتسين حياة صعبة ولكنها كانت سعيدة. ** منشور بصحيفة "الأهرام" المصرية 25 نوفمبر 2008