في قرار غير مسبوق، قررت المحكمة العليا الفرنسية - مجلس الدولة الفرنسي - تعليق قرار منع ارتداء مايوه البحر الإسلامي البوركيني علي الشواطئ، بعدما لجأت رابطة حقوق الإنسان والتجمع لمكافحة كراهية الإسلام، إلي القضاء لإبطال قرارات محلية بمنع البوركيني، بحجة احترام التقاليد والعلمانية. وقالت المحكمة إن قرار الحظر غير قانوني ويشكل انتهاكا للحريات الأساسية مثل: حرية التنقل والضمير والحرية الشخصية، والأهم التقاليد الفرنسية العريقة في احترام حرية الغير، خاصة إذا كان من ديانة أو عرق أو لون مختلف عن باقي الأمة الفرنسية! وقرار التعليق الذي لا يعني المنع، وإنما انتظار النظر فيه حتي يتم الحكم نهائيا في منع البوركيني من عدمه، أثار العديد من التساؤلات داخل فرنسا وخارجها خاصة في القارة العجوز، التي رأت في »فتنة البوركيني» قضية صغيرة وسط قضايا أخري أكبر تواجه أوروبا كلها، وعلي رأسها مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع التطرف الجهادي خاصة في الجنوب الأوروبي ودول بعينها علي رأسها: بريطانيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وبالطبع فرنسا التي تعرضت للعديد من الهجمات الإرهابية الموجعة منذ بدايات العام الماضي، ولم يكن الأمر مجرد صدفة - كما تقول صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية أن تأتي الدعوة بحظر البوركيني وهو مايوه يغطي كامل جسم المرأة - من شواطئ الريفيرا الفرنسية التي لا تبعد إلا عدة كيلومترات عن مدينة نيس، التي شهدت هجوما إرهابيا أدي لمقتل 85 شخصا من جنسيات مختلفة في يوم العيد الوطني لفرنسا! وكانت نيس هي المدينة الفرنسية الأولي التي فرضت حظرا علي البوركيني في أغسطس الحالي، ثم تبعتها نحو 30 مدينة فرنسية أخري، حظرت كلها البوركيني في الشواطي العامة وفي حمامات السباحة الجماعية وحتي المغلقة علي جنس واحد منها. ووصل الأمر لفرض غرامة قدرها 38 يورو في مدينة مثل» كان» علي كل من ترتدي البوركيني علي الشواطئ. وبررت عدة محاكم محلية، قرارات كانت أصدرتها مؤخرا بحظر البوركيني، بأن فرنسا كلها في حالة طوارئ خاصة بعد الهجمات الأخيرة التي نفذها متطرفون مسلمون، وإن عرض الرموز الإسلامية ومنها : البوركيني قد يكون سببا إضافيا في زيادة التوترات ضد كل ماهو مسلم في البلاد الآن، وتهديدا للنظام العام كله، كما أن البوركيني يمثل ضغطا علي باقي نساء فرنسا ورغبتهن في العيش بحرية وفي أمة واحدة. ورأي آخرون في البوركيني كما تقول صحيفة الجارديان البريطانية - تحديا للوحدة الوطنية ورمزا للعزلة، لأنه وببساطة زي يجمع بين البرقع والمايوه البكيني، ولكنه يغطي كامل الجسم عدا الوجه واليدين والقدمين، ويعتقد أن من ابتكرته سيدة تدعي عايدة زناتي (48 عاما) تعيش في سيدنيبأستراليا، وتؤكد أن مبيعات البوركيني قد زادت بعد شراسة الحملة ضده، إلي 200 في المائة، وذلك للطلبات علي شبكة الإنترنت فقط، دون المتاجر التي أصبحت متخصصة فقط في بيعه بالإضافة لباقي الزي النسائي للمحجبات، وتلك منتشرة ليس في فرنسا أو أوروبا فقط، بل حول العالم كله. »زناتي» قالت إن الهدف من وراء تصميمها للبوركيني الذي تحمل علامته التجارية، كان مساعدة المحجبات المسلمات علي الاستمتاع بالشواطئ في أستراليا، التي لا تمانع في انتشاره هناك عكس الفرنسيين الذين منعوا في السابق الحجاب في بعض المدارس للحد من انتشاره، وأثار قرارهم العديد من التساؤلات والهجوم داخل أوروبا وخارجها. والبوركيني.. علي قدر سذاجة المطالبات بحظره، ثم تعليق أعلي سلطة قضائية فرنسية للقرار حتي يتم البت فيه نهائيا بالمنع أو القبول علي الشواطئ الفرنسية، يعد قضية حساسة في بلد مثل فرنسا، التي يحظر فيها ارتداء النقاب بالأماكن العامة، ولكنها لا تحظر ارتداء الرموز أو الملابس الدينية، كما يعد نقطة حساسة كذلك في بلد يشهد وبصورة شبه يومية مشاجرات ومظاهرات علي الشواطئ طوال شهري يوليو وأغسطس ذروة موسم الصيف الفرنسي، بين مؤيدي ارتداء البوركيني كحرية شخصية وبين معارضيه الذين يرون فيه تحديا للتقاليد العلمانية الفرنسية، وهي المشاجرات والمظاهرات التي طالت عدة مدن فرنسية، وأدت إلي عدة إصابات بالفئوس والحراب أحيانا، وانتقلت إلي سجالات سياسية، قالت عنها وزيرة حقوق المرأة الفرنسية »لورانس روسينول» بأنها تخفي وراءها »دوافع خفية» لليمين المتطرف، وجعلت من مدن فرنسية عديدة بؤرا للاشتعال ضد كل ما هو إسلامي، وجعلت المتظاهرين يخرجون للشوارع ولأول مرة ليهتفوا ضد كل من هو غير فرنسي ومسلم بهتافات لم تشهدها فرنسا من قبل مثل: »هذا هو وطننا» حسب صحيفة اللوموند الفرنسية.. وحسب موقع »فرانس 24» الإخباري.. فإن كل تلك الإجراءات والمناوشات لم تهدئ الأوضاع، بل ترشحها للانفجار بين لحظة وأخري، رغم أن البوركيني ظهر منذ 13 عاما علي يد عايدة زناتي.. الأسترالية من أصل لبناني، وصار علامة تجارية منذ 9 سنوات، بل إن أوروبيات كثيرات قد اخترن ارتداءه.. كما تقول صحيفة نيويوريك تايمز الأمريكية كبديل للبكيني. أيضا.. فإن البوركيني الذي يعني لغويا بور أي اختصار لكلمة »البرقع» وهي كلمة متداولة أوروبيا وتعني النقاب، وكيني نسبة للبكيني لباس البحر الأشهر في العالم كله، له مؤيدوه من السياسيين بأطيافهم الشيوعية والاشتراكية في فرنسا، ومعارضوه خاصة من اليمين المتطرف وهذا ما خلق الجدال المتواصل حوله، والأهم أنه مطابق للشروط الصحية في حمامات السباحة والشواطئ الأوروبية كلها، وفي أوروبا يبدو الأمر بالنسبة للبوركيني، مختلفا عن فرنسا، ففي بلجيكا لا منع له، وكذلك في النرويج والسويد، بل إن بعض حمامات السباحة توفر خدمة تأجيره للراغبات في ارتدائه من مسلمات أو غير مسلمات