هو أحد الموروثات التاريخية الهامة التي لم يستغني عنها المصريون رغم مرور مئات السنين علي ظهورها ، بل وأصبح المصريون يتفننون في إخراجها بأشكال تثير جميع من يشاهدها .. إنه فانوس رمضان .. ذلك الفانوس الذي بدأ شكله مصنوعا من الحديد أو الصفيح الذي يتوسطه شمعه للإضاءة. وبالرغم من ارتباط الأطفال به بشكل غير عادي إلا أن الشعب المصري الطيب يعشق ذلك الفانوس بشكل يثير علامات التعجب والاستفهام من مختلف دول العالم ، حتى أن دولا كثيرة بدأت تتفنن هي الأخرى في صناعة الفوانيس لبيعها في بلادها ، ومنها دولا تنافس الصناعة المصرية للفوانيس ، حتي أوشكت صناعة الفوانيس المصرية علي الانقراض ، خاصة مع الغزو الصيني للأسواق المصرية والتي أبدعت في صناعة الفوانيس . وتعود بداية فكرة الفانوس إلي استخدامه في صدر الإسلام في الإضاءة ، وقد عرف المصريون فانوس رمضان في عام 358 ه وقد وافق هذا اليوم دخول المعز لدين الله الفاطمى القاهرة ليلاً فاستقبله أهلها بالمشاعل والفوانيس وهتافات الترحيب ، وقد تحول الفانوس من وظيفته الأصلية في الإضاءة ليلاً إلى وظيفة أخرى ترفيهية إبان الدولة الفاطمية ، حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس ، ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون، كما صاحب هؤلاء الأطفال بفوانيسهم (المسحراتي) ليلاً لإيقاظ الناس للسحور، حتى أصبح الفانوس مرتبطاً بشهر رمضان أكثر من غيره وألعاب الأطفال وأغانيهم الشهيرة . وقد ظهرت أنواع عديدة للفوانيس فقد كانت في الماضي وما زالت فوانيس الشمع التي تتميز بألوانها الجذابة والمصنوعة من الزجاج في صورة نوافذ متلاصقة في إطار من الألمونيوم والنحاس وعليها رسومات مزخرفة وباب لإدخال الشمعة التي تستقر على قاعدة معدة لذلك ويتم إضاءتها فتعكس ألوان الزجاج المزخرف ولكن يعاب عليها بأنها ضارة لصحة الأطفال وخطرة فقد تم استبدالها الآن بأنواع حديثة وظلت تتطور حتى أصبحت الآن تستخدم التكنولوجيا الصوتية والضوئية واختلفت تماما عما كانت عليه. والمعني الأصلي للفانوس كما جاء في القاموس المحيط هو " النمام " ويرجع صاحب القاموس تسميته بهذا الاسم إلي أنه يظهر حامله وسط الظلام والكلمة بهذا المعني معروفه ، وفي بعض اللغات السامية يقال للفانوس فيها " فناس " ، ورغم أن الفانوس لا يظهر إلا عند استقبال شهر رمضان إلا أن عملية صناعته مستمرة طوال العام. وقد بدأت صناعة الفوانيس منذ العصر الفاطمي تتخذ مسارا حرفيا وإبداعيا في الوقت ذاته، فظهرت طائفة من الحرفيين في صناعة الفوانيس بأشكالها المتعددة وتزيينها وزخرفتها، ولم يتشكل الفانوس في صورته الحالية إلا في نهاية القرن التاسع عشر ، وأصبح يستخدم إلي جانب لعب الأطفال في تزيين وإضاءة الشوارع ليلا كما كانت وظيفته الأصلية خلال شهر رمضان رغم وجود وسائل الإضاءة الحديثة ، وقد ارتبطت صناعة الفانوس في القاهرة الفاطمية بأحياء الدرب الأحمر وبركة الفيل ، حيث اشتهر من الحرفيين في صناعة الفوانيس ب " السمكري البلدي " ، ويبدأ الحرفيون في العمل بعد انتهاء عيد الفطر مباشرة ، حيث يكون العمل تحضيريا فقط ويصل إلي ذروته قبل حلول شهر رمضان بعدة أشهر. وفوانيس رمضان هذا العام تنوعت أسمائها وأشكالها وظهرت مسميات جديدة تواكب الأحداث التي تعيشها مصر حاليا ، ومن أشهر الأسماء التي أطلقت على فوانيس رمضان هذا العام أسماء "الثورة" و "التحرير" و "الدبابة" تعبيرا عن أحداث ثورة 25 يناير التي أسقطت النظام السابق وبدأ عهد جديد في مصر ، ولم تقتصر الأسماء الجديدة على الجوانب السياسية فقط بل امتدت لتشمل أسماء تراثية وكارتونية مثل فانوس " علاء الدين " و " كرمبو " و " ميكي ماوس " و " بكار" و " بوجي وطمطم ". و الفوانيس المعروضة في السوق حاليا منها نوعين نوع صناعة صينية وأخرى صناعة مصرية فالفوانيس المصرية منها كبيرة الحجم مثل فانوس " الحرمين " وفانوس " ميرامار " ويفضل المصريون تعليق هذه الأنواع في الشوارع والشرفات نظرا لكبر حجمها. أما أسعار الفوانيس فهي تناسب مختلف الشرائح في المجتمع وتتراوح ما بين 10 جنيهات إلى 60 جنيها للفانوس الواحد وأغلى فانوس في الأسواق حاليا هو فانوس "علاء الدين" وكذلك فانوس "مدفع رمضان" الذي يعادله تقريبا في السعر. جدير بالذكر أنه في العام الماضي كان هناك اكتساح للفوانيس الذي حملت أسماء حسن شحاتة وأبو تريكة وجدو بمناسبة الفوز بكأس إفريقيا لكرة القدم ، أما هذا العام فان الإقبال يكاد يكون متساوي بين الفوانيس المعروضة دون اكتساح بعضها على الآخر.