* تجري غدا انتخابات الصحفيين في جولتها الثانية. بعد أن انفضت الجمعية العمومية الأولي دون اكتمال النصاب.. وهو الأمر الذي يدعو للتساؤل عن أسباب هذا الغياب اللافت من معظم أعضاء الجماعة الصحفية.. هل يعود ذلك للكسل أم الإحباط أم لغياب الحماس للمرشحين سواء علي مقعد النقيب أو مقاعد المجلس الستة.. أم لافتقاد هؤلاء المرشحين الشعبية والقدرة علي الحشد وتقديم البرامج المحفزة.. أم ذلك كله.. وهل يكون ذلك مؤشرا لما سيحدث في انتخابات مجلس النواب المرتقبة..؟! * وأيا ما كانت أسباب ودوافع الغياب فثمة اعتبارات ينبغي ألا تغفل عنها الجماعة الصحفية وهي تستقبل انتخابات الغد. وفي مقدمتها الحاجة الماسة للالتفاف حول نقابتهم قلعة الرأي وحصن الحريات. وخطورة ما تمر به البلاد من ظروف سياسية واقتصادية معقدة تقتضي المشاركة في اختيار قادة النقابة بوعي وإخلاص لإنقاذ المهنة مما يحدق بها من أخطار. وأزمات تعاني منها صحيفة هنا وصحفيون هناك. أغلقت صحفهم وتوقفت رواتبهم. ومواد قانونية سالبة للحريات تعد سيوفا مصلتة علي رقاب الجميع. تهدد بجرجرتهم للمحاكم والسجون في ظل ما يتعرض له الإعلام والصحافة من تربص البعض بهما. حتي أنهما أول من يكتوي بنار الفوضي ويرمي بالسهام بدعوي أنهما يشعلان الحرائق ويؤججان الفتن. رغم براءتهما من ذلك في أكثر الأحيان!! * ينبغي ألا ينسي الصحفيون أيضا أن نقابتهم ليست نقابة خدمية منوطا بها تقديم الخدمات لأبنائها وتطويرأدائهم المهني وتحسين أحوالهم فحسب بل هي فوق ذلك كله نقابة رأي وحصن للحريات والدفاع عن الحقوق. يلوذ بها أصحاب المظالم والمطالب محتجين علي سلالمها التي صارت أيقونة لثورة يناير وإحدي أهم إرهاصاتها ولا تزال..يجب ألا ينسي الصحفيون وهم يذهبون لاختيار نقيبهم ومجلس نقابتهم أنهم كانوا في عصور سابقة شهدت تزويرا فاضحا في الانتخابات العامة مثلا يحتذي في انتخاباتهم. شفافية ونزاهة وجدية وقوة منافسة ونضجا ورشدا في الاختيار. ونموذجا يدعو الآخرين لاحتذائه واستلهامه في الانتخابات رغم أنهم لم يسلموا من المحاولات الدءوبة للنظام للتأثير في قناعاتهم واختياراتهم.. لكن الجماعة الصحفية كانت دائما عند حسن الظن بها. * تأتي انتخابات الصحفيين هذا العام وسط ظروف مغايرة واستقطاب سياسي وأيديولوجي يمزق المجتمع كله. ويقسمه أحزابا وشيعا. وهو ما ألقي بظلاله علي النقابة في الأيام الأخيرة وما شهدته من أحداث مؤسفة بلغت حد الاشتباك بالأيدي والتطاول والسباب. وهو ما يخشي منه علي الانتخابات المنتظرة. الأمر الذي دعا لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة لإصدار بيان يحذر من الاستقطاب السياسي وإسقاط أوزار السياسة علي انتخابات النقابة والتقسيم والفرز الأيديولوجي للمرشحين. * لا شك أن تحديات كثيرة في انتظار النقيب الجديد ومجلس نقابته. تحديات أشد صعوبة مما سبق. تحديات بحجم وخطورة المرحلة ودور الإعلام والصحافة فيها. فثمة أزمات اقتصادية طاحنة تعتصر المؤسسات الصحفية. وإشكاليات عديدة تتعلق بالملكية والإدارة. والالتزام بمواثيق الشرف الإعلامي. والكفاءة وغياب المهنية في كثير من الأحيان. وقصور النقابة في محاسبة أبنائها علي ما يصدر منهم من تجاوزات تؤثر سلبا علي الجماعة الصحفية كلها. في انتظار النقيب الجديد ومجلسه مسئوليات ضخمة لإعادة الصحافة إلي صدارة المشهد بعد تراجع الأداء النقابي بشكل غير مسبوق والبحث عن حلول غير تقليدية لتنمية الموارد ووضع معايير جديدة صارمة للقبول بعضوية النقابة. * مشكلات الصحافة وأوجاعها كبيرة لا يكفي معها المسكنات ولا الوعود الانتخابية البراقة. بل ينبغي معالجتها بأسلوب علمي مدروس يدرك أبعادها وتداعياتها ويقدم حلولا عملية لهذا الكم المتراكم من الأزمات. وخصوصا الأوضاع المالية للصحف وخاصة القومية المتعثرة والتي في طريقها إلي التعثر لو تركت علي حالها. الصحافة المصرية ليست طيفا واحدا لكن القاسم المشترك الأعظم بينها جميعا هو أزمة التمويل الذي هو معضلة الصحف القومية والخاصة والحزبية علي السواء في ظل تراجع الموارد وزيادة النفقات والمنافسة الشرسة مع الإعلام الفضائي والإلكتروني الآخذ في النمو والتعملق علي حساب الصحافة الورقية.. وتلك ولا شك مستحدثات لم تعرفها مصر من قبل فحتي مطلع ستينيات القرن الماضي لم تكن مصرتعرف الصحافة الخاصة وليست المستقلة وبينهما فارق كبير. وقد ساعد علي خروجها إلي النور حرية إصدار الصحف. وقد ألقي ذلك بأعباء إضافية علي النقابة. ولاقت تلك الصحف رواجا نسبيا لكونها تقدم لونا صحفيا مغايرا عما تقدمه نظيرتها القومية المكبلة بالقيود والالتزامات والتي تربعت علي عرش صاحبة الجلالة فترات طويلة دون منافس. وبالفعل استثمرت الصحافة الخاصة هامش الحرية المتاح. فهاجمت الحكومة وركزت علي سلبياتها وأخطائها. وأشبعت نهم القارئ في الهجوم عليها. وهو ما لم تقدم عليه الصحف القومية التي لعبت ولا تزال دورا ملموسا في التنوير والتثقيف والإصلاح وإثارة الوعي بالقضايا الوطنية منذ عهد الاستعمار لكنها لم تسلم من فخ مساندة الأنظمة المتعاقبة. * ومن الإنصاف أن نعترف بفضل الصحف الخاصة والحزبية في إثراء الساحة الإعلامية بالتنافس وإلقاء أحجار في مياه السياسة الراكدة. والسعي لإشباع حاجة القارئ في المعرفة وممارسة النقد والرقابة الشعبية. وهو ما حفز الصحف القومية علي تطوير أدائها سعيا للاحتفاظ بقرائها. رغم أن الصحف الخاصة قامت في الأساس علي أكتاف رجالات من الصحف القومية التي ورثت قيودا سياسية ألزمت نفسها بها. وزادت عليها أحيانا دون أن يلزمها بها أحد من خارجها. * وجاءت ثورة يناير. وكسرت الصحف القومية ما فرضته علي نفسها من قيود. وزاحمت الصحف الخاصة في النقد والهجوم علي النظام الذي سقط. وانحازت للقارئ وقضاياه. واختطت لنفسها نهجا مغايرا غازل الثورة والثوار لكنها ما لبثت أن مالأت النظام وسارت في ركابه طوعا أوكرها. ولا يمكن تبرئة الصحف القومية مما رماها البعض به من انحياز سافر للحكومة وغض الطرف عن سلبياتها. كما لا يمكن التحامل علي الصحف الخاصة واتهامها بالسوداوية المطلقة وتهويل الأخطاء وتصيد السقطات من غير أن تقدم لها حلولا حتي عكرت المزاج العام وكدرت صفوه لكثرة ما تبديه له من مساوئ.. لأن ذلك ليس دور الصحافة التي هي ناقل أمين للحدث وليست صانعة له. إنما تقديم الحلول هي وظيفة السياسيين وليس الإعلاميين.. لكن ذلك ينبغي ألا ينسينا ما تعانيه الصحافة - قومية وخاصة - من أمراض مزمنة كغياب المهنية والموضوعية وشيوع السطحية والازدواجية والإغراق في المحلية وعدم تحري الدقة وصدقية المعلومات والخلو من الصور الموحية والشجاعة الأدبية والترفع عن البذاءات. وكلها أمراض ترجع لغياب التدريب وتبادل الخبرات وتواصل الأجيال وعشوائية الالتحاق بالصحف. وهو ما يتجسد في غياب العناصر الفذة الواعدة علي شاكلة الجهابذة العظام رواد الصحافة وأكابرها الأوائل. * ورغم ما تعانيه الصحف القومية من علل وآفات فإنها تبقي بوصلة للرأي العام وصماما للأمن القومي. ورغم تبعيتها للحكومة أو مجلس الشوري فانها تعتمد علي مواردها الذاتية بنسبة 100% والتي تمثل الإعلانات الحكومية 80% منها والتي كان عدد من الصحفيين يسهمون في تنشيطها بتكليف من إدارتهم لتتولي شركات الإعلانات مهمة تنفيذها والحصول علي عوائدها وهو ما أنقذ تلك المؤسسات من عثراتها المالية وأسهم في تنمية مواردها ورغم ذلك فهم مطالبون اليوم برد ما حصلوا عليه من مكافآت وحوافز مستحقة رغم أن هؤلاء الصحفيين فضلوا البقاء في صحفهم ومقاومة إغراءات العمل كمستشارين في الوزارات وغيرها بآلاف الجنيهات. هذه الأموال مكنت المؤسسات الصحفية من سداد التزاماتها تجاه الدولة من ضرائب وتأمينات وجمارك وغيرها في الفترة من 2006 - 2011 وهو ما يدحض ما يدعيه البعض بأنها كانت عالة علي الدولة. * ورغم إيماننا بمعاناة الصحافة كلها في ظل عدم الاستقرار وزيادة النفقات وقلة الموارد وغياب المهنية والشفافية فإن الأمل معقود علي النقابة لحل تلك المشكلات وتفعيل ميثاق الشرف الصحفي وسرعة إصدار قانون تداول المعلومات ووضع لائحة أجور عادلة وإلغاء المواد المقيدة للحريات وتمكين الصحف من ممارسة دورها علي نحو يكفل لها البقاء والاستقرار وهذا موضوع آخر.. نرجو أن تكتمل عمومية الصحف غدا فليس صعبا حضور 1651عضوا لاختيار النقيب ونصف أعضاء مجلس النقابة لمواجهة ما ينتظرهم من تحديات ومسئوليات جسام.