منذ عشر سنوات، وأثناء تشييع جثمان أديب الحارة المصرية وشيخها الأكبر: نجيب محفوظ، اتخذ الفنان التشكيلي فاروق حسني، وزير الثقافة آنذاك، قراراً بإنشاء متحف لنجيب محفوظ، تقديراً لما أبدع وإحياءً لذكراه علي الدوام. اليوم ونحن في نهاية عام 2016 لا يزال الحديث يدور هنا وهناك ولا جديد فلا المتحف افتتح ولاخرج علينا المسئولون ليكشفوا لنا عن سبب هذا البطء الشديد في إنهاء الأمر، مما أدي إلي مطالبة بنات الأستاذ نجيب بمقتنيات والدهن التي أودعنها في صندوق التنمية الثقافية، خوفا عليها من الضياع والإهمال، وذلك بحسب ما صرح به الأديب يوسف القعيد أثناء احتفالية المجلس الأعلي للثقافة بالذكري العاشرة لرحيل نجيب محفوظ نهاية الشهر الماضي. تسعة وزراء تولوا الحقيبة الوزارية في غضون خمس سنوات فقط، بعضهم جلس علي كرسي الوزارة شهرا واحدا أو يقل قليلاً، ولا شك أن هذا الأمر له علاقة وثيقة بتعطيل مشروع المتحف فالوزير لا يكاد يستقر علي كرسيه حتي يُزاح ويأتي آخر يسير ب "أستيكة" علي الخط الذي رسمه سابقه وهكذا دواليك. الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق يقول : " اتفقنا في بداية المشروع، وكنت أميناً للجنة المشرفة عليه، بأن نتخذ من وكالة محمد أبو الدهب مقراً للمتحف، علي أن نقيم حوائط صناعية حولها، ثم جاء صندوق التنمية الثقافية ووضع بالفعل رسومات للبيت، ثم جاءت ثورة يناير فقلبت الأمور رأساً علي عقب، وبطبيعة الحال لم يكن مطروحاً في تلك الفترة أن نتعرض لمشروع المتحف، إذ كانت البلاد تمور وسط أحداث سياسية صاخبة. توقف المشروع إلي أن جئت إلي الوزارة في ولايتي الثانية فحاولت إحياء المشروع من جديد، واتفقت مع وزارة الآثار، وكان المرحوم توفيق صالح هو المنوط به مباشرة المشروع، ولكن القدر لم يمهله فتوفي توفيق صالح، وتحدثت مع المهندس محمد أبو سعدة علي ضرورة إقامة المتحف لما يمثله من أهمية كبيرة، ولكن جاءت الحركة الوزارية الجديدة فخرجت من الوزارة وتولي الدكتور عبد الواحد النبوي بدلاً مني، وهو رجل ليس علي دراية بالآثار ولم يكن في ترتيباته أشياء من هذا القبيل. هكذا ظل المشروع متعطلاً إلي أن جاء الكاتب الصحفي حلمي النمنم ليتولي الوزارة وأراه يبذل مجهوداً لافتتاح المتحف، وأظن أننا باستطاعتنا افتتاح متحف نجيب محفوظ في أكتوبر من العام القادم، إذا خلصت النوايا، وكانت هناك رغبة حقيقية وحماس شديد في إنهاء الأمر، وعلي المثقفين أن يطالبوا بذلك ويضغطوا بكل قوتهم لإتمام الموضوع. علينا أن نعلم أننا نعيش في مصر، التي يمكن أن يتخذ الوزير فيها قراراً ثم تأتي الجهات المنفذة فتقضي عليه وتحيله ركاماً، فلا يجب أن نلقي بالتبعات علي الوزير وحده". الدكتور عماد أبو غازي، وزير الثقافة الأسبق، الذي تولي الحقيبة الوزارية بعد الدكتور جابر عصفور في ولايته الأولي، رفض التعليق علي الأمر وقال إنه لا يمتلك معلومات للحديث عنها وليس لديه ما يقال بخصوص أي أمر من الأمور سواء التي وقعت في الماضي أو التي تحدث الآن، كما صرح بأنه ممتنع عن الحوارات والتصريحات الصحفية وحال أراد أن يبدي الرأي في قضية أو يقترح وجهة نظر ما فإنه سوف يقوم بذلك كتابةً عبر مقال له ينشره في جريدة أو مجلة، وغير ذلك لن يفعل. الدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الأسبق، قال : " لم أجلس علي كرسي وزارة الثقافة سوي خمسة شهور فقط، هذه الفترة الزمنية لم تجعلني أستطيع البت في قضية هامة أو موضوع ذي بال، وبخصوص متحف نجيب محفوظ فأنا لا أتذكر ما حدث حينذاك، فالأمر يرجع إلي عام 2011 . كل ما في الأمر أنه كان هناك مكان تم اختياره علي أن يتولي صندوق التنمية الثقافية هذا الأمر، وبعدها خرجت من الوزارة". في سبتمبر من العام الماضي، وأثناء قيامي بتغطية احتفالية المجلس الأعلي للثقافة بالذكري التاسعة لوفاة نجيب محفوظ، صرَّح الدكتور عبد الواحد النبوي، وزير الثقافة آنذاك، بأن المشروع يسير علي قدم وساق وما هي إلا أسابيع ويتم افتتاحه، إذ دار الحديث وقتذاك عن افتتاح المتحف في نوفمبر من العام الماضي، وعن ذلك يقول وزير الثقافة السابق : " عندما قدمت إلي الوزارة، بعد رحيل الدكتور جابر عصفور، كان المشروع متعطلاً، وذلك بسبب حرص وزارة الآثار علي أن تكون لها اليد الطولي في الموضوع باعتبارها مسئولة عن الأماكن الأثرية وما يتعلق بها، فرفضت ترك وكالة أبو الدهب بحجة أن لديها موظفين يعملون في ذلك المكان وليس بوسعها توفير مكان آخر لهم. حزنت لذلك جداً لأن نجيب محفوظ قيمة كبيرة يجب أن نهتم بها أكثر من ذلك ونحرص علي بقاء ذكراه في وجداننا جميعاً، وذلك عبر متحف يضم أعماله ومقتنياته حتي يزوره الناس ويظلوا علي تواصل معه حتي بعد الرحيل. عندما وجدت تعسفاً وعدم نية لإتمام المشروع، تحدثت مع صندوق التنمية الثقافية الذي اقترح أن يتولي هو الأمر وينتهي منه في غضون ثلاثة أشهر. تحدثت بعد ذلك مع الدكتور ممدوح الدماطي، وزير الآثار آنذاك، الذي أخبرني بأن هناك الكثير من المشكلات ولا يوجد داع لأن نزيدها وتوقفت فكرة الحصول علي وكالة أبو الدهب كي تكون متحفاً لنجيب محفوظ. كان مشروع المتحف تحديا خاصا بالنسبة لي وقد عزمت علي الانتهاء منه في أسرع وقت ممكن، وهكذا ذهبت إلي المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء آنذاك، وأخبرته بالقصة كاملة وقد أبدي حماساً كبيراً واهتماماً حقيقياً بمشروع المتحف. وصلت مفاوضاتي بعد ذلك مع الدكتور ممدوح الدماطي إلي أن تأخذ وزارة الآثار الدور الأرضي علي أن يقام المتحف في الدورين الثاني والثالث، واعترضت حينذاك، فمن غير المعقول أن يمر الزائرون القادمون إلي متحف نجيب محفوظ علي بعض الموظفين العاملين بالدور الأرضي، وفي النهاية هذا المكان ملك لمصر، لا تملكه وزارة الثقافة، ولا حق لوزارة الآثار فيه. توقفت الأمور هنا، حيث إنني خرجت في التعديل الوزاري الجديد وتولي الكاتب الصحفي حلمي النمنم الوزارة. أخطر ما في الموضوع هو أن التغييرات الوزارية الكثيرة تقلب الأمور وتعطل السير وأنا هنا لا أتحدث عن وزير بعينه، ولكن الجهاز الإداري يقوم بترتيب أوراقه وتنظيم أموره علي أساس الوزير الذي يجلس علي كرسي الوزارة فنحن لا نملك سياسات واضحة ورؤي علي المدي البعيد ". الكاتب والمسرحي محمد سلماوي، رئيس اتحاد كتاب مصر السابق، رفض التعليق علي أزمة المتحف مكتفياً بالتأكيد علي أنه لا يملك شيئاً يقال بخصوص تلك المسألة، فهو لا يعلم شيئاً، علي حد كلامه. محمد عبد العزيز، مساعد وزير الآثار لشئون الآثار الإسلامية، قال : " وافقنا في اللجنة الدائمة بشكل نهائي علي أن تتسلم وزارة الثقافة وكالة محمد أبو الدهب لتحويلها إلي متحف نجيب محفوظ، كما طلبنا من وزارة الثقافة ضرورة عمل دراسة للأحمال لمعرفة إذا ما كانت الوكالة ستتحمل الزيارات والزائرين وهذا الضغط الذي من المتوقع أن يكون كبيراً، فكلنا يعلم قيمة نجيب محفوظ وما له داخل نفوس المصريين من حب وتقدير، أنهت وزارة الثقافة عمل الدراسة وناقشناها بالفعل ووافقنا عليها بحيث يكون الدور الأرضي والأول والثاني للمتحف، ويبقي الدور الثالث لموظفي وزارة الآثار، ولا يوجد تعارض في الأمر ولا توجد شكاوي أو مشكلات، فنحن عندما وافقنا في البداية منذ سنوات، كانت الموافقة علي تخصيص الدور الثاني والثالث فقط. الآن تسلمت وزارة الثقافة وكالة أبو الدهب وذلك بمحضر رسمي، وتم تكليف شركة المقاولون العرب بالعمل علي المتحف، ولا يتبقي سوي عمل العرض المتحفي وينتهي الموضوع". المهندس محمد أبو سعدة ، رئيس صندوق التنمية الثقافية السابق قال : " مر المشروع بخطوات كثيرة ومراحل متعددة، وتوقف كثيراً كما تقول، فكنا نحتاج في البداية إلي موافقة اللجنة الدائمة التي رفضت في المرة الأولي، ثم عرضنا عليها مرة ثانية فوافقت، وأخبرتنا أن الدور الأول سيكون تابعاً لوزارة الآثار بسبب وجود عدد من موظفيها بالمكان وهي لا تستطيع توفير مكان بديل لهؤلاء الموظفين. بالتالي لم يكن مقبولاً ولا مستساغاً أن تجد متحفاً يحتل دورين في بناية يجلس في دورها الأرضي موظفون يقومون بأعمال مكتبية، هذا ليس جو متحف علي الإطلاق. عرضنا الأمر مرة ثالثة علي اللجنة بعد عدد من التعديلات علي الرسومات وكانت هذه المرة بحضور الدكتور ممدوح الدماطي الذي وافق حينذاك علي أن ينتقل الموظفون للدور الثالث، في حين أن يحتل المتحف الدورين الأول والثاني، وما أظنه هو أن الموظفين التابعين لوزارة الآثار لا يزالون متواجدين حتي الآن، ولكن الدكتورة نيفين الكيلاني المديرة الحالية للصندوق هي من تستطيع الإجابة". من جانبها قالت الدكتورة نيفين الكيلاني، رئيسة صندوق التنمية الثقافية : " قامت وزارة الآثار بإخلاء المكان، الأسبوع الماضي، واستلمنا منها وكالة أبو الدهب، دون الدور الثالث الذي سيستمر وجود موظفي وزارة الآثار فيه، وبعد انتهاء عطلة عيد الأضحي سوف نبدأ العمل، من أجل الانتهاء من مشروع المتحف، ونحن الآن ننتظر أن تنتهي شركة المقاولات من عملها لأننا لا نعلم متي تنتهي، لأنه من الوارد جداً أن يجدوا الفترة التي اتفقنا عليها غير كافية، فيتم مد فترة العمل، لأننا بانتظار عمل المعاينة لتحديد مدة العمل بشكل نهائي إلي حد ما".