استقرار أسعار الأسماك وارتفاع الجمبري في أسواق الإسكندرية اليوم    رئيس الوزراء: مستعدون لتقديم أي دعم مُمكن لزيادة صادرات الصناعات الغذائية    توريد 587 ألف طن قمح لشون وصوامع الشرقية    وزير التنمية المحلية: مشروعات الرصف والتطوير بالغربية تحقق رضا المواطن    إنفوجراف| تعرف على أنشطة مديريات الزراعة والطب البيطري خلال أسبوع    الرئاسة الفلسطينية: نحذر من استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعبنا من رفح إلى جنين    بعد تحقق توقعاته عن زلازل إيطاليا.. العالم الهولندي يحذر العالم من أخطر 48 ساعة    حزب الله يستهدف جنودا إسرائيليين عند موقع الراهب بالأسلحة الصاروخية والقذائف المدفعية    تطورات بيان «كاف» عن نهائي الكونفدرالية.. إيقاف لاعب الزمالك وعضو المجلس | عاجل    شوبير يكشف موعد عودة علي معلول إلى الملاعب.. مفاجأة كبرى ل الأهلي    وكيل «تعليم مطروح» يشكل لجنة لمراجعة ترجمة امتحان العلوم للشهادة الإعدادية    تحرير 121 محضرا مخالفا خلال حملات تموينية وتفتيشية بمراكز المنيا    مدير «القومية للحج» يوضح تفاصيل تفويج حجاج الجمعيات الأهلية (فيديو)    إصابة مواطنين في حادث تصادم بين سيارتين بالفيوم    الإعدام لعامل والمؤبد والسجن لآخرين في قضية قتل سيدة وتقطيع جسدها في الإسكندرية    فيلم السرب يواصل صعوده في شباك التذاكر.. وإيراداته تتجاوز 31 مليون جنيه    الليلة.. أبطال وصناع فيلم "بنقدر ظروفك" يحتفلون بالعرض الخاص    أخصائي أمراض الجهاز الهضمي يوضح الفرق بين الإجهاد الحراري وضربات الشمس    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية رسلان غدا.. تضم 8 تخصصات    محافظ جنوب سيناء ومنسق المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء يتفقدان مبنى الرصد الأمني بشرم الشيخ    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    إستراليا ونيوزيلندا ترسلان طائرات إلى كاليدونيا الجديدة في ظل الاضطرابات    صباح الكورة.. 7 لاعبين مهددون بالرحيل عن الهلال وبنزيما يقرر الرحيل عن اتحاد جدة وميسي يفاجئ تركي آل الشيخ    كيف تستعد وزارة الصحة لأشهر فصل الصيف؟    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    أخبار الأهلي : قلق داخل الأهلي قبل نهائي دوري أبطال أفريقيا    لمواليد برج الحمل.. توقعات الأسبوع الأخير من مايو 2024 (تفاصيل)    رئيس الإذاعة: المولى عز وجل قدّر للرئيس السيسي أن يكون حارسا للقرآن وأهله    الموعد والقناة الناقلة لقمة اليد بين الأهلي والزمالك بدوري كرة اليد    أخبار الأهلي : هجوم ناري من شوبير على الرابطة بسبب الأهلي والزمالك.. وكارثة منتظرة    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    بالتزامن مع فصل الصيف.. توجيهات عاجلة من وزير الصحة    في يومه العالمي.. طبيب يكشف فوائد الشاي    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    تاريخ المسرح والسينما ضمن ورش أهل مصر لأطفال المحافظات الحدودية بالإسكندرية    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    طلب تحريات حول انتحار فتاة سودانية صماء بعين شمس    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    الثلاثاء 21 مايو 2024.. نشرة أسعار الأسماك اليوم بسوق العبور للجملة    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    استشهاد رئيس قسم الجراحة بمستشفى جنين    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    حسم اللقب أم اللجوء للمواجهة الثالثة.. موعد قمة الأهلي والزمالك في نهائي دوري اليد    لجان البرلمان تواصل مناقشة مشروع الموازنة.. التموين والطيران والهجرة وهيئة سلامة الغذاء الأبرز    داعية إسلامي: الحقد والحسد أمراض حذرنا منها الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-5-2024    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    حسام المندوه: الكونفدرالية جاءت للزمالك في وقت صعب.. وهذا ما سيحقق المزيد من الإنجازات    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    المقاومة الفلسطينية تستهدف قوات الاحتلال قرب مفترق بلدة طمون جنوب مدينة طوباس    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    عمرو أديب عن وفاة الرئيس الإيراني في حادث الطائرة: «إهمال وغباء» (فيديو)    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شبكة توزيع مليارات الأوقاف
نشر في أكتوبر يوم 11 - 11 - 2012

فى الوقت الذى يبحث فيه الرئيس مرسى عن دولار واحد، أو حفنة دولارات لدعم خزانة الدولة التى انخفض مخزونها الاحتياطى من 38 مليار دولار فى عهد «نظيف» إلى 15 مليار دولار فى زمن قنديل.
أقول فى الوقت الذى يطوف فيه الرئيس الدنيا شرقاً وغرباً لجذب استثمارات تركية وصينية وإيطالية، وإيرانية وسعودية وقطرية، فإنه حتى كتابة هذه السطور لم يفتح أحد من المسئولين فى وزارة الأوقاف ملفات أموال الوقف المنهوبة فى الداخل والخارج، ويكشف عن أملاك ومليارات الأوقاف فى اليونان وتركيا وإحدى الدول الخليجية، بعد أن تردد على لسان أحد الخبراء بأن أموال الوقف المنهوبة داخليًا وخارجيًا تجاوزت
ال «تريليون دولار»، وهو مبلغ كفيل - فى حالة إعادة نصفه فقط - وضع مصر فى مصاف الدول العظمى، اقتصادياً وعسكرياً، وبشرياً.
هذا وقد أكد المصدر أيضًا أن أموال الوقف فى الخارج كفيلة - فى حالة إعادتها اً- بحل مشاكل البطالة والقمامة والمرور والمطالب الفئوية، ورفع الاحتياطى النقدى إلى أرقام غير مسبوقة، وسداد ديون مصر، وسد عجز الموازنة، وسداد قيمة الدين الداخلى، والخروج من عنق الزجاجة التى وضعنا فيها نظام بائد مستبد أكل الأخضر واليابس وتركنا لا حول لنا ولا قوة.
ولهذا فالمطلوب الآن من د. طلعت عفيفى وزير أوقاف الثورة.. فتح ملفات أملاك الوقف فى الداخل والخارج، وتغيير قيادات الهيئة وفحص ثروة المسئولين السابقين واللاحقين بمعرفة أجهزة الرقابة الإدارية، والجهاز المركزى للمحاسبات، والكسب غير المشروع، وأن يتم الكشف عن بؤر الفساد فى وزارة الأوقاف، وإجراء عملية تطهير شاملة، ومراجعة مصادر الإنفاق والصرف، وغلق حنفية الرشاوى والمحسوبية والمجاملات كما فعل الوزير مؤخراً فى بعض القطاعات المسئولة عن شئون الحج، مع التأكيد بأن استرداد الأموال المنهوبة سيقى دعاة، وموظفى الأوقاف مذلة السؤال، وطلب الحاجة، بعد أن اضطر الأئمة والعلماء - الذين هم ورثة الأنبياء - إلى الوقوف فى محلات الفول والطعمية، وبيع الملابس والأحذية والحلويات فى الشوارع والمتاجر الشهيرة بالقاهرة والمحافظات.
د. مصلح رجب الباحث فى الآثار الإسلامية يقول: إن الوقف فى الإسلام يرجع إلى عصر النبوة، حيث كان يوقف أصحاب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أموال تجارتهم، وبضائع قوافلهم لله تعالى، كما فعل عثمان بن عفان فى تجهيز جيش العسرة مؤمنين ، وما فعله التاجر الأمين عبد الرحمن بن عوف خير دليل على ظاهرة الوقف فى صدر الإسلام.. والذى كان يمتلك ضيعين، فذهب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قائلاً له يارسول الله: أمتلك ضيعتين، يارسول الله واحدة لى، والثانية نذرتها لفقراء المسلمين، وكانت بمثابة وقف لله تعالى، ومن هنا جاءت كلمة الوقف، والتى عرفت فى صدر الإسلام بالصدقات الموقوفة تأكيداً لقوله تعالى:
«إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها وفى الرقاب» إلى النهاية الآية.
يا رب توبة
وإذا كان الخليفة الأموى أول من وضع أموال الوقف فى شكل تنظيمى بعدما أصدر مرسوماً قضى فيه بإنشاء دار للوقف لرعاية فقراء ومساكين الدولة الإسلامية تحت رعاية وإشراف توبة بن نمر قاضى قضاة عصره، فإن العصر المملوكى يعد أزهى عصور الوقف قاطبة، وكان ذلك بسبب عجز الدولة العباسية عن الإنفاق عن العمال والموظفين والولاه فى ربوع الدولة الإسلامية التى امتدت للصين شرقاً وأسبانيا غرباً وسيبريا شمالاً، وأدغال أفريقيا جنوباً.. عندها تحمل السلاطين والأمراء والتجار المماليك نفقة طلاب العلم، وتكيات الأزهر، والمساجد، والمستشفيات والأسبلة لجذب ولاء الرعية فى الإقطاعيات والدواوين والعزب والأساكير (النجوع) لدعمهم فى حالة فصل ولاية الشام ومصر عن جسد الدولة العباسية.
أغراض سياسية
وإذا كان هدف الوقف عند أغلب سلاطين المماليك وأمراء الجيوش لأغراض سياسية فإن العلماء والتجار وأولياء الله الصالحين كانوا يوقفون الأموال لخدمة العلم وعلاج المرضى والمصابين، والوقاية من مرض الطاعون الذى كان يحل زائرًا كريهًا غير مرغوب فيه على مصر وشبابها، فيأكل الأخضر واليابس لدرجة أن الرجل كان يكتب اسمه على ذراعه حتى يتم التعرف عليه عند دفنه.
ومن أشهر الأسبلة وأموال الوقف فى العصر المملوكى «بيمارستان المنصورى» والذى كان يعد أعظم منشأة طبية فى عصره لأن دوره لم يقتصر على علاج المرضى فحسب بل كان يجهز قوافل طبية لعلاج المرضى فى بيوتهم، وصرف ما يحتاجون إليه من دواء وغذاء دون مقابل، وهى ذات القوافل التى تعتمد عليها بعض الأحداث السياسسية لجذب أصوات الناخبين عكس نظام التأمين الصحى الذى تقوم به الدولة.
سلاطين وأمراء
ومع أن أموال الوقف فى عصر المماليك كانت تحت تصرف السلاطين والأمراء، وكانوا يعلمون مصارفها، وإنفاقها.. فإنهم - أى السلاطين - لم يستولوا على هذه الأموال لتهريبها إلى بنوك سويسرا وأمريكا بل حافظوا عليها، ودعموها بالذهب والفضة، والدراهم والدنانير، واعتبروا تلك الأموال صدقة جارية لهم ولأبنائهم من بعدهم، والدليل أن السلطان المنصور قلاوون تبرع - بلغة هذا الزمان - ب 14 ألف دينار من ماله الخاص لأصحاب الحاجات، وتزويج الفتيات، وإعانة الشباب وإغاثة الملهوف لدرجة أنه وقف خطيباً فى الجامع الأزهر ذات يوم ليقول: من أراد أن يزوج نفسه أو يطعم أهله، فليأت إلى بيت المنصور، حيث اقتدى هذا السلطان المملوكى بالخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز، والذى قال هذا الكلام اقتداء بالرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) .
مبارك والطهطاوى
وعن الوقف فى زمن محمد على يقول د.مصلح: مع أن محمد على لم يكن مصرياً خالصاً لجذوره الألبانية، إلا أن الوقف فى عصره كان من أزهى العصور فى التاريخ الحديث، حيث استغل الرجل أراضى وريع الوقف فى خدمة البعثات التعليمية، والمشافى، ودور العبادة، والإطلاع على ثقافة الغرب، والبحوث العلمية الحديثة، فأوفد على مبارك ورفاعة الطهطاوى، وكوكبة أخرى من أبناء مصر للتشرب من حضارة الغرب وعلومه.
وحتى يكون قدوة لغيره من الولاه والأمراء والأغنياء فقد تبرع محمد على بأموال وأراض لا حصر لها، وعين قضاة على إدارة أموال الوقف، وأنشأ إدارة للحسبة، وهى صورة مصغرة من الجهاز المركزى للمحاسبات الآن، ووضع برنامجاً للاستفادة من تلك الأموال، فى دفع عجلة الاقتصاد، وتحديث وسائل الإنتاج وتحديد مصادر التمويل، وتفعيل نظام المراقبة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب.
أطيان وعقارات
ولأن أموال الوقف فى عهد محمد على كانت من أهم مصادر التمويل، ودعم خزانة الدولة فقد وضع يده على تلك المصادر، لحمايتها من ضعاف النفوس والإشراف على إدارتها، والعمل على دعمها لدرجة أن أراضى الوقف فى فترة حكم محمد على من 1805 إلى 1840 بلغت 600 ألف فدان، أى ما يزيد قليلاً على خُمس الأراضى الزراعية، والتى كانت تقدر آنذاك ب 2 مليون ونصف المليون فدان بالإضافة إلى الأسبلة والعقارات والتكيات والخاقانات وأموال الوقف السائلة.
ويبدو أن الفساد فى مصر له جذور متأصلة، فمع أن أموال الوقف كانت سبباً مباشراً فى نهضة التعليم والاقتصاد والصحة، ورعاية المرضى والمساكين، وتحقيق العدالة الاجتماعية فإن شيوخ الفتنة، وعلماء السوء فى عصر محمد على أصدروا فتوى شرعية حرضوه فيها على إلغاء أراضى وأموال الوقف، ومنع الناس من التبرع بأموالهم للفقراء والمساكين بدعوى أن ذلك يؤدى إلى التواكل والتكاسل، وطالبوه بإحكام السيطرة على الأموال الموقوفة وتصفيتها، وضمها لخزانة الدولة، إلا أنه ما لبث أن مات محمد على باشا الكبير، وذهبت فتوى شيوخ الفتنة وعلماء السوء أدراج الرياح، وتسابقت الأسرة المالكة فى التبرع لأعمال الخير وكان على رأسهم الخديو إبراهيم وسعيد وتوفيق وإسماعيل ثم حسين كامل وعباس حلمى والملك فؤاد وأخيراً الملك فاروق.
ديوان الوقف
ولأن أموال الوقف كانت ومازالت باباً من أبواب الخير فقد كان للخديو إسماعيل - مؤسس القاهرة الخديوية - الفضل فى تأسيس ديوان الأوقاف الملكية لتحديد مصارف الإنفاق، وحصر حالات المحتاجين فى شرق البلاد وغربها.
والطريف أنه فى زمن الخديو إسماعيل رغم اشتهاره بإقامة الحفلات والليالى الصاخبة، وسفره الدائم لألمانيا وإيطاليا ولقاءاته المتكررة مع الملكة أوجنتى ملكة فرنسا.. رغم هذا كله فقد خصص الخديو إسماعيل 10 آلاف فدان وقفا لرعاية المساجد وعمارتها، وترميم مبانيها، وإنشاء الأسبلة لخدمتها، وبالتالى فقد شهدت المساجد فى عصره عمليات ترميم وصيانة، وشهدت حلقات للذكر والتعليم، وإقامة الشعائر، وتوزيع الصدقات على الفقراء والمساكين والغرباء.
ولم يكن الوزراء أو رؤساء الوزراء، أو كبار التجار ورجال الأعمال على شاكلة بعض الوزراء الذين سرقوا مصر بالجملة وبالقطاعى، ولكن ظهر بعض الأعيان فى عصر محمد على وأبنائه من بعده، كانوا قدوة فى العمل الخيرى، وتساوى فى ذلك الوزراء وكبار موظفى الدولة مع الأعيان والملاك والباشاوات والتجار، وعلماء الأزهر وكان من أشهر تلك الشخصيات الكبيرة رئيس الوزراء محمد شريف باشا ومصطفى رياض باشا وسعد باشا زغلول، وعلى مبارك ورفاعة الطهطاوى والشيخ محمد أبوالأنوار الساداتى، والشيخ محمد العباس المهدى.
بداية الفشل
وبعد نجاح ثورة 23 يوليو تعرضت الأوقاف الأهلية لهزة عنيفة، حيث أصدر الرئيس محمد نجيب بإيعاز من ضباط الثورة قراراً بحل الوقف الأهلى، وتقسيم أراضى الأعيان والوقف على الفلاحين كجزء من تحقيق العدالة الاجتماعية، وقد تم تقنين هذا الوضع بقانون الإصلاح الزراعى الصادر فى 14 سبتمبر عام 1952 وهو القانون الذى حدد الملكية ب 100 فدان للفرد، ومائة أخرى لأولاده، واسترداد الحكومة على باقى المساحة لتوزيعها على صغار الفلاحين والمزارعين، وكان هذا التصرف بداية الفشل لقانون الإصلاح الزراعى الذى تبنته الثورة، لأن الأراضى الزراعية الموقوفة كانت تقترب من ال 500 ألف فدان، كانت كفيلة - لو تمت إدارتها بشكل صحيح - القضاء على مشاكل الفقر والبطالة فى مصر إلا أن الدولة استغلتها وقتها لاكتساب شعبية فى الشارع على حساب كبار الملاك والأعيان دون أن تفكر فى توفير فرص عمل حقيقية للشباب، أو جذب استثمارات جديدة، أو استصلاح أراض زراعية يتم توزيعها على صغار الفلاحين فى صحراء مصر الشرقية والغربية، وكأن التاريخ يعيد نفسه الآن فما أشبه الليلة بالبارحة.
هيئة الإصلاح
ومع أن أهداف الوقف الحقيقية هى إنشاء المساجد، والوقوف على عمارتها ورعاية والعاملين فيها، وإطعام الفقراء والمساكين، والإنفاق على البعثات التعليمية وطلاب الأزهر والأئمة والوعاظ، وقارئ القرآن، والإنشاء الدينى، وعلاج المرضى والمصابين، رغم كل هذا فقد استمرت الدولة فى إصدار القوانين المقيدة لحرية الوقف الأهلى، وتفريغه من مضمونه فتم إسناد أراضى الوقف إلى هيئة الإصلاح الزراعى مقابل سندات بفائدة 4% سنوياً، فيما تسلمت المحليات المبانى والأراضى الفضاء لاستغلالها والتصرف فيها، ومن هنا فقد تلاشى دور الوقف الأهلى شيئاً فشيئاً بعد أن آلت ملكية الأراضى والأموال والعقارات لسلطة الدولة وسيطرة مجموعة من الموظفين وأصحاب المصالح على أراضى الوقف التى تقدر بالمليارات.
وقد تبارى هؤلاء الموظفون فى إدارة الحسبة بهيئة الأوقاف فى تعذيب أصحاب الوقف بطرق ما أنزل الله بها من سلطان، وقد تعددت قضايا الرشوة والمحسوبية وإهدار المال العام فى تلك الإدارة مما يستلزم محاكمة عاجلة وفورية.
ومن جانبه يقول اللواء ماجد غالب رئيس هيئة الأوقاف السابق إن صورة الوقف ليست بهذا السداد، وأن الهيئة تستثمر أموالها أفضل استثمار بمعرفة متخصصين فى الاقتصاد ودراسة السوق ولها حصص ثابتة فى بنك فيصل الإسلامى، وبنك الإسكان والتعمير، ومصنع سجاد دمنهور، وشركة كيما للأسمدة وشركة مصر للحديد والصلب، وشركة مصر للتمويل العقارى، وشركة راكتا لصناعة الورق وشركة بوليفا للأقمشة، ومصنع بسكو مصر بالقاهرة.
وقال إن الهيئة تشارك بشكل أساسى فى تنمية اقتصاد مصر وتدير أصول هذه الأموال والعقارات بمعرفة خبراء متخصصين فى الاستثمار والاقتصاد وإدارة الأعمال، مع مراعاة توزيع أرباح تلك الأصول على عمال الهيئة وباقى موظفى وزارة الأوقاف فى الإدارة والدعوة.
استثمارات الهيئة
وتتنوع استثمارات هيئة الأوقاف ما بين أطيان وعقارات، ووحدات سكنية واستصلاح أراض، وإقامة أسواق فى القاهرة والجيزة والإسكندرية والأقصر وأسوان، بقيمة 4 مليارات جنيه عبارة عن وحدات سكنية متوسطة وفاخرة يتم توزيعها بنظام التقسيط على 10 سنوات وبربح يقترب من ال 60% تقريباً.
هذا بالإضافة إلى مليار جنيه أخرى لإقامة أكثر من 2877 وحدة سكنية، وإقامة سوق الخميس بالمطرية، الذى يضم 136 محلاً و240 وحدة صناعية.
ومع أن هناك اتهامات واضحة لهيئة الأوقاف بأنها تركز نشاطها فى القاهرة والجيزة والإسكندرية والقليوبية حتى تكون قريبة من صانع القرار فإن لواء ماجد غالب نفى ذلك تماماً وأكد بأن أموال واستثمارات الهيئة موزعة على جميع محافظات مصر، وبالتحديد الصعيد حيث تم إنشاء أكثر من 10 عمارات سكنية فى المنيا، وتم توزيع الشقق فيها بطريق المزاد العلنى ويتم تحديد الوحدة بناء على التكاليف الخاصة بالإنشاءات والمرافق، وتسدد قيمة الوحدة بطريقتين: الأولى دفع 25% من قيمة الوحدة مقدماً، ويتم تقسيط الباقى على 10 سنوات بعائد 7% أو سداد 50% من قيمتها على أن يتم دفع الباقى على 3 سنوات بدون أية فوائد.
سكن الغلابة
ومن جهة أخرى كشفت مصادر مطلعة داخل الهيئة أن مشروع إسكان مبارك، والذى بدأ تنفيذه أيام الرئيس السابق مازال قائماً، وكان قد تم توقيع بروتوكول فى وقت سابق بين وزارات الأوقاف والتنمية المحلية والإسكان لبناء 500 ألف وحدة سكنية على أن يتم تخصيص 100 ألف وحدة لهيئة الأوقاف وحدها.
ولم تكتف هيئة الأوقاف المصرية بالاستثمار فى الإسكان ولكنها دخلت الاستثمار فى مجال الصناعات الحرفية والمدارس والصرف الصحى ومراكز الشباب، كما تمتلك الهيئة مصنع سجاد دمنهور، وقامت باستيراد 3 ماكينات نسيج عملاقة من ألمانيا، وشراء ثلاثة أخرى من بلجيكا لإنتاج فرش المساجد على مستوى الجمهورية، كما يوجد خط لإنتاج «الكواكيل» - جمع كاكولا - وهو غطاء الرأى الخاص بأصحاب الفضيلة، وينتج هذا الخط أكثر من 50 ألف «عمة» سنوياً يتم توزيعها مجاناً على مشايخ الأزهر والأوقاف فى الداخل والخارج.
بنك فيصل
وفى مجال استثمار الأموال كشفت مصادر مسئولة بهيئة الأوقاف المصرية أن الهيئة تستثمر أكثر من 50% من رأسمالها فى مجال الاستثمار بالبنوك والمشروعات الاقتصادية الكبرى، وتعد الهيئة أبرز المساهمين والمؤسسين لبنك فيصل الإسلامى الذى تم تأسيسه بقرار من وزير الأوقاف عام 1977 مع هيئة الأوقاف والأمير محمد الفيصل، كما تساهم الهيئة فى رأسمال بنك الإسكان والتعمير، وشركة الدلتا للسكر، وبسكو مصر، وشركة مصر للحديد والصلب، وشركة البوليفا للأقمشة، وكيما للأسمدة، وشركة التمويل العقارى، كما تمتلك الهيئة أوقافاً وأملاكاً فى اليونان خاصة بأسرة محمد على باشا ومنها قصر الأميرات بمدينة كيالة باليونان، ومنزل محمد على نفسه، بالإضافة إلى 13 قطعة أرض فى جزيرة تاسوس يتم تأجيرها فى اليونان لصالح الهيئة.
وإذا كان هذا هو الجانب الإيجابى فى إدارة أموال الوقف بالهيئة ، فهناك جوانب سلبية كثيرة منها حكاية وقف خليل سعودى النمر، والذى خصص أمواله وممتلكاته منذ 180 عاماً وقفاً لأولاده ليستفيدوا من ريعها بعد وفاته، وصارت الأمور على ما يرام إلى أن أصدر د. أحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف قراراً بحل الوقف الأهلى، وتوزيعه على الورثة.
وبدأت المشاكل عندما أخذ ورثة خليل النمر فى البحث عن الممتلكات التى تركها جدهم الأكبر وهى عبارة عن عقارات وأطيان كائنة بمحافظات القاهرة والجيزة والقليوبية والغربية منذ 180 عاما فى حجة الوقف الأهلى بالباب العالى بتركيا.
محكمة
وللوصول إلى أصول الممتلكات ذهبت الأسرة لمحكمة القاهرة الابتدائية، حيث تبين أنها - أى المحكمة - أصدرت حكماً عام 1961 ببيع الأطيان والعقارات، وإحالتها إلى «لجنة القسمة» بوزارة الأوقاف لتوزيعها بين الورثة وبدلاً من توزيع الوقف بالعدل بين الورثة الشرعيين، حبست الوقف، وحرمان الورثة من تاريخ حله عام 61 وحتى الآن.
وتبين من خلال المستندات المتاحة بأن عدم حصول الورثة على ممتلكات جدهم الأكبر خليل النمر كان بفعل فاعل، حيث كشف عبد السلام حسن النمر - أحد الورثة الشرعيين - ان التقرير الذى أعده خبير الوقف وعاين فيه أصول وممتلكات الجد الأكبر لم يذكر 223 فداناً أطياناً زراعية بمحافظتى الجيزة والقليوبية، و51 منزلاً فى الجيزة و4 فى القاهرة لم يتم التصرف فيها حتى الآن.
واستمراراً لمسلسل ضياع حقوق الورثة قاومت وزارة الأوقاف بشتى الطرق الممكنة وغير الممكنة طلب الورثة بتعيين حارس قضائى لحماية الوقف، وحوّلت القضية للتحقيق الداخلى عن طريق قاضٍ موضوعى، والذى كان سببا فى ضياع حقوق الورثة، حيث نام على القضية «وكفى على الخبر ماجور» كما يقول المثل.
ويقول عبد السلام: ولضيق ذات اليد لم نستطيع مسايرة القضاء فاتجهنا إلى وزارة الأوقاف التى أحالتنا إلى لجنة القسمة مرة أخرى، فأكدوا لنا أنه ليس لهم علاقة بالوقف الأهلى أو ميراث الأسرة.
الست قمر
وكشف مستند خطير صادر من هيئة الرقابة الإدارية لوزير الأوقاف الأسبق د. محمود حمدى زقزوق بخصوص المخالفات التى شابت وقف الست قمر البيضا الجركسية، والذى يقدر بمئات الملايين من الجنيهات حسب ما جاء فى التقرير وقد تبين من خلال فحص أوراق الوقف ومذكرة الرقابة الإدارية ومراجعة أحكام القانون 180 لسنة 1952 أن استحقاق الوقف لا يتم لأى وريث إلا بتقديم إعلام وراثة يفيد صلته بصاحب الوقف.
والقضية فى وقف الست قمر أن مجموعة من المواطنين قدموا مستندات غير صحيحة تفيد صلتهم بصاحبة الوقف، ولأن هذا لم يكن صحيحاً فقد تبين من خلال الفحص أنه تم تواطؤ بعض موظفى الهيئة مع هؤلاء اللصوص تم بموجبه الاستيلاء على وقف قمر البيضا وضياع حقوق الورثة الأصليين وهيئة الأوقاف.
مافيا
والتواطؤ بدأ فى وقف قمر البيضا عندما تم توزيعه بدون تقديم سندات ملكية أو إعلام وراثة، واستند موظفو الهيئة عند صرفهم الوقف لتلك المافيا الحكم الصادر من المحكمة الابتدائية عام 1956 وجاء فيه أن ناظر وقف الست قمر البيضا السيد عبد العزيز فهمى أقر على نفسه بأن ورثة الست قمر توفوا جميعا، مما يستلزم توزيع الوقف على أبواب الخير، ومع ذلك وزع موظفو هيئة الأوقاف أراضى وقف الست قمر على مواطنين لا علاقة لهم بالوقف مما يثير الشكوك حول بعض الموظفين هناك.
وعن تاريخ الوقف الأهلى يقول د. إبراهيم عامر أستاذ الفنون والآثار والحضارة بكلية السياحة والفنادق إن الصدقات الموقوفة ظهرت فى عصر النبوة، إلا أنها لم تظهر فى شكل كيان مستقل إلا مع الدولة الأموية، عندما أمر هشام بن الملك عام 115 توبة بن نمر بتأسيس ديوان الأوقاف لضبط الفوضى التى عمت أموال الوقف والصدقات آنذاك بعد اتساع تلك الأموال بتبعية أموال أهل الذمة لديوان الوقف العام.
قاضى القضاة
وفى عهد الخلافة العباسية ظهرت الدولة الفاطمية، فقامت بتغيير اسم ديوان الأوقاف إلى ديوان الأحباش، ونقلت تبعيته من قاضى القضاة للسلاطين والأمراء لاستمالة قلوب الرعية.
ويضيف د. عامر قائلا: بعد عام 1952 هو بداية النهاية لأموال الوقف العام، وذلك بعد أن أصدر الرئيس جمال عبد الناصر القانون رقم 180 والذى بموجبه حل الوقف الأهلى، وحل لجنة القسمة، والتى كانت بمثابة محكمة للفصل فى نزاعات الموقوف لهم وكانت تابعة لوزير الأوقاف مباشرة وأمر بتشكيل لجنة من شيوخ القضاة لفحص المستندات والحجج والأوراق الخاصة بأصحاب الوقف.
ويتذكر د. إبراهيم عامر قائلا: إن عائلة «الجندى» وهى عائلة مشهورة فى مصر تمتلك بمفردها أكثر من 32 مليار جنيه، فى قبضة وزارة الأوقاف، بالإضافة إلى أراض وعقارات فى تركيا ودولة عربية لم تأخذ منها شيئاً.
وتذكر رابطة الوقف الأهلى - والكلام على لسان د. عامر - أن وقف الرابطة يزيد على تريليون دولار حول العالم، وأن أعضاءها مستعدون للتنازل عن 20% من مستحقاتهم وممتلكاتهم للدول فى حالة الحصول عليها.
من جانبه يقول محسن سيد على الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار إذا كان من أهداف الوقف الامتثال لأوامر الله، والتقرب إليه، وتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعى، وتنمية المجتمع فإن خلفاء وسلاطين الدولة الإسلامية خصصوا أموال الوقف لصيانة المبانى الإسلامية وعلى رأسها المساجد والوكالات والأسبلة والخاقانات.
ومما يثير قلق الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار حاليا هو إصرار هيئة الأوقاف على تأجير الآثار الخاضعة للقانون رقم 117 لسنة 1983، والمعدل بقانون 3 لسنة 2010 الخاص بحماية الآثار مما يعرضها لمشاكل لا حصر لها، ويسعى المجلس حاليا لإخلاء تلك الآثار وترميمها.
مشكلة
وفى ذات السياق يقول سمارات حافظ رئيس الإدارة المركزية للآثار الإسلامية إن تبعية المساجد والأسبلة والوكالات والتكايا والحمامات والمنازل الأثرية لوزارة الأوقاف يسبب مشكلة كبيرة، لأن الوزارة قامت بتأجير تلك الآثار لمستأجرين لا يعرفون شيئا عن الأثر ولا يقدرون قيمته، كما أننا نقف عاجزين أمام إهانة آثارنا، لأننا لا نستطيع إخراج المستأجر، ولا نستطيع تعويضه لعدم وجود موارد مالية، وكل ما فى وسعنا هو أننا ندفع المستأجرين إلى تغيير أنشطتهم لتتناسب مع الآثر.
أما المشكلة الأكبر - كما يقول سمارات - هى سرقة مقتنيات المساجد الأثرية، وقد تكررت سرقات المنابر وحشوات العاج والأبواب والشبابيك والرخام المنقوش بسبب خادم المسجد التابع لوزارة الأوقاف لأنه يعطى المفتاح لأى مواطن ومن هنا تضيع المسئولية بين خادم المسجد وحامل المفتاح.
وفى المقابل يعترف سمارات أنه بعد عدة مخاطبات بين الآثار والأوقاف تم البدء فى إنشاء شركة أمن بدعم مالى من الوزارتين.
المشكلة الثالثة بعد تأجير الأثر وسرقته تأتى مشكلة الترميم، فمع أن المادة 30 والمادة 105 من قانون حماية الآثار تنصان على تحمل هيئة الأوقاف الإسلامية والقبطية نفقات وترميم وصيانة الأثر تحت إشراف وزارة الآثار إلا أن هيئة الأوقاف تتنصل من عملية الترميم مما يعرض الآثار للخطر.
والطريف كما يقول سمارات إن وزارة الأوقاف تتعلل بعدم الترميم بحجة أن قانون حماية الآثار نص على ترميم العقارات وليس التكايا والمساجد والأسبلة وبسبب هذا التصرف تصدعت «حمامات ثابت» فى أسيوط، ومقابر العائلة المالكة فى مصر القديمة، ودير الأنبا باخميوس فى إدفو.
ولله الأمر من قبل ومن بعد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.