مرحلة جديدة تمر بها المؤسسات الثقافية المصرية حاليا من الاهتمام بتراثنا الثقافي وما ضمه من كبار المثقفين الذين أثروا الحياة الثقافية فيتم الاحتفاء بهم وبذكري من غاب منهم بعد أن كانت هناك انتقادات دائمة للمؤسسة الثقافية أنها تتجاهل المبدعين والمثقفين في ذكراهم ولا يتم الاحتفاء بهم كما يجب, لكن بعد تولي الكاتب الصحفي حلمي النمنم الوزارة اختلف الوضع قليلا فنجد المجلس الأعلي للثقافة مؤخرا اهتم بالاحتفاء بكبار المثقفين وبتاريخهم الذي أضاف للثقافة المصرية والعربية فتم تكريم الناقد الدكتور أحمد درويش, وتكريم المؤرخ الكبير أحمد الحضري الذي قدم الكثير للثقافة السينمائية, وتكريم الناقد واللغوي د. محمود فهمي حجازي في احتفالية كبيرة. وفي الأسبوع المنقضي أحيا المجلس الذكري الخمسين لرحيل شيخ النقاد محمد مندور من خلال احتفالية استمرت علي مدار يومين تحت عنوان محمد مندور بين الفكر الأدبي والفكر السياسي وحضرها عدد كبير من المثقفين ورؤساء الهيئات الثقافية. وكان علي رأس الحضور وزير الثقافة حلمي النمنم الذي أكد أن هذه الاحتفالية مهمة لأنها جاءت لإحياء ذكري شخصية رائدة في الثقافة المصرية والعربية, الذي لم يكن ناقدا أدبيا فقط بل سياسيا وصحفيا بامتياز فلم يكن ناقدا أدبيا فقط لكنه عمل بالنقد علي جميع التخصصات. ووفقا للدكتورة أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة جمع مندور في دراساته في مصر وفرنسا الكثير من المقالات السياسية والأدبية, وكانت فترة بعثته التي بلغت تسع سنوات في فرنسا هي المكون السياسي والعاطفي له, واعتناقه فلسفة النقد الديمقراطي, ومارس فور عودته الي مصر نشاطه الفكري فكان مفكرا وناقدا. وقالت إن كتاباته مازالت مراجع ودراسات لا يستغني عنها الباحث والأديب والناقد, فتجربة مندور خصبة وتحتاج إلي دراسة ومتابعة ومن هنا جاءت فكرة إقامة هذه الاحتفالية, وإصدار المجلس لكتاب عن شيخ النقاد من تأليف فؤاد قنديل. وعبرت عائلة الناقد الراحل عن سعادتها بالاحتفاء بذكراه فوجه طارق مندور, نجل شيخ النقاد, الشكر لوزير الثقافة والكاتب الراحل فؤاد قنديل الذي سعي لإقامة هذه الاحتفالية, مؤكدا أن الوزارة بذلت مجهودا كبيرا لحماية وحفظ تراث محمد مندور. وأكد جميع النقاد والمشاركين علي أهمية مندور من خلال كلماتهم التي قدموها في الاحتفالية فقال الشاعر شعبان يوسف, مندور كتب في النقد القديم والحديث وتعددت معاركه الأدبية إلي اللغويات, ودخل في معارك مع الكثير من مفكري العصر أمثال عباس العقاد وطه حسين, كما أنه كان معلما بالفعل متأثرا في ذلك بما حصل عليه من علوم لغوية وفكرية وجمالية في رحلته إلي فرنسا. وأوضح حلمي شعراوي, المدير السابق لمركز البحوث العربية والإفريقية بالقاهرة, إن محمد مندور كان نموذجا لما يسمي المثقف العضوي, والمفكر المنشغل بكيفية توظيف فكره في الحياة الاجتماعية, اشتغل في الأدب والنقد, والسياسة, والحياة الاجتماعية, قاد مجموعات من اليسار إلي حزب الوفد, وقال الكاتب أحمد بهاء الدين شعبان, إن كتابات محمد مندور مازالت حاضرة بقوة, لأن كل القضايا التي كتب عنها مازلنا نعاني منها حتي الآن, مما يؤكد جمود الوطن العربي منذ حوالي70 سنة. وأكد الناقد الدكتور كريم مروة أن محمد مندور المثقف الديمقراطي, شق لنفسه داخل حزب الوفد طريقا مختلفا اتجه فيه نحو اليسار, متأثر بموقعه الاجتماعي, وكانت أفكاره المختلفة مع القيادة الرسمية للحزب, هي الأساس لتأسيس الطليعة الوفدية, وكتب في الأيام الأخيرة التي سبقت وفاته مقالا تحت عنوان لماذا اشتغلت في السياسة, يوضح فيه لماذا انضم إلي حزب الوفد, متخيلا أنه يستطيع تطويره من الداخل بكتاباته الثورية. وأضاف الدكتور محمد عبد المطلب, أن مندور تصاعد في قراءاته حتي وصل إلي مرحة النقد التحليلي, التي تابع فيها كل من سبقه من نقاد, وهي مرحلة مهمة, لأنه بدأ يطور وعيه النقدي, وبدأ في تطويره لمفهومه للنقد.