صدر للزميل الإعلامي اللامع "عبد الرحمن سعد" كتاب جديد بعنوان "صحافة ما بعد الثورة.. أكاذيب أم أنصاف حقائق"؛ وقد أهداه إلى شهداء الثورة عامة، وصحفييها الشهداء خاصة، وحاول فيه تتبع الأداء الصحفي المصري منذ اندلاع الثورة، حتى اللحظة الحاضرة، مستهدفا رصد المعالجات التي تتفق أو تتعارض مع معايير المهنة، ومواثيق الشرف. والكتاب صادر عن دار النشر للجامعات، وتقول مقدمة الكتاب: يا لخسارة دماء الشهداء التي جادوا بها؛ ليقوم نظام صحفي مصري جديد؛ على أوتاد الصدق والدقة والمسئولية، فإذ بالمواطن يجني صحافة تقوم على أنصاف الحقائق، وتصنع الأكاذيب، وتناهض إقامة دولة الثورة .. حلم كل مصري في الحرية، والكرامة، والعدالة. تلك ليست مبالغة.. إنها جزء من تشخيص الواقع، على الأقل في الإعلام المصري المكتوب، (الصحافة الورقية) التي تبارت في جانب كبير منها -بكل أسف- في تقديم كل ما هو سوداوي، وهدام، وعبثي، ومثير للفتنة.. في انحراف واضح عن مقاصد الثورة، من أجل تحقيق مكاسب رخيصة، والنيل من خصم سياسي، حتى لو كان ذلك على حساب الحقائق المجردة، والمعلومات الموثقة، والأدلة الدامغة، والبينات الواضحة. لذا رأيت أن من واجبي أن أتتبع ما استطعت من الأداء الصحفي المصري منذ اندلاع الثورة، وصولا إلى اللحظة الحاضرة، مسلطا الضوء على الإيجابيات، وكاشفا عن السلبيات، مستهدفا رصد المعالجات التي تتفق أو تتعارض مع مواثيق الشرف، آملا أن تصبح الصحافة المصرية -يوما- أكثر موضوعية وحيادا، وأقل تبعية وانحيازا؛ لا سيما بعد نجاح الثورة، وانفتاح فضاء حرية التعبير أمامها، بأن تؤدي دورها المنوط بها؛ ملتزمة بالمسئولية الاجتماعية، والصدق والشفافية، وتجنب النظرة الأحادية، والشخصنة، والتحريض، والعنصرية، والحض على الكراهية، والانحياز الأعمى للسلطة أو للأفكار المسبقة أو للأحزاب أو رجال الأعمال، أو الأجندات أو الأيديولوجيات الخاصة، أو المال السياسي، أو خدمة توجهات معينة على حساب مصلحة الشعب، وعرض الحقائق الكاملة. هدفي إذن -من الكتاب- التنبيه إلى الخطأ، وكشف موطن الخلل، كي تكون الصحافة المصرية موضوعية، لا تخلط الرأي بالخبر، ولا تكتفي بالرأي الموجه في القضية الواحدة، بل تنقل الوقائع بإنصاف، والأحداث بتجرد وأمانة، ذلك أنها لا تؤدي دورها ذلك، للأسف، بالحرفية المطلوبة، والنزاهة الواجبة، والمصداقية اللازمة؛ و المعلومات الخالصة. لقد تحدث المفكر الراحل عبدالوهاب المسيري -رحمه الله- في مقال له بجريدة "الاتحاد" الإماراتية (23 فبراير 2008)، أي قبل الثورة بثلاثة أعوام، عن "الحقائق الكاذبة"، وهي حقائق جزئية غير مزيفة، لكنها قائمة على الانتقائية، وليست كاملة، فهي تركز على جانب من المشهد، أو أجزاء من الحقيقة، بينما تتغاضى -في الوقت نفسه- عن ذكر أجزاء أخرى، أو تنزع ما أوردته من سياقه، أو توجه المعلومات وجهة خاصة بشكل معين، كي تبدو "الحقيقة الكاذبة" منطقية، ومقبولة، ومن ثم يتم توظيفها في توثيق أي أطروحة أو رؤية أو وجهة نظر، أو سياسة، مهما كان زيفها، وتبرير أي سلوك لأصحابها مهما كان خاطئا. لم يفعل الإعلام المصري ذلك فقط بل فعل ما هو أسوأ، في جانب عريض من ممارساته بعد الثورة، إذ لجأ في كثير من الأحيان إلى اختلاق الأكاذيب اختلاقا، وتقديم وجهات النظر المتعسفة على أنها حقائق، أو عرض المعلومات الناقصة على أنها حقائق كاملة، برغم زيفها. والأمر هكذا؛ يستهدف الكتاب تقويم أداء الإعلام المصري المكتوب في فترة ما بعد الثورة (قرابة 20 شهرا)، حتى جمعة 12 أكتوبر 2012، وكشف مدى التزامه بالمعايير المهنية الواجبة، ومدى تحامله أو موضوعيته، وصدقه أو كذبه، مع إماطة اللثام عن أكاذيب رددها هذا الإعلام، باعتبار الكذب شرُّ ما في الحياة، وانحرافٌ عن الفطرة، يقوم على التضليل والتلفيقُ، والمراوغةُ والاحتيالُ، انتصارا للنفس، ومصالحها، أو الآخرين، ومنافعهم. كما يحاول الكتاب أن يرصد أهم السمات التي اتصف بها هذا الإعلام، وأبرز الأخطاء التي وقع فيها، أو تعمد ارتكابها عمدا، فضلا عن فضح الأكاذيب التي افتراها، أو تورط في نشرها، أو ساعد على ترويجها، مما أضر بالمجتمع والوطن ضررا بليغا، ذلك أنه إذا كان بعض الكذب يمر دون أن يترك أثراً، فإن بعضه الآخر يبلغ بشرِّه مستوى الجريمة. وينقسم الكتاب إلى ثمانية أبواب، يتناول الأول منها أساسيات "الكذب الصحفي"، ورصد لمئات الكذبات الصحفية، مع أبواب خاصة للكذبات البارزة، التي شهدها المجتمع المصري، مثل كذبة مضاجعة الوداع، وأكذوبة شهيدة الثورة، وأكاذيب الوثائق السرية، والصورة الصحفية، وجمعات التحرير.. إلخ، كأن هناك صحفيين صاروا متخصصين في الكذب، دون شعور بتأنيب ضمير. ويتناول الباب الثاني "مفاهيم غائبة" عن التطبيق في الواقع، مثل مفهومي "المسئولية الاجتماعية، و"عدم خلط الرأي بالخبر"، مع ضرب نماذج صارخة لمخالفتهما، كمواجهة الرئاسة والنيابة، وجمعة 12 أكتوبر2012، والأكاذيب التي لاحقت حكومة هشام قنديل. بينما يطارد الباب الثالث بعنوان "كذب بلا حدود" الكذب الذي انهال على أشخاص، وقوى سياسية، ومؤسسات في الدولة، يتناول الباب الرابع الانفلات الحاصل في صحافة الثورة، في حين يستعرض الخامس صحافة الانتخابات، وكيف جاء أداؤها، ومدى التزامها بعدم الانحياز لمرشح أو قوى معينة على حساب المصلحة القومية، بينما يكشف السادس عن ممارسات وأخطاء إعلامية اُرتكبت. ويطرح الباب السابع قضية الإصلاح الصحفي في المؤسسات الصحفية، وكيف يتم الارتقاء بالصحافة، والقضاء على المخالفات المهنية، وتحديد ماهية الأدوار المرتقبة من نقابة الصحفيين، ومستقبل المجلس الأعلى للصحافة، فيما يقدم الفصل الثامن (الأخير) عرضا لأصول وقواعد عدد من الفنون الصحفية. وانطلاقا من أن الصحافة "مهنة احتساب لا اكتساب"، فيما أرى، يتطلع الكاتب، إلى يوم يصبح فيه لدينا صحفيون بدون تحيزات توجه عملهم، أو تلون أداءهم، بحيث يخلصون للمهنة، ومواثيق الشرف، ويعملون على النهوض بالصحافة، محاربين الفساد في أطنابها، بما يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد الصحفي، وإقامته على قواعد العدل، والمصداقية،