د : ابراهيم قويدر إن نظام القيادة الفردية في مجتمعاتنا العربية شكلت إرثا حضاريا في عقليتنا الحاضرة، فبالتأكيد يتأثر الفرد بالجذور البيئية التي عاش فيها أجداده حتى صارت تراثًا ثقافيًّا وشعبيًّا له. والمتابع للساحة السياسية يجد أنه منذ مدة ثارت قضية التوريث في ليبيا مثلما ثارت في بعض البلدان العربية الأخرى، كنوع من التشنيع على الأنظمة القائمة بغية اتهامها بعدم الديمقراطية، وإن كان في ذلك كثير من الحقيقة، لكن من ينظر في عقليتنا العربية يجدها تنحو باتجاه التوريث، ومن الممكن أن يستغرب القارئ إن وجدني أميل إلى الاستقرار وإلى أن يتولى شخص ممارس للسياسة مقاليد الأمور في الدولة، حتى وإن كان هذا الشخص هو ابن الرئيس الذي بالطبع من حقه كمواطن الترشح للرئاسة، واعتلاء سدت الحكم طالما تمت بإرادة شعبية وأختيار حر نزيه لا تزوير فيه لانى أراه يحافظ على استقرار أوضاع الدولة، حتى وإن كانت ضد رغبة البعض ممن يرون فيها توريثًا وإجهاضا لمشروع الديمقراطية الغربية الذين يحلم الحالمون بتطبيقه. لن أذهب بعيدًا عن ذلك، لأن رأيي هذا له مرجعية تاريخية واجتماعية من عاداتنا وتقاليدنا التي توارثناها على الأجداد، كما أن ذلك لن يستنكفه الطبع العربي، ودعوني أوضح ذلك: منذ القدم وقبل ظهور الإسلام كانت سمة وشكل القيادة عند العرب في الجاهلية هي المشيخة أي شيوخ القبائل والسلطة تنتقل منهم إلى أبنائهم الأكبر فالأكبر، وغالبًا ما تحدث بعض الصراعات- في بعض الأحيان- على سلطة القبيلة ما بين إخوة الشيخ وأبنائه، واستمر هذا الحال على المستوى القبلي حتى بعد ظهور الإسلام إلى أن تبلور في شكل الدولة التي تتخذ من نظام الخلافة أساسًا لحكمها حتى نهاية الدولة العثمانية، وتم تقسيم دولنا العربية إلى ممالك وإمارات تتبع نظام الأسرة الحاكمة وتوريث السلطة. هذا البعد التاريخي- في تصوري الشخصي- خلق تجانسًا نفسيًا واجتماعيًا بين هذا النظام وسيكولوجية المواطن العربي، فسكن إليه وتعود على هذا الشكل؛ لأن المواطن العربي العادي بطبيعته يميل إلى نظام السلطة الفوقية، بدءًا من سلطة الأب داخل الأسرة والجد الأكبر في الأسرة، امتدادًا إلى شيخ القبيلة، كما قلت، وعليه فليس بالغريب عندما ظهرت بعض من المحاولات لإيجاد صياغات موائمة للديمقراطية الغربية التي استطاعت أن تتخلص تدريجيًّا من السلطة الأوحدية التي مرت بها هي أيضا، وكان لها نظام توريث واضح في إمبراطورياتها المختلفة. هذه المحاولات المسماة بالجمهوريات التي وجدت نتاجًا لثورات (أو انقلابات)، غالبًا ما كان أصحابها من العسكر، حيث مكنهم ذلك من الاستيلاء على السلطة ورفع شعار الديمقراطية وتداول الحكم والقضاء على الملكية التوريثية. ولأن هذا الطرح لم يقدم له بالشكل الاجتماعي الجيد وأعني خلق مؤسسات قوية ودساتير قوية تحمي الديمقراطية وتحدّ وتمنع من العودة للتوريث، ولأنه لم يتم غرس مبادئ تداول السلطة بين الأطفال والشباب لينشأ جيل متشبع برفض التوريت واعتماد البرنامج الأفضل لمنح أصوات الناس له ليسيِّر دفة البلاد لفترة زمنية معينة، كما أنه أيضا لم يتم تنظيم الشعب في تنظيمات سياسية قوية تحمي هذا التوجه؛ وكذلك لم يتم إبعاد العسكر عن ممارسة السلطة الفعلية في الدولة.. هذه الاساليب تم اتباعها فى دول الغرب وصاحبت الثورات الغربيه الشعبيه على الامبراطوريات بالتالى فان الديمقراطية تأصلت واصبحت سلوكا لامجال بالعودة الى الوراء فى شكل من اشكال الانظمة التوريثيه وحتى الانظمة الغربيه الملكية اخذت نهج الديمقراطية فحافظت على كيان الاسرة الحاكمة كرمز للدولة يحترمه كل الناس لارتباط هذه الاسرة بمسيرة تاريخيه نظاليه وطنيه وتركت السلطات التشريعية والتنفذيه تعمل تحت الاطار الديمقراطى.. لكل هذه الأسباب التى افتقدناه نحن العرب فى جمهورياتنا ذات الصياغات الديمقراطية الكرتونيه أصبحت تسعى بل وتعمل على التوريث، حتى إنه تم بالفعل توريث أبناء رؤساء دول، ولذلك فإن التوريث ليس غريبًا علينا، ولكن الغريب الذي يتراءى لنا أنه غير مألوف هو أن تتولى فئة استولت على السلطة بهدف تغيير التوريث وهي ذاتها تسعى بعد استلامها السلطة واستمرارها فى الممارسة السلطاويه إلى التوريث بأي شكل من الأشكال. ان أرث الدولة السلطانيه فى الوطن العربى والعلاقة ألآحاديه الابويه فى معظم العلاقات الاجتماعيه كليهما أسهم بدور كبير فى نشوء ثقافة معينة فى هذا المجال ؛هذه الثقافة هى ما اتفق كثير من المختصين بتسميتها ثقافة التلقى والانتظار فى مقابل ثقافة المبادرة والابداع والاجتهاد والابتكار ..فالفرد العربى وفق هذه الثقافة دائما فى حالة انتظار ان يعطى أو يمنح ولكنه لا يبادر ويأخذ ...وربما كان للدولة السلطانيه الابويه دور كبير فى ترسيخ مثل هذه الثقافة ؛ ولكن المشكلة انها اصبحت جزء من العقل العربى ذاته ؛ بحيث لو انتهت الدولة السلطانيه وارثها فأن الموقف ذاته سيبقى فترة من الزمن – رغم تلاشى اسبابه –يؤثر فى الثقافة المدنيه العربيه التى هى اساس الفكر والسلوك فى اى مجتمع يفترض فى ان يكون صاحب مبادرة واستقلاليه فى الحركة ,وبدونها لا يمكن ان تكون للمجتمعات قيمة وجوديه مؤثرة وهكذا يتضح لنا مكمن اكبر معوقات الاصلاح فى الوطن العربى . من هنا فأنا في الحقيقة أرى أنه إذا كان العرف وسيكلوجية المواطن العربي ميالة إلى التسليم بقيادة مستمرة تتوارث الحكم، فإن أفضل وأقرب الأنظمة لنا هي الأنظمة الملكية. وفي نظرة تقييمية مقارِنة بين الدول الملكية أو الأميرية أو السلطانية في الوطن العربي وبين الجمهوريات في أساليب الأنظمة الحاكمة عامة، فسنجد أن التطور في الخدمات التي تقدم للناس في التعليم والصحة والبنية التحتية بصفة عامة في المجتمعات التي تحكمها أنظمة ملكية أكثر من غيرها وأجود، وهذا شيء واضح للعيان والإنسان يراه بحكم الاطلاع المباشر او من خلال وسائل الإعلام والشبكة العنكبوتية، وعلينا فقط أن نبحث عن ذلك ونقارن. في الحقيقة إن ما يجري في ليبيا شيء مختلف تمامًا؛ لأن عملية التوريث عندنا لم يتم تناولها رسميًّا أي من قبل الجهات التي تمثل السلطة التنفيذية أو التشريعية، وكل ما يجري هو كلام وتعليقات واستنتاجات سواء كانت من أفراد تعودنا منهم المبالغة والتطبيل والتزمير أو من معارضين متطرفين تعودنا منهم السب والقذف بسبب وبدون سبب، وبين هذا وذاك ظهرت تعبيرات مثل فريق الإصلاحيين وفريق الحرس القديم، وأنا الآن أملك القناعة التامة بأن أقول: لا يوجد لا حرس قديم ولا فريق مناهض له، فقط يوجد قائد منحته السلطة التشريعية (حسب النظام فى ليبيا )صلاحيات ترقى لاعتبار توجيهاته بقوة القانون، وهو يمارسها، وهو أيضا القائد الاعلى للقوات المسلحة وما غير ذلك فالجميع يعمل في إطار تنفيذ توجيهات وقرارات فقط. وهناك مجموعات لا اعرف هل بينها تنسيق ام لا ...مجموعات من المنفعيين الذين من اجل حصولهم على العملات والرشاوى لا يهمهم الوسيلة التى يتبعونها وهؤلاء سارقي أموال الشعب وناهبوها بغير حق انتشروا وزاد عددهم حتى اصبح سلوكهم سمة للأسف التصقت بأي مسئول حتى وان كان نزيها . وبالتالي فإن عملية التوريث في ليبيا برأيى غير مطروحة بشكل واضح ورسمي أو غير رسمي، وكل ما هو موجود أن تُمنح الفرص للشباب لقيادة مواقع عديدة في البلاد، وحتمًا وفقًا للخلفيات التي سبق طرحها سيكون في مقدمتهم أبناء القائد وأبناء أعضاء القيادة التاريخية من بعدهم وأبناء الضباط الذين ساهموا في قيام الثورة وهذا ليس كلامًا سريًّا بل إنه معلن، وقيل في عدة لقاءات رسميه معلنة. والمواطن الليبي العادي لا يهمه كثيرًا موضوع التوريث، فالمواطن الليبي ليس له طموحات سلطوية ولا يسعى إلى الصراع على السلطة، ومًن مِن الليبيين يسعون إلى ذلك تحت شعارات تحرير الشعب من النظام المستبد فحتمًا لهم موقف من النظام؛ لأنهم قد وقع عليهم ظلم يرقى إلى درجة فقدان حياة ناس أعزاء عليهم، وبالتالي فالقضية من حيث المنطق مقبولة بسبب فعل خاطئ تم ارتكابه، وبالتالي يقف الإنسان المتضرر من هذا الفعل لمناهضة من قاموا به، ولكل فعل رد فعل، وما يبدل فى هذه الفترة من عمليات توفيقيه لرأب صدع الممارسات الخاطئة الماضيه شىء جيد للحفاظ على اللحمة الوطنيه وبعث جيل جديد سوى يخدم ليبيا المستقبل رغم شكوكى فى بعض من هذه الاجراءات من كلا الطرفين لان البعض منها يتهيأ لى ليس لوجه الله ؟؟ولخدمة الناس؟؟ وانهاء صفحات الالم التى مروا بها ....أما المواطن فهو يريد حياة كريمة يحفظ له فيها النظام حقوقه الأساسية من تعليم له ولأبنائه وتدريب ورعاية صحية واجتماعية وتوفير وسائل الحياة من عمل لائق كريم وسكن مناسب ووسائل مواصلات ميسرة وأمن واستقرار له ولاسرته وان يعامل داخل مجتمعه بكرامة يحافظ فيها على حقوقه الانسانيه ويكفل من خلالها احترام أدميته فى التعبير والرأى وان يكون هو وغيره أمام القانون سواء لا مظلوم ولا مغبون بل اخوة احرار نعيش فوق ارضنا التى هى لنا جميعا. إن المواطن في ليبيا لا يتحدث إلا عن هذه الأمور، وأعتقد أن شأنه في ذلك شأن المواطن العربي في كل مكان، وأعطيك مثالاً: هل سمعتَ في يوم من الأيام عن معارضة إماراتية تستهدف تغيير نظام الحكم أو في أي بلد عربي وفّر النظام فيه لمواطنه كل الخدمات السالف ذكرها، شعب الإمارات مازال حتى هذه الساعة يبكى الشيخ زايد .... إذن نظام التوريث في رأيي لا يهم المواطن بقدر اهتمامه بتوفر حاجاته. وقد وُجِّه إليّ سؤال فى احدى اللقاءات الاعلاميه من الصحفيه المخضرمة التونسية الجنسيه السيدة الهمامى هل ترى أن سيف الإسلام هو الشخص المناسب لقيادة الدولة الليبيه؟ّ ولقد اجبت عن ذلك السؤال بالقول : في الحقيقة أنا فى فترة عملى بليبيا كان كل الابناء صغار يدرسون ولم يكن بينى وبين احد منهم علاقة عمل لأنه تم اختياري كأمين لمنظمة العمل العربية منذ 1999 إلى 2007، وهي الفترة التي بدأ يتولى الأبناء بعض المهام. ولكي لا يقال إنني تهربت من الإجابة على السؤال: فأريد ان اوضح بهذه المناسبة نقطتين الاولى أنا لا اريد ان اكون مثل الذين امتدحوا وكتبوا مجتهدين مؤملين متصورين دون علم ودراية بل لمجرد ركوب الموجة ولا أريد ايضا ان اكون معترضا على ما يطرح ايضا دون علم كامل بالتفاصيل والخلفيات ... فأنا بالفعل لم أكن موجودًا في تلك الفترة التى بدأو فيها أبناء القائد يمارسون بعض المهام داخل ليبيا، وبعد عودتى وانتهاء عملى فى 2007 تقاعدت بعد الانتهاء من عملي في المنظمة العربية تقاعدًا اختياريًا قبل بلوغ السن القانونيه للتقاعد وتفرغت للكتابة وتقديم الاستشارات فى مجال السياسات الاجتماعيه والعماليه على المستوى العربى والعالمى، وبالتالي فلا أعرف أحدًا منهم، ولا أستطيع أن أقول هذا مناسب أو غير مناسب، وكلام الإعلام والخطب لا يمكن التعويل عليه- بأي حال من الأحوال- كمقياس للحكم على الأفراد والزعامات لأن الأفعال والممارسات الميدانية والاطلاع المباشر على كيفية تصرفاتهم في المواقف المختلفة هي التي تمكن المقيِّم أن يعطى رأيًا وشهادة صادقة. أذا فأن التوريث يجب أن ننظر اليه من زوايا عدة وليس الزاوية التى تضعنا فى نفق واحد يجب ان نسير فيه وهو الشكل الديمقراطى الغربى الذى كما اسلفت لم يتم خلق قواعد صلبة تؤمن بها الناس وتدافع عنها حتى الموت فأذا وصلنا الى ذلك قد يكون لنا رأيا واضحا فى عملية التوريث اما الان فعلينا أن ننظر الى الحل الاقل ضررا والاكثر فائدة للناس وننحاز اليه . بنغازى 10102010 [email protected]