كعادتها دائمًا مرت انتخابات الصحفيين ديمقراطية نزيهة شفافة. يشار إليها بالبنان.. قال الصحفيون كلمتهم بوضوح.. اختاروا بإرادتهم الحرة نقيبهم وستة أعضاء من المجلس.. انتصرت إرادة التغيير دون الالتفات إلي التشويش والدعاية المضادة.. اختار الصحفيون نقيبهم الجديد. آملين أن تتحرك المياه الراكدة في بلاط صاحبة الجلالة.. تدفقت جموع الصحفيين بكثافة غير مسبوقة.. نتمني أن يتكرر المشهد بالحماسة والكثافة ذاتها في الجمعيات العمومية السنوية العادية لاعتماد الميزانية.. فلا يصح أن يطالب الصحفيون غيرهم بالمشاركة في أداء الواجبات العامة بينما هم سلبيون يتخاذلون عن حضور جمعيتهم العمومية العادية لمراقبة أداء مجلس نقابتهم ونقيبهم المنتخب ومحاسبتهم وتجيد الثقة فيهم أو سحبها منهم.. ومعرفة كيف تدار مواردهم وملفاتهم الاجتماعية وشئونهم المهنية. وغيرها من القضايا المصيرية. الغريب أن نفرًا قليلاً ربما لا يتجاوزون أصابع اليدين هم من يحضرون تلك الجمعيات العمومية السنوية بمن فيهم أعضاء مجلس النقابة الذي لا يحضر منه سوي ثلاثة أو أربعة.. ولا أدري هل غياب الصحفيين عن هذه المناسبة السنوية المهمة يرجع لثقتهم المفرطة في مجلس نقابتهم وإعطائه تفويضًا علي بياض للتصرف في أمورهم كيفما يشاء أم أنها سلبية التفريط في الواجبات. و العزوف عنها انشغالاً بأكل العيش في ظل ظروف اقتصادية صعبة علي الصحفيين كغيرهم. أو إهمالاً لواجب لا يصح مطلقًا التخلي عنه إن أردنا إصلاحًا لأحوال مهنتنا وأبنائها.. فالغياب عن ممارسة المحاسبة والرقابة علي المجلس والنقيب المنتخب بمثابة شيك علي بياض لكي يفعلوا ما يحلو لهم دون مساءلة أو تعقيب ولا أقول يأسًا أو عدم تقدير للمسئولية» فليس مستساغًا ألا يكون لأعضاء نقابة الرأي رأي فيما يخصهم.. فكيف يكون لهم رأي فيما يجري في المجتمع من حولهم ؟! غياب الصحفيين عن ممارسة أبسط واجباتهم وأدوارهم في نقابتهم ظاهرة سلبية لا تقتصر عليهم وحدهم بل هي آفة أصابت النخبة وانتقلت عدواها إلي المجتمع كله.. وهو ما يطرح سؤالاً : كيف للنخبة وهي طليعة أي مجتمع أن تطالب بالتغيير والإصلاح بلسانها بينما أفعالها عكس ذلك تمامًا.. هي بمثابة ظاهرة صوتية تناضل عبر الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي بينما يغيب أثرها في أرض الواقع وبين الناس.. وهذا للأسف انفصام واضح وتناقض صارخ بين ما تطالب به تلك النخبة عبر منابرها ومنصاتها المختلفة وبين ما تمارسه هي علي أرض الواقع.. هذا ينطبق عليه قول الله : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ¢ وقوله تعالي : أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ¢ وسؤالي لأعضاء مجلس نقابة الصحفيين : لماذا لا نجد منكم حماسًا لحشد زملائكم لحضور الجمعية العمومية السنوية بمثل ما نراه في عمومية الانتخابات أم أن لكم مصلحة في عدم اكتمالها.. وكيف يتسني لكم مطالبة غيركم من عموم الناس وخاصتهم بالمشاركة والإيجابية بينما أنتم غارقون في العزوف والسلبية في أخص خصوصياتكم وأوجب واجباتكم وهو مستقبل مهنتكم ومصير نقابتكم ؟! فإن كان هذا هو حال الجماعة الصحفية المفترض فيها أن تكون رافعة التغيير ومنارة التنوير وطليعة الإصلاح.. فما بالنا بعامة الناس.. كيف ننتظر منهم ما عجز عنه قادة الرأي وصناع الفكر والتغيير. لقد فاز النقيب الجديد عبد المحسن سلامة و6 أعضاء المجلس في انتخابات التجديد النصفي.. وبقي أن تتحول وعودهم إلي واقع أفضل تعيشه صاحبة الجلالة وأبناؤها.. فلم يعد في وسع الصحفيين أن يتحملوا تسويف ولا تأجيل تنفيذها يومًا واحدًا.. فأحوال المهنة والصحفيين في تردي وانهيار متزايد يومًا بعد الآخر.. ومن ثم فإن تفاقم الأوضاع إذا تركت علي حالها دون حلول جذرية معناه محاسبة شديدة في انتظار المجلس والنقيب الجديد. ثمة أزمة حقيقية في الصحافة يعلمها القاصي والداني تفاقمت منذ أحداث 25 يناير.. وهو ما يعلمه بالضرورة مجلس النقابة ويدركه أيضًا من سيتم اختيارهم في عضوية المجالس والهيئات الوطنية للإعلام والصحافة المزمع تشكيلها.. ثمة افتقاد واضح لكثير من جوانب المهنية وانعدام للتواصل بين الأجيال وتداول الخبرات ومن ثم فقد انطفأت جذوة الومضة ولم تعرف الأجيال الجديدة من الصحفيين نماذج فذة قادرة علي إعادة الاعتبار للمهنة. ناهيك عن افتقاد الكفاءة المهنية لدي كثيرين وغياب الرؤية والحصافة حتي صارت الحرية في عرف البعض معناها نشر ما يشاءون دون تحقق أو تثبت أو مراعاة لمقتضيات الأمن القومي في زمن الحرب علي الإرهاب رغم ما يجره ذلك من إضرار بمصداقية الصحافة وأمن البلاد معًا. هو ما يدفع الجميع ثمنه..والحرية هي المتضرر الأكبر !! منذ أيام نشرت وسائل إعلام تصريحًا منسوبًا لوزير الصحة فهم منه أن الوزير يهاجم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي تسببت سياساته في تدهور منظومتي التعليم والصحة بحسب ما نسب خطأ للوزير.. دون أن تكلف جريدة أو صحفي نفسه الاتصال بالوزير لمراجعته والتأكد من صحة ما نشرته تلك المواقع.. وفي السياق ذاته زعم موقع إلكتروني آخر أن الرئيس اتصل بنقيب الصحفيين الجديد مهنئًا. وأفاضت في تفاصيل كواليس هذا الاتصال الذي نفاه ¢ سلامة ¢ عبر مداخلة له مع المذيعة عزة مصطفي. مثل هذه الأخطاء رغم أنها فردية لكنها تخرج عن حدود اللياقة وتسيء إلي المهنة وهو ما ينبغي أن يسارع مجلس النقابة الجديد لتداركه ومحاسبة المتجاوزين الذين يبلغ إسفافهم وشططهم حد ترويج الأكاذيب وفبركة الأباطيل وإشاعة البلبلة دون انتظار لتحريك دعاوي قضائية تنتهي بجرجرة الصحفيين إلي المحاكم وتعريضهم لغرامة كبيرة أو للسجن الذي لا يرضاه أحد لأصحاب الرأي والقلم.. مطلوب من النقابة أن تضع حدًا فاصلاً بين الحرية والانفلات.. أن يسارع مجلسها الجديد بتغيير قانونها المعيب المخالف لكل الدساتير. المجافي لروح العصر ومستجداته.. فما جزاء من ينتهك أستار الحرية ويبدد مقاصدها..ماذا سيفعل المجلس الجديد لوقف مثل هذا التجاوز.. وتفعيل مواثيق الشرف الصحفي.. متي يكون الحساب والعقاب بيد النقابة لا بيد عمرو» حتي لا نبكي علي تقييد الحريات ونمنح الفرصة لمن يتربصون بها.. أليست الممارسة المسئولة هي خير ضمانة لصون الحريات والحفاظ علي مكتسباتها.. فالوقاية خير من العلاج ومنع التجاوز أفضل من ملاحقة المتجاوزين وهو ما لن يتحقق إلا بتفعيل دور النقابة ومجالس الإعلام والصحافة المرتقبة التي تأخر تشكيلها كثيرًا!! أرجو أن يكون من بين أولويات مجلس نقابة الصحفيين بتشكيله الجديد إعادة تشكيل لجنة القيد لإجازة الصحفيين الجدد بحيث تضم شيوخ المهنة وخبراءها بعيدًا عن أعضاء المجلس وحساباتهم الانتخابية.. وكفي ما لحق بالنقابة من أذي كبير في سنوات ما بعد الثورة. حيث التحق بها جيش جرار من حملة شهادات التعليم المفتوح وجرائد بير السلم حتي تجاوز عدد أعضائها 12 ألفًا.. وقد كانت حتي قريب لا تتجاوز نصف هذا العدد في وقت لا تحتاج الصحف جميعها- قومية وخاصة- إلا ربع هذا العدد. أوجاع الصحافة وآفاتها لا تخفي علي النقابة ولا مجالس الإعلام المرتقبة وهي سلبيات تحتاج لجهد مضاعف لعلاجها لإبقاء المهنة علي قيد الحياة. وإنقاذ الصحفيين من فقر المهنة وفقر الفاقة التي طالت سوادهم الأعظم بعد القرارات الاقتصادية الصعبة.. ثمة معاناة رهيبة بسبب تدني وتراجع انتشار المهنة وانحسار تأثيرها وتوزيع صحفها ومواردها من الإعلانات والتوزيع.. ومن ثم فهي في حاجة شديدة لبعث روح جديدة في أوصالها واستعادة مصداقيتها وقوة تأثيرها.. وهو ما لن يتأتي إلا بتحرير الصحف من قيودها وإعادة هيكلتها وتخليصها من الديون والأعباء المتزايدة التي ترتبت علي قرارات الدمج الخاطئة قبل الثورة والقرارات الاقتصادية الصعبة بعدها.. مطلوب حل مشاكل الصحف القومية وإطلاقها علي طريق المنافسة لضمان التوازن المطلوب وصيانة الرأي العام المحلي والعالمي والحفاظ علي البلاد من رياح صحافة رأس المال ومصالح رجال الأعمال. هل يمكن لضمير المجتمع أن يطمئن لرقابة الصحافة علي الحكومة والبرلمان بينما هي في حاجة لمراجعة حقيقية لأدائها.. كيف نؤثر في الرأي العام العالمي بعدالة قضايانا بينما نحن منكفئون علي شواغلنا اليومية وشئوننا المحلية.. الصحافة والإعلام تحولت إلي مادة مسلية يتسابق الناس لمعرفة أسرارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد تخليها عن رسالتها في نقل ما يدور في المجتمع الذي سبقها إليه وسائل التواصل الاجتماعي التي تفوقت عليها انتشارًا وتأثيرًا حتي أن بعض الصحف والمواقع باتت تستقي معلوماتها منها ومن الصحافة الأجنبية التي تخدم مصالح وأجندات خارجية لا تخفي. نتمني لصحافتنا أن تكون أكثر توازنًا وواقعية وموضوعية.. أن يكون لها عين علي الداخل والخارج.. أن تبصر بعين المتأمل ما يدور حولها. ويحدث لها من متغيرات دراماتيكية وتحول الصحافة المطبوعة إلي إلكترونية في أعرق الصحف العالمية ولا تزال الأخيرة تكسب كل يوم أرضًا جديدة استحواذًا علي القراء والإعلانات.. ولم لا وهي الأكثر سرعة والأقل تكلفة ومشقة.. فهل نحن مستعدون لدخول عصر جديد تأخرنا كثيرًا في اللحاق به. الحرية المشهودة التي يحياها الإعلام اليوم علينا أن نحافظ عليها. بالاهتمام الحقيقي بالتغيير وإصلاح المفاهيم الخاطئة وضخ مفاهيم جديدة تزيد الإنتاج وتعزز المشاركة.. المهنة في انتظار تحرك سريع لمجلس النقابة الجديد لإنقاذها من أخطاء بنيها وإصلاحها ذاتيًا وطواعية وعلي وجه السرعة.. وإننا لمنتظرون.