وللفانوس حكاية " تحت الربع" مركز صناعة الفانوس تحقيق: إيمان التوني "فانوس رمضان" أحد المعالم الرئيسية المعلنة لقدوم شهر الصوم، ينير ليالي الشهر الكريم سواء كزينة لم يخل منه شارع أو فندق أو بيت، أو كلعبة يحملونه الأطفال بأيديهم ويطوفون به الشوارع والحارات. "التكتك" فانوس رمضان صيني ومنذ سنوات لم يقتصر تنوع واختلاف الفانوس بيد الصغار على أشكاله وألوانه فقط، وإنما تنوعت جنسيته أيضا، وذلك بعد أن غزا الفانوس البلاستيكي المستورد من الصين أسواق الفانوس المصري، محاولا منافسته من حيث السعر والتصميم المتجدد عام بعد عام. الفانوس الصيني وبالتجول في أسواق الفوانيس لرمضان 2008، كشف لنا تجار وأصحاب محال أن الإقبال على الفانوس المصري يزداد على حساب الصيني، رغم ما يحمله الأخير من اسطوانة صغيرة مسجل عليها الأغاني والأدعية الرمضانية وبعض الأغانى الشبابية للمغنيين الحاليين. وأرجع التجار ضعف الإقبال على الفانوس الصيني إلى أسباب عديدة، منها شكل الفانوس الذي أصبح أقرب لكونه لعبة عادية عن كونه فانوسا، فالجديد في رمضان 2008 بالنسبة للفانوس الصيني هو الفانوس الذي يأخذ شكل "التكتك" والفانوس "pooh" الذي يأخذ شكل الدب الشهير في أفلام والت ديزني وأيضا الفانوس "العروسة" وجميعها لم يظهر فيها الفانوس إلا صغيرا معلقا على أي من تلك الأشكال. الفانوس "التكتك" ومن أسباب العزوف عن شراء الفانوس الصيني أيضا السعر، حيث يبدأ سعر الفانوس المصري من 5 إلى 1200 جنيه مصري، بينما يتراوح سعر الفانوس الصيني ما بين 15 إلى 70 جنيها مصريا – وفقا لما ذكره التجار وأصحاب المحال التجارية – وبالتالي يعد الفانوس المصري أرخص ثمنا. (الدولار= 5.3جنيه) هذا فضلا عن جودة الفانوس المصري – سواء ما كان منه بشمعة أو بالكهرباء - حيث يعيش لسنوات على خلاف الفانوس الصيني – الذي يعمل بالبطارية – حيث يعطل وتهلك اسطوانة الأغاني التي يتميز بها بعد أيام قليلة وربما بعد ساعات من شرائه. وباستطلاع آراء الزبائن المقبلين على شراء فانوس رمضان اتفق معظمهم على أن الفانوس المصري – المصنوع من الصاج - هو الفانوس العربي الأصيل الذي يحمل التقاليد الشرقية وأنه علامة رمضان التي يعرفها الجميع منذ زمن بعيد، أما الصيني فيعتبر لعبة للأطفال وليس فانوسا بالمعنى المقصود لفانوس رمضان، الذي يعبر عنه الفانوس الصاج المشغول بالأرابيسك الإسلامي والمكتوب عليه آيات القرآن الكريم. وللفانوس حكاية قديما كان للفانوس وظيفته كمصدر حافظ للضوء من الريح والمطر، وانتشر استخدمه أيام الرومان، حيث كانت جوانبه تصنع من القرون الرفيعة لحماية المشاعل. أما في عصر النهضة فقد صنع الفانوس من المعدن المثقوب. واستخدمت الفوانيس المصنوعة من النحاس المشغول في الشرق الأوسط، ومن الورق أو المنسوجات في الشرق الأدني. وفي صدر الإسلام كانت الفوانيس تستخدم للإضاءة ليلا للذهاب إلى المساجد ولزيارة الأهل والأصدقاء. ولم يأخذ الفانوس شكله الحالي إلا مع نهاية القرن ال18. الفانوس المصري وقد عرف المصريون "فانوس رمضان" في الخامس من الشهر الكريم عام 358 هجريا، وهو اليوم الذي دخل فيه الخليفة الفاطمي المعز لدين الله القاهرة ليلا، فاستقبله أهلها حاملين المشاعل والفوانيس. وهكذا ارتبط الفانوس في مصر بالفرحة والاحتفاء، وحمله الأطفال بعد الإفطار يطلبون به الحلوى التي أبدعها الفاطميون وكذلك الهدايا التي أسرفوا في بذلها لنشر دعوتهم الجديدة، حتى أصبح الفانوس أحد مظاهر رمضان، يحملها المسحراتي لإيقاظ الصائمين بجانب طبلته مناديا "اصحى يا نايم وحد الدايم رمضان كريم". كما أصبح الفانوس اللعبة الرئيسية للأطفال خلال الشهر المبارك يلهون به، وظل المبدعون إلى يومنا هذا يبتكرون من أجله الأغاني والأناشيد وأشهرها "وحوي يا وحوي". كما لم يخل الشعر العربي من ذكر فانوس رمضان، وفيه قال أبو الحجاج يوسف بن علي: ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه ولكنه دون الكواكب لا يسري ولم أر نجما قط قبل طلوعه إذا غاب ينهي الصائمين عن الفطر "تحت الربع" مركز صناعة الفانوس أما صناعة الفانوس فانتشرت بصورة كبيرة في عهد الحاكم بأمر الله، الذي أمر بألا تخرج النساء من بيوتهن ليلا إلا إذا تقدمهن صبي يحمل فانوسا. كما أمر بتعليق الفوانيس على مداخل الحارات، وأبواب المنازل، وفرض غرامات على من يخالف ذلك، وهو ما أدى إلى تطور أشكال الفوانيس واختلاف أحجامها طبقا لاستخداماتها المختلفة. وهناك مناطق مصرية اشتهرت بصناعة الفوانيس، إلا أن أصل صناعة الفوانيس في مصر تعود إلى منطقة "تحت الربع" بالقرب من منطقة السيدة زينب بالقاهرة، التي بدأت بها هذه الصناعة منذ أكثر من 100 عام، ولا يزال التجار من مختلف أنحاء الوطن العربي والإسلامي يتوافدون عليها لشراء أكبر كمية ممكنة من الفانوس المصري الذي فتن الصغار والكبار بزخارفه على مر الزمان. أما عن صناعة فانوس رمضان المصري الشهير، فيمر بمراحل متعددة جميعها يدوية. تبدأ أولا بتقطيع الزجاج قطعا صغيرة، بعدها يتم دهانه وتلوينه وتجفيفه تماما، ثم يتم تقطيع الأجزاء المعدنية (الصفيح) إلى مقاسات محددة وثنيه بأشكال مناسبة، ثم تبدأ عملية التجميع لألواح الفانوس بجوانبه الأربعة، وتركيب القبة العلوية له، وأخيرا وضع الشمعة داخله. الفانوس "أبو ولاد" و"البرج" واتخذت الفوانيس أسماء عديدة، حيث أطلق على بعضها أسماء شخصيات شهيرة مثل فانوس "فاروق"، الذي يحمل اسم ملك مصر السابق، وقد صمم خصيصا لاحتفال القصر الملكي بيوم ميلاده، وتم شراء ما يزيد على 500 فانوس من هذا النوع يومها لتزيين القصر الملكي. وهو عبارة عن فانوس بشمعة وله باب يفتح ويغلق بمفصلتين مثل باب الحجرة. وهناك أيضا ما يعرف بفانوس "عبد العزيز" وكان بابه من أسفل، ثم ظهر الفانوس "أبو ولاد" وهو عبارة عن فانوس كبير بجواره 4 فوانيس صغيرة ملتصقة به كما يحتضن الأب أولاده، ولكل من تلك الفوانيس شمعة، ثم ما يعرف بالفانوس "النجمة" والفانوس "البرج"، وكذلك توالت أنواع الفوانيس إلى أن ظهر الفانوس المركب والطائرة والترام والمرجيحة. وتميز الفانوس في أوائل القرن العشرين برسوم وكتابات قرآنية، ثم تطور الأمر وتعددت الفنون لتزيينه مثل "الأرابيسك" وتشكيلات "المشربية" ورسم "الكعبة المشرفة" و"الكتابة البارزة" لآيات القرآن الكريم على زجاج الفانوس. رمضان جانا وحتى يومنا هذا يظل الفانوس المصري الأصيل متربعا على العرش، معتليا بأنواره الميادين والأزقة المصرية، معلنا قدوم شهر رمضان المبارك، ويكفي رؤيته ليعلم الجميع أن "رمضان جانا".