شهدت الساحة الرياضية في الفترة الأخيرة أحداثا جساما تجعلها تنفرد دون عن سائر الساحات الأخري بأنها الأسوأ من كل النواحي وفي كل المجالات.. الأسوأ خلقاً والأسوأ تنظيما والأسوأ انضباطا والأسوأ تعاملا وبعد أن قدمت هذه الساحة الخربة التي يتندر بها كل العالم أعداد كبيرة من القتلي والشهداء أصبحت أيضاً هي الأسوأ من حيث فداحة الضحايا وجسامة الخسائر في الأرواح.. ولعلي أتساءل ما هذا العبث وذاك التخبط وتلك العشوائية التي تذخر بها هذه الساحة اللعينة.. يسيطر عليها ويتحكم فيها أشخاص لا خلاق لهم من فاقدي العقول وغائبي الألباب.. من أصحاب الرؤي السادية والأفكار الشيطانية والأغراض الذاتية والمصالح الفئوية ويتمتع هؤلاء الأشخاص بحناجر قوية وألسنة مطاطية وأساليب دنيئة وطرق رخيصة وتمكنهم هذه المؤهلات من بلوغ أهدافهم السنية علي أي حسابات ومع قبول أي خسائر وتغاضياً عن كل الوطنية وللحقيقة فلست مستطيعاً تحديد المخطيء وتبرئة المظلوم.. جميعنا من المخطئين.. نخطيء في حق أنفسنا ومصرنا ومجتمعنا ورياضتنا وشعبنا وسمعتنا.. ولعل الأخيرة هي التي أصبحت الأكثر تضررا.. بل لعلنا فقدنا سمعتنا تماما.. أصبحنا ملطشة للآخرين.. ينظرون إلينا بشفقة.. ويشيرون لنا بسخرية ويتهكمون منا.. ويضحكون علينا.. ساحة عرجاء خرقاء بلهاء تفقد العشرات من أبنائها في مناسبة هايفة تافهة.. مباراة لو أننا قمنا بتحليلها لما ارتقت لتكون بين مباريات دوري المدارس في حقبة الستينيات.. بل أجزم ان فرق مدارس السعيدية والابراهيمية والخديوية كانوا أفضل وأقوي وأمهر من الطرفين المتنافسين.. أما عن التنظيم والتحكيم والإدارة والقيادة فحدث ولا حرج.. لا يوجد بين كل هذه النعاصر ما يمكن أن نعتبره من المجيدين.. لا يمكن أن أعقل ان هناك أموراً تقبل أن نضحي بأرواحنا وأنفسنا ونسقط قتلي وجرحي بالعشرات اللهم اذا كانت تلك الأمور تتعلق بدواعي الجهاد من أجل سلامة الوطن وأمان الأرض وصيانة العرض.. لكن أن يسقط قتلي وجرحي بالعشرات خلال مباراة لن تحدد معالم بطولة أو تنهي مشوارا تنافسيا وحتي لو كان لها تلك الأهمية فلا يمكن القبول بسقوط قتلي.. نحن ننظر إلي الجماهير الأخري في كل البلاد ونتحسر علي ما أصابنا في أعز ما لدينا في جماهيرنا من انفلات وهياج ومجون وجنون.. كل مدرجات العالم تعج بالمشاهدين وتزخر بالمتفرجين لكنهم يمارسون الفرجة بسلاسة وأريحية وانتظام.. تعلو أصواتهم وتتمايل أجسامهم وترفرف راياتهم لكن دون خروج علي القواعد والأمن والأساليب المحترمة.. أما عندنا فالسباب والشتائم هي اللغة المتداولة بيننا وهي الوسيلة المنتشرة وسطنا.. لا يمكن أن تكون هذه هي الجماهير التي طالما أشرقت صورتها في المدرجات في عام 2006 يوم ان كانت العائلات تذهب بكامل عناصرها الكبار والصغار وحتي الرضع.. أما الآن فكل أسرة توافق علي خروج نجلها لمشاهدة مباراة علي الطبيعة لابد وأن تستودعه الله ثم تقيم له ليلة لأهل الله عندما يعود وليس في جسده جرح ينزف أو فاقدا أحد أعضائه أو حواسه.. لابد وأن نعلي المصلحة الوطنية العليا علي المصالح الدنيا والشخصية.. لا يجب أن نتهرب من مسئوليتنا تجاه وطننا وأن نسعي لتبرئة أنفسنا ونلقي بكرات النار في جحور الآخرين.. جميعنا مسئول.. كلنا أسهمنا بقدر فيما وقع.. وليت القتلي والمصابين نالوا الشهادة وصعدت أرواحهم إلي بارئهم طاهرة نقية كما نحسبهم.. وإنما للأسف الشديد البعض يتقول عليهم والبعض الآخر يلومهم علي المخاطرة بأنفسهم والبعض الثالث يحملهم المسئولية عما حاق بهم وكأن الانتماء للنادي والسعي خلفه للشد من أزره وتشجيعه من المحرمات.. ولا نملك إلا أن ندعوا لهم بالمغفرة.. وندعو لأسرهم بالصبر والسلوان.. ونتمني ألا تتكرر الأحداث المؤلمة والمؤسفة ونأخذ العبرة والعظة مما حاق بنا.. المطلوب أن ننقي ذواتنا وأن نخلص في نوايانا وأن نرسخ التعاون فيما بيننا وأن نحرص علي ألا نكرر أخطاءنا وأن نتعلم ممن حولنا وأن نحاكي من تقدموا علينا وسبقونا في المضامير الرياضية وحتي الأخلاقية.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.