علي مدي سنوات طويلة رسخ بعض المسئولين الفاشلين او المقصرين لدي الرأي العام مقولة ساعدهم علي ترويجها بعض الإعلاميين (نقول بتحفظ: حسَني النية) هذه المقولة ان السبب في تدني الخدمة هو نقص الاعتمادات المالية اللازمة للارتفاع بمستوي تلك الخدمة، وارتاح المسئول وارتاح الاعلام وربما المواطن إلي هذا السبب، بل بلغت الجرأة بأحد الوزراء السابقين ان رد علي طلبات بعض النواب بتحسين مستوي الخدمات التي تقدمها وزارته بالمثل الشعبي الشائع اطبخي يا جارية كلف ياسيدي، وعدت. ولم يناقشه احد، وانتقلت الكرة من قدم المسئول الفاشل او المقصر إلي قدم الدولة رئيساً وحكومة وبرلمانا وشعبا، تريدون الارتقاء بمستوي الخدمة؟ هاتوا فلوس !واحمدوا ربنا اننا قادرين علي ان نعمل بهذه الملاليم !وبدلا من المحاسبة كان الرجاء وشدوا حيلكم يا رجاله، والله يعينكم. الحقيقة غير ذلك تماماً وخذ عندك هذه الأمثلة: هل قذارة دورات المياه في المدارس والمحاكم والمصالح الحكومية والجامعات ترجع إلي نقص في التمويل ام نقص في الضمير وسوء الادارة؟ هل سوء حال عربات القطارات رغم ان كل عربة معين لها عامل لنظافتها يرجع إلي نقص في التمويل ام يرجع إلي نقص في الضمير وسوء الادارة؟هل عدم رفع القمامة من الشوارع يرجع إلي نقص في التمويل ام إلي خيبة قوية من المحليات (اعرف رئيساً لمجلس مدينة دكرنس بمحافظة الدقهلية منذ ثلاثين عاما كان يغسل الشوارع الرئيسية بالماء وقت ان كانت الاعتمادات المالية بالملاليم، واسألوا أهل دكرنس)؟ هل سوء معاملة الجمهور في المصالح الحكومية يرجع إلي نقص التمويل ام إلي سوء الادارة؟ هل عدم تحرير الأطباء فاتورة ضريبية للمرضي في عياداتهم يرجع إلي نقص التمويل في مصلحة الضرائب ام يرجع إلي سوء الادارة؟ هل عدم احترام اللوريات لقانون المرور يرجع إلي نقص التمويل ام إلي سوء الادارة؟ هل اختفاء لبن الأطفال يرجع إلي نقص التمويل ام إلي سوء الادارة؟ هل تعيين مسئول كبير في موقع كبير وهو غير كفء لهذا الموقع يرجع إلي نقص التمويل ام إلي سوء الادارة؟ هل وجود ما يقارب من 2000 سيارة اتوبيس في جراج هيئة النقل العام بالقاهرة لعدم وجود سائقين يرجع إلي نقص التمويل ام إلي سوء الادارة؟ هل مخالفات البناء التي تملأ شوارع مدن وقري مصر ترجع إلي نقص التمويل ام إلي سوء الادارة؟ هل استغلال سائقي التاكسي للسياح في المدن السياحية يرجع لنقص التمويل ام إلي سوء الادارة؟ هل التعدي بالبناء علي جسور النيل وردمها لبناء قصور يرجع إلي نقص التمويل ام إلي فساد الادارة؟ هل نهب أراضي الدولة يرجع إلي نقص التمويل ام إلي فساد الادارة؟ وأستطيع ان اضرب مئات الامثلة التي توضح بجلاء ان التقصير في اداء الخدمة او الواجب لا يرجع إلي نقص التمويل بل يرجع إلي سوء وفساد الادارة، قد يكون انشاء خط جديد للمترو يحتاج إلي اعتمادات مالية ولكن تنظيف عربة المترو وانتظام حركته لا يحتاج الا إلي مدير شاطر وفوقه ادارة تراقب وتقيم وتحاسب. أقولها بصراحة وأمانة تستند إلي خبرة سابقة : اي مسئول يزعم ان سبب تدني مستوي الخدمة هو عدم وجود تمويل كاف لتحسينها هو احد اثنين: اما كاذب او جاهل وميعرفش حاجة عن مسئولياته، لا أزعم ان الامكانيات متاحة للارتقاء بمستوي الخدمة (مثلا في الصحة) الي المستوي العالمي ولكن علي الأقل المتاح لو أحسن استغلاله وإدارته والرقابة عليه لتحسنت الخدمة أضعافا مضاعفة في الوقت الحالي، وأتحدي ان يناظرني مسئول في اي قطاع خدمي ليثبت عدم صحة كلامي. المشكلة يا سادة في الادارة ثم الادارة ثم الادارة، والإدارة تتضمن ضمن مكوناتها آلية للرقابة الداخلي (هكذا يقول العلم) وظيفتها قياس الأداء الفعلي ومقارنته بالأداء المخطط او الهدف وتحديد الفرق ولماذا وجد؟ واقتراح التوصيات ومتابعة تنفيذها وهي تختلف عن نوعية الرقابة التي تقوم بها اجهزة الرقابة المركزية كالجهاز المركزي للمحاسبات او الرقابة الادارية الخ....، وهذه الرقابة الداخلية لن يستطيع ان يقوم بها مصريون وأكرر لن يستطيع ان يقوم بها مصريون ولابد لها من خبراء أجانب، لماذا؟ لنفس السبب الذي من اجله نستقدم حكما أجنبيا لإدارة مباراة الأهلي والزمالك، ولذات السبب الذي من اجله استقدمت القوات المسلحة بعد هزيمة 67 خبراء روساً. لا تضيعوا الوقت في مناقشات بيزنطية يديرها أناس عديمو الخبرة بطبيعة العلاقات الداخلية في الجهاز الإداري للدولة، وإذا كانت هناك مخاوف من تكلفة أجور هؤلاء الخبراء فالحل موجود وبسيط وهو توفير المستشارين او نصفهم علي الأقل وهذا التخفيض كاف جداً لدفع مرتبات الخبراء الأجانب، وعلي الله قصد السبيل.