عشرون ثانية كانت تفصل بينه وبين الموت المحقق، عندما تعرض لحادث أتوبيس وهو في طريقه إلي محافظة الإسكندرية لحضور خطبة شقيقته. فما بين خيال وواقع وحلم وحقيقة عاش الساحر محمود عبد العزيز، 20 ثانية مرت عليه كدهر، ونجا من الموت بأعجوبة، ليثبت له هذا الحادث أن هناك فرقا كبيرا بين ما يقدمه الفنان من موضوعات وشخصيات متنوعة علي شاشة السينما، وبين ما مقتطع من واقع الحياة، فقد أسفر هذا الحادث عن مصرع راكبتين وإصابة 11 آخرين وتهشم الأتوبيس تماماً. من داخل الأتوبيس كان الركاب يتابعون أحدث الأفلام الأمريكية من خلال شاشة العرض، بينما جلس محمود عبد العزيز في المقعد خلف السائق منشغلاً بتلاوة القرآن الكريم، ويسكنه شعور بالقلق وبأن شيئاُ ما سيحدث. انطلق السائق بسرعة شديدة، وما أن عبر »الرست هاوس«، وهرع الجميع بعد أن اختلت عجلة القيادة في يد السائق، ردد محمود عبد العزيز، الشهادة بعد أن ارتطم رأسه، وغاب عن الوعي بينما يتردد علي مسامعه همهمات، وحالة من الذعر والهلع، تخللها مباشرة حالة من الصمت والسكون الرهيب، حيث الظلام الدامس داخل الأتوبيس وخارجه، وسرعان ما أعقب الصمت مرة أخري عاصفة من الصراخ والنحيب، وعندما عاد له الوعي مرة أخري؛ شعر بأنه لا يقوي علي الحراك، وتقوقع بجسده الذي أصيب بكدمات وسحجات، حيث لم يستغرق الحادث 20 ثانية مرت وكأنها كالدهر. لمحت عيناه علي مدي الرؤية شخصاً يتحرك منحنيا ويحاول الخروج من خلال فجوة بالزجاج الأمامي، تحامل على نفسه ورغم شدة الآلام توجه نحوها، وحاول الخروج أيضاً بصعوبة لأن سمكها لا يسمح بعبور جسم بشري، لم يكن أمامه خيار سوى المنفذ، ونجح في الخروج منها وهو ممسكاً بالزجاج المحيط بهذه الفجوة. تملكت ساقاه رعشة شديدة، وسار يردد على شفتيه "الحمد لله" التي شقت حجاب الصمت، وأذابت الظلمة، وهو فاقداً الإحساس بالطريق أيها إلى القاهرة وأيها إلى الإسكندرية، وبفضل من الله العلي القدير، وما هي إلا برهة سمع صوت فرقعة مدوية بصوت عظيم وسرعان ما أدرك أن صوت الرعد الذي صاحبه برق وسيول الأمطار تهطل بالثلوج بشكل لم يره من قبل، وفي ثوان تشبعت ملابسه وجسده بالماء. وقعت عيناه على سيارة تقف بجانب الطريق لسبب ما بداخلها، زوج وأسرته، وبخوف وبطء شديدين اقترب منها وطرق على زجاجها، وقدم نفسه لهم، حتى علت وجه الزوجة الابتسامة قائلة "أنت محمود عبد العزيز"، وسارع الزوج بفتح باب السيارة وجلس بجوار أطفالهما، وقدمت الزوجة «فوطة» له ليجفف رأسه المبتلة تماماً، وكوباً من الشاي، واصطحبوه معهم إلى الإسكندرية، بعد أن أوضح لهم بأنه كان داخل الأتوبيس المنكوب. وما إن وصل إلى منزل أسرته؛ صمم على إتمام خطبة شقيقته، رغم مظهره المتهالك الذي روع الجميع، وطلب منهم التكتم عن هذه الحادثة وعدم إخبار نجليه محمد «6 أعوام»، وكريم «عام». انفرجت أساريره وتوجه إلى الغرفة وصلى ركعتين شكرًا لله، وفي النهاية قال الفنان الساحر فيما تجلت العناية الإلهية بجانبه تجاه هذا الموقف العصيب، والذي تمثل في تمكنه من الحصول على مقعد أمامي لا يشاركه فيه أحد، وفي تعلقه بمقبض حديدي لا يعرف كيف عثر عليه، وفي رؤيته لشخص وسط الظلام الدامس يحاول الخروج من الفجوة، ومقدرته أيضا على الخروج منها. أخبار اليوم 13/10/1987