صحيح «متنًا وسندًا» ..7 آلاف حديث في موسوعة جامعة الأزهر    عاجل: أسعار الأضاحي 2024 في جميع المحافظات "أحجز من دلوقتي"    خطوات إصدار تصريح دخول مكة للأسرة المقيمة في حج 1445    عقوبة التأخر في سداد أقساط شقق الإسكان    أعمارهم تزيد عن 40 عاما..الجيش الإسرائيلي ينشئ كتيبة احتياطية    شيخ الأزهر يعزي الدكتور أسامة الحديدي في وفاة والدته    مجلس الوزراء يكشف تفاصيل مباحثات مصطفى مدبولي ونظيره الأردني اليوم    وزيرا خارجية اليمن والبحرين يبحثان في عدن التطورات الإقليمية    نجم برشلونة يغيب 3 أشهر إضافية    استخدم سلاحين وسدد بهما طعنات تسببت في الوفاة.. الإعدام لقاتل صديقه في السويس    10 سيارات إطفاء تواصل إخماد حريق «الإسكندرية للأدوية»    موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وموعد وقفة عرفات في السعودية وجميع الدول العربية    فتحي عبد الوهاب وشريف منير ويوسف الشريف يشاركان في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع الحلقة الجديدة عبر قناة الفجر الجزائرية    خالد الجندي: البعض يتوهم أن الإسلام بُنى على خمس فقط    محظورات الإحرام لحجاج بيت الله الحرام في حج 2024    طريقة عمل بسكوت الزبدة الدائب بمكونات متوفرة بالمنزل    «تليجراف» البريطانية: أسترازينيكا تسحب لقاح كورونا وضحايا يروون مأساتهم    الأمم المتحدة: نزوح نحو 100 ألف شخص من رفح الفلسطينية    حماة وطن: الاعتداء الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يتطلب وحدة الصف المصري    مواعيد قطارات المصيف الإسباني والدرجة الثالثة.. رحلة بأقل تكلفة    شروط الحصول على تأشيرة شنجن.. تتيح فرصة السفر ل27 دولة أوروبية    «الباشا» أول أعمال صابر الرباعي في الإنتاج الموسيقي    رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات يستعرض الحساب الختامي للموازنة    أسماء جلال تنضم لفيلم "فيها إيه يعني"    ننشر مذكرة دفاع حسين الشحات في اتهامه بالتعدي على محمد الشيبي (خاص)    "بعد اقترابه من حسم اللقب".. كم عدد ألقاب الهلال في الدوري السعودي؟    بالفيديو.. خالد الجندي: أركان الإسلام ليست خمس فقط    أمين الفتوى: الزوجة مطالبة برعاية البيت والولد والمال والعرض    بسبب رائحة غريبة.. طائرة ركاب تعود إلى فرانكفورت بعد إقلاعها    الرئيس السيسي يحذر من العواقب الإنسانية للعمليات الإسرائيلية في رفح الفلسطينية    رئيس الوزراء يتابع جهود إقامة مركز جوستاف روسي لعلاج الأورام في مصر    بنك التعمير والإسكان يحصد 5 جوائز عالمية في مجال قروض الشركات والتمويلات المشتركة    أوقاف شمال سيناء تعقد برنامج البناء الثقافي للأئمة والواعظات    مصطفى غريب يتسبب في إغلاق ميدان الإسماعيلية بسبب فيلم المستريحة    لمواليد برج العقرب والسرطان والحوت.. توقعات الأسبوع الثاني من مايو لأصحاب الأبراج المائية    «الهجرة» تكشف عن «صندوق طوارئ» لخدمة المصريين بالخارج في المواقف الصعبة    متحور كورونا الجديد «FLiRT» يرفع شعار «الجميع في خطر».. وهذه الفئات الأكثر عرضة للإصابة    محافظ الشرقية: الحرف اليدوية لها أهمية كبيرة في التراث المصري    قوات الدفاع الشعبى تنظم ندوات ولقاءات توعية وزيارات ميدانية للمشروعات لطلبة المدارس والجامعات    فصائل عراقية: قصفنا هدفا حيويا في إيلات بواسطة طائرتين مسيرتين    على معلول يحسم مصير بلعيد وعطية الله في الأهلي (خاص)    وزير الرياضة يلتقي سفير بيلاروسيا لبحث مجالات التعاون المشترك    بعد ظهورها مع إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز تعلق على تصدرها للتريند في 6 دول عربية    "الخشت" يستعرض زيادة التعاون بين جامعتي القاهرة والشارقة في المجالات البحثية والتعليمية    وزير الصحة: دور القطاع الخاص مهم للمساهمة في تقديم الخدمات الطبية    محافظ الغربية يوجه بتسريع وتيرة العمل في المشروعات الجارية ومراعاة معايير الجودة    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    وزيرة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    البورصة تخسر 5 مليارات جنيه في مستهل أخر جلسات الأسبوع    عبدالملك: تكاتف ودعم الإدارة والجماهير وراء صعود غزل المحلة للممتاز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفقودون بحرب لبنان: صورٌ ترويها "داليا" عن الفجيعة
نشر في مصراوي يوم 14 - 10 - 2015

ولّى زمن الحرب. كان العام 2005 قد بدأ حين التحقت داليا خميسي بمكتب وكالة أسوشيتد برس ببيروت، تعمل كمحررة صور، تستمع بما تفعل، التصوير ملاذها، تتعافى من آثار القتال اللبناني الذي ابتلع طفولتها، لا تقترب أبدًا من تفاصيل الحرب الأهلية، تهرب من الذكرى كأنها وحش أسطوري، تقفز على حكايات من حولها عن زمن الصراع، ترميها خلف ظهرها، غير أن ذلك كان مؤقتًا، مرت بها أحداث اقتلعتها من القوقعة، فانجذبت رويدًا للحرب القديمة، لتجد نفسها بالنهاية داخل مشروع لتصوير أهالي المفقودين بالحرب، وتوثيق معاناتهم بحثًا عن الأبناء.
كانت داليا تعيش بكنف أسرتها ببيروت الشرقية، ذاكرتها الخاصة بالحرب ليست متسعة "أو يمكن ذاكرتي انتقائية.. فيه أشياء ما بتطلع من راسي وأشياء أخرى راحت"، مشاهد خاطفة تمر بها، لا تحكيها لأحد "يمكن من كتر ما هي بشعة"، ورغم أن خروجها من بوتقة البُعد عن الحرب كان صعبًا، لكنه عرّفها على روايات أهل المفقودين.
حتى عام 2010 لم تُكرس داليا وقتها لذلك المشروع، فقط تعمل على القصص الإنسانية بلبنان، أو الدول العربية الأخرى "بلشت أشتغل على العراق قبل اجتياحه صورت هناك، وكذلك اللاجئين بالأردن"، لكنها تذكر مسيرات أمهات المفقودين عام 2005، يجوبون بقاع بيروت للفت انتباه الدولة، إذ تم تكليف داليا لتصويرهن "كانوا بيوقفوا تحت مكتب الوكالة وانا ما كنت بصور بس اضطريت أنزل"، كمن اُلقي في النار شعرت المصورة "شيء مُزعج.. كتير أثر فيا إنو نساء كبار لسة عم بيدوروا ع ولادهن وبعضهن ماتت أثناء البحث"، عقب التجربة القصيرة تغيّرت "قلت إذا بدي أفضل بلبنان مابديش أضل أهرب.. وهاي المفقودين يلي بيوصل عددهم ل17 ألف قصصهم لازم تتحكي".
خيمة أهالي المفقودين كانت المحطة الأولى لخريجة الفنون الجميلة، هي مكان ببيروت يجتمع داخله الأهالي بشكل دوري، بعضهم يبيت به "زي الست أوديت سالم اللي روحت لعندا 2009 عشان أشوف الحال هناك"، فقدت تلك السيدة ابنة وابن عام 1985 "كانت عم تحضر لهم الغدا ومنتظراهم يرجعوا من العمل بس ما رجعوا من ساعتها"، ظلت أوديت على عهدها بالبحث حتى مماتها في حادث سير "هاي السيدة أثرت فيا وشعرت بالذنب لأني وقتها مكنتش بلشت بالمشروع بشكل رسمي".
بالمنطقة الغربية كان والد داليا عام 83، برفقته شابان، يقضي ثلاثتهم بعض المصالح وقت أن اُختطفوا "كل اللي بتذكره إنه أبوي ما عاد للبيت"، عُمر داليا وقتها حوالي سبعة أعوام، لا تشرح لها والدتها الحائرة شيئًا، غير أن الجيران ما لبثوا يسألونها عن "بابا"، ما استطاعت أن تجيب "ما كنت بفهم أد إيه الموضوع جد، ولا ليش يعطوني أهمية ويسألوني"، عاد الوالد بعد ثلاثة أيام، عرفت فيما بعد أنه اُفرج عنه ضمن صفقة لتبادل الأسرى بين الميليشيات "كنت محظوظة إنه يعود، بلشت أفكر ساعات إني لو مكان أهالي المفقودين كنت كيف بدي أتعاطى مع الموضوع؟".
بيت صغير داخل مخيم البرج بإحدى ضواحي بيروت، عجوز تجلس أسفل أربع صور، هم بالترتيب لأولادها عزيز، إبراهيم، منصور وأحمد، تتكىء على عكازها، نظراتها تائهة وقلبها يبحث عنهم مُنذ اختطافهم عام 1982؛ "أم عزيز" هي قصة داليا الأولى "كتير كانت مأساوية.. أنا بكيت لأنو التفاصيل موجعة.. أحمد الصغير كان أكبر مني بسنتين لما أخدوه"، أم المفقودين الأربعة احتفظت بالمتعلقات كأن رحيلهم أمس؛ حقيبة أحمد المدرسية "كان عندي متلها"، عُلبة سجائر عزيز، قميصه الوردي، كان المنزل الخالي يعج بروح الأولاد، ولم تبقَ فيه سوى الأم بعد وفاة الأب.
توالت الحكايات؛ في الطريق تعثرت داليا بذكرياتها التي فرّت منها، ازداد ندمها على تأخرها في طرق ملف المفقودين "والدي اتوفى بال2000، ما بقدر أسأله عن الفكرة، وكتير من اللي بعرفهم وعايشوا هاي الفترة تركوا لبنان"، عزاءها كان استمرار العمل على التوثيق؛ اصطدمت بقصة السيدة ماجي التي كان لها ولدين، فقدت الصغير بحادث، لكنها ولدت آخر عقب ذلك بفترة "بس انخطف وعمره 17"، أما ابنها الأكبر فقط اختنق داخل أحد الملاجئ "رغم كل هيك هاي الست لسة مستنية إنه الصغير يرجع".
أحيانًا تشعر داليا أنها لم تعد تستطيع الاحتمال "كتير مرات بوقف ب9 شهور عشان أقدر أرجع بلش"، أنشأت صفحة على فيسبوك لعرض الصور، بالإضافة لموقع ألكتروني قيد الإنشاء، وفي عام 2012 بدأت مشروع آخر يقوم على توثيق قصص أهالي المفقودين تحت إشراف أحد المؤسسات الأمريكية "كنت مسئولة عن مجموعة شباب بنجري حوارات مع الأهالي وبنعمل أفلام بثلاث دقائق عنهن"، فوجئت أثناء العمل بعزوف بعض الأهالي عن الحديث "الناس خايفين يتكلموا لأنو لسة عندنا طائفية".
قضية المفقودين لها صدى واسع بلبنان، إلا أن داليا اختارت التركيز على الشق الإنساني، بعيدًا عن السياسة والطائفية، فجرح الحرب مسّ الجميع "كنت حابة أقول إنو نحنا بالعالم الثالث مش مجرد أرقام، عند كل حدا فينا قصة وتفاصيل".
يؤمن كثيرون ممن قابلتهم داليا أن الأحبة سيعودون يومًا، يُصاب بعضهم بالإحباط بعد فوات السنين، ثم ما يلبث الأمل أن يدب بظهور خيط جديد "زي الأسير اللبناني يلي خرج وكان مسجون بسوريا وقال إنه في زيه كتير"، أما هي فلازال الأمل واليأس يتصارعان بداخلها "مجرد التفكير بأنو بعض هادول الناس ممكن ولادهم يكونوا ماتوا ومش قادرين يدفنوهم هايدا شيء مُفزع"، تعمل كمصورة حرة بجانب المشروع "مجبورة أشتغل عشان أوّفر مصاري"، لن تبرح داليا مشروعها حتى يكتمل للنهاية، على أن تجمع ما صوّرت بمعرض كبير بلبنان، ثم تكتب عن التجربة بيدها كما ترويها الآن بالصور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.