تبدو المنطقة الحدودية بين شمال العراق وجنوب تركيا مرشحة للمزيد من التصعيد والسخونة علي نار التهديدات المتبادلة بين أنقرة والإدارة الكردية فيما يعرف بكردستان العراق مثيرة زوابع نزاع إقليمي مسلح ينتظر الالتهاب الحاد الصيف المقبل بعد أن تجاوز حالة العواصف الترابية التي تعكر صفو الربيع لفترة مؤقتة. فالتراشق الحاد بين مسعود برزاني رئيس الإدارة الكردية وأنقرة أظهر ماتخفيه الصدور وباتت المواجهة مباشرة وصريحة بعد أن اصطدمت أحلام الاستقلال الكردية بمخاوف الأمن القومي لدي تركيا. فلم يكن اشتعال الموقف عند الحدود بشكل مفاجئ مجرد رد فعل للعمليات العسكرية التركية المباغتة في شمال العراق لمطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني المحظور ورد أكراد العراق بالتهديد بتأليب أكراد تركيا علي أنقرة, سوي المبرر الميداني العملي لاعادة ضخ الدماء في مخطط تقسيم العراق وفق مفهوم الفيدرالية الذي ستثير تداعياته بالتأكيد أزمات مكتومة لدي دول الجوار الاقليمي خاصة لدي تلك التي تعاني عضال المشكلة الكردية. لقد اتخذت القيادة العسكرية التركية بالفعل قرار غزو شمال العراق وتنتظر علي أحر من الجمر قرارا سياسيا يعكس رغبة أنقرة في تأديب القيادة الكردية في شمال العراق وهو ماعكسته التصريحات النارية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان الذي أتهم برزاني بتخطي الحدود ونصح أكراد العراق بألا يتفوهوا بكلام لايستطيعون تحمل عواقبه وأن يدركوا حجمهم لأنهم قد يسحقون جراء هذا الكلام. بالتأكيد يعلم الأكراد وهم ليسوا بحاجة لمن ينصحهم أنهم يحاكون النملة التي تحدت الدب وهم بذلك يجازفون بمستقبل كيانهم في شمال العراق, لكن من ينفي أيضا أن حلم كردستان المستقلة الذي يداعب الأكراد منذ عقود طويلة هو الذي دفع برزاني للتجرؤ علي أنقرة والتهديد بالتدخل في شئونها الداخلية إذا عملت علي عرقلة تطبيق مادة يتضمنها الدستور العراقي الجديد خاصة باجراء استفتاء شعبي يحدد مصير مدينة كركوك الغنية بالنفط, وما إذا كانت ستنضم لكردستان العراق من عدمه. وإذا كان برزاني قد هدد بتحريك30 مليون كردي ضد أنقرة فإن الأخيرة عجلت بالرد عليه بارسال تعزيزات عسكرية وآليات مدرعة إلي حدودها مع شمال العراق لتنضم إلي نحو50 ألف جندي تركي يتمركزون هناك منذ3 أشهر. ويزيد المواجهة تعقيدا أنها اصطدمت بثوابت راسخة لدي الطرفين المتنازعين تتعلق بأحلام الاستقلال ومبررات الأمن القومي, فتركيا لاتعتبر تدخلها في شمال العراق تدخلا في الشئون الداخلية لدولة مجاورة لأن أنقرة ترفض مجرد مناقشة فكرة تقسيم العراق وإقامة كيان كردي مستقل في شماله لأن ذلك سيعني إيقاظ حلم الدولة لدي أكراد جنوب شرق تركيا مما سيثير طموحات بقية أكراد المنطقة لإقامة دولة كردستان المترامية التي تضم مناطق شاسعة من العراق وإيران وتركيا وسوريا, وفي حين لاترغب تركيا في أن تكون أكثر الضحايا تضررا من الدستور العراقي الجديد الذي يعمق الانقسامات المذهبية ويكرس التقسيم خاصة مع اقتراب تنفيذ قانون الفيدرالية بالعراق العام المقبل, يبدو موقف الأكراد أكثر تشددا في نظرتهم لكردستان المستقلة ومحاولة التشبث بوعود أمريكية بتحويل الحكم الذاتي الذي يتمتعون به منذ سنوات الحصار لنظام صدام حسين بعد حرب الكويت, إلي استقلال كامل يحقق طموحاتهم في دولة كردية بالشمال تشمل كركوك, والاستفادة من تغلغلهم في الحياة السياسية سواء خلال مجلس الحكم الانتقالي ثم البرلمان والحكومة المؤقتة وصولا إلي المشاركة السياسية الكاملة حاليا في النظام الحاكم ببغداد بعد أن أصبحوا ثاني قوة سياسية مؤثرة علي الساحة لتحقيق حلم الاستقلال. ومما يزيد الوضع اشتعالا وتوقع تحوله إلي مواجهة عسكرية أن برزاني بالرغم من محاولة رفيقه رمز الدولة الكردي الرئيس جلال طالباني تخفيف حدة تصريحاته ضد أنقرة يبدو عازما علي مواصلة القفز بمطالب أكراد العراق لسقفها الأعلي بتأكيد حق أبناء كردستان في الانفصال عن العراق, وهي النيات التي سبق وأن جاهر بها برزاني مسبقا في صيغة تحذير لباقي الفرقاء خلال الاحتفال بتنصيبه رئيسا لاقليم كردستان العراق حين استبق مشاورات صياغة الدستور الجديد بالقول ان عدم تضمن الدستور نصا يمنح الأكراد استقلالهم سوف ينذر بعواقب وخيمة وهو مااعتبره العرب السنة تهديدا بالانفصال وانذارا باشتعال حرب طائفية مهلكة خاصة مع تشبث الاكراد بكركوك الغنية بالثروة النفطية وتنصل برزاني من الهوية العربية والاسلامية للعراق.