نضال سيدات فلسطين لم يختلف كثيرًا عن رجالها، فالمرأة الفلسطينية على مر التاريخ كان لها دور بارز في رحلة التحرير، منها الفدائية والمقاتلة والشهيدة، بعضهن روى التاريخ حكايتهن وآخريات لا زلن مجهولات، من بين هؤلاء كانت الفدائية ليلى خالد، الفلسطينية التي تعتبر أول امرأة تقوم بعملية خطف طائرة ركاب. "ليلى" لم يكن نضالها فقط القيام بخطف طائرات لكنّها امتلكت تاريخًا كبيرًا في جبهة التحرير الفلسطينية، سردت جزءًا منه في حوار لها مع مصراوي، تحدّثت فيه عن حياتها، وفشل الاحتلال في اغتيالها أكثر من مرة، ردّا على ما قامت به من دور بارز في محاولة تحرير وطنها. "الظلم هو أصعب شيء، كيف يمكن لإنسان أن يعيش ووطنه محتل، وهذا دافع قوي لأن يشارك المرء في تحرير بلده"، الفتاة ذات الأربع سنوات حينها التي اضطرت للخروج من منزلها في مدينة حيفا، رفقة عائلتها والكثير من أبناء وطنها نحو أرض جديدة، وأٌجبرت للعيش في وطن جديد عقب نكبة 48، عاشت بدافع واحد فقط وهو الثأر من سارقي أرضها ومنزلها وتشريد أهلها, لم تتذكر ليلى الكثير عن لحظات الخروج من الأرض، لكنّها كان ترسم مزيد من مشاهده من خلال أحاديث والدها ووالدتها الذي ظل يُردد لسنوات داخل خيمة استقروا بداخلها في مدينة صور اللبنانية، بعدما تركوا منزلهم الكبير والحي الذي كانت تلهو في محيطه ليل نهار في فلسطين، كبرت الفتاة وتنقلت بين أماكن عدة، عَملت كمعلمة بالكويت لفترة محدودة ثم عادت إلى لبنان ، لكنها عاشت حياتها تبحث عن فرصة الثأر، حتى أتيحت لها وهي في العشرينات من عمرها، وكانت البداية مع تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ديسمبر عام 1967. " رفعنا شعار المرأة والرجل معا في معركة التحرير"، الشعار الذي حمله الدكتور وديع حداد القيادي وأحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذي بدوره عمل على اختيار المقاتلين والفدائيات للقيام بعمليات بطولية، حينها وقع الاختيار على ليلى للقيام بعملية خطف طائرة ركاب تابعة لشركة تي دبليو إيه الأمريكية، وتحويل مسارها إلى سوريا، بهدف إطلاق سراح المعتقلين في فلسطين، ولفت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية. "لما تكلفت بهذه المهمة كنت كتير مبسوطة جدًا لأنني أعرف أني أعمل شيئا لصالح قضيتنا"، لم تهب ليلى الموت ولم يدركها الخوف من المُغامرة التي ستُقدم عليها والتي يمكن ألا تعود منها، ولم تتردد في الرد على قائدها وديع حداد بالموافقة على العملية، والتي من شأنها أن تفتح عين العالم التي غفلت كثيرًا عن قضية تسمى "القضية الفلسطينية"، وبالفعل وفي بداية عام 1969، انضمت الفتاة الشابة إلى معسكرات تدريب تابعة للجبهة الشعبية في الأردن استعدادًا للمهمة. وفي التاسع والعشرين من أغسطس 1969 قامت ليلى بمساعدة رفيقها سليم العيساوي بالصعود على الطائرة الأمريكية WTA والتي حملت رقم 840، وبدأ مسارها من نيويورك ثم روما مرورًا بأثينا لتنتهي الرحلة في تل أبيب، صعدت الفتاة ورفيقها من روما، وتمكنا من السيطرة على الطائرة وإجبار قائدها لتغيير مسارها إلى دمشق، وبعد ذلك أنزلوا الركاب وفجروا الطائرة. "كانت المهمة خطيرة وبعد نجاحي وعودتي قررت أكمل النضال"، تردد اسم ليلى بعد العملية وانتشرت صورها بالمطارات، وأصبحت ضمن أخطر المطلوبين لدى الاحتلال الإسرائيلي تحديدًا، لكن هذا لم يُثني الفتاة عن استكمال عملها، فوقع الاختيار عليها للمرة الثانية لاختطاف طائرة جديدة، لكنها واجهت صعوبة في المرور من المطار حتى طرأت عليها فكرة تغيير ملامح وجهها، فأجرت عملية جراحية تجميلية غيرت فيها ملامحها حتى لا يتعرف عليها الأمن بالمطار. وفي السادس من سبتمبر 1970 وبعد عام واحد فقط من العملية الأولى، صعدت ليلى على متن الطائرة الإسرائيلية "العال" رفقة زميلها باتريك أرغويو والتي كانت متجهة إلى نيويورك، لكن الفتاة ورفيقها لم يتمكنا من السيطرة على الطائرة فقتل زميلها، ونزلت الطائرة في مطار هيثرو ببريطانيا وتم اعتقال ليلى. لم تكن تلك العملية الوحيدة التي كانت في هذا اليوم، بل حاولت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، خطف 3 طائرات عن طريق فتيات نجحت اثنتان منهم بالفعل، ونزلوا بالطائرتين إلى مطار الثورة بالأردن، لكن اسم الفدائيات غير معلوم حتى اللحظة، حماية لعائلتهن اللاتي يتواجدون اليوم، في مناطق الداخل المحتل، بينما فشلت من كانت تقودها ليلى خالد. اعتقلت السلطات البريطانية ليلى، ومكثت في الحجز نحو 28 يومًا، حتى خرجت فيما بعد في صفقة تبادل أسرى، كان الهدف من عمليات خطف الطائرات حسب الفدائية الفلسطينية، و التي استمرت ما بين عامين وثلاثة ثم توقفت الجبهة عنها لأنها قدمت دورها، والذي كان أبرزه خروج الأسرى من سجون الاحتلال، والأسيرات على وجه التحديد، وأيضًا محاولة لفت نظر العالم إلى ما يحدث على أرض فلسطين. "لم يتركني الاحتلال تعرضت لأكثر من محاولة اغتيال وكنت مجهزة حالي بحمل قنبلة معي ومسدس، لحمايتي"، بسبب عملياتها حاولت إسرائيل اغتيال ليلى، في المرة الأولى أثناء تواجدها في لبنان كانت السيدة تسكن في مكان سري، وبالرغم من ذلك لكن الاحتلال اكتشفه وحاول استهدافها بقنبلة وضعت تحت قطعة من أثاث المنزل "كنت بره البيت ولما رجعت كنت بفتش على حاجة تحت التخت لقيت عبوة ناسفة، كان بمجرد جلوسي عليها تنفجر". غادرت حينها ليلى المنزل وأبلغت رفاقها بجبهة التحرير، وتمكنوا من إبطال مفعول العبوة التي كانت متواجدة ، وبالرغم من فشل المحاولة إلّا أنّها تكررت للمرة الثانية ، بعدما لاحقت ليلى سيارة على الطريق، لكنّهلاتمكنت من الهرب منها لتفشل محاولة اغتيالها للمرة الثانية، إلى أن جائت ثالث مرة أثناء تواجدها في منزل قائدها وديع حداد في بيروت. الثانية منتصف الليل عام 1970، كانت ليلى تجلس في صالة منزل وديع حداد، تستعد لعملية جديدة تقوم بها، لتتفاجأ باستهداف المنزل بصواريخ، نجت الفتاة بينما أصيب زوجة وديع حداد وابنه، خاصة وأن الاحتلال استهدف غرف النوم تحديدًا بالمنزل معتقدًا أن جميع من به نيام، لكنّ ليلى حينها كانت تتواجد خارج غرفتها وهو ما تسبب في نجاتها من الاستهداف. استكملت ليلى نضالها، فعملت على مدار نحو 20 عامًا كعضوة بالأمانة العامة للمرأة الفلسطينية في جبهة التحرير، ثم أصبحت عضوًا في المجلس الوطني الفلسطيني ممثلة عن اتحاد المرأة الفلسطينية، وفي عام 2005 أصبحت عضوًا في للمكتب السياسي للجبهة الشعبية، وظلت ليلى في لبنان تساعد بالعمل السياسي والمشاركة في عمليات جبهة التحرير حتى اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982. اضطرت ليلى للخروج رفقة أعضاء جبهة التحرير من لبنان، اختارت السيدة حينها الذهاب إلى سوريا وعاشت بها نحو 10 سنوات قبل أن تقرر الانتقال إلى الأردن، والتي لا زالت تقيم بها إلى الآن، "لم يسمح الاحتلال لي بالعودة إلى فلسطين نهائيا". تطرقت الفدائية الفلسطينية في حوارها، على ما قدمه الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر لجبهة التحرير الفلسطينية، فتحدثت عن أن عبد الناصر قال إن هذه المقاومة وجدت لتبقى وتنتصر، وهم بهذا المفهوم والشعار يطبقونه ويستمرون في النضال. إضافة إلى أنّ مصر على مدار السنوات كان لها دور كبير في الدفاع عن القضية الفلسطينية. الحرب الحالية على غزة، رغم قسوتها لكنّها فتحت أعين العالم وفقا لحديث ليلى خالد، على القضية الفلسطينية، فباتت حديث العالم أجمع، وسيظل تاريخ فلسطين شاهد على نضال أهل الأرض رجالها وسيداتها، من أجل الوصول في النهاية إلى تحرير بلادهم وأنفسهم. "الوقت الراهن مرحلة قاسية على شعبنا، لكن شعبنا صامد، وقضيتنا قضية عادلة وعلى العالم أن يقف أمام هذه المجازر التي تحدث وكلها أطفال ونساء، الآن بعد هذا النضال الطويل، فالعالم اعترف بالقضية الفلسطينية، وحقائق الصراع التي كان العالم لا يرى فيه إلا الطرف الإسرائيلي، ولا يرانا. ."ليلى خالد" فدائية فلسطينية