ختام فعاليات مبادرة «دوّي» بكفر الشيخ    عيار 21 الآن يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الإثنين 29 إبريل 2024 في الصاغة    مجتمع رقمي شامل.. نواب الشعب يكشفون أهمية مركز الحوسبة السحابية    ضابط أمريكي يكشف ما يخفيه زيلينسكي عن الأوكرانيين    مطار الملك خالد يصدر بيانًا بشأن حادث انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي    رئيس بعثة الزمالك في غانا عن أنباء تمارض شيكابالا: «بطلوا فتي.. شاط الهوا واتصاب»    هيثم فاروق يوجه رسالة لحمزة المثلوثي بعد التأهل لنهائي الكونفدرالية| تفاصيل    لا يوجد بهم خطورة.. خروج 9 مصابين في حادث تسرب غاز الكلور بقنا    حالة وفاة و16 مصاباً. أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين بصحراوي المنيا    إصابة 17 شخصا في حادث مروري بالمنيا    عمره 3 أعوام.. أمن قنا ينجح في تحرير طفل خطفه جاره لطلب فدية    وفاة المخرج والكاتب عصام الشماع عن عمر يناهز 69 عاما    سامي مغاوري يكشف سبب استمراره في الفن 50 عامًا    «مسلم»: إسرائيل تسودها الصراعات الداخلية.. وهناك توافق فلسطيني لحل الأزمة    نتنياهو يعيش في رعب.. هل تصدر محكمة العدل الدولية مذكرة باعتقاله؟    رابطة العالم الإسلامي تعرب عن بالغ قلقها جراء تصاعد التوتر في منطقة الفاشر شمال دارفور    أول رد رسمي من الزمالك على احتفال مصطفى شلبي المثير للجدل (فيديو)    مدحت شلبي يقدم اقتراحا لحل أزمة الشحات والشيبي    عامر حسين: إقامة قرعة كأس مصر الأسبوع القادم بنظامها المعتاد    شاهد صور زواج مصطفى شعبان وهدى الناظر تثير السوشيال ميديا    شقيقة الفلسطيني باسم خندقجي ل«الوطن»: أخي تعرض للتعذيب بعد ترشحه لجائزة البوكر    سامي مغاوري عن صلاح السعدني: «فنان موسوعي واستفدت من أفكاره»    تموين الإسكندرية: توريد نحو 5427 طن قمح إلى الصوامع والشون    التهديد الإرهابي العالمي 2024.. داعش يتراجع.. واليمين المتطرف يهدد أمريكا وأوروبا    برلمانية: افتتاح مركز البيانات والحوسبة يؤكد اهتمام الدولة بمواكبة التقدم التكنولوجي    بعد عامين من انطلاقه.. برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم    بعد طرح برومو الحلقة القادمة.. صاحبة السعادة تتصدر ترند مواقع التواصل الاجتماعي    إخلاء سبيل سائق سيارة الزفاف المتسبب في مصرع عروسين ومصور ب قنا    الأرصاد الجوية تكشف حالة الطقس اليوم الإثنين وتُحذر: ظاهرة جوية «خطيرة»    قرار عاجل من الزمالك بشأن احتفال مصطفى شلبي    ميدو: لو أنا مسؤول في الأهلي هعرض عبد المنعم لأخصائي نفسي    "بلومبرج": الولايات المتحدة تضغط من أجل هدنة في غزة وإطلاق سراح الرهائن    السفيه يواصل الهذيان :بلاش كليات تجارة وآداب وحقوق.. ومغردون : ترهات السيسي كلام مصاطب لا تصدر عن رئيس    فراس ياغى: ضغوط تمارس على الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية للوصول لهدنة في غزة    بعد حركته البذيئة.. خالد الغندور يطالب بمعاقبة مصطفى شلبي لاعب الزمالك    فيديو.. سامي مغاوري: أنا اتظلمت.. وجلينا مأخدش حقه    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    هل مشروبات الطاقة تزيد جلطات القلب والمخ؟ أستاذ مخ وأعصاب يجيب    فهم حساسية العين وخطوات الوقاية الفعّالة    العناية بصحة الرموش.. وصفات طبيعية ونصائح فعّالة لتعزيز النمو والحفاظ على جمالها    «حياة كريمة».. جامعة كفر الشيخ تكرم الفريق الطبي المشارك بالقوافل الطبية    بالصور.. الوادي الجديد تستقبل 120 طالبًا وطالبة من كلية آداب جامعة حلوان    ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر يحتفل بعيد الشعانين ورتبة الناهيرة    البابا ثيودروس الثاني يحتفل بأحد الشعانين في الإسكندرية    الاستعداد للعريس السماوي أبرز احتفالات الرهبان    هل يؤثر تراجع الطلب على الأسماك في سعر الدواجن.. مسئول بالاتحاد العام للدواجن يجيب    ندوة حول تطور أذواق المستهلكين بالمؤتمر الدولي للنشر بأبوظبي    وزير الاتصالات: 170 خدمة رقمية على بوابة مصر الرقمية    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    دعاء في جوف الليل: اللهم جُد علينا بكرمك وأنعم علينا بغفرانك    3 حالات لا يجوز فيها الإرث شرعًا.. يوضحها أمين الفتوى    مصرع شاب في انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    ضربة للمحتكرين.. ضبط 135 ألف عبوة سجائر مخبأة لرفع الأسعار    4 مليارات جنيه لاستكمال المرحلة الثانية من مبادرة حياة كريمة لعام 24/25    الاقتصاد الأمريكي يحتاج لعمال.. المهاجرون سيشكلون كل النمو السكاني بحلول 2040    طريقة تحضير بودينج الشوكولاتة    محمد أبو هاشم: حجاج كثر يقعون في هذا الخطأ أثناء المناسك    في أحد الشعانين.. أول قداس بكنيسة "البشارة" بسوهاج الجديدة |صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كرة النار الكردية تلهب لعبة الأمم
نشر في محيط يوم 23 - 10 - 2007

كرة النار الكردية تلهب لعبة الأمم
غسان الإمام
نعم للامركزية الإدارية. لا، وألف لا كبيرة للفيدرالية. فهي خطر على وحدة التراب الوطني والانسجام الاجتماعي، ومقدمة لتمزيق الدولة دويلات عرقية أو دينية ومذهبية. الفيدرالية العراقية عبرة كبيرة للعرب، لا سيما في الأزمة الراهنة مع تركيا. كشف التهديد التركي بالتوغل في شمال العراق ضعف وهزال الحكومة الفيدرالية العراقية.
فهي غائبة عن التأثير على الأحداث. كم فرقة يملك نوري المالكي ل «تخويف» تركيا وردعها؟! الحقيقة العارية تقول إن هذه الحكومة لا تملك جنديا واحدا على الحدود مع تركيا. السبب بسيط للغاية، وهو أن منطقة الحكم الذاتي الكردية لا تسمح للجيش العراقي الفيدرالي بالتمركز في المنطقة «المستقلة» عمليا عن ... العراق!
بدلا من إيفاد المسكين طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية إلى أنقرة لتبويس شوارب إردوغان وعسكر تركيا، كان الأحرى إرساله إلى برزاني وطالباني لإقناعهما بطرد، أو على الأقل، بلجم ضيوفهما من «الإخوة» أكراد تركيا الذين يستخدمون أرض العراق في عمليات عنف دموية ضد المدنيين والعسكريين الأتراك.
كتبت هنا في الأسبوعين الماضيين، ما فيه الكفاية، عن غياب الأمن السياسي والاستراتيجي العربي، وانهيار شعار «التضامن» القومي. مشكلة العراق مع تركيا أكبر شاهد ودليل على هذه الحال العربية الانقسامية أمام الخطر الخارجي: بشار من أنقرة متحمس أكثر من الأتراك لغزو أكراد العراق. ديبلوماسية أبو الغيط «متفهمة» لمشروع التوغل التركي. الخليج صامت. الأشقاء في المغرب الكبير ممتنعون عن الكلام.
حتى نجاد سَنَد النظام الشيعي في بغداد لم «يدبّ الصوت» ضد تركيا. فقد اكتشف أن إيران مربوطة إلى تركيا منذ سبعين سنة بميثاق سعد أباد ضد «العصابات المسلحة». الأطرف أن برزاني استغنى عن حكومة العراق، فطالب الأتراك بالتفاوض مباشرة مع «حكومة كردستان»!
أما طالباني فقد سبق برزاني إلى الاستغناء عن العراق كله دولة وكيانا. أيُّ هوان للعرب أن يرحب رئيس دولة عربية بمشروع تمزيق دولته إلى دويلات فيدرالية، مواكبا مسعى اللوبي الصهيوني/ المسيحي الأميركي لتمريره في أحد مجلسي الكونغرس؟ بل أي هوان لشيعة العراق أن يرافق طالباني زعيم بعمامة (عبد العزيز الحكيم) في الترحيب بمشروع التقسيم الأميركي، إرضاء لمستمعيه في إيران؟
مبدئيا، ارتكبت حكومة إردوغان خطأ دستوريا وقانونيا في انتزاع موافقة مجلس النواب التركي على انتهاك حدود وسيادة بلد مجاور. مكره أخاك لا بطل. في حذره وذكاء حرفته السياسية، أودع إردوغان كرة النار الكردية في عهدة العسكر، محملا إياهم مسؤولية النجاح أو الفشل في غزو العراق، ومطاردة فلول أوكالان الذين يبدو أنهم غادروا الجبال فارِّين إلى الجنوب الكردستاني.
أمضي في تفسير لعبة الأمم في المنطقة، متناولا الملابسات التاريخية للأقليات في تركيا، فأقول إن الوطن التركي حفرته بالأظافر شجاعةُ القبائل التركية المهاجرة بإسلامها من آسيا الوسطى منذ ألف سنة فقط. تم تأمين هذا الوطن الحديث بإسقاط الإمبراطورية البيزنطية التي أخفق العرب مرارا في القضاء عليها. فتحُ استنبول (1452) مهّد الطريق أمام الأتراك لغزو أوروبا الشرقية، وصولا إلى أبواب فيينا، فيما كان العرب بعد خمسين سنة يسلمون على ضفة المتوسط الغربية مفاتيح الأندلس للاسبان.
استكمل الأتراك استدارة وطنهم الجديد في القرون الوسطى، باحتلال ممرات المنطقة الجبلية الجنوبية الشرقية لهضبة الأناضول. كان الغرض حماية الوطن من تحرشات وحملات الدولة الفارسية. غير أن الأتراك اكتشفوا أن هذا الوطن يغص بأقليات كثيرة: أرمن وسريان وعرب ويهود وأكراد، وبمذاهب متعددة، شيعة وعلوية وأورثوذكس. تعايشوا مع المذاهب، لكن في خوفهم على الوطن، فقد كبتوا الحقوق الثقافية واللغوية لهذا المرجل الذي يغلي بالأقليات.
في العصر الحديث، خسرت تركيا إمبراطوريتها. تحرر العرب، لكن لم يعرفوا كالأتراك كيف يدافعون عن وحدتهم ووطنهم! قاتل الأتراك بقيادة مصطفى كمال بالسلاح الأبيض. طردوا المستوطنين اليونان. «أبادوا» الأرمن الذين انحازوا وتجسسوا لصالح روسيا. فتكوا بالقوة الأنجلو/ فرنسية التي نزلت بالقرب من استنبول حلما باستعادة مجد بيزنطة المسيحي. قتل في حرب غاليبولي ربع مليون تركي. وذبح ستون ألف جندي بريطاني وفرنسي وهم في خنادقهم.
تمت التسوية والمصالحة بإشراف «عصبة الأمم» في معاهدة لوزان (1923) اعترفت تركيا الكمالية بحقوق ثلاث أقليات فقط: اليهود والأرمن واليونان. لدهشتها، وجدت تركيا أن الخطر على خاصرتها الجنوبية الشرقية لا يأتي من الفرس، وإنما من سكان الجبال الأكراد. ثار الأكراد على مصطفى كمال مرتين (1926/ 1937) قمعهم بشدة. بقيت قضية الأقليات دخانا تحت الرماد.
كبرت الأقليات عددا ووعيا. ثار الأكراد مرة ثالثة (1984) بقيادة شاب يساري متحمس اسمه عبد الله أوكالان كان مرفوضا لعصبيته الكردية الشديدة في معسكر اليسار التركي. قتل في هذه الثورة المستمرة بشكل متقطع أربعون ألف تركي وكردي. شُرد أيضا مليون إنسان.
في جولة القتال الأخيرة، فر أوكالان إلى سورية. استقبل هناك بحفاوة ليس لكرديته، وإنما لكونه علويا من جنس النظام الحاكم. أصبح أوكالان مستشارا وجليسا للأسد الأب الذي فتح الحدود أيضا أمام عشرات ألوف الأكراد الأتراك الذين لا يتكلمون العربية. هؤلاء وأبناؤهم هم الذين يطالبون اليوم بالجنسية السورية والحقوق الكردية، ويوقظون الذاكرة الكردية لدى ألوف الأسر الكردية التي استعربت وتشربت الثقافة العربية منذ مئات السنين.
ضاقت تركيا ذرعا بالأسد وجليسه أوكالان. هددت بغزو سورية، كما تهدد اليوم بغزو العراق. في فن المراوغة، طرد الأسد ضيفه. سهل على الأتراك اعتقاله في كينيا (1999). في القتال منذ عام 2004، قتل المئات. الأتراك شديدو الحساسية إزاء الأقليات المتزايدة عددا. إردوغان في تخليه عن استاذه «الاخواني» نجم الدين إرباكان، مارس بعض الانفتاح المتسامح. لكن أوكالان عاد لتحريكهم من سجنه، محرضا على اقتطاع قطعة من الوطن التركي، وضمها الى كردستان العراق، كنواة لوطن كردي يستوعب مستقبلا جزءا من سورية وايران وروسيا.
في ضوء هذه الملابسات التاريخية، تبدو كرة النار الكردية المنطلقة من كردستان برزاني وطالباني شديدة التعقيد في الهاب لعبة الأمم في المنطقة. حتى اسرائيل ليست ببعيدة.
فقد شاركت في تدريب متمردي أوكالان. البيش ميرغا تستغل المدرَّبين الأكراد في عمليات سطو واغتيال ضد العرب والتركمان في الموصل وكركوك. تركيا تطمئن العرب بأن اجتياحها لشمال العراق سيكون محدودا ومؤقتا. لكن في غياب الأمن والردع العربي، فمن يضمن عدم تقدم الأتراك نحو الموصل وآبار النفط في كركوك؟ لا سيما أنهم طالبوا يوما بضمها؟
في «التشنيعات» الانفصالية السورية ضد المصريين، دعابة تقول ان ضابطا مصريا سأل زملاءه الضباط السوريين، خلال احتفال بذكرى «سلخ لواء اسكندرون»: واللواء اسكندرون ده استشهد من إمتى؟. الواقع ان «اللواء» مات وشبع موتا منذ عام 1939 عندما تنازل عنه الانتداب الفرنسي الى تركيا. أذكر اني سألت في أوائل السبعينات وزيرَ خارجيةٍ تركياً نسيت اسمه عما إذا كانت محادثاته في دمشق تناولت قضية اللواء. غضب الرجل غضبة تركية. اهتزت شوارب الرسميين السوريين. تلقيت توبيخا على «سؤال لم يكن في محله».
زار بشار منذ أيام أنقرة، لا ليسأل عن «اللواء» انما وجد الفرصة مناسبة لمشاركة الأتراك في هَمِّ معالجة كرة النار الكردية التي تدحرجت هي أيضا نحو سهول سورية الشمالية، مستغلة غيبة القبائل والعشائر العربية التي سحبت شبابها وأبناءها للعمل في دول الخليج، بل غزت كرة النار «المعارضات» السورية التي باعت العروبة في سبيل الحصول على الديمقراطية، فضيَّعت الاثنتين!
عن صحيفة الشرق الاوسط
23/10/2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.