لما غنى محمد حمام لبيوت السويس: (أستشهد تحتك وتعيشى أنت) غنت مصر كلها وراءه، ولما قال الكابتن غزال: (فات الكتير يا بلدنا.. ما بقاش إلا القليل) كان النغم فى الوريد الوطنى زلزال حماس، وحينما حاول الصهاينة حصار الناس والبيوت فى السويس بعد الثغرة، قال غزالى بصوت عالٍ: وعضم إخواتنا.. نلمه.. نلمه.. نسنه.. نسنه.. ونعمل منه مدافع وندافع وندافع.. ونجيب النصر هدية لمصر. وكانت ملحمة صمود السويس، التى يروى تجربتها ل«الشروق» المؤرخ حامد محمد حسب، مؤرخ المقاومة بالسويس، وهو احد ابناء المدينة الحاصل على دبلوم الدراسات العليا من جامعة القاهرة ومدير قصر ثقافة السويس خلال فترة العدوان ووكيل اسبق بالتربية والتعليم، وله تجربة خاصة فى تطوير العمل الثقافى تحت ظروف المدافع والغارات أثناء العدوان والذى أنشأ لأبناء السويس فرقة سيناء الخندق. ● متى بدأت معركة صمود السويس الحقيقية؟ - معركة صمود شعب السويس الحقيقية بدأت برفض الاستسلام لهزيمة 5 يونيو 67 ومساعدة القوات المسلحة المصرية فى إنقاذ الجنود من الضفة الشرقية وتحويل المدارس إلى مستشفيات ومراكز إيواء من أجل الجنود العائدين من سيناء، ثم الدخول بشكل فعلى فى حرب الاستنزاف عام 1969 عندما عاشت المدينة تحت القصف وغارات الطائرات التى كانت لا تنقطع والتى عمدت بسببها القيادة السياسية إلى تهجير السكان لإتاحة الحركة للقوات المسلحة من ناحية وتقليل الخسائر بين المدنيين من ناحية أخرى، وكان القرار فاعلا بتخيف عدد السكان من 260 ألف نسمة إلى 15 ألف نسمة، ثم تحولت مدينة السويس إلى معسكر يخلو من النساء والأطفال، وعاش بعد ذلك المدنيون داخلها تحت وطأة المدافع والطيران الإسرائيلى، وأصبحوا قادرين مع الوقت على التمييز بين طلقات المدافع والطائرات، وبالرغم من كل هذا انطلقت من بين الأطلال أغانى الصمود والتى كانت تمجد البطولات وتمارس النقد وتحس الهمم عن طريق فرقة أولاد الأرض نبت المقاومة وروحها. ● وكيف انطلقت المقاومة بالسويس فى حرب أكتوبر 73؟ - كانت المواجهة الحقيقية لشعب السويس مع العدو مساء يوم 22 أكتوبر عقب دخول الاسرائيليين يوم 16 أكتوبر عن طريق الثغرة إلى منطقة الدفرسوار والذين اتجهوا إلى محافظة السويس عقب فشلهم فى الوصول إلى الاسماعيلية وعندها انقطعت الاتصالات بين السويسوالقاهرة وطيران العدو الإسرائيلى يسير على المنطقة وباتت المدينة تتوقع أحداثا جساما، وأثناء ذلك توافد القادمون إلى السويس والهاربون من قرى الإسماعيلية بنسائهم وأطفالهم ومواشيهم هروبا من قوات العدو حتى وصل الأمر إلى أن النازحين إلى السويس وصلوا إلى 11 ألف نسمة، فى الوقت التى كان يتواجد خلالها داخل محافظة السويس أثناء حرب أكتوبر خمسة آلاف مواطن فقط. ● ومتى بدأ الهجوم البرى لقوات العدو للدخول إلى المدينة؟ - بدأ الهجوم البرى الساعة العاشرة والنصف صباحا، تقدم العدو بكتيبتين مدرعتين ومشاة ميكانيكى محملتين بمجنزرات فى طريق السماد وعند الكيلو 9 بطريق السويسالقاهرة وواصلت التقدم شمال المحطة العسكرية بالمثلث داخل السويس متجهة إلى الشلوفة حيث تشكل الهجوم من شمال المدينة فى ثلاثة محاور، وفى نفس الوقت تقدمت كتيبة ثانية على طريق الزيتيات حيث تفرعت إلى ثلاثة محاور اقتحام من الغرب إلى الشرق الأوسط منها اتجه للاقتحام فى مواجهه كتيبة الدفاع الإقليمى فتصدت له ولم يكمل الاختراق والتقدم من منطقة العوايد خاصة مدخل المدينة، وتصدت له القوات الموجودة هناك ولكنها لم تستطع وقفه واستطاع العدو أن يحدث ثغرة وفى نفس الوقت تصدت له قوة حماية الشعب على كوبرى ترعة الغربى، واستطاعت تدمير دبابة للعدو بواسطة الملازم الشهيد توفيق حسان واحمد أبوهاشم، وفى هذه اللحظات تحرك الفدائى إبراهيم سليمان إلى الكمين الموجود عند مزلقان الشهداء يطلب النجدة لأن العدو دخل فى هجوم مخترقا الشارع الرئيسى إلى ما بعد مبنى الإسعاف وخشى أفراد الكمين أن يقوم العدو بعملية التفاف ولكنهم تحركوا بسرعة واتخذوا مواقعهم فوق الخندق الموجود إمام سينما رويال، بعد قسم الأربعين وبدأوا فى التعامل مع العدو وأطلق الفدائى البطل احمد العطيفى قذيفة أصابت احدى دبابات العدو التى توقفت، على بعد 10 أمتار ولكنها واصلت السير وبدأ العطيفى على الفور يركب الدانة الثانية فى مدفعه الذى كان مازال ملتهبا بيده فاحترقت، فأخذه منه الشهيد إبراهيم سليمان وأطلقه على أول دبابة وصلت وكانت من طراز سنتوريون وهو يردد الآية الكريمة «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» ومع اشتداد المعركة وتدمير الدبابات الإسرائيلية بدأ الجنود اليهود يقفزون من المدرعات والحاملات للاحتماء داخل المبانى، وأثناء ذلك كان الفدائى احمد العطيفى دخل إلى سينما رويال وأخذ يراقب مدرعات العدو وأخرج قنبلة يدوية ضرب بها حاملة جنود حيث أصابها داخل البرج فانفجرت وقتل عددا كبيرا من أفرادها، وأثناء ذلك هرع احد الجنود الاسرائيليين إلى السينما ووجد نفسه وجها لوجه أمام احمد العطيفى لا يفصلهما شىء وبسرعة فتح الاثنان النيران على بعضهما البعض فى لحظة واحدة وبينهما اقل من نصف متر، وشاءت إرادة الله أن تصيب طلقات العطيفى خزنة الرشاش الذى يحمله الجندى الإسرائيلى، ثم انقض عليه العطيفى وطرحه أرضا بيده وأجهز عليه خلال دقيقة واحدة. ● كيف عاشت المدينة أيام الحصار؟ - كانت أيام الحصار للمدينة التى بدأت بعد وصول قوات الطوارئ الدولية أياما قاسية وعصيبة، انتصر فيها الإنسان المصرى على نفسه، وظهر فيها الإيثار بأجلى معانيه، لقد تنازلت مدينة السويس راضية عن مخزون المياه لأبناء جيشها الباسل لتمكنهم من الصمود والمقاومة وأخذت المدينة تبحث فى تربتها عن الماء حتى وجدته مالحا قرب سطح الأرض أحيانا وفى مواسير المياه أحيانا أخرى، أو فى بئر تفجرت مياهها بقدرة الله ليخفف الشدة فى وقت عصيب، كما تحملت المدينة ضيوفها الذين وفدوا إليها من جنود المؤخرات وسكان القطاع الريفى والزراعى فى المناطق التى اخترقها العدو، واكتفى الفرد فيها برغيفين من الخبز وقبلها كان البحث جاريا فى المخلفات عن كسرة خبز جافة تسد الرمق، فقد شهدت المدينة أثناء الحصار احتراق جميع مخازن السلع الغذائية بالجملة وبها كميات من الأرز والسكر والخضراوات، بجانب أزمة نقص الوقود فقد توقفت المخابز عن العمل بسبب قيام العدو بالاستيلاء على المواد البترولية بدائرة المحافظة وبالرغم من كل ذلك حافظ السوايسة على صمودهم وكفاحهم ليضربوا بذلك اكبر معانى النبل والتضحية من اجل الدفاع عن مدينتهم وحمايتها.