لم تمنعهم حداثة أعمارهم وأجسامهم النحيفة الصغيرة من الجلوس خلف عجلة القيادة، في سيارات "السرفيس" والأجرة، بطول نهر الطريق، داخل وخارج مدينة نجع حمادي، بقراها ونجوعها، رغم أنهم لا يزالون في أعين القانون أطفالا لم يحملوا بطاقة الرقم القومي بعد، معرضين حياتهم وحياة الركاب للخطر يوميا، دون إنكار حقيقة أوضاع بعضهم المعيشية التي دفعتهم لمثل هذا العمل، رغم أن معظمهم يعتقد أن في ذلك حق أصيل له وميراث من أبيه، في ظاهرة باتت تشكل خطرا داهما، يبحث بإلحاح عن حلول ناجزة، من المجتمع أولا، ومن الجهات المسؤولة والمختصة، للحد من انتشار تلك الظاهرة التي تهدد سلامة المواطنين وأمنهم. ظاهرة يومية يقول مختار حفظ الله، موظف، إن قيادة سيارات الأجرة من قبل الصبية الذين لم يحصلوا حتى علي بطاقة الرقم القومي، أصبحت ظاهرة يومية، لا يخلوا "موقف للأجرة" منها، وهو أمر يعرض الجميع للخطر، لاسيما وأنهم يقودون السيارات بسرعة ورعونة شديدة، دون مراعاة لوجود السيدات وكبار السن بين الراكبين، فضلا عن تسببهم في حدوث مشاجرات ونزاعات متعددة بين الأهالي، وما ينتج عنها من تطورات قد تمتد إلى عائلات بأكملها خاصة في مجتمعنا الصعيدي. ويوضح عبد الحكيم يوسف، مدرس، أن غياب الرقابة على السائقين سببا رئيسيا في استفحال هذه الظاهرة، التي أصبحت منتشرة في كل مواقف السيارات، وما يترتب على ذلك من انتشار حوادث الطرق المتكررة، بسبب عدم إلمامهم بأبسط قواعد المرور والقيادة، وسقوط الضحايا يوميا سواء داخل المدن أو على الطرق السريعة. ويضيف إدريس فريد، محاسب، أن هناك أكثر من حادثة تعرض لها مواطنون بالقرى والنجوع، كان شاهدا عليها، وكان سببها قيادة السيارة بمعرفة صبي صغير، تجاوز السرعة المقررة، أو اخترق خط سير السيارات الأخرى فجأة، فضلا عن عدم احترامهم للمواطنين الراكبين معهم، عبر استخدامهم لألفاظ خارجة فيما بينهم، أو بتشغيل الأغاني "المنفرة والهابطة" بأصوات صاخبة لا تراعي مشاعر الآخرين، التي تحتاج إلى مراقبة دائمة، خاصة وأن أهالي القرى يقيمون مآتمهم في سرادقات على جوانب نهر الطريق أحيانا، حيث تعبر بينها سيارات هؤلاء الأطفال بهذه التجاوزات. عدم مراعاة العادات ويشير علي الشرقاوي، مدرس، إلى أن للقرى والنجوع عادات وتقاليد خاصة، تعبر عما تحتفظ به بداخلها من قيم ومبادئ طيبة، التي من أهمها احترام المرأة وخصوصيتها، وعدم التحدث إليها خارج نطاق أسرتها ومحارمها، الأمر الذي لا يحترمه السائقون الصغار بتحدثهم إليها حال ركوبها معهم، فضلا عن عدم احترام سلامتها طبيا، إذا كانت الراكبة "حامل" بتعريض حياتها للخطر بالقيادة السريعة والجنونية، وعبور المطبات الصناعية بطريقة شبه استعراضية. ويعرب أحمد محمد أحمد، موظف، عن أمله في أن تقوم الجهات الأمنية المختصة بدور أكثر فاعلية، عن طريق تشديد الرقابة على هؤلاء الصغار، وتغليظ العقوبة على من يرتكب هذه المخالفة الفادحة، وعدم السماح لمن هو أقل من السن القانوني بقيادة أي مركبة سواء خاصة أو عامة، حرصا على سلامة المواطنين وللحد من حوادث الطرق. ويعزو أحمد ذكي، تاجر، انتشار ظاهرة السائقين تحت السن القانوني، إلى عدم وعي الآباء من السائقين بسلامة أبنائهم، وبحثهم عن التوسع في الرزق ولو على حساب الآخرين، سواء بالسماح لأبنائهم بقيادة سيارات الأجرة، أو بتسليم السيارة إلى سائق صغير في أحد نوبتجيات العمل الخاصة بها، حتى وإن عرض السائق حياة الركاب للخطر، ولكن بشرط سلامة السيارة أولا وحتى قبل سلامته. تشديد الرقابة ويطالب هاني عبادي، مدرس، إدارة المرور بتكثيف حملاتها، للحد من انتشار ظاهرة السائقين الصغار، وتغيير أماكن الحملات المرورية باستمرار، حتى تتمكن من القيام بدورها بضبط المخالفين، وسحب التراخيص الخاصة بالسيارة إذا لزم الأمر، لافتا إلى أن التلاميذ والطلاب والمدرسين أكثر الناس عرضة للخطر يوميا أثناء ذهابهم وإيابهم من وإلى مدارسهم. "المهنة لمت" يقول سليم فهيم، سائق، إن ظاهرة السائقين الصغار "تحت السن القانوني" أصبحت منتشرة في جميع خطوط نقل الركاب بمدينة نجع حمادي والقرى المجاورة لها ، دون وجود رقابة أمنية صارمة، تحد من انتشار تلك الظاهرة، التي تقع المسؤولية فيها أولا على أولياء أمور هؤلاء الأطفال، الذين يمنحونهم الحق في قيادة المركبات الخاصة بهم وتعريض حياتهم للخطر قبل حياة المواطنين. ويري أشرف أبو المجد، سائق، أن وجود الصبية خلف عجلة القيادة، وتحملهم مسؤولية قرابة ال14 راكبا، دون وعي منهم بقواعد السير والقيادة، يؤكد أن "المهنة لمت" وتحتاج إلى إعادة نظر في كل من يتجرأ عليها، حفاظا على سلامة المواطنين. نقابة السائقين ويوضح عبد الحسيب أبو الوفا، عضو مجلس إدارة نقابة سائقي السيارات بنجع حمادي وفرشوط، أن النقابة ترفض هذه الظاهرة شكلا وموضوعا، وتشدد على السائقين بضرورة التأكد من حصول العاملين معهم وعلى سياراتهم للرخص القانونية اللازمة، قبل السماح لهم بقيادة سيارات الأجرة أو السر فيس، تطبيقا للقانون، وحرصا على سلامة المواطنين. ومن جانبه، قال جاد الكريم حمدي محمد، نقيب السائقين بنجع حمادي، إن ظاهرة انتشار السائقين تحت السن القانوني أصبحت واقعا فعليا، وهو ما ترفضه النقابة المستقلة لسائقي السيارات بمحافظة قنا، وتبذل قصارى جهدها للقضاء عليه، لافتا أنه خاطب الإدارة العامة لمرور قنا، الأسبوع الماضي، بضرورة اتخاذ إجراءات صارمة للحد من انتشار تلك الظاهرة، مطالبا الجهات الأمنية المختصة بالإطلاع بدورها المنوط بها لضبط الشارع. ويشير نقيب السائقين بنجع حمادي إلى أن أحد مواقف سيارات الأجرة، الخاص بقرية بهجورة، غرب نيل مدينة نجع حمادي، به 85 سيارة أجرة، منها 60 سيارة يقودها أطفال تحت السن، وعندما اعترض الأهالي على ذلك وأنشأوا مطبات صناعية لحماية ذويهم من رعونة قائدي السيارات، نشبت مشادات ومشاجرات بينهم وبين السائقين، الأمر الذي استدعي ذهابي إليهم ومطالبتهم بالقضاء على هذه الظاهرة، فما كان من السائقين إلا أن قاموا بتقديم مذكرة أمنية ضدي تتهمني بتحريض الأهالي على وضع المطبات العشوائية بالطرق. غياب القانون ويرى الدكتور سيد عوض، رئيس قسم الاجتماع بجامعة جنوب الوادي، أن غياب العدالة الجنائية، وتطبيق القبضة الأمنية، هو السبب الرئيسي في انتشار الظاهرة، التي تفاقمت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وما ترتب على ذلك من غياب القيم والمعايير الأخلاقية في حياة جزء كبير من المجتمع المصري، لافتا إلى جهل أولياء الأمور بالقوانين التي تحملهم المسؤولية حال ارتكاب أطفالهم للجرائم، وسعيهم لكسب الرزق، هو ما يدفعهم إلى تحميل هؤلاء الصبية مسؤولية تفوق طاقاتهم. المرور وفي سياق متصل، يوضح المقدم أحمد صقر، رئيس وحدة مرور نجع حمادي، أن ظاهرة السائقين تحت السن القانوني، لا وجود لها في خطوط السرفيس داخل المدينة، وقد تكون موجودة بمواقف الأجرة ببعض القرى والنجوع، وهو ما تعمل إدارة مرور نجع حمادي على الحد منه والقضاء عليه. ويضيف رئيس وحدة مرور نجع حمادي أن حملات اليوم الواحد مستمرة أسبوعيا لمراقبة الطرق الداخلية والسريعة لضبط المخالفين، وتحرير مخالفات سير بدون رخصة قيادة، التي تصل غرامتها إلى 1500 جنيه، فضلا عن تحرير مخالفة "قيادة حدث" التي تعد جنحة وفق قانون المرور الجديد، لافتا أن هناك عجز في ضباط الشرطة يحول دون توفير ضابط ثابت على كل كمين لمراقبة الطرق، داعيا السائقين إلى الإلتزام بتعليمات القيادة، حتى لا يقعوا تحت طائلة القانون، والحفاظ على حياتهم وحياة المواطنين، والالتزام بأخلاقيات المجتمع الذي يعيشون فيه.