منذ 7 آلاف سنة لم يعرف المصري التطرف. ورغم ان المصريين هم أول من نادوا بتوحيد الاله.. إلا أنهم جميعاً وعلي مر العصور يرون، ان المغالاة في الدين والتزمت مكروهان كراهية التحريم. ولعل جينات المصريين هي السبب في هذه الوسطية والاعتدال في الدين. المصري بطبيعته شخص بناء.. محب للحياة. ويعتقد المصريون أن الحياة ليست نهاية المطاف وأن هناك حياة أخري بعد الموت لذلك كان في التحنيط فن راق وظل سراً لا يعرفه إلا المصريون القدماء.. ولذلك فالمصري في وجدانه يعشق الحياة ويريدها سهلة بسيطة حتي يذهب إلي الحياة الابدية.
لعل هذا الإرث الذي يحمله المصريون منذ آلاف السنين شكله نهر النيل بانسياب مياهه في سهولة ويسر مما انعكس علي طبيعة الشخصية المصرية التي تميل إلي الهدوء والسهولة ونبذ العنف والتطرف. وأكثر ما يزعج المصريون التطرف والغلو في الدين أو في الحياة. ومنذ الفتح الإسلامي في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ودخول الجيوش العربية إلي مصر بقيادة عمرو بن العاص والمصريون يتمسكون بصحيح الدين و وسطيته.. ويرفضون الغلو والتشدد.. ونحن في ذلك نتبع قول رسول الله «صلي الله عليه وسلم»: ما عرض عليّ امران إلا اخترت أيسرهما.. صدق رسول الله.
وفي العصر الحديث.. تمسك المصري بوسطيته وحارب من أجلها. وفي السنوات الأربعين الأخيرة بعد نمو التيار الديني المتشدد الذي غرس بذرته الرئيس الراحل أنور السادات لمواجهة التيار الشيوعي.. والناس البسطاء في مصر لا يميلون إلي هذا التيار المتشدد رغم دعمه في أوقات كثيرة من الحكومات المتعاقبة. وعندما انقلب نظام مبارك علي التيار الديني وبدأت الهجمات الإرهابية في بداية التسعينيات من القرن الماضي وقف الشعب إلي جوار الحكومة ضد التشدد والتطرف والقتل العشوائي.. رغم كراهية البعض لنظام مبارك خاصة بعد فتح باب الخصخصة وبداية نفوذ حكومات رجال الأعمال.
الأسبوع الماضي.. انزعج المصريون من ظاهرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المستوردة من المملكة العربية السعودية.. خاصة بعد واقعة مرور عدد من الشبان في بورفؤاد علي الحلاقين وأمرهم بعدم حلاقة لحي الرجال (!). الانزعاج المصري من الظاهرة أمر مفهوم وذلك لطبيعة المصريين التي تلازمهم منذ 7 الآف سنة.. ولكنني أري أنه لاداعي لهذا الانزعاج لان الطبيعة المصرية نفسها هي التي ستقضي سريعاً علي هذه الظاهرة التي تمتل التخلف والتشدد وتقييد الحرية حتي ولو باسم الدين.
لاتخافوا علي مصر والمصريين. المصريون جميعاً سيطهرون المجتمع من هؤلاء الذين يريدون العودة بمصر إلي الوراء. والمصريون تحرروا أخيراً وانهوا نظاما ديكتاتورياً فرعونياً واسقطوا مبارك وعصابته في 4 أيام فقط. أما هؤلاء الصبية الذين يدعوون أنهم جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأنني انصحهم بالكف عن هذا الهراء في عصر الانترنت والسماوات المفتوحة. كفٌّوا وارحلوا.. طبقوا غلكم وعقدكم النفسية بعيداً عن مصر.. لانكم لو نزلتم إلي الشارع مرة أخري ستجدون من المصريين ما لا تتمنوه او تتوقعوه . الدين لا يُفرض بالقوة ولنا جميعاً في رسول الله الكريم الأسوة الحسنة. العبوا غيرها.. والعبوا بعيداً عنا فالمصريون لم يتخلصوا من فرعون ليقعوا في براثن الجهلاء والأدعياء وعملاء آمن الدولة السابقين. واظنكم تعلمون جيداً نتائج غضبة المصريين.