أصر كل منهم على مُصاحبة الأهل؛ كحال غيرهم ممن تواجدوا في كثير من لجان الاستفتاء على مشروع الدستور سواء داخلها أو خارجها؛ و''لما لا'' فالمكان اعتادوا عليه صباح كل يوم، لكن الأمر مختلف؛ فهو أشبه ب '' الفسحة'' بالنسبة لهم خاصة واليوم أجازة من المدرسة . تراهم بجوار أم تجلس خارج المدرسة التي قامت بأداء التصويت فيها كحال ''حبيبة''، أو ممسكين بيدها فور لحظة الخروج من اللجنة كحال ''مصطفى'' . تشابهت ردود أفعالهم البريئة التي لا تفقد الابتسامة، إما مرحاً أو خجلاً حتى في اللحظة التي بالأساس هي سبب إصرارهما على مصاحبة الأهل؛ قبل الخروج من باب اللجنة بعد وضع الورقة بالصندوق؛ حيث تأتي لحظة غمس أحد الأصابع بالحبر الفسفوري، وقد يصاحبها كلمة الموظف المسؤول مبتسماً لهم '' حط إيدك هنا'' . ''حبيبة'' جلست بجوار والدتها وأختها الصغيرة ''ملك'' أمام مدرسة ''أبي بكر الصديق'' في منطقة الدقي؛ ترفع لك إصبعها بمجرد السؤال عن سبب تواجدها، وتلاحقك بالإجابة ''جيت انتخب'' . الصف الثالث الابتدائي هي المرحلة الدراسية التي تؤديها ''حبيبة '' هذا العام؛ ويوم الاستفتاء أجازة فلا مانع من مشاركة الوالدة في الإدلاء بصوتها، والدة '' حبيبة '' ربة منزل ذات تعليم متوسط لم توافق على الدستور وقالت ''لا'' بعد قراءتها لمواده واعتراضها على بعضها خاصة فيما يتعلق بدور المرأة الذي '' أغفله الدستور'' على حد قولها. وعلى الرغم من أن صوت والد ''حبيبة'' جاء بالموافقة على الدستور غير أن ''حبيبة'' قررت مُصاحبة والدتها لتقول هى الأخرى ''لا''، ''حبيبة'' تعلم أن مشاركتها أشبه بالتمثيل لكنها فعلت '' قولت لا لأنه معملش حاجة، محمد مرسي مفيش حاجة عملها والناس اللي ماتت الشهداء مخدوش حقهم'' . ''حبيبة'' لا تعرف ما هو الدستور وماذا يعني لكنها تعرف أنها ستقول ''لا'' لأن '' البنت لما يبقى عندها 9 سنين هتتجوز قالوا كده في التليفزيون''، تبادرك وربما تفاجئك ''حبيبة'' ضاحكة بعد ترديدها لتلك الكلمات '' قالوا اللي هيقول ''نعم'' هيدخل الجنة واللي هيقول ''لا'' هيدخل النار''، لتأتي مؤكدة مرة أخرى أنها سمعتها في التليفزيون . وفي منطقة ''بولاق الدكرور'' وداخل فناء مدرسة '' جمال عبد الناصر'' أمسك ''مصطفى'' بيد والدته ''أميرة'' بعد خروجها من اللجنة وإنهاء عملية التصويت بالموافقة على الدستور. والدة ''مصطفى'' تعمل بمصلحة الضرائب وقالت ''نعم'' لكنها لم تقرأ الدستور: '' قلت نعم... ما قريتوش بس سمعت في التليفزيون أنه حلو وكويس، احنا عايزين البلد ينصلح حالها وتستقر''. '' مصطفى'' الذي لم يتجاوز المرحلة الابتدائية بعد لا يحمل إصبعه أثراً للحبر الفسفوري كعادة الأطفال التي تصطحبها الأهل في عملية التصويت؛ فقد اكتفى بمشاهدة أجواء عملية التصويت مُرجئاً وضع الحبر حتى يكبر؛ فهو يعلم من والدته أنه مازال صغير على القيام بذلك '' هو لسه صغير بيتفرج عشان لما يكبر يعرف ينتخب''.. قالتها والدته ناظرة بابتسام إليه . وتخلى ''مصطفى'' عن خجله المختفي وراء ابتسامته وكلماته القليلة؛ بمجرد أن ذكرت والدته ''مصطفى هو اللي خلاني أقول نعم''؛ وقال ''كانت هتقول لأ لكني قولتلها قولي نعم''؛ ولم يكن السبب غير ''عشان البلد تمشي'' . ''مصطفى'' أيضاً لا يعرف ما هو الدستور لكنه ''هيخلي البلد تكون كويسة''؛ فكل ما يرغب وقاله على استحياء'' عايز اطلع ظابط عشان أقبض على الحرامية ''.