الصحف الإسرائيلية وصفت اغتياله بالضربة القاسية للفلسطينيين المحققون وجدوا إلى جانب سيارته المنسوفة ورقة تقول "مع تحيات سفارة إسرائيل كوبنهاجن" هآرتس: "سيفهم المسلحون موت كنفاني على أنه انتقام لمجزرة اللد" "غسان حلم جميل فى ليل عربي حار، يمر الزمان ويظل يتوهج، يفعل فى النفوس، يوحى.. يشع..يضئ الزوايا المعتمة فى الحياة العربية.. يحول الليل إلى صباح، فهو بداية دائمة، غسان ظاهرة نادرة يجمع بين طاقات متعددة تتلاحم وتعمل بانسجام فى خدمة قضية هي من أعدل القضايا وأنبلها، إنها قضية تحرير الإنسان وتحريره فى فلسطين هو تحرير الإنسان فى كل مكان وكل زمان".. هذا ما قاله الأديب حليم بركات فى رثاء غسان كنفاني. تطور غسان فى القضية الفلسطينية ونضج بفعل نيرانها، فكل كلمة كتبها كانت بوحيها ومن أجلها وكما الشروق يعنى بداية الغروب كذلك الغروب يعنى بداية الشروق، ولأنه صنع استشهاده سيظل غسان طاقة هائلة تحرك الوجود العربي، فسر عظمته أنه رفض الخضوع واختار الموت طريقا إلى الشمس. ولد غسان كنفاني فى مدينة عكا بفلسطين عام 1936 من عائلة متوسطة وانتقل مع أبويه إلى يافا، حيث تلقى دراسته الابتدائية وقبل أن يتم عامه الثانى عشر هاجمت العصابات الصهيونية المدن الفلسطينية فاضطر للنزوح مع عائلته المكونة من أبويه وجده وسبعة أشقاء إلى جنوبلبنان، وأقاموا هناك فترة قصيرة ثم انتقلت العائلة إلى دمشق. بداية الخمسينات التحق غسان بحركة "القوميين العرب" التى طرحت شعار مناهضة الاستعمار، وفى 1953كتب قصته الأولى بعنوان "أنقذتنى الصدفة" وأذيعت فى برنامج أسبوعي بثته إذاعة دمشق، كما نشر قصته الثانية فى جريدة الرأي فى نفس العام بعنوان "شمس جديدة" والتى تدور أحداثها حول طفل صغير من غزة، ثم نشر روايته الشهيرة "رجال تحت الشمس" فى عام 1963. انتقل إلى بيروت فى 1960 حيث عمل محررا أدبيا بجريدة "الحرية" الأسبوعية ثم أصبح فى 1963 رئيسا لتحرير جريدة "المحرر" كما عمل فى "الأنوار" ومجلة الحوادث حتى عام 1969 ونشر بالأخيرة روايتي "من قتل ليلى الحايك" و"عائد إلى حيفا" ثم أسس مجلة "الهدف" الأسبوعية الناطقة باسم الجبهة الشعبية فى لبنان وعمل رئيسا لتحريرها حتى استشهاده. فى صباح الثامن من يونيه عام 1972 استشهد غسان كنفاني على يد إسرائيل، عندما انفجرت قنبلة بلاستيكية ومعها خمسة كيلو جرامات من الديناميت فى سيارته أودت بحياته الغالية. تقول زوجته ورفيقة نضاله السيدة "آنى": "بعد دقيقتين من مغادرة غسان وابنة أخته لميس سمعنا انفجارا قويا وتحطمت كل نوافذ المنزل.. نزلت السلم مسرعة فوجدت البقايا المحترقة لسيارته ووجدنا لميس على بعد أمتار.. لم نجد غسان.. ناديت عليه ثم وجدت ساقه اليسرى.. وقفت بلا حراك.. فى حين أخذ فايز ابنه يدق رأسه بالحائط.. وليلى ابنتى تصرخ: بابا.. بابا.. لقد قتلوك". وجد المحققون إلى جانب السيارة المنسوفة ورقة تقول "مع تحيات سفارة إسرائيل كوبنهاجن". وكما يقول الدكتور الحسيني الحسيني المعدي، مؤلف موسوعة أشهر الاغتيالات فى العالم" فإن هذه الورقة لها معناها المحدد وتكشف جانب مهم من جوانب نضاله السياسي. كان غسان متزوجًا من فتاه دنماركية اسمها "آني" لعبت دورًا كبيرًا فى تاريخ نضاله السياسي ونشاطه الثوري واعتمد عليها فى توثيق صلاته بكثير من الأوساط الأوربية والحصول على الكثير من الوثائق المتصلة بواقع العرب فى الأرض المحتلة، وتجدر الإشارة إلى أن غسان التقى مع "آنى" لأول مرة خلال زيارتها لبعض الدول العربية لإعداد دراسة عن اللاجئين الفلسطينيين، وتعرفت عليه باعتباره كاتبا فلسطينيا يمكن أن يساعدها فى إعداد البحث وتقصى الحقائق ثم تزوجا. أبدت الصحف الإسرائيلية اهتماما باستشهاد غسان كنفاني فى اليوم التالي لاغتياله، فنشرت صحيفة "هآرتس" فى التاسع من يونيه مقال وصفت فيه مقتله بالضربة القاسية للفلسطينيين، وتحدث عن علاقة غسان بجماعة اليابانيين أعضاء الجيش الأحمر، ومشاركته فى التخطيط لعملية مطار "اللد" التى قسمت ظهر إسرائيل فى هذا الوقت، وكانت دافعا قويا للانتقام، وذكر المقال "إن المسلحين سيفهمون موت كنفاني على أنه انتقام لمجزرة اللد" على حد تعبيرهم، كما وصفته الصحيفة بأنه الرجل الثالث فى المنظمة بعد جروج حبش والدكتور وديع حداد ورغم الحراسة المشددة على حبش وحداد كان غسان مكشوفا أكثر بسبب مهمته كناطق باسم الجبهة الشعبية فى لبنان وكرئيس لمجلتها "الهدف". وكانت صحيفة معاريف قد نشرت فى 9/6/1972 بعد العملية الفدائية فى مطار "اللد" مقالا عن علاقة الجبهة الشعبية بالجيش الأحمر، ونشرت صورة هر فيها غسان وكتب تحتها " ثوري ياباني انضم إلى الجبهة فى لبنان بصحبة غسان كنفاني من زعماء المخربين".