الهجرة تتلقى ردًا من التعليم العالي بشأن توثيق الأوراق الرسمية لعدد من الطلاب العائدين من روسيا    عاجل.. تراجع سعر الدولار الآن في عدد من البنوك.. إليك آخر تحديث للعملة    «معلومات الوزراء»: لندن تتصدر مؤشر التمويل الأخضر عالميا    بلينكن: تخفيف الوضع الإنساني في غزة رهين وقف إطلاق النار    الرئيس السيسي يستقبل رئيس جمهورية البوسنة والهرسك بقصر الاتحادية    دوري أبطال أوروبا.. بايرن ميونخ ينشد الفوز أمام ريال مدريد    الزمالك: الفوز على الأهلي ببطولتين.. ومكافأة إضافية للاعبين بعد التأهل لنهائي الكونفدرالية    عاجل| مصدر بالأهلي ل "الفجر الرياضي": هذا هو حارس نهائي إفريقيا أمام الترجي التونسي    الأرصاد: درجات الحرارة تعود لطبيعتها بعد ارتفاع الأسبوع الماضي    أبو الغيط يهنئ الأديب الفلسطيني باسم الخندقي على فوزه بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)    قافلة طبية مجانية بالتعاون مع المستشفى الجامعي بالفيوم    تفتيش 70 ألف منشأة.. وزير العمل: السلامة والصحة المهنية أولوية قصوى    بقيمة 30 مليون جنيه.. «تنمية المشروعات» يوقع عقدا لتمويل المشاريع متناهية الصغر    المشاط: تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري يدعم النمو الشامل والتنمية المستدامة    9 مايو أخر موعد لتلقي طلبات استثناء المطاعم السياحية من تطبيق الحد الأدنى للأجور    الأنبا بشارة يشارك في صلاة ليلة الاثنين بكنيسة أم الرحمة الإلهية بمنهري    بحضور وزير الخارجية الأسبق.. إعلام شبين الكوم يحتفل ب عيد تحرير سيناء    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    التعاون الاقتصادي وحرب غزة يتصدران مباحثات السيسي ورئيس البوسنة والهرسك بالاتحادية    مرصد الأزهر يستقبل سفير سنغافورا بالقاهرة لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب    وزارة العمل تنظم ورشة لمناقشة أحكام قانون العمل بأسوان    عبد الواحد السيد يكشف سبب احتفال مصطفى شلبي ضد دريمز    برشلونة أبرزها.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    تطور عاجل في مفاوضات تجديد عقد علي معلول مع الأهلي    بنزيمة يغيب عن الكلاسيكو ضد الهلال    رئيس أكاديمية الشرطة: نطبق آليات لمكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر    إصابة عامل بطلقات نارية في ظروف غامضة بقنا    موعد إعلان أرقام جلوس الصف الثالث الثانوي 2023 -2024 والجدول    احالة 373 محضرًا حررتها الرقابة على المخابز والأسواق للنيابة العامة بالدقهلية    أمن القاهرة يضبط عاطلان لقيامهما بسرقة متعلقات المواطنين بأسلوب "الخطف"    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    البحوث الإسلامية يعقد ندوة مجلة الأزهر حول تفعيل صيغ الاستثمار الإنتاجي في الواقع المعاصر    طارق الشناوي ينعى عصام الشماع: "وداعا صديقي العزيز"    منهم فنانة عربية .. ننشر أسماء لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائى فى دورته ال77    «ماستر كلاس» محمد حفظي بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. اليوم    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    بحث التعاون بين مصر وإندونيسيا في صناعة السيارات الكهربائية والوقود الاخضر    «كلبة» سوداء تتحول إلى اللون الأبيض بسبب «البهاق»    تعرف على الجناح المصري في معرض أبو ظبي للكتاب    أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على طلاقها من أحمد العوضي    خسائر جديدة في عيار 21 الآن.. تراجع سعر الذهب اليوم الإثنين 29-4-2024 محليًا وعالميًا    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    اتحاد الكرة: قررنا دفع الشرط الجزائي لفيتوريا.. والشيبي طلبه مرفوض    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    رئيس كوريا الجنوبية يعتزم لقاء زعيم المعارضة بعد خسارة الانتخابات    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    مصرع عامل وإصابة آخرين في انهيار جدار بسوهاج    من هي هدى الناظر زوجة مصطفى شعبان؟.. جندي مجهول في حياة عمرو دياب لمدة 11 سنة    "استمتع بالطعم الرائع: طريقة تحضير أيس كريم الفانيليا في المنزل"    مفاوضات الاستعداد للجوائح العالمية تدخل المرحلة الأخيرة    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    علييف يبلغ بلينكن ببدء عملية ترسيم الحدود بين أذربيجان وأرمينيا    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما حكم الشرع فى زيارة أضرحة آل البيت؟
نشر في مصراوي يوم 21 - 12 - 2015

ما حكم الشرع في زيارة مقامات آل البيت ورجال الله الصالحين؟ وما حكم من يدعي أن زيارتهم بدعة وشرك؟
تجيب أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:
زيارة مقامات آل بيت النبوة من أقرب القربات وأرجى الطاعات قبولاً عند رب البريات؛ فإن زيارة القبور على جهة العموم مندوب إليها شرعًا؛ حيث حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على زيارة القبور فقال: «زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ» رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي رواية أخرى للحديث: «فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ».
وأَوْلى القبور بالزيارة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبور آل البيت النبوي الكريم، وقبورهم روضات من رياض الجنة، وفي زيارتهم ومودتهم برٌّ وصلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.. [الشورى : 23].

وزيارة قبور آل البيت والأولياء مشروعة بالكتاب والسنة وعمل الأمة سلفًا وخلفا بلا نكير: فمن الكتاب الكريم: قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ
لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}. [الكهف: 21]. فجعلت الآية بناء المسجد على قبور الصالحين التماسًا لبركتهم وآثار عبادتهم أمرًا مشروعًا.

قال الإمام البيضاوي: [لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة، ويتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانًا، لعنهم الله ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه، أما من اتخذ مسجدًا بجوار صالح أو صلى في مقبرته وقصد به الاستظهار بروحه ووصول أثر من آثار عبادته إليه -لا التعظيم له والتوجه- فلا حرج عليه؛ ألا ترى أن مدفن إسماعيل في المسجد الحرام ثم الحَطِيم، ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي بصلاته، والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمنبوشة؛ لما فيها من النجاسة].

ومن السنة النبوية الشريفة:
أن النبيَّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قام بزيارته قبر أمه عليها السلام؛ فقد روى الإمام أحمد ومسلم في "صحيحه" وأبو داود وابن ماجه، وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زار قبرَ أمه، فبَكَى وأبكى مَن حولَه، وأخبر أن الله تعالى أذن له في زيارتها، ثم قال: «فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ».

وقد وصَّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته بآل بيته، فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى "خُمًّا" بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ! أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ الله، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ الله وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ» فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ الله وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ الله فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ الله فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ الله فِي أَهْلِ بَيْتِي» رواه مسلم.
بل إن زيارة الإنسان لقبورهم آكدُ من زيارته لقبور أقربائه مِن الموتى كما قال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي»، وقال رضي الله عنه أيضًا: «ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وآله وسلم فِي أَهْلِ بَيْتِهِ» رواهما الإمام البخاري في صحيحه، والصلة لا تنقطع بالموت، بل إن زيارة القبور جزء من الصلة التي رغب فيها الشرع الشريف.
ولزيارة قبور آل البيت والأولياء فضيلة عظيمة؛ فإن المتوفى يرد السلام على من يزوره ويسلم عليه، ورد السلام دعاء؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُرُّ عَلَى قَبْرِ أَخِيهِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ»، وفي رواية: «إِذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرٍ يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَعَرَفَهُ، وَإِذَا مَرَّ بِقَبْرٍ لَا يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» رواه ابن أبي الدنيا في "القبور".
ونقل ابن تيمية: أنه ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولا ريب أن دعاء آل البيت والصالحين أرجى عند الله قبولا وأقرب من الله وَصلًا ووصولًا.

وقبور آل البيت والصالحين مواضع مباركة يُستَجاب عندها الدعاء؛ فإن قبور أهل الجنة روضات من رياض الجنة؛ إذ يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْقَبْرُ إِمَّا رَوْضَةٌ مِن رِيَاضِ الْجنَّةِ، أَو حُفْرَةٌ مِن حُفَرِ النَّارِ» أخرجه الترمذي في "السنن" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، والطبراني في "المعجم الأوسط" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وابن أبي الدنيا في "القبور" والبيهقي في "إثبات عذاب القبر" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وروى الحافظ أبو موسى المديني عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال: [قبورُ العِبَادِ مِن أهل السُّنَّة روضةٌ مِن رياض الجنة].
وقبور آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم تتنزل عليها البركة والصلاة من الله تعالى في كل آنٍ؛ فإنه لا يخلو زمان من عبدٍ يُصلي داعيًا في صلاته بحصول الصلاة والبركة على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما في الصلاة الإبراهيمية، وهذا يقتضي تجدد الصلوات والبركات والرحمات على أضرحتهم وقبورهم في كل لحظة وحين؛ فهم موضع نظر الله تعالى، ومَن نالهم بسوء أو أذًى فقد تعرض لحرب الله عز وجل، كما جاء في الحديث القدسي: «مَن عادى لي وَلِيًّا فقد آذَنتُهُ بالحَربِ» رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال العلامة الشوكاني: [فصل فِي أَمَاكِن الْإِجَابَة وَهِي الْمَوَاضِع المُبَارَكَة.. (قوله وهي المواضع المباركة) أقول: وجه ذلك أنه يكون في هذه المواضع المباركة مزيد اختصاص؛ فقد يكون ما لها من الشرف والبركة مقتضيا لعود بركتها على الداعي فيها وفضل الله واسع وعطاؤه جم: وقد تقدم حديث: «هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ»؛ فجعل جليس أولئك القوم مثلهم مع أنه ليس منهم وإنما عادت عليه بركتهم فصار كواحد منهم، فلا يبعد أن تكون المواضع المباركة هكذا فيصير الكائن فيها الداعي لربه عندها مشمولا بالبركة التي جعلها الله فيها؛ فلا يشقى حينئذ بعدم قبول دعائه].

وكذلك كانت سيرة الصحابة الكرام:
فقد أخرج الحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "السنن الكبرى" و"دلائل النبوة": عن علي بن الحسين عن أبيه رضي الله عنهما: أن فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تزور قبرَ عمِّها حمزة رضي الله عنه كلَّ جمعة؛ فتصلي وتبكي عنده".

قال الحاكم في "المستدرك": "هذا الحديث رواته عن آخرهم ثقات، وقد استقصيتُ في الحث على زيارة القبور تحريا للمشاركة في الترغيب، وليعلم الشحيح بذنبه أنها سنة مسنونة". وقال في موضع آخر من "المستدرك": "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
وروى عبد الرزاق في "المصنف"، والبيهقي في "السنن الكبرى" أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا قدم من سفر دخل المسجد ثم أتى القبر فقال: "السلام عليك يا رسول الله, السلام عليك يا أبا بكر, السلام عليك يا أبتاه".
وعلى ذلك جرى علماء الأمة وفقهاؤها ومحدِّثُوها سلفًا وخلفًا: قال الحافظ ابن حجر: [قال الحاكم في "تاريخ نيسابور": "سمعت أبا بكر محمد بن المؤمل يقول: خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة مع جماعة من مشايخنا، وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضى بطوس، قال: فرأيت من تعظيمه، يعني ابن خزيمة، لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرعه عندها ما تحيرنا"].
وقال ابن حبان: [وقبره بسنا باذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد، قد زرته مرارًا كثيرة، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلا استجيب لي وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته مرارًا فوجدته كذلك].
ولمفتي الديار المصرية الأسبق خاتمة المحققين الشيخ العلامة محمد بخيت المطيعي كلام متين في تقرير أثر زيارة الصالحين وآل البيت؛ حيث يقول في رسالته: [قال المناوي: تعلق النفس بالبدن عظيم جدًّا؛ حتى إنها بعد المفارقة تشتاق وتلتفت إلى الأجزاء البدنية المدفونة؛ فإذا زار إنسان قبر آخر وتغاضى عن العلائق الجسمانية والعلائق الطبيعية توجهت نفسه إلى العالم العقلي فلتواجه نفسه نفس الميت ويحصل منهما المقابلة كما في المرآتين، فيرتسم فيها صورة عقلية بطريق الانعكاس، ويحصل لها بذلك كمال.
وقد ذكر الغزالي: المقصود من زيارة الأنبياء والأولياء والأئمة: الاستمداد من سؤال المغفرة وقضاء الحوائج من أرواحهم، والعبارة عن هذا الإمداد الشفاعة، وهذا يحصل من جهتين: الاستمداد من هذا الجانب، والإمداد من ذلك الجانب. ولزيارة المشاهد أثر عظيم في هذين الركنين:
أما الاستمداد: فبانصراف همة صاحب الحاجة عن أموره العادية باستيلاء ذكر المزور على الخاطر، حتى تصير كلية همته مستغرقة في ذلك، ويقبل بكليته على ذكره وخطوره بباله، وهذه الحالة سبب منبه لروح ذلك الشفيع أو المزور؛ حتى تمد روح المزور الطيبة ذلك الزائر بما يستمد منها، ومن أقبل بكليته وهمته على إنسان في دار الدنيا فإن ذلك الإنسان يحس بإقبال ذلك المقبل عليه؛ لخبره بذلك، فمن لم يكن في هذا العالم فهو أولى بالتنبه، وهو مهيأ لذلك التنبه؛ فإن اطلاع مَن هو خارج عن أحوال العالم على بعض أحوال العالم ممكن؛ كما يطلع من هو في المنام على أحوال من هو في الآخرة: أهو مُثاب أم مُعاقَب؟ فإن النوم صنو الموت وأخوه؛ فبسبب الموت صرنا مستعدين لمعرفة أحوال لم نكن مستعدين في حال اليقظة لها، فكذا من وصل إلى دار الآخرة ومات موتًا حقيقيًّا كان بالاطلاع على أحوال هذا العالم أولى وأحرى، فأما كلية أحوال هذا العالم في جميع الأوقات فلم تكن مندرجة في سلك معرفتهم، كما لم تكن أحوال الماضين حاضرة في معرفتنا في منامنا عند الرؤيا.

ولإيجاد المعارف معينات ومخصصات؛ منها: همة صاحب الحاجة وهي استيلاء ذكر صاحب تلك الروح العزيزة على صاحب الحاجة، وكما تؤثر
مشاهدة صورة الحي في خطور ذكره وحضور نفسه بالبال فكذا تؤثر مُشاهدة ذلك الميت ومشاهدة تربته التي هي حجاب قالبه؛ فإن أثر ذلك الميت في النفس عند غيبة قالبه ومشهده ليس كأثره في حال حضوره ومشاهدة قالبه ومشهده.

ومن ظن أنه قادر على أن يحضر في نفسه ذلك الميت عند غيبة مشهده كما يحضره عند مشاهدة مشهده فذلك ظن خطأ؛ فإن للمشاهدة أثرًا بينًا ليس للغيبة مثله، ومن استعان في الغيبة بذلك الميت لم تكن هذه الاستعانة أيضًا جزافًا ولا تخلو من أثر ما؛ كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: «مَن صلى علي مرة صليت عليه عشرًا» و«من زارني حلت له شفاعتي».
فالتقرب بقالبه الذي هو أخص الخواص به وسيلة تامة متقاضية للشفاعة، والتقرب بولده الذي هو بضعة منه ولو بعد توالد وتناسل، والتقرب بمشهده ومسجده وبلدته وعصاه وسوطه ونعله وعضادته، والتقرب بعادته وسيرته وبما له مناسبة إليه يوجب التقرب إليه ومقتضٍ لشفاعته؛ فإنه لا فرق عند الأنبياء والأولياء في كونهم في دار الدنيا وكونهم في دار الآخرة إلا في طريق المعرفة؛ فإن آلة المعرفة في دار الدنيا: الحواسُّ الظاهرة، وفي العقبى: آلة بها يعرف الغيب؛ إما في صورة مثال، وإما على سبيل التصريح. وأما الأحوال الأخر في التقرب والقرب والشفاعة فلا تتغير.
والركن الأعظم في هذا الباب: الإمداد والاهتمام من جهة المُمِدِّ وإن لم يشعر صاحب الوسيلة بهذا المدد؛ فإنه لو وضع شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو سوطه أو عضادته على قبر عاص أو مذنب لنجا ذلك المذنب ببركات تلك الذخيرة من العذاب، وإن كان في دار إنسان أو بلد لا يصيب سكانها بلاء وإن لم يشعر بها صاحب الدار أو ساكن البلد؛ فإن اهتمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في العقبى مصروف إلى ما هو له منسوب، ودفع المكاره والأمراض والعقوبات مفوَّض من الله تعالى إلى الملائكة، وكل ملك حريص على إسعاف ما حرص النبي صلوات الله عليه بهمته إليه عن غيره، كما كان في حال حياته؛ فإن تقرب الملائكة بروحه بعد موته أزيد من تقربهم بها في حال حياته].
وكان علماء المسلمين وعوامُّهم عبر العصور يزورون قبور الأنبياء والصالحين وآل البيت المكرمين ويتبركون بها من غير نكير: قال الإمام بدر الدين الزركشي الشافعي: [ينبغي أن يُستَثْنَى مِن مَنعِ نقل تراب الحرم: تربةُ حمزة رضي الله عنه؛ لإطباق السلف والخلف على نقلها للتداوي مِن الصداع].
وبناءً على ذلك:
فزيارة قبور آل البيت والأولياء والصالحين هي من آكد القربات، والقول بأنها بدعة أو شرك قول مرذول، وهو كذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وطعن في الدين وحَمَلَتِه، وتجهيل لسلف الأمة وخلفها، وعلى المسلم أن ينأى بنفسه عن هذه الأقوال الفاسدة والمناهج الكاسدة.
والله سبحانه وتعالى أعلم
فتاوى متعلقة:
- هل يعد الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه وسلم) بدعة؟
- ما حكم الشرع فى الطواف بالقبور؟
- ما حكم عمل ختمة لقراءة القرآن الكريم للميت؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.