هو المشروع الأكبر لثورة يوليو 1952، ويعد من أعظم المشاريع الهندسية في القرن الماضي، ''حكاية شعب'' كما تغنى به ''العندليب - عبد الحليم حافظ''، و في سبيله اتخذت مصر قرارات سياسية مصيرية جريئة، وخاضت حربًا ومقاومة شعبية، وانتقل جزء من شعب مصر من أراضيهم. ''السد العالي''، والذي مرت الذكرى ال49 على مرحلة البناء الأولى له في (16 مايو 1964)، حين احتفل الرئيس ''جمال عبد الناصر'' بتحويل مجرى نهر النيل عند جسم السد، وحضر الاحتفال معه صديقه ''نيكيتا جوربتشوف - رئيس الاتحاد السوفيتي السابق''، وكانت القناة المائية تسمح بتشغيل أكبر محطة كهرومائية في الشرق الأوسط. البداية كانت في التاسع من يناير 1960، حين وضع الرئيس الراحل ''عبد الناصر'' حجر الأساس ''السد العالي''؛ لكن هذا الحجر جاء بعد مناورات سياسية كبيرة، بعضها جاء بفرح وانتصار، والآخر شكل سلبيات على شعب مصر، وصلت حد ''العدوان الثلاثي''، ودخول حربا أمام ''بريطانيا و فرنسا وإسرائيل'' دفعة واحدة. الانطلاقة جاءت مع ''ثورة يوليو''، والرغبة في الانتقال بمصر إلى مصاف الدول الصناعية جنبا إلى جنب مع الزراعة، الرغبة أيضًا في تشييد مشاريع اقتصادية عملاقة لتشغيل المصريين وإحداث نقلة اقتصادية، هنا فكر النظام في مشروع كان مقدمًا من أحد المهندسين اليونانيين ويدعى ''دانينونيوس'' ببناء سد شمال ''سد أسوان''، يستخدم لتخزين مياه النيل، والحد من خطر الفيضان ثم إهدار المياه من ناحية، ومن ناحية أخرى في توليد كهرباء تكفي لتعمير صعيد مصر. وتعود هذه الفكرة في الأصل إلى العالم العربي ''الحسن بن الهيثم'' عندما فكر ببناء سدًا يحافظ على مياه النيل، لكن قلة الإمكانيات لم تساعده في ذلك. بالفعل، درست الحكومة إمكانية بناء السد، وبقي أمام التنفيذ وجود التمويل اللازم، وقتها كانت العلاقات المصرية الأمريكية تسير بشكل جيد، وعرضت الولاياتالمتحدة أن تمول مشروع السد العالي بجانب ''صندوق النقد الدولي''، ووجدت فيها فرصة قوية لتنافس ''الاتحاد السوفيتي'' وتنامي دوره في المنطقة. ''البنك الدولي للإنشاء والتعمير'' أكد في تقرير نشره في يونيو 1955 سلامة المشروع، وورد بهذا التقرير أيضًا ''إن مصر اعتمدت ثمانية ملايين دولار لتنفيذ بعض الأعمال التحضيرية للمشروع وتشمل إنشاء خطوط للسكك الحديدية، ومساكن للعاملين في الموقع''. وفي أغسطس من نفس العام أصدر البنك تقريرًا آخر يؤكد قدرة الاقتصاد المصري على تنفيذ المشروع، وفي سبتمبر 1955 أعلنت بعض الشركات الألمانية الغربية والفرنسية والبريطانية تقدمها بعروض للمشاركة في تنفيذ المشروع. في هذا الوقت، وبالرغم من سياسة عدم الانحياز؛ كان ''عبد الناصر'' يسير في عباءة الكتلة الشرقية، وجاء اعترافه ب''الصين الشيوعية'' ثم عقده ''لاتفاقية التسليح التشيكية'' بمثابة صدمة للمعسكر الولاياتالمتحدة والدول معها، مما أدى بهم للمماطلة في تمويل المشروع إلا بشروط تحد من تنامي دور ''مصر وعبد الناصر'' في المنطقة، ووضعت الولاياتالمتحدة وبريطانيا ''أكبر ممولتان للمشروع'' ثمة شروط تكفل لهم تحقيق هذا الغرض. ''تحويل ثلث الدخل القومي لصالح مشروع السد، فرض رقابة على المشاريع الاقتصادية، وضع ضوابط للحد من زيادة الإنفاق والتضخم الحكومي، فرض رقابة على المصروفات الحكومية، لا تقبل مصر ديونا خارجية إلا بموافقة البنك الدولي''.. كلها شروطًا كانت كفيلة بفرض احتلالاً اقتصاديًا على مصر، وهنا ظهر ''الاتحاد السوفيتي'' في الصورة. أبدى ''السوفييت'' استعدادهم المساهمة في تمويل ''مشروع السد'' من خلال المعونات الفنية والمعدات والأموال، ويتم السداد خلال 25 عامًا، وكان المشروع بين ''مطرقة'' سيطرة الغرب و''سندان'' سيطرة السوفييت، وكان لا بد من ''حل داخلي'' يكفل استقلال المشروع والبلد. ''تأميم قناة السويس 26 يوليو 1956''.. كان ''الحل المصري'' لتوفير التمويل اللازم لانطلاق المشروع من خلال عوائد القناة، وهو ما أشعل غضب ''بريطانيا - المسيطرة على القناة''، و''فرنسا - الراحلة لتوها من الجزائر بمساعدة مصرية''، وانضمت لهم ''إسرائيل - حلمًا في احتلال سيناء''، وكان ''العدوان الثلاثي ''أكتوبر 1956''. وقتها، حول النظام مشروع السد إلى ''حلم قومي'' جندت من خلاله الطاقات والخبرات، ووضع حجر الأساس في 9 يناير 1960، بتكلفة ''مليار دولار'' شطب الاتحاد السوفيتي ثلثها، وبمعاونة 400 خبير سوفيتي، واكتمل بناء السد في 1968، ليفتتح رسميًا بحضور ''أيزنهاور'' في 1971. ''السد العالي''.. اعتبرته الهيئة الدولية للسدود والشركات الكبرى ''أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين''، من خلال دوره في توفير رصيدًا استراتيجيًا من المياه، والحماية من خطر الفيضان والجفاف، والتوسع في الزراعة أفقيا ورأسيًا لأكثر من مرة في السنة، وإنتاج كهرباء أكثر من تلك المنتجة من خزان أسوان. كان ''للسد'' مخاطر وسلبيات تمثلت في تهجير أهل النوبة، وغرق مساحة واسعة في ''بحيرة ناصر''، وتقليل خصوبة التربة الزراعية بعد تراكم الطمي عند جسم السد، وأيضًا التهديد العسكري في حالة تفجير جسم السد، إلا أنه رغم تلك السلبيات ظل أكبر المشاريع الهندسية التنموية في تاريخ مصر الحديث. ومنذ أيام قليلة أيضًا، مرت ثلاثة أعوام على توقيع كل من ''إثيوبيا، أوغندا، رواندا، تنزانيا'' بالأحرف الأولى على اتفاقية ''عنتيبي'' الإطارية لتقاسم مياه نهر النيل، وذلك بعد مفاوضات 10 سنوات لهذا الغرض، في حين أصدرت ''كينيا'' بيانا تأييديًا لهذه الاتفاقية دون التوقيع عليها، بينما لم يحضر مندوبو ''الكونغو الديمقراطية وبوروندي'' للتوقيع، ورفضت دول المصب ''السودان ومصر'' هذه الاتفاقية. الاتفاقية الممهدة لبناء ''سد النهضة'' أو ''سد الألفية'' في إثيوبيا تكفل توفير مياه نهر النيل المهدرة، وذلك لدول المنبع والمجرى، إلا أنها تضر بشدة دول المصب ''السودان ومصر''، وتؤثر على حصتهم في مياه النيل، وهي الحصص الموزعة والمتفق عليها في إطار اتفاقية ''دول حوض النيل'' التسعة، والتي، وهو ما دفع مصر للإعلان عن مباحثات دبلوماسية لوقف بناء هذا السد، والتلويح باللجوء للحل العسكري لحل أزمة ''سد النهضة''، لتأثيره على أمن مصر المائي.