بعيدا عن قرار المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء بإعفاء رئيس هيئة الأوقاف من منصبه لأن الموضوع لازال قيد التحقيق. ولكن علي مستوي هيئة الأوقاف المصرية فيجب أن يكون المسئول عن هذه الهيئة بصيرا بالأحكام الشرعية التي تحكم الحلال والحرام في استثمار أموال الوقف. وحرمة التصرف فيها بعيدا عن الأوجه التي خصصت من أجلها. وأن يكون حريصا علي وضع كل جنيه من هذه الأموال في مكانه الصحيح. وبعد دراسات جيدة ومستفيضة وبعيدا عن القرارات العشوائية التي قد تضر بهذه الأموال وتبتعد بها عن مجالات وأوجه الخير التي خصصت لها. ****** لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: كيف نستثمر أموال الوقف في مشروعات تنموية جديدة تحقق أكبر عائد منها في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة؟ وكيف نحقق أكبر استفادة من هذه الأموال والممتلكات بما تعود علي الفقراء وأصحاب الحاجات التي أوقفت عليهم هذه الأموال. لقد رفضت هيئة كبار العلماء بالأزهر مؤخرا مقترحا بتغيير "شرط الواقف" في الوقف الخيري رغم انقراض بعض المستفيدين من الوقف وظهور حالات أخري أكثر حاجة.. وأنا أتفهم تحفظ هيئة كبار العلماء وحرص علماء الأزهر علي وضع كل جنيه من أموال الوقف فيما خصص له. وإصرارهم علي القاعدة الشرعية التي تقول: شرط الواقف كنص الشارع".. وهذا الموقف بالتأكيد- رغم تحفظ البعض عليه- إلا أنه يوضح كيف يكون التعامل بحرص شديد مع أموال الأوقاف وعدم المساس بها وضرورة استثمارها لكي تحقق الأهداف المرجوة منها مع الالتزام بالموقف الشرعي الذي يحكم التعامل معها. ***** أموال الوقف من أهم مصادر العمل الخيري التي قدمت عطاء متواصلا في عصور سابقة. فمواردها تأتي بعد الزكاة مباشرة. وكانت مصدرا مهما لسد حاجة الفقراء واصحاب الحاجات. ومعظم الأموال الموجودة حاليا هي أموال أوقفت في عصور سابقة ولم يضف إليها في العصر الحديث إلا القليل نتيجة انصراف المصريين عن وقف أموال أو ممتلكات وقيامهم بأنفسهم بإدارة أعمالهم الخيرية وعندما اجتمع العلماء وأساتذة الاقتصاد في أكثر من ندوة للبحث عن أسباب انصراف المصريين عن الوقف الخيري كان من بين الأسباب عدم الثقة في إدارة هذه المشروعات. وهو ما أعطي الفرصة للبعض لترديد شائعات كاذبة حول أموال الوقف التي تديرها وزارة الأوقاف ولكن ما جاء من قرارات تصحيحية في هيئة الأوقاف يرد علي هذه الشائعات المغرضة ويؤكد أن أموال الوقف في يد أمينة وأنها بعيدة عن الأطماع والدولة لا تفكر إلا في توفير فرص استثمارها وتنميتها ليستفيد من عائدها أكبر عدد من الفقراء والأيتام وأصحاب الحاجات في مصر. كان بإمكان الدولة أن تسيطر علي هذه الأموال أو علي جزء منها- لو أرادت- دون أن يدري أحد.. لكن أعتقد أن الاحتياطات التي تتخذها الدولة للحفاظ علي هذه الأموال الآن تؤكد أنها بعيدة تماما عن أي أطماع. ***** كانت المشكلة الأساسية في هيئة الأوقاف المصرية طوال نصف قرن مضي هي عدم وجود من يدير أموال الوقف بعقلية اقتصادية دون مخالفات شرعية.. كانت هذه هي المعادلة الصعبة التي فشل العديد من القائمين علي أمر هذه الهيئة في تحقيقها.. ولما تم الاستعانة بشخصية لديها قدرات اقتصادية فقط كانت المخالفات الشرعية صارخة وهو ما استدعي التغيير السريع الذي يؤكد عدم التهاون مع أي مخالفة ينتج عنها إهدار هذه الأموال. في سنوات سابقة كانت هيئة الأوقاف تبني مساكن جيدة في مواقع متميزة وكانت هناك شبهات كثيرة تحيط بتوزيع هذه المساكن ويتسابق أصحاب النفوذ في الفوز بنصيبهم في الكعكة فأغلقت الوزارة هذا الباب لمنع ما يحيط به من شبهات وما تتعرض له من ضغوط تؤدي في النهاية الي إهدار ولو جزءا يسيرا من أموال الوقف. كانت ولا تزال تربطني علاقة طيبة بوزير الأوقاف الأسبق د. محمود حمدي زقزوق وطلب مني أحد الأصدقاء أن أتوسط له ليحصل علي شقة من شقق الأوقاف في الأسكندرية فنقلت رغبته للوزير وعندما سمعها قال: لماذا لم تسع لكي تحصل لنفسك علي شقة فضحكت وقلت له: أنا لا أريد شيئا لنفسي ولكن هل يمكن تحقيق رغبة هذا الصديق دون مخالفات أو إهدار لحق أحد.. فعقب الوزير قائلا: لا علاقة لي من قريب أو بعيد بتوزيع الشقق هناك لجنة تبحث عن أكبر استفادة للأوقاف وهي التي تفحص الطلبات وتقرر لمن تخصص دون تدخل مني.. فشكرته وساندت موقفه وأبلغت صديقي أنني نقلت رغبته للمسئولين في الأوقاف وانتهي دوري. لقد كانت الأطماع كثيرة في أموال الوقف ولا تزال. وحرص الدولة علي إدارة هذه الأموال بشكل جيد يقطع الطريق علي مافيا الشائعات والأكاذيب ويحقق أكبر فائدة من وراء هذه الأوقاف ويشجع المزيد من المصريين علي وقف أموال وعقارات وأطيان وتسليمها للأوقاف وإدارتها بعيدا عن الشبهات وبما يضاعف من عطاء الوقف الخيري في حياتنا المعاصرة.