الكاتبان جون اسبوسيتو { الأستاذ الجامعي بجماعة جورجتاون الأمريكية ، ومدير مركز التفاهم الإسلامي المسيحي ، وصاحب مجموعة كبيرة من المؤلفات أهمها " تاريخ الإسلام لجامعة أكسفورد" (عام 2000) ، والخطر الإسلامي :( واقع أم أسطورة) (عام 1999) ، و " الإسلام : الطريق المستقيم (1998) ، وموسوعة أكسفورد للعالم الإسلامي الحديث (1995) }. و جون فول {أستاذ التاريخ الإسلامي بنفس الجامعة ، ومؤلف كتاب "الإسلام : الأستمرار والتغير فى العالم الإسلامي"} ، واللذان أشتركا معا فى كتاب "الإسلام والديمقراطية (1996)" الذي قدما فيه – بالإضافة إلى كتاباتهما المنفردة - رؤيتهما المحايدة للإسلام التي نالت الكثير من الجدل الواسع نظرا لما قدمته من نظرة جديدة خالفت النظرة التقليدية التي طالما نظر بها العالم الغربي للإسلام . وفى مايو 2001 اجتمع الكاتبان معا مرة أخرى فى إصدار كتاب "صانعوا الإسلام المعاصر: "، والذي صدر فى 257 عن مطابع أكسفورد. وفى هذا الكتاب يتعقب الكاتبان نمو تيارات إسلامية معاصرة عن طريق تناول حياة و أطروحات تسعة شخصيات ثقافية إسلامية أثرت أعمالهم فى مختلف أوجه التفكير الإسلامي على مدى العقدين السابقين اللذان شهدا بزوغ الحركات الأصولية الإسلامية كقوى طاغية على سطح الأحداث. وشارك كل منهم بصور مختلفة فى تفاعلات هذه الظاهرة برؤيته الخاصة التي مثلت مدى واسعا من التمايز الجغرافي والثقافي والديني عبر المجتمعات الإسلامية المختلفة ، وقد خصص لكل واحد منهم بابا منفصلا بعناوين دالة، وهم : إسماعيل راجي الفاروقي (رائد التقارب الإسلامي المسيحي الأمريكي الفلسطيني الأصل ) ، وخورشيد أحمد (ناشط إسلامي واقتصادي باكستاني) ،و مريم جميلة (صوت الإسلام المحافظ) ، حسنى حنفي (المفكر ال"كلاسيكي") ، ورشيد غندوشى ( ناشط تونسي فى المنفى) ، وحسن الترابي (المنظر السوداني) ، وعبد الكريم سروش (رائد من رواد الحركة الإصلاحية فى إيران ) ، وأنور إبراهيم ( ناشط اسلامى معتدل ماليزي) ،و عبد الرحمن واحد "رئيس اندونيسيا السابق " ( الرئيس المفكر) .وبقدر ما حاول المؤلفان مراعاة اتساع التمثيل والتنوع الجغرافي ليشمل مختلف البلدان والتيارات الإسلامية ، وما حاولا تبريره فى المقدمة بالحديث عن دور المثقف فى المجتمع وتأثيره فيه ، إلا أن فكرة تمثيل التيارات الفكرية الإسلامية الحديثة بأشخاص تظل محل خلاف ، خصوصا مع اتساع أطروحات الفكر الديني فى التيارات الإصلاحية الذي قد يتشعب منطقيا بتشعب وتجدد المسائل الخلافية ، فى الوقت الذي تجاهل الكتاب شخصية كشخصية ابن لادن وما يتبعه من أنصار الفكر السلفي الذي قد يطبق عليهم نفس المبدأ بسهولة نظرا لما يتميز به هذا التيار من جمود . وبالرغم من ذلك فإن المؤلفان إستطاعا – وبصورة غير مسبوقة كمثقفين غربيين – فى هذه الكتاب أن يضعا حد فاصلا بين "المفكر" ، و "الناشط السياسي" ولم يقعا فى الفخ الذي وقع فيه أغلب من تابع ظاهرة الإسلام السياسي –حتى من داخل العرب والمسلمين – فى رصدهم للظاهرة، كما قسم المؤلفان الفكر الإسلامي لمدارس محددة أولها : العلماء الدينيين التقليديين، و المثقفين العلمانيين ، ومفكري "تحديث"الإسلام (المجتهدين) ، ويرى الكاتبان أن المفكرين التسعة الذين إختيروا لهذا الكتاب يقعوا أسرى لنفس المدارس ، إلا أنهم يشتركون فى أنهم يتخذون موقفا نقديا لتراثهم الثقافي ويؤمنون بالحوار مع الثقافات الأخرى . ويمثل المثقفين العرب كلا من إسماعيل فاروقي و حسن حنفي ، وحسن الترابي ورشيد غندوشى ، أما فاروقي وحنفي فإنهما يتمتعان بدراسة أكاديمية للدراسات الإسلامية والفلسفة الغربية ، فالفاروقي الذي قضى حياته العلمية فى أمريكا الشمالية كان ناجحا فى عرض الفكر الاسلامى باللهجة العلمية الفلسفية التي يفهمها الغرب ، وخصوصا فى الدراسات المقارنة، ولذلك كان أكثر شهرة هناك، أما حسن حنفي فهو "كاتب كثير الإنتاج" تمثلت معظم أطروحاته حول مفهوم "التراث" وتدعيم مصطلح "اليسار الإسلامي" كشاطئ يمكن أن تجنح إليه سفينة التأسلم عندما تسعى أن تترجم فكرها النقدي إلى عمل فعلى . أما الترابي فهو يركز على الوظيفة السياسية للإسلام أكثر من التأصيل الفلسفي له، وهنا تظهر بعض السطحية فى تفسيرهم للنظام السوداني على أنه دولة إرهابية ، يحاولان تبريرها بأن الترابي طالما استخدم سياسات معادية للتوجهات الإسلامية غالبا ما تكون تصادمية مع الغرب ليطبق أجندته الخاصة. ومن جهة أخرى فإن غنوشي ومن نفس المنطلق يسعى الى تفصيل أهمية التواصل بين المناطق الثقافية لتبادل الإنجازات الخاصة بكل منطقة مع صيانة الأصالة الثقافية لكل منها. أما خورشيد أحمد الباكستاني فإنه كان مشتركا فى تأصيل ما سمى "بالنظرية الاقتصادية الإسلامية" والتطبيق الفعلي لها خلال توليه وزارة الخزانة الباكستانية ، ومع توجهاته الشيوعية ، فإنه كان يعتبر جزءا أساسيا للجماعات الإسلامية التي أسسها المودودي . و عبد الكريم سروش ، الذي تخصص فى العلوم الطبيعية ، فإنه استطاع أن يظل فى مركز المؤسسة الثورية الإيرانية مع محافظته على موقفه المخالف للرؤية التعصبية التي ترى تعارض الإسلام مع السياسة والعلم وفى هذا الصدد فإنه يتخذ موقفا مهما فى التمييز بين الدين والفكر الديني ، ويؤيد موقفه من خلال خبرته بالنصوص الدينية. ويجمع الكاتبان بين أنور إبراهيم وعبد الرحمن عبد الواحد ، ليس فقط لأنهما من نفس المنطقة الجغرافية (جنوب آسيا ) ولكن لتقارب فكرهما ، ومأساتهما الشخصية ، فأنور إبراهيم هو رئيس وزراء سابق لماليزيا ، ويقضى الآن عقوبة السجن بتهمة التعاون فى الفساد والتمييز العرقي. أما عبد الواحد فقد أهين وأجبر على الإستقالة من رئاسة أندونيسيا . أما الشخصية النسائية الوحيدة فى هذا الكتاب ، وهى مريم جميلة الأمريكية اليهودية الأصل والتي أعتنقت الإسلام ، فإنها صنعت لها سمعة "ككاتبة تقليدية متمسكة بالقيم العظيمة للتراث الإسلامية " . ومن هنا فإن معظم إسهاماتها تأتى فى إطار الدعوة والخطابة .