وزير التعليم: إجراءات لضمان تأمين وسرية أوراق امتحانات الشهادة الاعدادية باستخدام «الباركود»    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    «عز يسجل انخفاضًا جديدًا».. أسعار الحديد والأسمنت اليوم في الأسواق (آخر تحديث)    تمهيد وتسوية طرق قرية برخيل بسوهاج    خبير بترول دولي: الغاز ليس أهم مصادر الوقود والنفط ما زال يتربع على العرش    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    برقم العداد.. كيفية الاستعلام عن فاتورة استهلاك كهرباء أبريل 2024    محلل سياسي: الاحتجاجات الطلابية بالجامعات أدت إلى تغير السياسات الأمريكية (فيديو)    وسائل إعلام: شهداء ومصابون في غارة للاحتلال على مدينة رفح الفلسطينية    محلل سياسي يوضح تأثير الاحتجاجات الطلابية المنددة بالعدوان على غزة    بايدن: لن أرتاح حتى تعيد حماس الرهائن لعائلاتهم    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    «كلوب السبب».. ميدو يُعلق عبر «المصري اليوم» على مشادة محمد صلاح ومدرب ليفربول    وزير الرياضة يشهد مراسم قرعة نهائيات دوري مراكز الشباب النسخة العاشرة    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الرئيس التنفيذي للجونة: قدمنا بطولة عالمية تليق بمكانة مصر.. وحريصون على الاستمرار    «الداخلية» توضح حقيقة قصة الطفل يوسف العائد من الموت: مشاجرة لخلافات المصاهرة    "اكسترا نيوز" تعرض نصائح للأسرة حول استخدام ابنائهم للانترنت    أمن أسيوط يفرض كرودا أمنيا بقرية منشأة خشبة بالقوصية لضبط متهم قتل 4 أشخاص    بعد تصدرها التريند.. رسالة مها الصغير التي تسببت في طلقها    "اعرف الآن".. لماذا يكون شم النسيم يوم الإثنين؟    «تربيعة» سلوى محمد على ب«ماستر كلاس» في مهرجان الإسكندرية تُثير الجدل (تفاصيل)    تطوان ال29 لسينما البحر المتوسط يفتتح دورته بحضور إيليا سليمان    أصالة تحيي حفلا غنائيًا في أبو ظبي.. الليلة    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    بالأرقام.. طفرات وإنجازات غير مسبوقة بالقطاع الصحي في عهد الرئيس السيسي    انطلاق معرض وتريكس للبنية التحتية ومعالجة المياه بمشاركة 400 شركة غدًا    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    الزمالك يفاوض ثنائي جنوب أفريقيا رغم إيقاف القيد    حكم واجبية الحج للمسلمين القادرين ومسألة الحج للمتوفين    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    خبيرة: يوم رائع لمواليد الأبراج النارية    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    8 معلومات عن مجلدات المفاهيم لطلاب الثانوية العامة 2024    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخيمات.. أكثر من موت.. أقل من حياة..
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 07 - 2010

منذ أيام مر اليوم العالمي للاجئين الذي قررته الأمم المتحدة. اللاجئون بالبلدان العربية كثر ويصعب حصرهم، عراقيين وسودانيين وأكراداً. ولكن وحدهم اللاجئون الفلسطينيين خلقوا وطناً رمزياً من جديد بمخيماتهم، في سوريا ولبنان والأردن.
لا يمكن فصل المخيم عن فلسطين. فلسطين هي الوطن الوحيد الذي نما خارج حدوده، في بيروت وعمان ودمشق، وبالتحديد، في مخيمات هذه البلاد. كتب محمود درويش عن ناجي العلي يوماً ما: "الكون عنده أصغر من فلسطين، وفلسطين عنده هي المخيم، إنه لا يأخذ العالم إلي المخيم، ولكنه يأسر العالم في مخيم فلسطين." درويش نفسه يجعل بطله الأشهر أحمد العربي، "مخيما ينمو وينجب زعتراً ومقاتلين، وساعداً يشتد في النسيان". أما إلياس خوري فيكتب عن بطله الفلسطيني خليل، الذي ولد في المخيم، ولم ير خارجه، وعندما يري، لا يصدق، لأن بيروت عنده هي مخيماتها. لسنوات طويلة، ظلت رمزية المخيم تكاد تعادل رمزية القدس. برغم هذا، فثمة أشياء أخري غير فلسطين في المخيم، ثمة بشر، ومن البشر يتكون ما نسميه الوطن.
قبل سفري إلي لبنان حادثت أصدقاء لبنانيين وفلسطينيين عن رغبتي في زيارة المخيمات الفلسطينية ببيروت. استهجن البعض، ومعهم حق: "المخيمات ليست حديقة حيوانات، وأهلها ليسوا فرجة". في أثناء تجوالي بمخيم شاتيلا ببيروت كان بعض الأطفال يقفون أمامي مبتسمين: "صورني يا عم"، أطفال آخرون كان
منذ أيام مر اليوم العالمي للاجئين الذي قررته الأمم المتحدة. اللاجئون بالبلدان العربية كثر ويصعب حصرهم، عراقيين وسودانيين وأكراداً. ولكن وحدهم اللاجئون الفلسطينيين خلقوا وطناً رمزياً من جديد بمخيماتهم، في سوريا ولبنان والأردن.
لا يمكن فصل المخيم عن فلسطين. فلسطين هي الوطن الوحيد الذي نما خارج حدوده، في بيروت وعمان ودمشق، وبالتحديد، في مخيمات هذه البلاد. كتب محمود درويش عن ناجي العلي يوماً ما: "الكون عنده أصغر من فلسطين، وفلسطين عنده هي المخيم، إنه لا يأخذ العالم إلي المخيم، ولكنه يأسر العالم في مخيم فلسطين." درويش نفسه يجعل بطله الأشهر أحمد العربي، "مخيما ينمو وينجب زعتراً ومقاتلين، وساعداً يشتد في النسيان". أما إلياس خوري فيكتب عن بطله الفلسطيني خليل، الذي ولد في المخيم، ولم ير خارجه، وعندما يري، لا يصدق، لأن بيروت عنده هي مخيماتها. لسنوات طويلة، ظلت رمزية المخيم تكاد تعادل رمزية القدس. برغم هذا، فثمة أشياء أخري غير فلسطين في المخيم، ثمة بشر، ومن البشر يتكون ما نسميه الوطن.
قبل سفري إلي لبنان حادثت أصدقاء لبنانيين وفلسطينيين عن رغبتي في زيارة المخيمات الفلسطينية ببيروت. استهجن البعض، ومعهم حق: "المخيمات ليست حديقة حيوانات، وأهلها ليسوا فرجة". في أثناء تجوالي بمخيم شاتيلا ببيروت كان بعض الأطفال يقفون أمامي مبتسمين: "صورني يا عم"، أطفال آخرون كان
الإثنين، 19 أبريل، صور، جنوب لبنان.
يجمعني لقاء بسماح إدريس، رئيس تحرير الآداب اللبنانية. أخبره بأنني عائد إلي القاهرة غداً. وأن خطتي لزيارة المخيمات تبدو الآن مستحيلة. بعض أصدقائي متحرجون من مرافقتي إياهم هناك للتصوير والتسجيل مع الناس، وأنا أقدر هذا. يفكر قليلاً. يتصل بالرفيق أبو السعيد من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ينهي الاتصال بنظرة مظفرة. الرفيق أبو السعيد سينظم لي جولة بمخيم شاتيلا.
في اليوم التالي، قبل ميعاد الطائرة بثماني ساعات تقريباً، أصل من صور إلي بيروت. أهاتف أبو السعيد فورياً فور وصولي إلي موقف الكولا ببيروت. يخبرني أنه سينتظرني عند جامع الإمام علي. ومن الجامع نبدأ صعودنا نحو شاتيلا.
بدأت الجولة من صبرا، وهي ليست مخيما بالمناسبة، وإنما هي المنطقة التي يقع فيها مخيم "شاتيلا"، الجميع كانوا يرددون هذه الحقيقة، ردا علي الربط الدائم بين اسمي "صبرا" و"شاتيلا". الشارع مكتظ بالباعة، أهل بيروت يأتون لشراء البضائع من هنا بأسعار أرخص، يشبه العتبة، يشرح لي الرفيق أبو السعيد ما أراه. يشير إلي الشارع:
"هلأ الشارع كله اتسفلت بالاشتراك مع الأونروا. صبوا باطون (أسمنت)."
يشير إلي مسجد في الطريق: "هون مقبرة جماعية. أثناء حصار المخيمات من 85 ل87 دفنوا الشهدا اللي استشهدوا هون تحت الجامع"، وإلي بناية برتقالية كبيرة، يخبرني بأنها كانت في يوم ما مستشفي باسم "مستشفي غزة"، هي التي هرب إليها الفلسطينيون أثناء مذبحة صبرا وشاتيلا، سكنتها عناصر الكتائب بعد الاجتياح، والآن هي بناية سكنية، بعد أن تم استعادتها من يد الكتائب بعد حرب المخيمات 1987.
التركيبة السكانية للمخيم اختلفت تماما عن الثمانينيات: "دخل المخيم بعض المواطنين الفقرا اللبنانيين، ساكنين جوا، فيه مواطنين أجانب، معظمهم شغيلة سورية (سوريين) مثلاً، أكراد مثلاً، فيه أكراد من العراق ومن سوريا".
علي أبواب شاتيلا تستقبلنا صور لقادة من الجهاد الإسلامي، ولوحة كبيرة مكتوب عليها "ولو علي حجر ذُبحنا لن نساوم." وتحتها ببنط أصغر "القائد الشهيد: د. فتحي الشقاقي".
في داخل المخيم ستكون الغلبة لصور أبو عمار وجورج حبش وأبو علي مصطفي، مع بعض الصور لقادة حماس والجهاد.
أهلاً فيك أخوي بالمخيمات
من المخيم اللي انا فيه بعدو صامد لحالو
اتغيرت اشكالو بس بقي نضالو
عالحيطان في ورق نعي لناس عاديين
ذكري فلسطين بقايا مناضلين
اتطلع علي السما شورطان كهربا
اذا ما سرقت خط كيف بدك تشوفه
علي روس صحابه
راح توقع السقوفة يا مي من تحت الأرض معدش تطوفي
الشباب غرقانين بالبطالة بالعطالة فِش شغل فِش مصاري
الولاد بلا دراسة الله يخليلنا الأونروا عالرئاسة
بيحلو مشاكلنا بحبة بنادول
من أغاني فرقة "كتيبة خمسة"
ندخل "مركز الشباب الفلسطيني"، هناك يعرفني أبو السعيد علي فايز نصار، وشاب في أوائل العشرينات.
أبدو عرقاناً تحت الجاكت الذي ألبسه بأواخر أبريل، يبدأ فايز بالحديث عن الجو: "كتير شوب (حر). بلشت الصيفية. بس بالليل برد." بعدها بساعات. قبيل مغادرتي. يدور حوار مشابه بيني وبين مرافق آخر. يخبرني بأنه: "بكرة درجة الحرارة نازلة، بكرة سبعتاشر، فيه أمطار.". أقول له بأن طائرتي العائدة إلي القاهرة ستقلع بعد ساعات. فيرد: "خسارة. بكرة كنت شفت أمطار الصيف."
بدأ الحوار بيني وبين فايز تقليدياً. جاء أهله من
فلسطين إلي جنوب لبنان، ومن الجنوب إلي عنجر بالبقاع، ومن عنجر إلي طرابلس: "بعدين ابوي إجا لهون وانا خلقت (وُلدت) بالشمال، لما إجينا عالمخيم كان عمري حوالي ست شهور." يسألني عن مصر فأسأله عن لبنان. أسأله عن التمييز في لبنان ضدهم كفلسطينيين. فيجيب:
"إي، هلأ للأسف الشغلة هون بلبنان طاغية عند بعض الناس، بس إحنا كفلسطينيين، معظمنا، مابقول كلياتنا، ما عنا هاي النعرة المذهبية، لكن للأسف بنلاقي كتير ناس، بيعتبرونا نحنا كفلسطينيين جرثومة، حتي أحزاب اليسار، الواحد فيهم واعي، لكن بعض الأشخاص بيحسوا هيك بالنعرة المذهبية، لكن الحمد لله نحنا متخطيين هذا الحاجز." يصمت قليلا. يكمل:
"لكن حاجز الخوف مش متخطيينه، بخاف لما اروح عَ دائرة حكومية اعمل معاملة او شي، باقول بيوقفوني، حتي بيكون الواحد ما عليه شي، ولا بده شي."
يتدخل الشاب الصغير ضاحكا:"أخوي أحمد راح يطلع هوية قالوله تعال." نبرة "قالوله تعال" التي قالها الصبي تشير إلي إيذاء أوقعوه بأخيه. لا أستطيع سؤاله. أشعر بالحرج. لحظة صمت بسيطة يكمل بعدها فايز:
"احنا مش إرهابيين. بس منخاف نواجه. منخاف نواجه الدائرة الحكومية."
الناس عم بتموت
صخب حولك
وأنت وحدك
يحتفلون هنا
هناك نيام
تمر الدنيا بين أصابعك
والصوت كما الصمت.. زحام
منذ حوالي عشر سنوات، بدأت فرقة راب فلسطينية تعيش في لبنان بالغناء. الفرقة، والتي حملت عنوان "كتيبة خمسة"، ضمت عدداً من الأشخاص، لأغلبهم أسماء شهرة هم اختاروها بأنفسهم مثل عبد الرحمن جاسم، أسلوب، نيهوم، شاهد عيان، مولوتوف، جزار، عبد الجبار، ام العبد، وغيرهم. جميعهم كانوا يؤمنون
بالفن كمشروع سياسي عليه التوجه للناس. الفرقة تعبر عن نفسها علي صفحتها بالفايسبوك قائلة: " فرقة راب فلسطينية، تتكون من خمسة (وعائلة تضم الكثيرين) تعيش في المخيمات الفلسطينية في لبنان، تغني واقع الحياة، وآلام الناس وأحلامهم، لها ألبوم واحد لغاية الآن هو "أهلاً فيك بالمخيمات" وتحضّر
حالياً لألبومها الجديد "الطريق واحد مرسوم". وعن مكانها مكتوب: "جميع مخيمات اللجوء.. وحاليا برج البراجنة."
غضب الكتيبة خمسة بلا حدود، ضد إسرائيل بالطبع، وضد الجمعيات التي تدير الحياة في المخيمات، وضد الأونروا، والأمم المتحدة،
والفلسطينيين الذين يتطوعون بأن يعملوا مرشدين سياحيين للأجانب. بشكل عام، ضد العبودية للأجنبي التي يرون الكثير من مظاهرها في المخيم. من ضمن فقراتها المغناة:
"كيف بدك تصنع جمعيتك لتعيشك بهالحياة، أولاً قراءة حقوق الإنسان وحفظ شوية مفردات، ثانياً تقييم الأوضاع التعيسة وذكر للأسباب، ثالثاً إرميلي نفسك أمام الدفيعة ونشّط هالاتصالات، رابعاً إقبل العرض بلا ما تقرأ الأهداف، خامساً إقتل إنسانيتك، إقتل إقتل ضميرك، بتكسب طبعاً مساعدات، بتقلنا متطوعين، والخطوة السادسة الاستقطاب هي الدلالات، سابعاً مثّل دائماً إنك إجتماعي وإحضر الندوات، ثامناً فوِّل أجانب بجمعيتك متل ما بفوّلها بالبنزين لهل السيارات، وأخيراً فرح العمالة واستشهاد القضية وكل القناعات."
الفرقة قامت أيضاً بالغناء عن الجمعيات، أغنية تبدأ بالغضب والعنف، شيئاً فشيئاً تدخل نبرة أسيانة إليها، يتجاور الأسي والغضب سوياً: "جمعيات/ هاي كمان مرة عم نحرقها/ من قلب الكتيبة/ خليهن يشتغلوا مزبوط/ جمعيات/ هادول مصاري الوطن/ جمعيات/ اللي بيحطوهن يشيلوهن/ جمعيات/ عرصات هدا الزمن/ جمعيات/ ولك الناس عم بتموت."
مافيش لو
أسأل "عبد الجبار خمسة"، أحد أعضاء الفرقة، عن سبب لجوئه للراب. يرد: "إحنا ما لجئنا للراب، هو نتيجة لجوئنا. هادا الفن كان موجود فينا وحولينا. ليه إخترناه؟ لأنو منقدر نحرّض عبر الشارع وبلغة الشارع علي الإهمال بالمخيمات والسياسات اللي بتهدف لكسر صمود الناس، عبر فساد الجمعيات والمؤسسات."
الفن بالنسبة له، وبالنسبة لأعضاء الفريق هو "أسلوب حياة مش مختلف أبداً عن اسلوب حياة الناس ورفضها للقهر وسياسة "الأمر الواقع".
هناك طرق كثيرة للتعبير عن القضية الفلسطينية: " في قبلنا كتير قدروا يعبروا عن القضية الفلسطينية، وفي ناس بالوقت الحالي غيرنا بتعبر عن القضية الفلسطينية لكن بطرق مختلفة. شعبنا بيستخدم كل الطرق الموجودة والغير موجودة."
أسأله عن تأثير المخيم في أغاني الفريق فيكرر سؤالي، بشكل ساخر، علي هيئة إجابة. "إرتباط الكتيبة خمسة بالمخيمات بيعطي أغاني الكتيبة خمسة طابع المخيمات."
أكرر السؤال بشكل آخر، عن تصوره للشكل الغنائي الذي كانوا سيلجأون إليه لو لم يولدوا في المخيمات، فيرد باقتضاب: "ما فيش لو.... ما منعرف".
سكتنا ما اتكلمنا
بنقزقز من البرد كل يوم علي الشارع
مفيش غير نظرة الناس اللي راجعين
يتطلعوا عليك من الشمال لحتي اليمين
لينسنسوا عليك بعد ما يكونوا مارقين
عمال بنموت نتفرج ع كلامنا
سكتنا ما اتكلمنا
اتقسمنا
الرفيق أبو السعيد مازال يتحدث عن وضع الفلسطينيين في لبنان. هناك اثنتان وسبعون وظيفة ممنوعة علي الفلسطيني في لبنان، كما يمنع علي الفلسطيني استئجار أو امتلاك بيت. يكمل فايز قائلا: "هون المريض بلبنان، حتي اللي معه مصاري، بيخاف يروح عالدكتور، اللي احوالهم ميسورة بيخافوا، ما بالك بالمعترين (الفقراء)." العمل هو المشكلة الأساسية: "فيك تتعلم اللي بدك ياه، بس ما تشتغلش." وبالتالي فالفلسطينيون يعملون في مهن متدنية، أو بلا عقود، أو بتمييز واضح بينهم وبين نظرائهم اللبنانيين. النتيجة الحاسمة لهذا يشرحها فايز:
"إحنا كشعب فلسطيني كانت نسبة التعليم عالية جداً عنا، ولكن من بعد الحروب اللي صارت والمضايقات السياسية اللي بتصير عالقضية الفلسطينية بشكل عام، بينفذوها عاتجمعات الفلسطينيين اللي هي أكبر شي بالمخيمات، بينفذوا سياسة التجهيل، ونتيجة الحروب صار فيه تسرب كتير من المدارس، صار فيه حالة فقر كتير. حتي الأونروا ما عاد عندها ذات الاهتمام. صرت تلاقي الطالب عنده عشرة أو اتناشر سني في الشارع، بيشتغل أو بيساعد أهله."
أبو السعيد يواصل: "الانحرافات الاجتماعية موجودة بكل المجتمعات، المخدرات والدعارة والتسرب من التعليم، هادا موجود بكل مكان وكمان موجود داخل المخيم، هنا موجود أكتر لإن فيه بطالة كثيفة بين الشباب، الشاب اللي بده يكمل تعليمه، بيوصل للصف التاسع ويتوقف، ليه بيتوقف، لانه بينظر للي قدامه، كمل الثانوية وما فيه إله شغل، انا شو يعني؟"
ومشكلة البناء أثرت كثيراً علي وضع المخيم أيضاً.
قبل عام اثنين وتسعين كان يتم منع إعادة بناء أي شيء تم تدميره داخل المخيم. وأثناء حرب المخيمات التي استمرت من عام 1985 إلي 1987، كان يمنع أصلا إدخال أي مادة بنائية للمخيم، مثل الأسمنت والحصي والرمل والحديد.
يتدخل فايز في الحوار: "البناء كان ممنوع قبل، لكن بعد ما دخلت الثورة، ما بقي فيه قانون داخل المخيم، الناس استغلت الفرصة انهم بقوا يعملوا سقف. كنا عايشين بحيطان وزنك (صفيح). كان ممنوع العمار باطون (بالأسمنت). لكن بعد ما دخلت الثورة الناس أخدت نفس شوي. السلطة اللبنانية تغاضوا عن الموضوع. وصار هالشي هاد."
ومشكلة في الماء أيضاً: "مية الشرب كانت الناس تيجي قبل من بريت (خارج) لبنان تشرب مية لبنان. هلأ للأسف استغلوها تجارة. محطات تكرير. كل الناس تشتري مية الشرب. بنشتريها. عشرين لتر بألف ليرة أو ألف وخمسمية، فيه بعض المحلات بتكرر المي، رغم انه مش التكرير المظبوط، بس انت بتشرب. بدك تشرب او بدك تطبخ. عم يبنوا بير وخزان. شركات أو دول مانحة تتبرع بالاتفاق مع الاونروا."
البناية عاحالها
يخرج أبو السعيد من غرفة داخلية بعض صور المجزرة، يريها لي. يشير إلي بناية مهدمة تماماّ: " منطقة بيروت اثناء الاجتياح كلها كانت هيك." يدخل عدة أشخاص. ثمة فعالية ستقام في مركز الشباب الفلسطيني اليوم. أبو السعيد متخوف من قلة الحضور. يرد عليه آخر بحماس:
"مش مشكل. مش مشكل. مش مشكل. الواحد بيكفي .. بيكون عم بيسمّع الناسٍ".
يدخل بعده أحمد دوالي من الجبهة الشعبية. يطلب منه أبو السعيد مرافقتي في المخيم. نخرج سوياً. يسألني:
- أول مرة تجي عالمخيم؟
- أول مرة آجي لبنان أصلاً.
يبتسم ويكرر كلمة "آجي" بالنطق المصري. نذهب سويا إلي المكتبة. أمامها تقع بناية مهدمة شبيهة لتلك التي كانت في الصورة. ألتقط لها صورة. فيما بعد، في نهاية رحلتي، سينظر إليّ أحد شباب المخيم ويبتسم ساخراً مني: "البناية المهدمة اللي صورتها، كله بيجي ويصورها، كل الصحفيين بيعملوا مصاري من ورا هالصورة، والبناية عاحالها."
عم بتكلم الرعية؟!
يشرح لي المشرف علي المكتبة بعض الأمور. يقترب منه كهل ملتح يرتدي جلباباً. يدور بينهما حوار متوتر، يبدو قابلا للانفجار، علي الأقل، هذا ما أعتقده. الكهل الملتحي يسأل المشرف علي المكتبة.
- شو اسم الكريم؟
- أبو الوليد.
- أخ أبو الوليد، قبل ما تاخد أم الوليد شو كان
اسمك؟
- خيرت أبو النصر، أحد أعضاء الجبهة الشعبية للتحرير، أنا يزيدني شرف إني قبل ما أذكر اسم عائلتي اذكر انتمائي للجبهة الشعبية.
-احنا بننتمي لفلسطين.
- والله أنا بنتمي لفلسطين والجبهة الشعبية، متلازمان لا ينفصلان، ودفعنا الغالي والثمين في هذه القضية.
- يا أخي أنا أستاذي أحد قادة الجبهة الشعبية، ورفيقي في السلاح وديع حداد.
-الله يرحمه ويرحم ترابه.
-الله يعطيك العافية.
- (ينظر حوله. إلي العمال الذين ينقلون كتبا إلي داخل المكتبة. بصوت عال) البركة بالشباب.
- عم بتكلم الرعية إنت هلأ؟
(يضحكان)
بعد انصراف الكهل يكمل أبو الوليد حديثه عن المكتبة. هي تابعة لمنظمة الشبيبة الفلسطينية والممول الرئيسي هو الجبهة الشعبية (عامل آخر يقول لي: دعم الجبهة بسيط، كمان الجبهة أحوالها مش هالقد، كله بشكل شخصي، من اصحاب ومننا احنا). غالبية الكتب في المكتبة هي كتب سياسية، عن القضية الفلسطينية، وهي جاهزة للاستعارة والاطلاع، مع كافيتيريا صغيرة. كان من المفترض أن يتم
افتتاحها في ذكري وفاة جورج حبش، ولكن مرت الذكري ولم يتم تجهيزها بعد. الآن ثمة اقتراحان لتسميتها، مكتبة الشهيد جورج حبش، أو مكتبة الشهيد أبو علي مصطفي. في الطابق الثاني يتم التجهيز لإنشاء قسم للإنترنت، يحوي حوالي عشرين جهازاً، يستدرك أحد العاملين فيما يتعلق بالإنترنت: " وطبعا الإنترنت مراقب منا احنا، ما هادا الفساد عم يتغلغل."
شباب ضائع
شوفنا سطوح المخيم شوفنا انو خاشعة
لأنو اعلام بلادي عم بترفرف فوق عليها
نفس اكبر قضية في اصغر زروبة فيها
حمام بالسما وطفل عمال يناديها
اكتر ناس بالحرمان الله باليها
رجل يتعارك مع مرتو بعدين يراضيها
أم تدعي ع بنيها أرواح تغطيها
طالب يضرس عشان إمو يحاول يرضيها
فنان يرسم خريطة بلادو وأراضيها
بالطموح يعشقها وبالخراب يفنيها
شاب لأخر حد بيعلي الموسيقي وعند الأدان بيقوم يطفيها
شباب ضائع
اذا شتموا وطنهم قلبو عاليها واطيها
اهلاً فيك أخوي بالمخيمات
يتحدث أسلوب، واحد من أعضاء فريق "كتيبة خمسة"، عن فريقه. يقول أنهم يمثلون جزءاً من الفلسطينيين بلبنان، وأمام لبنانيين كثيرين يتصورون المخيم عبارة عن خيام فعلا يسكنها مجموعة من الفلسطينيين المجرمين، فإن:
"جزء من رسالتنا إنو نوّصل صورة حقيقية عن المخيم والفلسطنيين بشكل عام. بالنسبة للراب فهو فن صادم وعنيف وبيمتلك القدر الكافي من الوضوح والمباشرة، وهدا الشيء نحنا محتاجينو بمجتمع داخل مجتمع، يعاني من الفساد في الداخل والظلم والعنصرية في الخارج."
المخيم بالنسبة له هو الدليل الوحيد علي أن الفلسطينيين "سيرجعون يوماً إلي حيهم": "المخيم، رغم الظلم والعذاب حافظ علي جزء من الهوية الفلسطنية وتاريخ الفلسطينين، ما ضاعوا في المجتمع اللبناني وزواريبه (أزقته)، أنا بقول إنو المخيم شي أساسي للفلسطينيين في لبنان لضمان حق العودة إلي فلسطين، نحنا منمثل المخيمات وهادا رابط روحي (يبتسم ساخرا من حذلقة الكلمة) ووجودي."
الفارق بين المخيمات ليس كبيرا كما يشرح أسلوب: "نفس المشاكل موجودة علي حسب حجم وضخامة سكان المخيم، والدليل علي هيك إنو بحفلاتنا في مخيمات الجنوب كانوا الناس بيعتقدوا إنو نحنا من مخيم عين الحلوة أو من البص، ونفس القصة بالشمال، كانو بيفكروا إنو نحنا من نهر البارد مثلا أو البداوي."
الراب كان فعلاً جديداً علي المخيم، يقول أن الفن في المخيم كان في معظم الوقت إعادة لأغاني الثورة أو أغاني التراث، وبالتالي فإن الراب كان حدثاً في حياة الشباب الفلسطيني، ولكنه مازال جديداً ويحتاج للتطور من ناحية الموسيقي والكلام.
الأغاني الانتقادية لفريق "كتيبة خمسة" لا تمر بسهولة. يقول أسلوب بحسم: "الجمعيات تحاربنا. بتهاجمنا علي انو نحنا شباب جايبين ثقافة غربية وإنو احنا منخرب الشباب ومن هدا الحكي. مع إنو الجمعيات في البداية هني أول ناس شجعو الراب." يحكي عن حفلة أقامها الفريق بشاتيلا، وافتعلت جمعية ما عراكاً مع الشباب، ولولا أن ستر الله كانت الحفل سيتوقف.
لا فرحت ولا اتهنيت
بآخر ساعات الليل جفني ماغفيش
قبل طلوع الضو ما حاسس بأي شي
بمكن بعدني مأثر بآخر سهرة أراجيل
بعدني ضايع ماشي زي القتيل
أخت ملا دنيا مش عارف فيها اعيش
جيبي فاضي مصاري ماعيش
بس بصغري اتعلمت ماخافش من عتم الليل
يمكن لإني انولدت بشعب مقاتل
بس إسا بصحوتي مافيهن حدا ضالل
يا إما انقتل او هو عن طريقه ضل
عن مخيم النبطية بجنوب لبنان، أخرج المخرج الفلسطيني مصطفي أبو علي فيلمه "ليس لهم وجود" عام 1974. عنوان الفيلم مأخوذ من جملة جولدا مائير الشهيرة: "الفلسطينيون، لا أعرف شعبا بهذا الاسم." في مركز الفيلم نشاهد إسرائيل وهي تشن هجوماً علي مخيم النبطية بالجنوب اللبناني عام 1974. في الفيلم شهادات من ناجين فلسطينيين. إحدي الناجيات تقول:
"أول ما شفت الغارة انا طلعت من هين (هنا) عالمخيم لحتي افقد (أبحث عن) ولادي. لما جيت افقد ولادي لقيت اربعة ناقصين. انا فكرت الخامس انه هارب، جعفر، وتاركهن يعني، اجيت لما رحت لحتي اشوفهن لقيت الولاد، بس الكبير ما لقيته، حطيت حالي بالإسعاف وإجينا لحتي ازمّط، اهرّب ولادي من الطيران الاسرائيلي. وصلنا لهين مالقيتش ابني، رحنا ع صيدا، ع
المستشفيات، مالقيتش ابني، تاني يوم قالولي ابنك بالمخيم فوق، بعده بالردم، انسحبنا ورحنا جبناه وإجينا لهين، دفناه، يعني العادة صحيح انه الام عم تحترق، بس ها الشي بده، يعني لانه مش علينا لحالنا، علي كل الشعب الفلسطيني العربي."
"آخر سني بالبريفير(الشهادة الإعدادية)، خالص مقدم ع الامتحان، استشهد تجاه قضية فلسطين، مش لوحده استشهد، احنا كلياتنا بنستشهد تجاه قضية فلسطين، تجاه نكافح إسرائيل، تا نشوف اسرائيل موضعها لحد وين، احنا الطفل الزغير بيضل يكافح اسرائيل لاخر ساعة بحياته، ونضرب اسرائيل، ان طلع بايدينا، وان شالله اسرائيل بتنكسر واحنا بننتصر، هادي صورة جعفر يا بنييّ. (تنظر حولها) اهلين بالشباب الطيبة والله. (تنظر لصورة جعفر) لازم أنا أفدي بروحي اتجاهك، واخد تارك من اسرائيل، لانه لا فرحت ولا اتهنيت، نحنا اللي بنفرح وبناخد بتارك يامّا، لاخر ساعة."
مفزع تجاور السياسي والحياتي في كلام الجميع، ما يبدو لنا مجرد شعارات في مصر يبدو هناك كخبرة حياة، كتفاصيل من لحم ودم.
اتركوني هلأ
ولك حرب الشعوب ما بتلبش باستسلام
ولا بتنتهيش استقبال
وصور مع الممولين
أوروبيين أميركيين
وغير وغير
شفتها بعيوني
صار الحل
ولاد فلسطين
يصيروا دليل سياحي
ومصورين
مخبرين بطرق جديدة
صبي صغير يقول لي أنه لم يكمل تعليمه. أبوه صيدلي وأمه طبيبة. ولا يعمل أحدهما. أخوه تعلم تعليماً عالياً، ولكنه يعمل دليفري، وأخته تنفق علي زوجها. لماذا يكمل تعليمه إذن؟ ولد الصبي عام 1990، لم ير شيئا من الأحداث التي شاهدها من هم أكبر منه، ولكن أهله كانوا في تل الزعتر مثلا بسوريا وقت المذبحة هناك، بعد المذبحة انتقلوا إلي مخيم الدامور، ومنه إلي شاتيلا، لكل شخص حكاية.
يحكي لي أبو السعيد عن وضع التعليم داخل شاتيلا، ووضع المؤسسات الخدمية بشكل عام: "فيه مدرسة واحدة داخل المخيم. كانت ترمين، هلأ يمكن صارت ترم واحد، باقي المدارس خارج إطار المخيم، فيه مدرسة الجليل الثانوية المختلطة، برا المخيم. المؤسسات بشكل واقعي، الخدماتية، مش موجودة. فقط فيه عيادة الهلال الاحمر الفلسطيني، المجتمعات الطبية مش موجودة.... كل مخيم إله خصوصيته، بعد الأمراض المستعصية، الأونروا عملت تعاقد مع بعض المستشفيات، المريض يتحول علي هذه المستشفي. المؤسسات الخدماتية مش موجودة."
بعض الأطفال يلعبون الكرة بخارج بيت الشباب، يتشاجرون مع بعضهم البعض، يقتربون منه لكي يفصل في شجارهم. يزعق: "اتركوني هلأ. خَلَص خَلَص."
يعود لي وقد تذكر: "الرياضة كمان مش موجودة داخل المخيم. هادي الساحة الوحيدة اللي بنجهزها. الولاد بيجوا بيلعبوا فيها كورة، (يضحك) رايحين يفشوا خلق. "
مؤسسة الشبيبة نفسها أنشأت عام 1978 وأغلقت نتيجة اجتياح 1982 وحرب المخيمات، تم افتتاحها بعد هذه الأحداث عام أربعة وتسعين، وأنشطتها، كما يواصل أبو السعيد، متعددة: "موسيقي، فولكلور، دبكة، ودروس التقوية للطلاب."
صورة الزعيم
صورة الزعيم بتضلا صامدة لحالا
واللحمة ما بتتوزع إلا للي بيحملوا لافتات
وبعدن عم يتضحكوا علينا اصحاب البدلات
خلصت الاغاني الوطنية خلاص دقوا البيت
أشباح وأرواح الميتين بعدن فلتانين
فيه ناس خلاص نسيوا ناس بعدن متذكرين
فيه صور شهدا انمحت وفيه صور تانية جايين
كل المناضلين ناموا وبقيوا الكلشنات
شعارات حيطان وبقايا رصاصات
لشباب كتير ملت من الروحة عالسفارات
لبيوت كتير زهقت من كتر الانحدارات
بكرة بيبنوا الجسر وقبلا العمارات
ورا كل الغيم البشع
صورة الزعيم بتضلا صامدة لحالا
صور أبو عمار، صور الشهداء، ملصق مكتوب عليه "جهاد صنع نصراً"، كتابة علي الحائط "برشلونة وبس"، وطفل يطل من فتحة بيت قديم، يبتسم للكاميرا المشرعة أمامه، الجدار في المخيم هو عمل فني، والجدران المثقوبة والمهدمة من جراء القصف والحروب تحكي عشرات القصص.
مكان ذكري مجزرة 1982 مغلق. حاولت زيارته ولكن قيل لي أنه لا يتم فتحه سوي في أيلول/ سبتمبر، في ذكري المجزرة. أبو السعيد يحكي لي، يبدو متحرجا من الحكي عن دوره هو الشخصي في المقاومة وقتها، يسرد معلومات عامة، عن خروج المقاومة من بيروت وحزب الكتائب وتسليحه الإسرائيلي واغتيال بشير الجميل الذي فجر طاقة الحقد ضد الفلسطينيين، يحكي عن ثلاثة أيام من الرعب، من 16 إلي 18 أيلول. وعن نفسه يقول جملة مقتضبة: "كنت هون بس ما كنت بالمخيم. كنت حول المخيم."
المجزرة أيضاً لم تستهدف الفلسطينيين فحسب: "كمان المواطنين اللبنانيين، المنطقة المجاورة للمخيم معظمهم لبنانيين مهاجرين من قراهم، سواء من الجنوب أو البقاع، مواطنين من عائلات مختلفة، مثلا بيت مقداد، عائلة كبيرة موجودة هون وبالبقاع،
كعشيرة. من علي راس الشارع إلي أن تصل للمخيم حصلت المجزرة."
أحمد دوالي يسترجع تفاصيل أكثر عن نفسه وقتها: "كان عندي ستاشر سنة بالمجزرة. أنا كنت عند شاب صاحبي اسمه الدكتور خليل بحي فرحات، ع اطراف المخيم، بناية عالية ست طوابق. قالولنا الدبابات الاسرائيلية عم تجي ع المخيم، هيك بلشوا يضربوا، المدفعية عم تضرب قنابل مضيئة. هون كان عنا بعض الشباب اتحمسوا وطلعوا يقاتلوهم للاسرائيليين. صار فيه اشتباكات خفيفة، لانه معنويات الناس قلِت بعد طلوع المقاومة باتنين وتمانين. نحن كنا قاعدين هوني. عم بيقولوا فيه مجزرة، جينا لهين لقينا ناس عم تهرب. قربنا لقدام. مقاتلين مبينين مش اسرائيليين، إنما من الكتائب، دغري هربنا صوب المرابطين، هاي قوة سرية، قلنالهن ما حدا صدقنا، بس الطيران الاسرائيلي كان مبين، ويضرب مدفعية هاون كبيرة، علشان يوضح للعين، وعملولن غطاء للكتائب، أساسي الاسرائيليين هني اللي يتحملوا القصة."
يصحح لي تفصيلة: "المجزرة ما صارت تلات ايام، من بالليل للصبح وانتهت، مش تلات تيام، وصارت بمناطق محددة علي اطراف المخيم. راح لبنانيين منيح، كان شارون واقف عالمدينة الرياضية. كان هونيك مقره، يراقب ويشرف عالمجزرة. أنا شفت بعيني الإسرائيليين جايين."
مصوب عليك سلاحي
احنا نادي مش ثقافي
معك مصاري
صوب عليك سلاحي
شو بدي احكيلك
عن أفلام إنتو مش عاملينا
شو بدي احكيلك
عن مصاري نشاط نحنا دافعينا
عشان يتدلل الولد الأب يفتحلو نادي
نادي مميز مش أي ميزة مستقل
الحرب بلشت وأوعا تفكر رح إمل
بعدني صاحي علي مشروع الوراثة
الاب يسلم إبنو المهنة
يعني ربيع الإصلاح جايي
يا شباب شدو الهمة
ما الإصلاح بذاتو كان حرامي
شو الإبن بدو يطلع.. طيار؟!
أجلس أنا وأحمد. متحمس هو الآخر تماماً للجبهة الشعبية. الجبهة، كما يحكي، هي ثاني أكبر تنظيم داخل منظمة التحرير: "لكن نحنا بنتميز بمواقفنا، نحنا ضد اتفاق أوسلو وضد المفاوضات الحالية مع اسرائيل، نحنا بنقول انه في الوقت الحالي، بظل موازين القوة الحالية، مافيك تفاوض الاسرائيليين، امريكا بتفرض عليك. هادا موقفنا من سنين. وثبت انه صحيح... الخطوة الاصح هي تعزيز الوحدة الوطنية، خاصة بين اخوانا فتح وحماس، فيه اتفاقية القاهرة بالفين وخمسة، هادي تكون اساس انهم يعملوا علي تنفيذها، عرفت كيف."
شيء آخر يميز الجبهة، كما يقول: "نحنا كجبهة الشعبية لم نرفع السلاح في وجه إخواننا في حركة فتح، الدكتور جورج حبش بالسبعة وتمانين كان علي خلاف مع ياسر عرفات لكن لما شاف الامور بتوصل لانقسام راح رفع ايده بياسر عرفات وقال شعاره المشهور: " وحدة وحدة حتي النصر."
يخبرني أن جورج حبش استقال من منصبه كأمين عام للجبهة الشعبية بعام ألفين، وبهذا كان أول سياسي فلسطيني يستقيل من تلقاء ذاته. أصحح له باسماً: "أول سياسي عربي." فيضحك. استلم أبو علي مصطفي الأمانة العامة من حبش. بعد سنة اغتالته إسرائيل. اجتمعت اللجنة المركزية بفلسطين الداخل والضفة وغزة والخارج وانتخبت أحمد سعدات، وهددت بأنه سوف يكون هناك رد علي اغتيال مصطفي. بعدها بفترة تم اغتيال وزير السياحة الاسرائيلي، رحبعام زئيفي: "هادا صاحب فكرة الترانسفير، اللي كان يحكي عن العرب إنو هادول حشرات، كان معروف بتشدده تجاه العرب." اتهمت
إسرائيل سعدات بالمسئولية المباشرة عن اغتيال زئيفي. اعتقلته السلطة الفلسطينية ووضعته بالمقاطعة: "وقت ماكان ياسر عرفات اتحاصر، صار فيه صفقة إنو يسلموا سعدات مقابل فتح المقاطعة، علي أساس إنو يحطوه بسجن اريحا ويكون فيه حراسة امريكية بريطانية، بالألفين واربعة اتوغلوا الاسرائيليي علي
سجن أريحا."
أراجع ذاكرتي: "عندما أجبروا المعتقلين علي التعري؟"
ينفي: "هو ما اتعرا، الشرطة اتعروا، هو ماقبلش يخرج معري، فيه صور عالتليفزيون، العالم كله شاهدها، قال استشهد وباطلعش هيك."
شفت السياسة؟
جوع النمر عشان يعلن ولائه
بمجتمع الحيوانات هيك بيقولوا
بموت من الجوع بس ما برفع ايدي
ابعدي عني.. اذا بتريدي
مازلت أسير مع أحمد.
- (يعرفني علي شخص) هادا .... من كوادر الجبهة الشعبية، مسئول القوة الامنية بالمخيم.
- القوة الأمنية؟
- نحنا عنا قوة أمنية هون بالمخيم. تحفظ الامن بالمخيم. نحنا ما في عِنّا درك أو شي. (يشير يميناً) هاي زواريب المخيم. (أرفع الكاميرا) لا. هاي المكاتب ممنوع تصورها.
- اشمعني؟
- أمن. مامنصورش المكاتب. (نتقدم قليلاً) هاي فيك تصورها.
مساحة مخيم شاتيلا هي كيلومتر مربع "صبرا مش مخيم، صبرا فيه تجمع فلسطيني زغير. بس هني بيقولوا مخيمات صبرا وشاتيلا". يشير إلي الرمزية الخاصة لمخيم شاتيلا: "غالبية الحروبات صارت هون، الاجتياح والمجزرة وحرب المخيمات." ينظر لي:
- انا بَرّمتك (لففتك) من الشارع الرئيسي. هلأ مِنفوت م الزواريب الزغار. أخدتك عالشهدا؟ فرجيتك الشهدا تبعول حرب المخيمات؟
أجيبه بالنفي، لم يرني شهداء حرب المخيمات بعد. نتقدم باتجاه المقبرة. واسعة وفي صدرها شاهد رخامي ترقد الزهور أسفله مسجلة عليه أسماء الشهداء جميعاً، مع علم فلسطين وجملة "ننحني إجلالً وخشوعاً." الزهور تحجب باقي الجملة.
عن حرب المخيمات يحدثني أحد أهل المخيم: "بحكيلك القصة. هاي كانت الحرب الصعبة والوسخة زي مابيقولوا. الحرب كانت بينا وبين حركة أمل. كانت موالية لسوريا. الحرب بدت من شاتيلا وامتدت لمخيم برج البراجنة، يبعد من هون اتنين تلاتة كيلو، علي طرف الضاحية الجنوبية. صارت ع مراحل. أول حرب كانت حرب رمضان، رمضان كله من أوله لآخره، تاني
حرب صارت بواحد وعشرين يوم، وبعدها خمسة واربعين يوم، والأخيرة ستة اشهر، ما في إشي، لا تموين، لا خبز، الخبز اللي عنا شح، والاكل صار قليل، كان لكل مقاتل وجبة واحدة بس باليوم، نص رغيف خبز، حليب الأطفال قصّر عنا كتير، كله كان مهدم، كنا عاملين أنفاق تحت الارض، ما حدا بيمشي فوق الأرض، كانت كلها مقنصة ومحاصرة، عرفت كيف.
- الانفاق مازالت موجودة؟
- لا. عمّروها وطلّعوا مكانها بنايات. ماكان عنا بنايات, كان كله طابق، طابقين. ماكان فيه بنايات زي إسا (الآن). استشهدلنا بحدود الربعمية خمسمية عسكري ومدني. إخوانا السوريين كان عندهم وجهة نظر، كانوا مختلفين هني وأبو عمار. اختلافهن حاولوا يسووه عسكريا، من خلال ضرب حركة التحرير ومنظمة فتح كلها، عن طريق أمل. ماكانوا يفرقوا بينا وبين الحركة الشعبية. هادا الشعب الفلسطيني مش كله فتح. اذا هون بتبرم بالمخيم، بتشوف كله منوع ومشكل، إحنا مع حرية المجتمع السياسي الفلسطيني زي ما بيقولوا، حماس، فتح، جبهة شعبية، عماليين، يساريين، إسلاميين، بهاديك الفترة طبعا ما كان فيه قوة اسلامية. كان اللي يقود هادي الحرب هو عبد الحليم خدام، اللي بفرنسا وعامل زعيم حقوق الانسان، كان مسئول عن الملف الفلسطيني.."
يرفض هذا الشخص ذكر اسمه. يخاف أن يُفهم من كلامه أنه ضد السوريين، مع أنه يفترض أن "السوريين احنا وياهم موقف واحد (يضحك ساخرا) شفت السياسة!؟"
أخرج من المخيم. عائداً نفس الطريق، شارع صبرا، يرافقني شاب وأنا عائد. يشير لي إلي بناية "مستشفي غزة"، يحكي لي نفس القصة التي سبق وحكاها أبو السعيد، مع تفاصيل جديدة، كيف استطاعت المقاومة الفلسطينية معاونة جنبلاط في تحرير الجبل الذي يشرف علي بيروت من سيطرة حزب الكتائب، ومقابلا لهذا استطاعوا العودة لمخيماتهم. رأسي مشغول بعشرات التفاصيل الصغيرة داخل المخيم. أنتظر مرور باص 12. أركبه. أنزل في الحمرا.
من قال إن بيروت هي شارع الحمرا؟
_________________________________كلمات القصائد ببدايات الفقرات من أغاني فرقة "كتيبة خمسة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.