تعرض البحث العلمى العربى للإهمال والسرقة والنسيان والسجن فى مكاتب لا تعرف قيمة ما تحتويه ، وذلك لأن العقول لم يكن لها أهمية فى عهد حكومتنا العربية ، ولأن العقول العربية غنية بالأفكار العبقرية كانت دائما لا تسكن أوطاننا المسكينة فكانت تهاجر الى بلدان تعرف قيمة العقول لأننا لا نستطيع لا التعامل معها ولا الإنفاق على ما تحتويه هذه العقول من عبقرية ،ففي الوقت الذي لا تتجاوز فيه نسبة الإنفاق على البحث العلمي 0.05 % من الدخل القومي في مصر منذ عشرات السنين، نرى النجم الكوري في صعود وزهو إذ انتقل معدل إنفاقه على البحث العلمي من 0.2% في الستينيات، ليرتفع عام 2000 إلى حوالي 5% الأمر الذي يفسر علة النجاحات الكورية في شتى ميادين الصناعة في السنوات الأخيرة .. ولا حظْ الفرق بيننا وبينهم .. نحن لا زلنا في حدود نسبة 0.05 % ولم نصل حتى الآن إلى نسبة النصف في المئة (0.5 %) ، وهو أضعف الإيمان . رغم أن مصر بها 130 ألف حاصل على الدكتوراه، بنسبة أكبر من الموجودة في الولاياتالمتحدة ، دلالة على أن هذه الشهادات والدرجات العلمية - في أغلب الأحيان – ما هي إلى درجات وظيفية شكلية، فارغة، مفرغة من المضمون والتطبيق ! هذا، وينظر الباحث العربي إلى واقع البحث العلمي والمؤسسات البحثية في مصر نظرة تحسر وألم، لما ألم ب " البحث العلمي " من معوقات وأزمات، حالت دون رقي الأمة إلى مستوى الحضارات والدول المتقدمة . فالباحث الجاد، المبدع، المخلص، يجد من الأزمات والعراقيل في سبيله ما الله به عليم، وأكثر ما يعاني منه الباحث المصري، تلك العقبات الثلاث التي يعاني منها جل الباحثين في القطر المصري والوطن العربي في أغلب الأحيان : فالباحث المصري يجد نفسه أمام جهاز إداري تقليدي، روتيني، متخلف، يتصف بالمركزية الشديدة، شعاره "فوت علينا بكرة"، لا يقدّر أهمية العلماء والباحثين في عملية التنمية والنهضة، وغالباً ما يكون البيروقراطي – الروتيني، مستبدًا، يحمل شهادات ومؤهلات أقل من الباحث، فينظر إلى الباحث الشاب نظرة حقد وغيره، ومن هنا تتشكل ظاهرة ما يسمى بأعداء النجاح، والتي يتحدث عنها معظم النابغين في سيرهم .. كما أن البيروقراطي ينظر إلى نفسه على أنه صاحب الرأي السديد السليم، وأنه ما يُرى الباحث إلا ما يرى وما يهديه إلا سبيل الرشاد، و بالتالي لا يتناقش ولا يتحاور مع الآخرين و لا يأخذ بآرائهم. فالباحث النابغة، الذي ليس له ظهرًا إلا ربه، سرعان ما يجد نفسه "محلك سر"، وإذا به الأيام تمر، وزميله ممن تم تعينه في الكلية أو المؤسسة البحثية بالواسطة، والتحق بالكادر البحثي "بالكوسة"، قد سبق، وكأنما فك من عقال، فهذا الأخير قدم الرشاوي والقربات إلى المناصب هنا وهناك، ورش رشته على الكبير والصغير؛ لتُناقش رسالته أو لتُرفع درجته أو ليُتغاضى عن سرقاته التي عرف بها في بحوثه، فأولاد الحسب والنسب – في الكادر العلمي - رُفع عنهم هذا الركن الركين في أدبيات البحث العلمي، ألا وهو الأمانة العلمية ودقة التوثيق .. وقس على ذلك، شتى صور الرشاوى، ومختلف مظاهر المحسوبية، التي باضت وفرخت في مؤسساتنا البحثية .. وتحول المجتمع الأكاديمي المصري إلى مجتمع قبائلي عائلي لا تهمه المصلحة العامة للبلد والأمة، بقدر ما يهمه تسليم المناصب والدرجات للمقربين و الأقرباء والشلة، وكأن الشعار انقلب إلى وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب.. الأمر الذي صنع جوًا كئيبًا محبطًا يعيشه ويتجرعه العلماء والباحثون الشرفاء في هذه الأوساط الأكاديمية . ومن كان له اتجاهًا فكريًا معارضًا، فهنا تكتب التقريرات المسلوقة، وتلفق التهم المعلبة، وتحضّر العقوبات المخبوزة، ويجد الباحث النابغة نفسه وراء الشمس، لا بحثًا أتم، ولا على درجة حصل . وهنا تلتقى المحسوبية مع الاستبداد . واليد النجسة مع اليد الباطشة. وأقل ما يُعامل به الباحث المعارض للنظام الحاكم، أو لسياسات الجامعة أو المؤسسة البحثية، هو التهميش، وهضم الحقوق، ومن ثم يتم تهجير أو هجرة هذه العقول إلى الدول الغربية ، لتجد هذه العقول البيئة العلمية المناسبة لها، والمعززة لمواهبها، والداعمة لأفكارها الابتكارية .. فالباحث المصري، النابغة، عادة يكون من أسرة متواضعة الحال، متوسطة المعيشة في أحسن الأحوال، ولا يجد الدعم المالي لينفق على بحثه، كما ينفق أمثاله في أوربا وأمريكا على بحوثهم بكرم وسخاء، نتيجة ما تدفعه المؤسسات البحثية في هذه البلدان المتقدمة للباحثين لإتمام بحوثهم .. والمال هو قوام البحث العلمي، فالبحث لا يصنع من الهواء .. أما الباحث المصري فكم يأخذ من الحكومة ؟ كم ؟ لا يأخذ شيئًا يذكر، فالباحث هو الراعي الأول والوحيد لبحثه، اللهم إلا " عشرة جنيهات " يقبضها " المعيد " في آخر شهر مع مرتبة الذي لا يتجاوز 200 جنيه في أغلب الأحوال ! أتدرون تحت أي بند هذه العشرة جنيهات إنها تصرف للباحث تحت اسم " بدل بحث علمي " وكأن الدولة تقول للباحث المصري النابغة اصرف على بحثك طيلة الشهر بعشرة جنيهات.. ومن ثم عليه أن يبحث ويشتري وينسخ الكتب والمراجع ، ويقطع الفيافي والقفار إلى مكتبات الجامعات على مستوى القطر، بهذه الجنيهات !! ويأتي ذلك كله في وقت يصرف فيه على الفن والطرب والرقص الملايين. من جانب اخر أعلنت نخبة من حوالي 300 من العلماء العرب الذين اجتمعوا في الشارقة (الإمارات العربية المتحدة) عام 2000 إنشاء المؤسسة العربية للعلوم التي ستكلف تطوير البحث العلمي الذي يعاني من تخلف كبير في العالم العربي. ووجهوا نقداً إلى الحكومات العربية بسبب إهمالها للبحث العلمي. فقد وجه معظم المشاركين في مداخلاتهم في الندوة تهمة الإهمال للسلطات السياسية العربية لعدم الاهتمام بالبحث العلمي.. ونؤكد أن السبب الأساسي في تخلف البحث العلمي العربي هو غياب المجتمع الأكاديمي الحر المدعوم من كافة مؤسسات المجتمع لاسيما السلطة الحاكمة .. إن الأزمة العلمية التي يمر بها العالم العربي هي نتيجة مباشرة لإهمال البحث العلمي في الإستراتيجيات والتخطيط و إعداد الموازنات حيث تزيد نسبة الإنفاق العسكري والصحي والتعليمي في اغلب البلدان العربية وخاصة الغنية منها عن مثيلاتها في الدول المتطورة بينما نجد نسبة الإنفاق على البحث العلمي في مستوى أفقر البلدان.. والمسؤولية تعود للمقررين السياسيين الذين لا يهمهم شيء سوى البقاء في مناصبهم! أما الحديث عن نهضة حقيقية للبحث العلمي .. فلها مفردات هذه النهضة تتألف من ثلاث نقاط أساسية : 1- استقلال جميع الجامعات والمؤسسات البحثية من نفوذ الحزب الحاكم.. وإعطاء الحرية الكاملة للمؤسسة العلمية في رسم سياساتها وبرامجها وتعيين من تشاء في سُلمها والوظيفي.. 2- زيادة الدعم المالي لمؤسسات البحث العلمي .. 3- استثمار البحوث العلمية استثماراً حقيقياً في خدمة المجتمع المصري والعربي .. 4- القضاء على شتى صور المحسوبية والرشوة والفساد التي تشققت لها جدران المؤسسات البحثية. 5- تكريم ودعم الباحثين النابغين، تكريمًا موضوعيًا من قبل الدولة، وبصفة مستمرة ودورية وفي قطاعات مختلفة من البحث العلمي، وبعيدًا عن الاتجاهات الفكرية لهؤلاء الباحثين . من جانبها أكدت وزيرة الدولة للبحث العلمى الدكتورة نادية زخارى أن الوزارة تعمل حاليا بالتنسيق مع عدد من الوزارات والمؤسسات العلمية المختلفة لطرح حلول لمواجهة معوقات البحث العلمي فى مصر، وذلك من خلال القيام بإنشاء قاعدة بيانات تضم جميع الأبحاث العلمية. وقالت زخارى - خلال الاجتماع الذى عقده مجلس إدارة البحث العلمي اليوم الثلاثاء بمقر مدينة الأبحاث العلمية ببرج العرب غرب الإسكندرية - "إن إنشاء قاعدة بيانات خاصة بالأبحاث العلمية فى مصر يهدف إلى تمكين رجال الأعمال من الإطلاع عليها لتسهيل تمويل المشروعات قبل إنطلاقها على أرض الواقع، إضافة إلى إقامة معرض دائم للأبحاث العلمية يهدف لتوطيد العلاقات مع قطاعات وأجهزه الدولة التى ستستفيد من تلك الأبحاث". وأضافت أن هناك فارقا كبيرا بين مدينة زويل للأبحاث العلمية وأكاديمية البحث العلمى لعدة اعتبارات أهمها أن الأولى تتشعب فى شتى مجالات البحث العلمى، مؤكدة تراجع دورالبحث العلمى فى مصر خلال عام 2011 نتيجة الأحداث التى شهدتها البلاد كسائر قطاعات الدولة. ومن جانبه، أكد محافظ الإسكندرية الدكتور أسامة الفولى أهمية دور البحث العلمى فى وضع مصر لدفع حركة التنمية المستدامة وتشجيع الاستثمارات العربية والأجنبية بما يسهم لوضع مصر فى مصاف الدول المتقدمة. وأشار إلى أن هناك تنسيقا علميا بحثيا بين جامعة الإسكندرية ومدينة الأبحاث العلمية وعدد من المصانع والشرطات الكبرى التى تعمل على أرض مدينة الإسكندرية لتحسين القدرة الإنتاجية لتلك المصانع وفتح مجالات وأسواق تصديرية جديدة لهم فى الخارج، وبالتالى زيادة فرصة تشغيل الشباب والقضاء على البطالة. وقد حضر الاجتماع رئيس أكاديمية البحث العلمى الدكتور ماجد الشربيني، ورئيس جامعة الإسكندرية الدكتور أسامة إبراهيم، ومدير مدينة الأبحاث العلمية الدكتور عصام خميس. قال الدكتور محمد السويل، رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية: إن توجه الشباب العربي إلى دراسة التخصّصات العلمية، خاصة تقنية المعلومات والاتصالات سيعود بالنفع على مستقبل 355 مليون نسمة من سكان الدول العربية، مشيرا إلى أن التقدم العلمي والتقني ليس هدفا بذاته إنما وسيلة لتحقيق المصالح العليا لكل دولة، الأمر الذي يتطلب بناء قدرات علمية لاستيعاب التقنية نقلا وتوطينا وتطبيقا. وأضاف خلال محاضرة ألقاها مساء أمس الأول بقاعة المؤتمرات في مؤسسة الملك فيصل الخيرية بالرياض، بعنوان ''مستقبل العلوم والتقنية في العالم العربي'': إن نسبة 60 في المائة من العالم العربي أعمارهم أقل من 25 عاما، و30 في المائة أقل من 15 عاما، مفيدا بأن هذه فرصة لتأهيل عدد كبير منهم والعمل في قطاعات العلوم والتقنية؛ لتأمين مستقبل أفضل للدول العربية، من خلال إيجاد فرص وظيفية (ذكية) لهم تناسب خريجي العلوم، والهندسة،والتقنية، مع توفير الدعم من القطاعين العام والخاص. وبيّن أن النشر العلمي في الدول العربية بشكل عام ينمو سنويا، وأن معامل الاستشهاد بالنشر العلمي، الذي يعد أحد مؤشرات جودة النشر العلمي، تضاعف في كل من المملكة، والأردن، ومصر، من 0.25 في التسعينيات الميلادية إلى 0.5 عام 2009، مع العلم بأن المتوسط العالمي لمعامل الاستشهاد العلمي هو 1.0، فيما بلغ معامل الاستشهاد العلمي في مجال الرياضيات في السعودية والأردن 1.5، وفي مصر 1.0. وأشار إلى أنه توجد فرص عديدة يمكن استثمارها عربيا لتحقيق مستقبل العلوم والتقنية، منها تفعيل التعاون الدولي في مجال النشر العلمي بين الدول، وتخصيص الشركات الحكومية ذات الصبغة التقنية، فضلا عن تبني سياسات وخطط للعلوم والتقنية والابتكار، مثلما فعلت المملكة، والمغرب، وتونس، والأردن، والاستثمار في البحث والتطوير والتعليم العالي، الذي يتوافق مع متطلبات الصناعة المحلية. وأرجع السويل مكامن الضعف التي تؤثر على مستقبل العالم العربي في مجال العلوم التقنية، إلى عدم ربط مخرجات البحث والتطوير في الدول العربية بالصناعة المحلية وإلى الضعف في تحويل نتائج البحث والتطوير المحلي إلى سلع وخدمات للمتاجرة بها داخليا وخارجيا، بالإضافة إلى قلة العاملين في مؤسسات البحث العلمي بالعالم العربي، والتي قدرت 2 لكل عشرة آلاف من السكان، بينما المعدل العالمي 12 لكل عشرة آلاف من السكان. وأبرز رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، التهديدات التي تعترض مستقبل العالم العربي التقني، والمتمثلة في أن التعاون العلمي بين الدول العربية والدول المتقدمة لا يتم إلا في مراحل ما قبل التنافسية، ناهيك عن فرض قيود على نقل بعض التقنيات من وقت لآخر، وضعف استثمار الاتفاقيات الدولية لنقل التقنية ونتمنى أن يكون الربيع العربى بداية خير للبحث العلمى الذى عانى الإهمال والسرقة فى العد البائد.