''مهلا أيها الخريف'' جملة يعلم فقط معناها من يعيشون في هذه المرحلة العمرية، والتي رغم جمالها ومميزاتها من نضج ورزانة وحكمة إلا إنها إيذانا بنهاية العمر ويالرحيل، ربما كان كل هذا ما دار في ذهن الفنان والكوميديان حسن عابدين، عندما وضع عنوان لواحدة من رسومات رسام الكاريكاتير رمسيس أثناء استضافته في برنامج ''يا تليفزيون يا''، فسبقت جملة ''مهلا أيها الخريف''، تنهيدة من يترجي الزمن أن يتمهل قبل أن يأتي موعد الرحيل. لم يسمح عابدين لنفسه أن يعيش متأملا الماضي الذي رحل قبل أن يحقق أحلامه وهو في ريعان شبابه، بل استغل ''فرصة العمر'' التي جاءته ليصبح واحدا من مشاهير حققوا شهرتهم في مرحلة عمرية متأخرة وقبل الحديث عن شهرته الفنية، دعونا نتأمل جانب آخر في حياة عابدين يختلف عما عرفه عليه الجمهور. فدائي وفقا لحوار صحفي أجراه خالد أصغر ابناء عابدين، فأن والده تطوع مع الفدائيين عام 1948 ليحارب في فلسطين ضد العدو الصهويني وتمكن وقتها من قتل إسرائيليين، وتم القبض عليه ليكون مصيره الحكم بالإعدام، ولولا أن صديق له ولمن معه في قفص الاتهام اقتحم المحكمة مرتديا حزاما ناسف، وهدد بتفجير نفسه داخل القاعة إذا لم يتم الإفراج عن المتهمين، لكانت حياة عابدين انتهت وعمره أقل من 18 عاما. واستطاع عابدين الهروب من حكم الإعدام ليعود إلى مصر. المسرح العسكري حرمه والده من التعليم الجامعي حتى لا يأتي إلى القاهرة ويلتحق بمعهد التمثيل، ولكن الشاب العنيد استطاع أن يجد متنفسا في محافظته بني سويف، فالتحق بقصر الثقافة هناك وقدم العديد من المسرحيات، ولم يعرف من عائلته بهذا الأمر سوى والدته. ثم انضم عابدين إلى ''المسرح العسكري''، وبعدها التحق بفرقة الفنان يوسف وهبي ليقدم معه العديد من المسرحيات، ويستمر في تقديم دور الأب، الذي أصبح لصيقا به منذ الطفولة فبرع في تقديمه واتقنه بصورة فائقة، خاصة بعدما أضفى في كثير من أدواره خط كوميدي ضمن له الاختلاف عن غيره من نجوم اشتهروا بتقديم دور الأب. كما التحق بفرقة المسرح القومي والمسرح الحديث، وقدم معهم العديد من المسرحيات، وجاءته الشهرة متأخرة، ونجح في تقديم عدد كبير من الأعمال التليفزيونية والمسرحية التي أصبحت علامات في تاريخه الفني، ومازال الجمهور يتذكره بها حتى الآن، كما قدم عدد من الأفلام السينمائية ولكنها لم تكن بنفس قيمة وشهرة أعماله في المسرح والتليفزيون. مين اللي سرق مصر من أشهر أعماله المسرحية، مسرحية ''نرجس'' وهي جواز مروره إلى قلب الجمهور، حيث جسد وقتها دور والد الفنانة سهير البابلي، والتي شاركها أيضا بطولة مسرحية ''على الرصيف''، ومن بين مشاهده فيها مشهد في المحكمة يرفض أن تُرفع الجلسة المُقامة للتحقيق في قضية فساد، فيقول عابدين في المشهد ''مين اللي خلا الواطي بقى عالي والعالي بقى واطي لحد ما اختلط علينا الأمر وبقينا مش فاهمين.. مين اللي خلا الدكتور يسرق من العيان كلاويه.. مين اللي خلا الناس تمد أيدها تسرق وتختلس وترتشي، مين اللي سرق أحلامنا.. لا يا سيادة الرئيس لا يا ناس الجلسة لازم تفضل مفتوحة لحد ما نعرف مين.. مين اللي سرق مصر''. مين اللى سرق مصر.. هكذا قال الراحل حسن عابدين شفيق يا راااجل ''شفيق يا رااااااجل''، من أشهر اللازمات التي أضحكت الجمهور في مسرحية ''عش المجانين''، وهي واحدة من أجمل مسرحياته والتي شاركه فيها محمد نجم، ميمي جمال ليلى علوي. كما قدم سهرة تليفزيونية بعنوان ''الثانوية العامة'' بطولة خيرية أحمد والمطرب عمرو دياب، مسلسل ''طيور الصيف''، مسلسل ''أهلا بالسكان''، مسلسل ''هو وهي'' مع أحمد زكي وسعاد حسني، ومسلسله الأشهر ''أنا وانت وبابا في المشمش''، ومن أفلامه ''ريا وسكينة، درب الهوى، عيب يا لولو يا لولو عيب، فيفا زلاطة، مملكة الهلوسة''. سر شويبس الشعبية التي حققها عابدين دفعت صُناع الإعلانات أن يعرضوا عليه تقديم حملة إعلانية لإحدى شركات المياه الغازية بعنوان ''سر شويبس''، فقدم 4 إعلانات تقريبا حققوا جميعا نجاحا منقطع النظير، وإقبال من الجمهور لشراء المنتج الذي يعلن عنه نجمهم المُفضل، لكنه قوبل من النقاد بهجوم شديد أصابه بالاكتئاب وجعله يُقسم ألا يقدم إعلانات مرة أخرى، وهو ما جعله يرفض أن يقدم حملة إعلانية ل BMW رغم الإغراءات المالية الضخمة التي عرضتها الشركة عليه. الإعتزال فكر عابدين في إعتزال الفن أثناء آداءه لمناسك العمرة، وزيارته لقبر الرسول الكريم، فهناك تعرف عليه الحراس وطلب منه أحدهم -وفقا لرواية ابنه خالد في حوار صحفي- الابتعاد عن قبر الرسول، لأنه ممثل، وكان وقتها يقدم مسرحية ''عش المجانين'' مع محمد نجم، فعاد إلى القاهرة ليفاجئ نجم برغبته في عدم استكمال العرض، لكن دبر له صديقه الفنان القدير إبراهيم الشامي لقاء مع الشيخ محمد متولي الشعراوي والذي نصحه بالعودة للفن ليقدم فنا هادف يحارب به الفن الرخيص. إعلان سر شويبس حسن عابدين - الثمانينات 2 الرحيل توفي حسن عابدين عام 1989، عن عمر ناهز 58 عام، بعد معاناة لم تمتد طويلا مع مرض سرطان الدم، ليرحل عن عالمنا في 6 نوفمبر.
