رئيس جامعة أسيوط يستعرض تقريراً حول الأداء البحثي خلال 2023    كل ما تريد معرفته عن صندوق إعانات الطوارئ للعمال    ارتفاع عجز الميزان التجاري إلى 2.73 مليار دولار خلال فبراير 2024    مصدر رفيع المستوى: رئيس المخابرات العامة يجري اتصالا مع رئيس المكتب السياسي لحماس    مسؤول أممي إعادة إعمار غزة يستغرق وقتًا طويلًا حتى 2040    بيراميدز يفقد الشيبي في مواجهة فيوتشر    تصفيات كأس العالم| فيفا يحدد مواعيد مباراتي منتخب مصر أمام بوركينا فاسو و غينيا    "تعليم القاهرة" تكشف التعليمات الخاصة بامتحان الشهادة الإعدادية    لتعريض حياة المواطنين للخطر.. القبض على شخصين لاستعراضهما بدراجتين ناريتين في القاهرة    "مشنقة داخل الغرفة".. ربة منزل تنهي حياتها في 15 مايو    القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين في شم النسيم    تعطل رحلات الطيران في مطار دبي من جديد بعد هطول أمطار غزيرة    صدام جديد مع المخرج محمد رسولوف.. "بذرة التين المقدس" يثير غضب إيران    احتفالات شم النسيم 2024: نصائح لقضاء يوم ممتع ومليء بالفرح    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    مؤتمر «مجمع اللغة العربية» يوصي بإضافة منهج ل أساسيات الذكاء الاصطناعي (تفاصيل)    تفاصيل موقف غريب جمع بين محمد رشدي وبليغ حمدي في بيروت وما علاقته ب «العندليب»؟    «اللهم يسر لي كل عسير واختر لي فإني لا أحسن التدبير».. أجمل دعاء يوم الجمعة    إطلاق المرحلة الثانية من مسابقة النوابغ للقرآن الكريم في جنوب سيناء 25 يوليو    تمديد استقبال تحويلات مبادرة "سيارات المصريين بالخارج".. المهندس خالد سعد يكشف التفاصيل    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    عاجل.. هيئة الرقابة المالية تقرر مد مدة تقديم القوائم المالية حتى نهاية مايو المقبل    الأوقاف تعلن افتتاح 19 مسجدًا.. غدًا الجمعة    محافظ شمال سيناء: رفح الجديدة صممت لاستيعاب 75 ألف نسمة «من الجيل الرابع» (تفاصيل)    الداخلية تضبط 12 ألف قضية تسول في شهر    أردوغان يعلق على التظاهرات الطلابية بالجامعات الأمريكية لدعم غزة    أول رد من الكرملين على اتهام أمريكي باستخدام «أسلحة كيميائية» في أوكرانيا    وزير البترول ينعى رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشيوخ    ميقاتي يحذر من تحول لبنان لبلد عبور من سوريا إلى أوروبا    منحة السفارة اليابانية MEXT لعام 2025 لطلاب الجامعات.. تعرف على التفاصيل    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    كاف يحدد موعد مباراتي مصر أمام بوركينا فاسو وغينيا في تصفيات كأس العالم    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    صحة الإسكندرية: فحص 1540 مريضًا في قافلة "حياة كريمة" ببرج العرب    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    الإمارات: مهرجان الشارقة القرائي للطفل يطلق مدينة للروبوتات    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار جزء من طريق سريع في الصين إلى 48 شخصا    أب يذبح ابنته في أسيوط بعد تعاطيه المخدرات    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    إعلامي: الخطيب طلب من «بيبو» تغليظ عقوبة أفشة لإعادة الانضباط في الأهلي    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق: أزمة كتاب.. أم أزمة قُرّاء؟
نشر في محيط يوم 07 - 07 - 2009

أزمة الكتاب، هذه المقولة هي أكثر ما يتردد على ألسنة المثقفين خلال السنوات الأخيرة، لكن هل هناك أزمة كتاب حقا في العالم العربي تتعلق بإبداعه ونشره وتوزيعه وترجمته؟ وما أسباب هذه الأزمة ؟ أم أن الأزمة ليست في الكتاب وإنما تكمن في هذا التضاؤل المستمر في عدد القراء وتبدل أمزجتهم تجاه وسائل أخرى: الإنترنت والفضائيات والهاتف المحمول؟ «القبس» سألت مجموعة من الكتاب عن هذه الأزمة فماذا قالوا؟.
الكاتب والناقد د. سليمان الشطي يرى أن حالة الكتاب أكبر من الأزمة، فالأزمات، على حد قوله، شيء طارئ بعد رخاء، ويتبعها انفراج آخر، أما قضية الكتاب فهي داء مستحكم بُحّت الأصوات المطالبة بتنميتها يقول د. الشطي:
إن قضية الكتاب العربي يتجمع فيها عدد من القضايا، فمن حيث الإبداع، أو إنتاج وتأليف الكتب بأنواعها الثقافية المختلفة من تأليف في الإبداع والعلوم الاجتماعية والإنسانية فإن النتاج العربي متدن كمّا ونوعا، فالعناوين التي يصدرها كتاب يخاطبون ويتوجهون إلى أكثر من مائتي مليون من البشر لا يصل عددها إلى مستوى دولة أوروبية صغيرة ، عدد الناطقين بلغتها لا يصل إلى عشر الناطقين بالعربية.
وإذا تأملنا الكتب المؤلفة نجد أكثرها يفتقد الأصالة والجدة، فأكثر الكتب المؤلفة تلفيق بين نصوص تنقل من كتب قديمة على ورق أبيض حديث، وبعضها نقل من آخرين يتبادلون النقل والتلفيق، وإذا جئنا إلى الكتب المستندة على النظريات الحديثة فالمصيبة أكبر، حيث الاعتماد الكلي على النقل المباشر فأكثرها صدى غير متفاعل أو مضيف لما تم نقله، وكثير منها لا يعرف بالضبط ماذا ينقل ولذا ترى الصياغة عسرة غير محددة.
هذه هي الأكثرية الساحقة، ولكنني لا أنفي أن هناك مؤلفات، رغم قلتها، أصيلة متفردة، يكتبها أناس مخلصون، وغالباً لا تحظى بما هي أهل له؛ لأن أصحاب العلم الأصيل منصرفون إلى البحث، ومن ثم لا يجيدون إيصال إنتاجهم بطريقة تسمح بانتشاره، خاصة مع انعدام مؤسسات النشر والتوزيع العلمية والمتخصصة تخصصاً دقيقاً بعيداً عن المتطلبات التجارية المحضة .
أمة تسمع ولا تقرأ
وعلى الرغم من أن د.الشطي يؤكد وجود أزمة قراء فعلاً، فإنه في الوقت نفسه ينفي علاقة وسائل المعرفة الإلكترونية الحديثة بهذه الأزمة فيقول:
لا علاقة لهذا أبداً، فالبداية تأتي من تدني العلاقة بالكتاب وعادة القراءة والتوجه الطوعي الاختياري للمعرفة الدقيقة، والإيمان بأن القراءة والاطلاع مدخلان مهمان لها، فثمة مقولة شائعة كثير تردادها وهي أننا أمة لا تقرأ، رغم أن أول أمر في كتابنا المقدس «اقرأ»، لأننا تعودنا واستسهلنا الحصول على المعرفة بالسماع، فنوكل للآخرين البحث عن المعرفة ونقلها إلينا، نحن سمّاعون لا نقرأ ونتأمل.
قد يقال إن الأمية متفشية، وهي سبب انعدام القراءة، وهي مقولة لا تمثل إجابة مقنعة لتدني توزيع الكتب إلى حد مخجل، فالكتب عندنا لا تتجاوز نسخ طبعها ألف نسخة في الحد المعتاد والسائد، حقا إنها أزمة عادة القراءة والإحساس بالحاجة إليها، وهذا ينطبق أيضا على قلة عدد المستخدمين للوسائل الحديثة، وحتى المستخدمين لها يتجهون إلى ثقافة التلقي السلبي والثرثرة والإشاعات وليس للاطلاع والمعرفة .
خطة معرفية
وأخيرا يقدم د. الشطي اقتراحاً لكل من يعنيه أمر الكتاب العربي وأزمة القراءة فيقول:
لدي اقتراح وحيد ويحتاج إلى جهد عظيم يتمثل هذا الاقتراح في: خطة معرفية لحث وتشجيع الأجيال الحاضرة على القراءة وتسهيلها لها، ولكن الأهم هو المستقبل فلا بد من العمل على تشكيل جيل جديد يدرب على ثقافة القراءة وفنها وحرفيتها عن طريق التعليم والتربية والإعلام، ليتشكل هذا الجيل متمتعاً يتذوق ويحس بجمال ومتعة القراءة والمعرفة وصولاً إلى إدراك فائدتها العظيمة. وهذا الجيل سينقلها لمن سيأتي بعده.
الكتاب يفتقد إلى الدعم
أما د. سهام الفريح، أستاذة اللغة العربية بجامعة الكويت، فترى أن الكتاب وهو أهم الأدوات الأساسية في نشر الثقافة والمعرفة يفتقد الدعم من الدولة التي تركته وحيداً يعاني مصيره فتقول:
مهما تنوعت مصادر نشر المعرفة في عصرنا الحاضر تبقى للكتاب أهميته ومكانته اللتان لم تتأثرا باستخدام الوسائل الإعلامية والتكنولوجية المتطورة في نقل المعرفة، إذ تبقى القراءة عنصراً أساسياً في حياة الفرد، وفي تشكيل ثقافته وتكوين معارفه.
لكن الكتاب بحاجة إلى الدعم المستمر من الدولة لكى يكون في متناول الجميع، وإن قامت المؤسسات الثقافية في الدول العربية ببعض الدور في تشجيع الباحثين والكتاب عامة، لكن المبدعين الناشئين والمتخصصين يمرون بمعاناة كبيرة عند التفكير بنشر أعمالهم، أو التعريف بها، إذ تقف الأغراض التجارية دون انتشار بعض الأعمال العلمية والأدبية الجادة.
إن صناعة الكتاب تحتاج إلى الكثير من العناية والتجديد لجذب أفراد المجتمع إلى القراءة، وقد تنبه الناشرون الغربيون في الكثير من الدول المتقدمة إلى أهمية صناعة الكتاب ليصبح أكثر جذبا للقارئ العادي، منها مثلا إخراج الغلاف الذي يقع تحت إشراف فنانين متخصصين، وقد امتدت هذه العناية إلى الكتب المدرسية، وأدب الأطفال لترغيب النشء في القراءة منذ الصغر، وقد نلحظ أن عددا من الكتاب أو المبدعين في البلاد العربية تنبهوا لهذه الناحية وأخذوا يستعينون بفنانين متخصصين لتصميم أغلفة كتبهم، وعنوا أيضا بعملية إخراج الكتاب عامة.
المناخ العربي لا يساعد على القراءة
وترى د. الفريح أن المناخ، سواء السياسي أو الاجتماعي أو الأسري، في العالم العربي لا يحرض على القراءة، وبالتالي فإنها ترى أزمة القراءة شيئا بديهيا في مثل هذا المناخ فتقول:
لا تتوافر لدينا الديموقراطية للمناقشة والحوار وحرية إبداء الرأي في شتى المجالات، فحينما لا نستمع إلى آراء الشباب وأفكارهم فهذا بدوره لا يشجعهم على توسيع مداركهم وزيادة معلوماتهم وتنمية ثقافتهم إلى جانب الافتقار إلى الكتب الموجهة لفئة الشباب.
كذلك دور الأسرة والمجتمع وتقصيرهما في هذه العملية التربوية كما هناك أسباب أخرى تعود للأسرة والمجتمع المحيط بالفرد، فالبيئة المناسبة للقراءة تنبع من الوالدين وما نلاحظه هو عدم دفع الوالدين لأبنائهما الى القراءة لعدم الإيمان بأهمية الكتاب في توسيع مدارك الأبناء وانعدام القدرة في الأسرة من الوالدين والأصدقاء.
وللتاكيد على العزوف عن القراءة هو مقارنة بين نسبة الكتب التي تقرأ في بعض البلدان الغربية وبين نسبة ما يقرأ في البلدان العربية ففي ألمانيا وحدها بلغت مشتريات الكتب بها 18مليار مارك في السنة الواحدة، وفرنسا التي تجاوز حجم المطبوعات ( كتاب الجيب فيها دون غيره من المطبوعات الاخرى ) المليار كتاب واسبانيا التي ترجم بها 100ألف كتاب في سنة واحدة اي ما يساوي كل ما قام به العرب مجتمعين بالترجمة منذ عهد المأمون حتى اليوم، كما أن الأميركي يقرأ 11كتابا في العام والبريطاني يقرأ 6 كتب اما العربي فيقرأ ربع صفحة فقط في العام.
ان مؤسسات المجتمع الثقافية عليها دور فى تنمية المجتمع ثقافيا من خلال التجمعات العامة للمثقفين، وكذلك تفعيل دور المكتبات العامة في عرض الكتب الجديدة وتحمل المثقفين لدورهم في تحفيز الشباب على القراءة.
كويللو وماركيز والأسواني في الكويت
الأديب الشاب هيثم بودي لا يظن أننا نعيش أزمة للكتاب ويستدل على ذلك بحجم مبيعات كتب كويللو وماركيز والأسواني في الكويت، يقول بودي:
إن ما نعيشه هو نهاية عصر ونشأة عصر آخر، معطيات السنوات الخمسين الماضية تبدلت ولم تعد هي نفس معطيات العصر الجديد، فمكتبات الحداثيين تتعرض للإغلاق والإفلاس وتقابلها المكتبات الجديدة في فيرجن وجرير والعبيكان وغيرها في مولات التسوق الجديدة في الكويت والخليج، وما كان يقابل الكتاب الحداثيين والتجريبين الذين اغرقوا الأدب في نظريات التجريب وعزلوا الأدب عن الشارع تحت ذريعة الاختبار، يقابله اندفاع غير مسبوق للشارع الجماهيري في الكتابة والتأليف والنشر وخوض غمار التجربة الكتابية دون أدنى قبول للوصاية سوى اللجوء لمواقع الانترنت الإرشادية في التأليف والكتابة، وبدأوا في اجتياز الاختبار الكوني واخذوا جوائز غير مسبوقة، مبتعدين عن العلم اللاهوتي الذي احتكره الحداثيون الأوائل .
الإحصائية التقريبية لكتب كويللو وغارسيا المباعة في الكويت فقط تعدت المائة ألف نسخة للأدب المترجم، لأنه قابل للقراءة الجماهيرية حيث يكمن الإنسان، ورواية «عمارة يعقوبيان» تجاوزت 75 ألف نسخة في الكويت، وكتاب كويتيون جدد باعوا بالآلاف، وفي السعودية ثمانون رواية سنويا.
عزوف عن قراءة التجريبيين فقط
ويعتقد بودي أنه لا توجد أزمة قراء أيضا وأن كل ما في الأمر أن هناك عزوفا عن قراءة ما يكتبه التجريبيون فقط فيقول:
لمَ مداراة الشمس والادعاء والتباكي على القارئ، والمبيعات الجماهيرية بالملايين، انه فقط العزوف عما يكتبه التجريبيون الذين يرفعون شعار الأدب يكتب للمثقفين فقط، انه التغيير ونتاج الإنسان للإنسان، فالحداثة سمة إنسانية لا تعرف التوقف تولد مع كل مولود جديد للدنيا ولا تعرف التقييد، مهما ربطناها بنظريات أدبية، سرعان ما كشفت زيفها التجربة والأيام لنخبويتها وأنانيتها، لتنطلق الموجة القادمة الجديدة.
وخيرا فعل أحد النقاد الفرنسيين في مؤتمره الصحفي حين حرق كتبه النقدية وحين سألوه عن السبب قال: لقد قتلنا عفوية الكاتب الروائي، أصبح الروائي يكتب لنا ويسألنا إن كان ما يكتبه صالحا وجديدا.
فسألوه منذ متى أحسست بذلك، قال عندما أعدت قراءة ديكنز، وعرفت أن الروائي نتاج كوني يجب علينا عدم توجيهه وإلا فسيضطرب ويدمر موهبته، موجة التعبير الحر العفوي، وتراكم هذا التعبير العفوي الكتابي سيفرز تراكما نوعيا عظيما يوما ما وسوقا متنامية للكتاب .
فمرحبا بهذه الموجة الجديدة القادمة المبشرة، ومرحبا بالكتاب الذي أخذت تروج له التكنولوجيا والفضائيات ومقابلات المؤلفين الجدد وحوارات المنتديات المفتوحة بالانترنت، وشراء الكتب عبر الانترنت وتوصيلها، ووداعا للتجريب الحداثي القديم وعلمه اللاهوتي ومنتدياته المغلقة حيث لا يحضرها أحد ولا يعرفها الإنسان ولا المستقبل المشرق القادم ..
صناعة الكتاب ثقافة أم تجارة؟
الكاتبة الشابة وعضو مجلس إدارة رابطة الأدباء استبرق أحمد تعتقد أن القول بوجود «أزمة» يجب أن يجعلنا حذرين في محاولة البحث عن أسباب تقول استبرق:
للكتابة مناخاتها،حقولها الإبداعية، طزاجتها، لذتها، والقول بوجود مصطلح «الأزمة» يجعلنا حذرين ومدفوعين للبحث عن أسباب مقترحة تختلف من شخص الى آخر، مع ضرورة استقصاء الأسباب بموضوعية ودون تجنٍ.
حقيقة في السنوات القليلة الماضية أجد هجمة كتابية وليست أزمة تتمثل بظهور نتاجات لأسماء جديدة، الأمر المحمود هو في عدم تراجع فعل الكتابة، لكن برز سؤال مقلق – بحسب ما أرى– متمثل بفعل الكيف أي جودة المنتج وتذبذبه في القيمة والجهد و الاشتغال على النص.
يؤلمني الاعتراف بوجود كم لا بأس به من نتاجات لايعي صناعها مشاق نشرها، والأمر المؤسف وجود دور نشر وتوزيع لاتحمل مشروعها الثقافي بل مشروعها التجاري دون الاهتمام بالمستوى ولا بكيفية العمل على ارتحال الكتاب لمسافات توزيعية.
ناهيك عن عدم وجود ابتكار لديها في وسائل الإعلان عن النتاج، أما طرق باب ترجمة تحترم النص وتقدّر الكاتب، ترجمة يمكث النص بها عبقا ،فواحا بالإتقان والعشق للنص الأصلي ،مضيفة في دوحة الجمالية ومنصفة فهي تحتاج لمؤسسة أو دار نشر ذات نظرة مستقبلية جسورة وقادرة على إيصال النص كما يجب ومايستحق.
أخيرا القول عن انحسار متزايد للقراء نتيجة لوجود بديل من الاكتشافات المتسارعة، في ظل عدم التشاؤم المفرط ولا التفاؤل المبالغ فيه أعترف أنني أثق بالقارئ الحقيقي، تبّاع الكتب ،المؤمن بمتعة القراءة رغم العلو المستمر لفتنة الاكتشافات الأخرى...
ليست أزمة وإنما كارثة
القاص وعضو مجلس إدارة رابطة الأدباء حميدي حمود يرتفع بوصف أزمة الكتاب والقراءة من خانة الأزمة إلى خانة الكارثة يقول حمود:
أعتقد أننا لو نظرنا إلى الموضوع من ناحية النسبة والتناسب لأدركنا حجم الكارثة، فعدد الكتب الجديدة الصادرة سنويا في الوطن العربي لا يكاد يكون شيئا يذكر بجانب التعداد السكاني، ولو قارناها بالمجتمع الغربي لأصبح حجم الكارثة أعظم, هناك كتَاب مبدعون ومواهب شابة تنتظر من يلتفت إليها ولكن أين دور النشر منهم؟ والتي أصبح شغلها الشاغل التكسب المادي البحت، فاكتسحت الكتب التي تهتم بأمور بعيدة كل البعد عن الأدب و العلم و الثقافة، وطغت كتب الطبخ و الأزياء و الإثارة سواء الدينية أو السياسية أو الجنسية، ناهيك عن المعاناة التي يتكبدها الكاتب لنشر إبداعه و توزيعه و ترجمته، فشروط النشر العسيرة و سوء التوزيع و قلة/رداءة الترجمة أدت الى عزوف و تردد الكثير من الكتاب الجدد في خوض هذا الجانب الثقافي.
يجب أن نعترف بضريبة التطور التكنولوجي في الحد من الإقبال على الكتب، وفي الوقت نفسه من نشر كل ما هو رديء على أنه نوع من الأدب مما أدى إلى اختلاط الحابل بالنابل.
«نحن» سبب الأزمة
ويرى حمود أن سبب هذه الأزمة(الكارثة) يتحملها أطراف أربعة يحددها حمود قائلا:
لو سلمنا بوجود أزمة كتاب في العالم العربي، فمن يا ترى سبب هذه الأزمة؟ و من أين أتت هذه الأزمة؟ باعتقادي- و بغض النظر عن دور النشر وما تقوم به لأن هذا هو مجرد محصلة نهائية لتوجه اهتمام القراء - أن السبب الرئيس في وجود ما يسمى بالأزمة هنا هو «نحن» و أقصد ب «نحن» أربع جهات تمثلنا هي: الأسرة، المدرسة، المؤسسات، والجهات الثقافية، وأخيرا الإعلام بأنواعه وأشكاله.
فلو نظرنا إلى الأسرة اللبنة الأساسية لغرس بذرة حب القراءة لوجدناها أبعد ما يكون عن هذه المهمة و ذلك نظرا لعدم الشعور و الإيمان بقيمة القراءة عند الآباء.
وإذا أتينا إلى المدرسة فسوف نجد التخبط في المناهج وقصر اهتمام المدرسين على ما بين دفتي كتاب متغير.
لننتقل إلى المؤسسات والجهات الثقافية فنجد كلا منها «في فلك يسبحون» فالافتقار للجدية ونقص التنسيق وعدم وجود برنامج واضح محدد يخدم المجتمع وغالبا ما تحكمها المحسوبية و الشللية، كل ذلك من شأنه أن ينخر فيها لتهن وتضعف فتصبح عالة و مضيعة للوقت ليس إلا.
ثم أخيرا الإعلام و الذي أصيب بمقتل حين تفشت الواسطة والنفاق والبهرجة الإعلامية الزائفة، فلم يعد مهتما بالثقافة ويصنفها في آخر أولوياته من ناحية التغطيات الإعلامية.
الحل يكمن في معالجة الركائز الأربع السابق ذكرها والاهتمام بها، ولن يكون ذلك إلا إذا آمنا إيمانا لا تشوبه شائبة بأن القراءة هي السبيل الوحيد إلى رقي وتطور المجتمع و أن ازدهار الشعوب يقاس بمدى ازدهار ثقافاتها.
** منشور بصحيفة "القبس"الكويتية 7 يوليو 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.