تحتفل محافظة السويس غدا الرابع والعشرين من أكتوبر ، ومعها مصر كلها ، بالعيد القومى للسويس ، الذى يوافق ذكرى انتصارها على القوات الاسرائيلية التى تسللت اليها خلال حرب اكتوبر المجيدة عام 1973. لقد كانت ملحمة صمود السويس ، رواية خضبت بدم الشهيد ..وملحمة فى الذود عن تراب الوطن. ويروي مؤرخ المقاومة بالسويس وأحد أبناء المدينة الباسلة "حامد محمد حسب" ذكريات معركة السويس المجيدة ابان حرب اكتوبر 1973، لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، فيقول :إن معركة صمود شعب السويس الحقيقية بدأت برفض الاستسلام لهزيمة 5 يونيو 67، ومساعدة القوات المسلحة في إنقاذ الجنود من الضفة الشرقية ، وتحويل المدارس إلى مستشفيات ومراكز إيواء من أجل الجنود العائدين من سيناء، ثم الدخول بشكل فعلي في حرب الاستنزاف عام 1969 عندما عاشت المدينة تحت القصف وغارات الطائرات التي كانت لاتنقطع ، والتي عمدت بسببها القيادة السياسية إلى تهجير السكان لإتاحة الحركة للقوات المسلحة من ناحية وتقليل الخسائر بين المدينين من ناحية أخرى. ومضى يقول :إن القرار كان يستهدف تخفيض عدد السكان من 260 ألف نسمة إلى 15 ألفا ، ثم تحولت مدينة السويس إلي معسكر يخلو من النساء والأطفال .. وعاش المدنيون داخل المدينة تحت نيران ولهيب المدافع ..والطيران الإسرائيلي ..وبفعل التعود أصبحوا قادرين على التمييز بين طلقات المدافع والطائرات . ووسط هذا الخضم المتلاطمة أمواجه وأطلال الديار المنهارة ..وأكوام الحجارة .. انطلقت أغاني الصمود ..وترانيم البطولة تشد على سواعد الرجال ..ولتصنع من الضعف قوة ولترسم طريق الانتصار ..فكان لهيب الأغنيات أشد وقعا من لهيب النيران في نفوس الأبطال . وقد استعان السوايسة بالأغنية على درب المقاومة..وقام الكابتن غزالي بجمع رفاقه من أفراد المقاومة في بدروم إحدى العمارات ، اتخذوها خندقا ومركزا لتجمعهم ، وأخذ الجميع يردد أشعارا على نغمات السمسمية ..التي كانت تصاحب أمسياتهم ..وخرجت كلمات على نغمات تلقائية لتزرع الأمل في النفوس والترقب ليوم الانتصار ، وأثبتت هذه الروح التي خرجت من الخنادق أن ماحدث مجرد هزيمة عابرة . وأضاف المؤرخ حامد حسب في سياق حديثه أن الفرقة أخذت تردد ألحانها في جميع ربوع مصر ..وفي القرى والنجوع وتبشر بالأمل فرددت مصر كلها أغاني أولاد الأرض ..وأصبح الكابتن غزالي هو الأب الروحي لهذه الفرقة، وهكذا أسهمت الكلمات في الصمود والمقاومة ..وتعزيز الروح القتالية في ليلة النصر في الرابع والعشرين من أكتوبر 73 ..وأصبحت الأغنية سلاحا أكثر إيلاما للمعتدين من نيران مدافعهم ، وكانت أغاني فرقة "أولاد الأرض " فات الكثير يا بلدنا .. مابقاش إلا القليل " وأنشودة " احنا ولأدك يا مصر .. وعينيكي السهرانين ..نصرك أصبح نشيدنا .. واللي يعادينا مين ".... بينا بينا يللا بينا .. نحرر أراضينا ..وعضم أخواتنا ..نلموا ..نلموا نسنوا ..نسنوا..ونعمل منه مدافع وندافع وندافع .. ونجيب النصر هدية لمصر"........................... وعندما ترددت في المسامع هذه الأغنيات العطرة ..التي صنعت من المستحيل ممكن .. وتردد صداها ليسمعه القاصي والداني ..وأصبحت تراتيل المصريين ..التي صنعت أعظم انتصار في التاريخ . وأضاف المؤرخ في حديثه لوكالة أنباء الشرق الأوسط أنه منذ يوم 6 أكتوبر 73 وعبور القوات الضفة الشرقية للقناة ، واستسلام موقع لسان بورتوفيق الذي كان يسيطر عليه العدو الإسرائيلي - وهو الموقع الذي يشرف على المدخل الجنوبي لقناة السويس والمدخل الشمالي لخليج السويس - واستخدم العدو هذا الموقع عسكريا في ضرب الأهداف المدنية في السابق داخل محافظة السويس طوال 6 سنوات ..وكانت المواجهة الحقيقية لشعب السويس مع العدو مساء يوم 22 أكتوبر عقب دخول الاسرائيليين في السادس عشر من أكتوبر عن طريق الثغرة إلى منطقة "الدفرسوار " واتجهوا إلي محافظة السويس عقب فشلهم في الوصول إلى الاسماعيلية ..وعندها انقطعت الاتصالات بين السويسوالقاهرة ..وباتت المدينة تتوقع أحداثا جساما ، وأثناء ذلك توافد القادمون إلى السويس والهاربون من قرى الاسماعيلية بنسائهم وأطفالهم هروبا من نيران العدو ..حتى وصل الأمر إلى أن النازحين إلى السويس بلغ عددهم 11 ألف نسمة ، في الوقت التي كان يتواجد خلالها داخل محافظة السويس أثناء حرب أكتوبر خمسة آلاف مواطن فقط. وأشار المؤرخ "حامد حسب" إلى أن القوة الرئيسية للاسرائيليين كانت متقدمة من اتجاه الشمال ..وواصلت التقدم جنوبا من "الشلوفة " و "جنيفة " في اتجاه العين السخنة والأدبية وقامت باحتلال الأدبية في أخر ضوء يوم 23 أكتوبر ..وسيطرت على المدخل الجنوبي للمدينة ..فيما دفع العدو قواته من اتجاه "جنيفة " شمالا إلى الجنوب لتأمين أجناب قواتة من جهة الغرب لمنع وصول أى إمدادات من القاهرة إلى السويس .. حيث قامت هذه القوة بتدمير نقطة الكيلو 109 حيث أنزلت أطقم هاون قامت بتقديم المساعدات للقوات التي دفعتها لتدمير النقطة 109 ، وكانت مداخل الشوارع بمدينة السويس قد سدت بالسيارات ..حيث قام الشهيد أشرف عبدالدايم بعمل متاريس منها ، وذلك بتوجيه من الشيخ حافظ سلامة حيث كان يؤدي الشهيد صلاة الفجر.
حول استعداد الفدائيين ..أشار المؤرخ إلى أنه تم عمل كمائن بالفعل ..قسمت إلى عدة أقسام ..الأولى أمام قسم شرطة الأربعين والتي كانت بقيادة الفدائيين محمود عواد وإبراهيم سليمان ..والمجموعة الثانية تقف عند مدرسة الحرية بجانب مزلقان الشهداء ..بقيادة الفدائي احمد العطيفي ..وكانت مهمة المجموعة الأولي التي كانت تحمل مدافع "آر بي جي " والأسلحة والقنابل منع العدو من التوغل داخل المدينة ، وكان جميع المدنيين بالمدينة قد دخلوا الخنادق.. إلا أبطال "منظمة سيناء " الذين ظلوا داخل الكمائن التي أعدوها .
وقال إن الهجوم البري بدأ العاشرة والنصف صباحا ..حيث تقدم العدو بكتيبتين مدرعتين ومشاة ميكانيكي محملا بمجنزرات في طريق السماد ، وعند الكيلو 9 بطريق السويس - القاهرة واصلت التقدم شمال المحطة العسكرية العسكرية بالمثلث داخل السويس متجهه إلي الشلوفة حيث تشكل الهجوم من شمال المدينة في ثلاثة محاور، وفي نفس الوقت تقدمت كتيبة ثانية على طريق "الزيتيات " حيث تفرعت إلى ثلاثة محاور اقتحام من الغرب إلى الشرق ..واستطاع العدو أن يحدث ثغرة ، وفي نفس الوقت تصدت له قوة حماية الشعب على كوبري ترعة الغربي ، وتمكنت من تدمير دبابة للعدو بواسطة الملازم الشهيد توفيق حسان واحمد أبو هاشم ، وفي هذه اللحظات تحرك الفدائي إبراهيم سليمان إلى الكمين الموجود عند مزلقان الشهداء يطلب النجدة لان العدو دخل في هجوم مخترقا الشارع الرئيسي إلي ما بعد مبنى الإسعاف ..وخشي أفراد الكمين أن يقوم العدو بعملية التفاف ولكنهم تحركوا بسرعة واتخذوا مواقعهم فوق الخندق الموجود إمام سينما رويال ، بعد قسم الأربعين وبدأوا في التعامل مع العدو .. وقال المؤرخ "حسب" في حديثه ..ان الفدائي أحمد العطيفي أطلق قذيفة أصابت إحدى دبابات العدو وأطلق الشهيد إبراهيم سليمان دانة على أول دبابة وكانت من طراز "سنتوريون " وهو يردد الآية الكريمة " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " .. ومع اشتداد المعركة وتدمير الدبابات الاسرائيلية بدأ الجنود الإسرائيليون يقفزون من المدرعات وحاملات الجنود للاحتماء داخل المباني . أما عن ملحمة قسم شرطة الأربعين..فانه عقب هروب جنود العدو إلى المباني المجاورة لسينما "رويال " وكذلك مبني قسم شرطة الأربعين تصدى لهم العريف محمد عبد اللطيف سعد وهو المعين لحراسة القسم إلا انه استشهد، كما استشهد أيضا العريف محمد سعد احمد وأصيب الرقيب حواس محمود طه الذي كان متخذا موقعة في فناء القسم واضطرت باقي قوة القسم إلى الانسحاب إلى المنزل الموجود خلف القسم ..حيث بدأت المقاومة من هذا الموقع أثناء الاشتباك مع هذه القوة ، ومع ازدياد الاشتباكات وارتفاع شدة النيران تحصنت قوة العدو الإسرائيلي الموجود داخل القسم واحتمت به من موقعه المتحكم في أربعة اتجاهات ، فضلا عن التحصينات الداخلية للقسم من سواتر وشكاير رمال ، وكان الموقف يتطلب وضع خطة محكمة من جانب المقاومة التي قامت بتجميع نفسها وأطلقت النيران علي مواقع العدو بالقسم الذي يوجد داخل الجنود الاسرائيلين ، وفي ذلك بدأ البطل الشهيد إبراهيم أبو هاشم في الاستعداد للقفز على السور الذي يبلغ ارتفاعه مترين ..ولكن قفزته عرضته للاصابة بدفعة رشاش اصابتة في وجهه وصدره فسقط شهيدا فوق السور وظل راقدا فوقه لعدم قدرة إفراد المقاومة من زملائه بإنزاله بسبب كثافة النيران، ثم أعقبة بعد ذلك استشهاد ثلاثة فدائيين خلال هذه المعركة وهم الشهيد إبراهيم سليمان والشهيد فايز حافظ الذي اقتحم القسم والشهيد اشرف عبدالدايم.
ومن أهم عمليات المقاومة ،كما يرويها المؤرخ، إنقاذ مقر قيادة الجيش الميداني من كارثة تدميره بعد حادث ثغرة الدفرسوار ..حيث كنت بصحبة دليل أعرابي يساعد في جميع معلومات عن مدينة السويس وداخل دروب جبل عتاقة تمكنا من اكتشاف موقع إسرائيلي سري يوجد به أربعة جنود يرصدون مقر الجيش الثالث صورت الموقع وقدمت الأفلام للقيادة في مقر الجيش الثالث حيث قرر اللواء المرحوم عبد المنعم واصل على الفور نقل مقر قيادة الجيش الثالث إلى موقع أخر وبالفعل قام الإسرائيليون بشن هجوم كثيف علي الموقع بعد مغادرته وبفضل الله تم انقاذ القيادة من كارثة محققة . ويصف المؤرخ أيام حصار مدينة السويس والتي بدأت بعد وصول قوات الطوارىء الدولية بالقاسية والعصيبة ، التي انتصر فيها الإنسان المصري على نفسه ، حيث تنازلت مدينة السويس راضية عن مخزون المياه لأبناء جيشها الباسل لتمكنهم من الصمود والمقاومة وأخذت المدينة تبحث في تربتها عن الماء حتى وجدته مالحا قرب سطح الأرض أحيانا ، وفي مواسير المياه أحيانا أخري ، أو في بئر تفجرت ماؤه ..بقدرة الله ليخفف الشدة في وقت عصيب . كما تحملت المدينة ضيوفها الذين وفدوا إليها من جنود المؤخرات وسكان القطاع الريفي والزراعي في المناطق التي اخترقها العدو ، واكتفى الفرد فيها برغيفين من الخبز وقبلها كان البحث جاريا في المخلفات عن كسرة خبز جافة تسد الرمق ..
وشهدت المدينة أثناء الحصار احتراق جميع مخازن السلع الغذائية بالجملة وبها كميات من الأرز والسكر والخضروات ، بجانب أزمة نقص الوقود فقد توقفت المخابز عن العمل بسبب قيام العدو بالاستيلاء علي المواد البترولية بدائرة المحافظة ..وبالرغم من كل ذلك حافظ السوايسة على صمودهم وكفاحهم ليضربوا بذلك أكبر معاني النبل والتضحية من أجل الدفاع عن مدينتهم وحمايتها .