في كتابه الاستثنائي (النقد المنهجي عند العرب)، ذهب الدكتور محمد مندور جّادا وثاقب الرؤية _قديما وعميقا_نحو تعريف دقيق وموسع لماهية التاريخ الأدبي ،وراح يطرح سلسلة من الآليات المنهجية التي تجعل من التأريخ الأدبي علما يقتضي به، لابد أن يتم إنشاؤه وتدريسه في الجامعات وكافة معاهد تدريس الأدب ، وإحداث حالة حراك حقيقي لهذا العلم الذي يعتبر أحد الأسس التي تنبني عليها ثقافة الأجيال المتعاقبة في أي مجتمع يأمل في التقدم والتحضر الثقافي والاجتماعي والفكري والسياسي ، كما طرح عددا من الأسئلة التي كان يلقيها القدماء علي أئمة الرأي والفكر في كل العصور ، تلك الأسئلة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بكل ما يحيط بالتأريخ الأدبي ذاته. وأقرّ الدكتور مندور بأن النقد الأدبي نشأ عربيا وظلّ عربيا صرفا ،وذلك لأن أساس كل نقد _كما كتب_ هو الذوق الشخصي ، تدعمه ملكة تحصل في النفس بطول ممارسة الآثار الأدبية ، وبالتالي فالنقد الأدبي ليس علما _كما رأي_ ،ولا يمكن أن يكون علما ، ولكنه أردف قائلا :"وإن وجب أن نأخذ فيه بروح العلم". وإذا كان الدكتور مندور قال بعدم علمية النقد ،وإن كان العلم ليس بعيدا ،إلا أنه افترض بضعة خصائص لا بد أن تكون متوفرة في الناقد مثل الدربة والممارسة كما كان يقول ابن سلّام الجمحي الذي قال :(قال قائل لخلف : إذا سمعت أنا بالشعر واستحسنته فما أبالي ماقلت فيه أنت وأصحابك ، فقال له : إذا أخذت أنت درهما فاستحسنته فقال لك الصرّاف إنه ردئ ،هل ينفعك استحسانك له؟)، وكما فطن الجمحي إلي ضرورة الدربة والممارسة عند الناقد ، فطن أيضا _كما يقول مندور_ إلي أهمية تحقيق صحة النصوص وصحة نسبتها،أما بالنسبة للتأريخ الأدبي فهو علم محض، ولكنه ينبني بشكل كبير علي النقد الأدبي ، ولا بد أن يكون هناك _في التاريخ_ كتابات نقدية ،ليتخذ منها المؤرخون مادة لرصد وتحليل وقراءة وتأويل كافة النصوص الأدبية التي مرّت في الحقب الزمنية المطروحة للدرس النقدي والتأريخي. اعتبر أن التأريخ الأدبي لا لابد أن يتخذ منهجية علمية تحدد خطواته. هذا مقتطف من أسئلة دكتور مندور التي استفاض فيها ، وشرح شروطها بإسهاب يتسم بالدقة والتحديد ،ولكن ما نخلص إليه ،هو لابد أن يتأكد الباحث والمؤرخ من صحة المادة النقدية التي تنبني عليها عملية التأريخ عموما ،والتأريخ الأدبي خصوصا ، ودراسة العناصر المحيطة بالظروف والملابسات التاريخية التي أحاطت بالكاتب أو الحد أو الظاهرة المدروسة ،كذلك البحث في الهامش والمستبعد والمهجور والمغضوب عليه ، وعندنا نماذج كثيرة يضجّ بها تاريخنا الأدبي والفكري والثقافي. وقد يحلو لجمهرة القرّاء والباحثين والمؤرخين أن يختصروا الكاتب أو المبدع في كتاب أو قصيدة أو ديوان أو رواية ، وهكذا تضيع غالبية جهود الكاتب تماما ، مثلا الكاتب إسماعيل أحمد أدهم الذي قيل بأنه انتحر عام 1940، واعتبر كثيرون أن ذلك الحدث حقيقة لا تحتاج إلي بحث أو تأكيد ،لأن أحدا لم يمعن النظر في صدقية أو وهمية أو تأليف خبر الانتحار هذا ، ولكن الأهم من ذلك هو اختصار هذا الكاتب الشاب في مقاليه الشهيرين "لماذا أنا ملحد"، وقد أثار هذان المقالان جدلا واسعا آنذاك ، وتم الردّ علي الكاتب من أقلام عديدة ،وأشهر هؤلاء هو الكاتب الإسلامي محمد فريد وجدي ،والذي كتب سلسلة مقالات تحت عنوان "لماذا هو ملحد"، وراح يفنّد ماكتبه أدهم بشكل موضوعي ، وجدير بالذكر أن أدهم كان يشرح في مقاليه تلك الأسباب الصعبة التي أدّت به إلي الإلحاد ، ولكن ماشاع غير ذلك ، وقيل بأنه يدعو للإلحاد ،وكان إسماعيل أدهم قد رحل قبل أن يكمل عامه الثلاثين ، وفي رحلته الفكرية القصيرة ، استطاع أن ينتج إبداعا فكريا يفوق كثيرين قد طالت بهم الأعمار إلي ضعف عمره ، وكان قد كتب عام 1938 أول كتاب عن توفيق الحكيم ، وكتب سلسلة من الأبحاث الموسعة عن شعراء مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وجميل صدقي الزهاوي وغيرهم ، كما أفرد مناقشات موسعة عن طه حسين والعقاد وأحمد لطفي السيد ، تلك البحوث التي أعدّها _مشكورا_وجمعها ونشرها الدكتورأحمد ابراهيم الهواري ، ونشرتها دار المعارف المصرية في أواخر عقد الثمانينيات في القرن الماضي. ومن المهم أن نلفت النظر أن شائعة الإلحاد والكفر والتجديف التي لحقت بكتّاب ومبدعين ، قد تركت لدي الكثيرين من النقاد والباحثين والمتابعين قدرا من النفور ، فضاع من ضاع ، واختفي من اختفي ، دون أن يشعر باحث واحد بتأنيب الضمير ، كذلك فنحن لدينا بالفعل مؤسسات ثقافية ضخمة ، ذات دولاب وظيفي ضخم ، ولكنها فقيرة جدا في إنتاج المعرفة وإهمال الجّاد واللافت ، ولدينا _مثلا_ دار الكتب ،والمفترض أنها هي الجهة المسئولة عن جمع التراث الضائع ،لأن هذا التراث هو الطريق الأقصر لمعرفة هويتنا وشخصيتنا القومية ، ولكن هذه الدار لم يملك رؤساؤها المتعاقبون ذلك الحماس الوطني والثقافي والفكري الذي يجعل من تلك الدار مؤسسة قومية _بالفعل_ تحيط بكل مجهول وغامض وتائه في تراثنا الثقافي والفكري والإبداعي ، ولي تجارب مريرة في التعامل مع تلك المؤسسة. مثلا ، عندما علمت بأن المناضل المغتال شهدي عطية الشافعي في 15 يونيو 1960 ، له رواية نشرت في جريدة المساء عام 1956، إجابة شائعة ومتكررة وهي الحلّ السحري الذي يهرب به الموظف المسئول من أي مسئولية ، ولم يكن أمامي سوي الذهاب إلي أرشيف الجريدة نفسها ، وهناك ساعدني الأستاذ مؤمن الهباء الذي كان رئيسا لمركز المعلومات هناك ، ووجدت رواية "حارة أم الحسيني"، تلك الرواية المهمة جدا بالنسبة لشهدي عطية نفسه ، ومهمة لتاريخ اليسار المصري ، وكذلك فهذه الرواية تكشف عن موهبة أدبية حقيقية ضاعت في أضابير السياسة ،والمثير في الأمر أن جريدة المساء نشرتها في خمس حلقات دون ذكر لإسم شهدي عطية ،وآثرت الجريدة أن تقول بأن كاتب الرواية أراد هذا الأمر ،ولكن الحقيقة غير ذلك ، فقد كان اسم شهدي ممنوعا من النشر ، فكان يتحايل علي النشر بهذا الإنكار الغريب علي النصوص الأدبية ، واكتشفت في ذلك السياق أن في تلك الفترة نفسها كانت هناك دراسات تاريخية وأدبية تنشر في المساء باسم "أحمد نصر"، وعندما سألت الصديق العزيز صنع الله ابراهيم عن ذلك الاسم ، أبلغني بأنه هو نفسه شهدي عطية . هذه حكاية ليست نادرة ، ورغم غرائبيتها ،إلا أنها متكررة في الحياة الأدبية المصرية، وهي غيض من فيض ، فالناقد الدكتور علي الراعي كان يكتب مقالاته في مجلة "الفجر الجديد" التي كانت تصدر في الأربعينيات باسم "علي الكاتب" ،وكان معه مجموعة من الكتّاب الطليعيين يكتبون بأسماء مستعارة مثل نعمان عاشور وأنور عبد الملك وأحمد رشدي صالح ولطيفة الزيات وغيرهم. وهناك كتّاب ومبدعون كثيرون أهلكهم العمل السياسي والصحفي ،ولم تنتبه لهم الأقلام النقدية التي تنشغل عادة بما هو فوق السطح ، أو مايلمع ويروج ، وهذه السمة مازالت تعمل حتي الآن ، فمن يقدر علي ترويج إبداعه وتسويقه ، تكون دوائر الاهتمام به أعلي وأكثر ، والأمثلة كثيرة قديما وحديثا ، وهناك كتّاب لم ينالوا _علي مدي الحركة الأدبية_ أدني اهتمام ، وهذا لأن هؤلاء الكتّاب جاءوا من مجالات أخري غير المجال الثقافي ، فمثلا الكاتب والمؤرخ أمين عز الدين الذي أفني قسما مهما من حياته في التأريخ للحركة العمالية، وقدّم جهودا مفيدة بشكل كبير في هذا المجال ، وربما كتب علي مدي حياته عن شخصيات أدبية وفنية كثيرة ،وضمها ونشرها في كتاب تحت عنوان "شخصيات عمالية" ،وكان علي رأس هؤلاء الفنان خالد الذكر سيد درويش ، ولكن أمين عز الدين فاجأنا في نهاية رحلته برواية فائقة الجمال والروعة ،وسوف نتعرض لها بالتفصيل لاحقا ، وهي رواية "الفيلق" ،وقدّم لها الناقد والمبدع الدكتور أحمد الخميسي بمقدمة نقدية وافية ، ونشرت الرواية في مركز الفسطاط ، الذي يديره الباحث والأديب عمرو كمال حمودة. وينتمي إلي هذه الفئة المهجورة والمستبعدة بدرجات مختلفة كتّاب كثيرون ، مثل الكاتب العمالي فكري الخولي ،والذي كتب روايته الوحيدة ،ونشرها في ثلاثة أجزاء ، وقدّم لها الكاتب الصحفي والأديب صلاح حافظ ،والرواية هي "الرحلة"، تتعرض لتأريخ صناعة النسيج في مصر ، وتعتبر هذه الرواية بمثابة التاريخ الأدبي لتطور تلك الصناعة في مصر ، وفيها يسرد بشكل فني راق الظروف والملابسات التي مرّت بها مصر علي مدي القرن الماضي ، ولا أعتقد أن ناقدا من أساتذتنا النقاد المشغولين بالحركة الروائية في مصر، قد انشغلوا بهذه الرواية أو تلك ، رغم أن تلك الروايات تنطوي علي قدر من الإمتاع لا يقلّ عن ما نجده في الروايات الأخري. وهذا ليس رجما للنقاد ، ولا تقليلا من شأن جهودهم في البحث والتنقيب والتحليل لأعمال إبداعية سابقة أو حاضرة ، وأعرف أن المناخ الثقافي في مصر ، محاط بدرجات كبيرة من التشويش ،وهذا لاختلاط عملية النقد الأدبي والفني بمسارات أخري سياسية ودينية وأخلاقية وفكرية ، ومازلنا حتي الآن نحاكم كتّابا ومبدعين لأنهم خرجوا عن عباءة الإجماع الديني أو الأخلاقي ،مثلما حدث للكاتب الشاب أحمد ناجي الذي حوكم وحكم عليه بالسجن من أجل رواية متخيلة ،ومثلما حدث سابقا مع الكاتب علاء حامد أو صلاح الدين محسن أو الشاعر حلمي سالم في قصيدته "شرفة ليلي مراد"، وسبقه في ذلك الشاعر عبد المنعم رمضان في قصيدته "الوشم الباقي"، والتي نشرتها له مجلة إبداع ، وأبلغ عنها _آنذاك_الكاتب ثروت أباظة ،وكتب مقالا عنها في الأهرام ،ومثلما حدث مع الكاتب سمير غريب علي ،والذي نشر رواية "الصقار" في الهيئة المصرية العامة للكتاب ، وبعدها انبري الكاتب فهمي هويدي في مقال بجريدة الأهرام لتسفيه وتكفير الرواية وكاتبها ، وبعدها تقوم ضجة كبري حول الكاتب وروايته ، فيغادر طالبا اللجوء إلي فرنسا ، وبعده فعل الأمر ذاته صلاح الدين محسن الذي حوكم وسجن ،وبعد خروجه طلب اللجوء إلي كندا وغادر بالفعل ليعيش هناك منفيا من بلاده ، وجدير بالذكر أن علاء حامد حصل علي جائزة مؤسسة ثقافية أمريكية لأن الأجهزة المصرية _حسب تقرير المؤسسة_ اضطهدت هذا الكاتب ، وهكذا يتحل النص الأدبي إلي قضية دينية أو سياسية أو أخلاقي ، وارتفعت هذه الوتيرة عندما أشعل الرجعيون المتسترون بتأويلات منحرفة ومغرضة للنصوص الدينية ،الحرب ضد الإبداع والمبدعين ،وذلك في أشهر واقعة أدبية عام 2000، أقصد ماحدث لرواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر ، وقد خرجت المظاهرات من جامعة الأزهر للتنديد بالكاتب وبالرواية وناشرها "الهيئة العامة لقصور الثقافة" ،ورئيس التحرير الذي أجاز نشر الرواية وهو إبراهيم أصلان ، وفي ذلك الوقت اتخذت الدولة ووزير ثقافتها فاروق حسني موقفا إيجابيا ، ولكنها بعد شهور وقفت موقفا عكسيا تماما تجاه ماحدث إزاء روايات "أحلام محرمة لمحمود حامد وأبناء الخطأ الرومانسي لياسر شعبان وقبل وبعد لتوفيق عبد الرحمن" ،كانت الدولة قد تعلمت الدرس سريعا ،وأيقنت أن الرجعيين المتأسلمين أصبحوا رقما قياسيا في لعبة التوزنات السياسية ، فبدأت تضعهم في الحسبان ،وأعتقد أن هذا الأمر مازال فاعلا ، رغم أن الأحداث السياسية أخرجت هؤلاء الرجعيين من اللعبة السياسية المعلنة ، ولكنهم مازالوا موجودين وفاعلين في دولاب الدولة ، والقصص في هذا الأمر تطول ،ويطول شرحها ،ولكنني أؤكد علي أن هذا المنحي يعمل دائما علي استبعاد الأعمال الأدبية الجيدة ، وبالتالي يتم إعدام الكاتب وكتابه. وهنا لا بد أن أذكر قصة قصيرة جدا ، ولكنها دالة علي ذلك الإعدام التعسفي والظالم لمواهب إبداعية كثيرة ، والتي وصل الأمر فيها أن الكاتب هو الذي يحكم علي نفسه بالإعدام الأبدي أو الموقت ، ففي عام 2005 أهدتني صديقة فاضلة مجموعتها القصصية الأولي ، ولم يكن لديّ أي علم بأن هذه الصديقة تكتب إبداعا ، والمفاجأة أن المجموعة القصصية كانت جيدة بشكل لافت للنظر ، وكان من الممكن أن تضع الكاتبة في صف كاتبات لهن شأن أدبي كبير ، ولكن كانت بعض القصص في تلك المجموعة تنطوي علي بعض الإيحاءات التي يمكن فهمها علي نحو ديني أو أخلاقي مثير لتلك الجماعات الرجعية ، وهذا مادفع الكاتبة أن تتصل بي ، وبالبعض القليل الذين حصلوا علي المجموعة ، كي تسرد من كل واحد منهم كتابها ، وعندما سألتعا بشكل واضح :"لماذا؟"، أفضت لي بأن هناك من نصحوها بإعدام حدث صدور الكتاب علي الإطلاق ، وبالرغم من أن صديقتي لم تصرّ علي استرداد الكتاب ،إلا أنها أخذت مني وعدا ومن الآخرين بأن ينسوا الكتاب تماما ، وبالتالي لم يصدر خبر واحد عن الكتاب القصصي الفارق في ذلك الوقت ، وكذلك لم أعرف أن صديقتنا شرعت في نشر أي نصوص أدبية أخري حتي الآن ، رغم أن من يقرأ ذلك الكتاب المعدوم ، ستتكون لديه رؤية بمستقبل إبداعي ذي قيمة لصاحبة الكتاب. لا أريد أن أفرط في سرد الحكايات ، وكذلك هناك _علي المستوي الأخلاقي_ ما يقيّد قلمي ويحبسه في بعض ماهو متاح ، ولكنه بعيد عن البحث والذاكرة الأدبية ، وهناك من النقاد مايساهمون بدرجات وعي مختلفة في تسويق وترويج أعمال أدبية ذات شأن قليل القيمة، ومن الممكن أن يحدث ذلك عبر المجاملات والانسانيات والصداقات ، وهنا لا يفلت كبير أو صغير من تلك المجاملات ، حتي طه حسين نفسه لم يفلت من ذلك ، وقد كتب تقريظات عديدة لشعراء من طراز الأمير عبدالله الفيصل في ديوانه "وحي الحرمان"، ومن طراز ثروت أباظة ، وفي الوقت نفسه كان يسوط كتّابا ونقادا من طراز يوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوي ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس ، ومن الممكن أن تنطلق تلك الكتابات من قناعات راسخة لدي قامة كبيرة مثل طه حسين ، ولكنها بالتأكيد ستكون فضيحة عندما يصل الأمر للكتابة عن إبداع معمر القذافي وصدام حسين من الحكّام ، وكما شابههم من الأمراء والمدراء ذوي الشأن المالي والوظيفي المرموق. ومن الطبيعي أن يكون التاريخ ذا عينين ثاقبتين ، ولكنهما ليستا صائبتين تماما ، فمازالت لدينا مجهولات ومعميات مدفونة في أضابير المكتبات والصحف والمجلات ، وعمليات البحث الشاقة التي يقوم بها أفراد "عزّل" إلا من عون الله وصحتهم وإبداعهم وقليل من أموالهم التي تنفق علي عملية جمع ذلك التراث ، دون مؤسسات تنتبه للقديم المستبعد ،أو الجديد المستهجن ، أو الجميل المستقبح ، أو الشريد المطارد ، تلك المؤسسات المتحفية ، والتي تعمل وفق عقل الدولة السياسي والديني والأخلاقي والقانوني ، متي تستيقظ بأهمية وجودها ، ومتي يعرف المسئولون عن تلك المؤسسات أنهم لن يضيفوا سوي الرمال السوداء علي تاريخنا المهمل ، أظن أن المهمة ثقيلة وصعبة ، والله وحده هو المعين ، وبعض ما أملك من تراث ، وفي الحلقات القادمة سأحاول أن أكون عادلا وقادرا علي تنحية ماهو أيديولوجي محض في سبيل الكشف عن أحياء في التاريخ ، وقد أغفلهم التأريخ الأدبي والنقدي والفكري والثقافي.