لما كان حال نقابة الصحفيين علي مدي عقود متوالية من سيطرة الاقطاع الصحفي السياسي القيادات العازلة علي مقدراتها وعلي المهنة كما أوضحنا في المقال السابق. فإن علينا الا ندهش عندما نري بؤس اداء النقيب ومجلس النقابة في ثورة25 يناير. فقد ظل مبني النقابة لأربعة أيام من الثلاثاء25 يناير إلي الجمعة28 يناير2011 في قبضة قوات الأمن. تحاصره وتمنع من تريد من الدخول وتقول انها تنسق مع النقيب مكرم وإلي حد الاشتباك في26 يناير مع الزملاء الأساتذة يحيي قلاش ومحمد عبدالقدوس وكارم محمود وعدد آخر من الصحفيين واختطافهم واعتقالهم فضلا عن الاعتداء بدنيا علي الأستاذ أحمد قلاش أما موظفو أمن النقابة فقالوا إنهم تلقوا تعليمات من النقيب بمنع دخول الزوار, وذلك خشية لجوء نشطاء معارضين إلي مبني النقابة هربا من مطاردات قوات الأمن. ولقد علمت بهذه التعليمات بنفسي عندما اعترض موظفو الأمن ضيفة سبقتني إلي مقر النقابة صباح يوم25 يناير ومنعوها من الدخول. والحقيقة لم يكن سلوك النقيب جديدا. فقبلها بنحو شهر واحد كان قد منع دخول الدكتور محمد البرادعي حامل جائزة نوبل ضيفا علي صحفيي الدستور المعتصمين ومتضامنا معهم. وفي ذلك خلط غير مقبول بين انتمائه وولائه لحزب الديكتاتور مبارك الذي عينه عضوا بمجلس الشوري وبين النقابة ومقام منصب النقيب. ولم يكتف بذلك. بل منع نشر رد كتبته علي مقاله بالأهرام الذي يدافع فيه عن منع البرادعي( راجع القصة والرد الممنوع في مقال مكرم نقيب حظر نشر علي موقع جريدة البديل الالكتروني). ولقد تكرر مشهد احكام قبضة قوات الأمن علي مبني النقابة والتحكم في الدخول إليها وبدعوي التنسيق مع النقيب من قبل في يوم عيد ميلاد مبارك الأخير4 مايو2010, خشية انتقال الوقفة الاحتجاجية لمعارضي تصدير الغاز إلي إسرائيل من أمام مقر مجلس الدولة في الجيزة إلي سلم النقابة في شارع عبدالخالق ثروت. وكيف ينسي الصحفيون إغلاق قاعات النقابة بأوامر من النقيب مكرم أمام حفلات توقيع كتابي الزميل الصحفي عبدالحليم قنديل الأيام الأخيرة وكارت أحمر للرئيس المنتقدين للرئيس مبارك في يونيو2008 وأغسطس2009. ومع ذلك يعجب المرء لقدرة الزميل الأستاذ محمد عبدالقدوس عضو مجلس النقابة وشجاعته الاستثنائية في كسر الحصار الذي فرضه النقيب الحكومي بين عامي2007 و2011 علي تفاعل النقابة مع الشأن العام وحالة الاحتجاج المجتمعي والسياسي, وذلك بإقامة ندوات لجنة الحريات المميزة وبتظاهره المتكرر علي سلم النقابة. وان كان غالب هذا الاداء لا يقترب من هموم المهنة والنقابة الأكثر حساسية أو يصطدم مع سلطة الاقطاع الصحفي السياسي. علي مدي أيام الثورة وحتي يوم الثامن من فبراير2011 ظلت النقابة عاطلة من أي خدمات بما في ذلك الكافيتريا وذلك باستثناء الطابق الأرضي الذي ظ ل شبه معتم. تصدح في أحد جنباته شاشة فضائية الجزيرة فيما كان الصحفيون في مسيس الحاجة إلي مكان يلجأون إليه طلبا للحماية وتبادل المعلومات. والأخطر من ذلك ان الاتصالات ظلت مقطوعة عن النقابة, بما في ذلك الإنترنت التي لم تجر إعادة فتح قاعتها إلا بعد عودة الخدمة إلي البلاد بثلاثة أيام. وبالقطع فان عيادة النقابة الطبية التي كان يفترض تشغيلها لساعات إضافية كي يلجأ إليها الصحفيون والمواطنون للعلاج من إصابات الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي والمطاطي فضلا عن هجمات بلطجية الحزب الوطني وجهاز الأمن ظلت هي الأخري مغلقة خلال هذه الأيام الحرجة, وحتي اقترب يوم رحيل مبارك عن السلطة. غاب النقيب ومعه المجلس عن حدث الثورة تماما وغيبا معهما نقابة رأي بوزن نقابة الصحفيين وراءها تاريخ مشرف يعود إلي عام1941. فلا موقف سياسيا من ثورة غير مسبوقة تجري في البلاد ولا موقف نقابيا ازاء اعتداءات قوات وعملاء الأمن وبلطجية الحزب الوطني ورجال أعماله علي الصحفيين المصريين والأجانب. ولا مخاطبات للسلطات المعنية لتسهيل عمل الصحفيين وتنقلهم في أوقات حظر التجول. ولا جهد في رصد واحصاء الاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون وما يلحق بهم من إصابات. وبالطبع لا خط ساخنا لتلقي شكاوي الزملاء واستغاثاتهم. والمؤسف أيضا أن النقيب تفرغ للدفاع عن ديكتاتوره ونظامه المستبد الفاسد واجتهد في تبرير القمع البوليسي علي الفضائيات وصفحات الصحف والمجلات, وبصفته نقيبا للصحفيين المصريين وأمينا عاما لاتحاد الصحفيين العرب. لم يجتمع مجلس النقابة ولم يصدر عنه بيان أو تصريح صحفي طوال17 يوما من عمر الثورة بالتمام والكمال. بل لم يدخل النقيب وغالبية أعضاء المجلس إلي مبني النقابة حتي يوم7 فبراير حين حضر النقيب متطفلا علي مبادرة من أعضاء الجمعية العمومية وباقتراح مني بتنظيم جنازة غائب لشهيد الصحفيين المصريين في الثورة الزميل الأستاذ أحمد محمد محمود(39 عاما). بل أعمي صلف وغرور نظامه الدكتاتوري بصيرته عن الانتقادات التي جاءت في نص دعوة جنازة الغائب, وقد ورد فيها نصا: تفتح واقعة استشهاد زميلنا الدور المخزي للنقابة في هذا الوقت فلا حماية ولا دور, وغياب كامل عن حدث استثنائي تعرض فيه الصحفيون للاعتداء والاعتقال والتضييق والمصادرة والمنع. كما أعمي الصلف والغرور الرجل إلي حد الاستهانة بمشاعر أرملة الشهيد الزميلة الأستاذة إيناس عبدالعليم فتحدث إليها عن تعويض مناسب وعن طلب تحقيق ينتهي إلي اتهام مجهول. لكنه رفض التضامن معها ضد قتلة زوجها وتوجيه الاتهام إلي وزارة الداخلية وقناصتها. وقال نصا: لن أدخل في تحقيقات ضد الشرطة, فيما مرتكبو الجريمة واضحون وضوح الشمس وعليهم شهود. لذا فان النقيب واجهته عاصفة غضب من أعضاء الجمعية العمومية نري في محاولته المشاركة في عزاء الشهيد رياء من الرجل شارك بادائه النقابي وبكتاباته في اطلاق النار علي مواطنيه وزملائه. وأصبح واضحا حينها انه من المستحيل عليه الدخول إلي مقر النقابة مرة أخري دون التعرض للمزيد من المواقف المحرجة, فاضطر للتقدم باستقالة مراوغة تشبه ما كان من مماحكات مبارك في أيام حكمه الأخيرة. وهكذا ارسل لزميله في الحزب الحاكم الأستاذ عبدالمحسن سلامة بخطاب يطلب اعفاءه من مهامه النقابية لأسباب صحية ويقترح في الوقت نفسه نقل اجتماعات مجلس النقابة لمقر اتحاد الصحفيين العرب( بمبني هيئة الاستعلامات الحكومية بشارع طلعت حرب) كي يتمكن من حضوره ورئاسته(!). واللافت أيضا أن هذا الخطاب الظاهر الارتباك والتخبط ظل طي الكتمان., وثمة علامة استفهام إضافية هنا بشأن تجاهل الأستاذ مكرم لمهام السكرتير العام الزميل الأستاذ حاتم زكريا وبوصفه وفق التقاليد النقابية واللائحة التنفيذية لقانون النقابة رقم76 لسنة1970 الأمين علي سجلات النقابة وأوراقها والمسئول عن اعداد محاضرها وحفظها, وهو الذي يوقع علي المحاضر إلي جانب النقيب.. وما حدث أنه لا الزميل الوكيل الأستاذ عبدالمحسن سلامة أعلن خطاب الاستقالة المراوغة للصحفيين. ولا النقيب المستعفي من مهامه نشر نصه كاملا علي الرأي العام, أو حتي اهتم بضمان ارساله إلي زملائه أعضاء مجلس النقابة. ناهيك عن تجاهله لقانون النقابة الذي ينص في مادته الخامسة والأربعين علي أنه إذا خلا مركز النقيب اختار مجلس النقابة أحد الوكيلين ليقوم مقامه إذا كانت المدة الباقية له تقل عن سنة, فان زادت المدة علي ذلك دعيت الجمعية العمومية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ المركز لاختيار نقيب يكمل المدة الباقية للنقيب الأصلي. وكيف نعجب لاستهانته بقانون النقابة وقد اعتاد ورئيسه وحزبه انتهاك القوانين من قبل مرة تلو اخري وعاما اثر عام. وجاء التقرير السنوي لمجلس النقابة في مارس2011 وكأن الاستهانة بأعضاء الجمعية العمومية والاستخفاف بالعقول بات سلوكا مستقرا للنقيب والمجلس. ونكتفي هنا بتسجيل ثلاث ملاحظات: الأولي ان التقرير خلا من أي اشارة إلي مخاطبات النقيب بشأن استقالته في10 و12 و20 فبراير و1 مارس2011. والثانية أنه عنون بيان مجلس النقابة بشأن الثورة في10 فبراير ببيان النقابة القوي لتأييد الثورة. في حين أن البيان المتأخر جدا جاء مشابها تماما لتوجه مقالات رؤساء التحرير المتحولين قبله بأيام, وقد خلا من أي اشارة أو تحديد موقف من مطلب الثورة الأول: رحيل مبارك واسقاط نظام حكمه. ولاشك أن بيان مجلس النقابة القوي يتواري خجلا أمام بيان لنشطاء النقابات المهنية اجتمعوا بنقابة الصحفيين قبلها بعشرة أيام. وقد نص صراحة وبوضوح وفي31 يناير علي تحقيق مطلب اسقاط نظام الحكم وتنحية مبارك. وكان من بين المشاركين في صياغة هذا البيان والتوقيع عليه عضو مجلس النقابة الزميل الأستاذ يحيي قلاش ووكيل النقابة الأسبق الزميل الأستاذ رجائي الميرغني.. أما الملاحظة الثالثة فتتعلق بالموقف المشين للنقيب والمجلس والذي جاء تحت عنوان شهيد الصحافة والثورة وقد تجاهل تماما أية اشارة إلي مسئولية قناصة الشرطة ووزير الداخلية ورئيسه مبارك عن قتل الشهيد, رغم وضوح رواية زوجته وشهود العيان في تحديد هوية القاتل. وهكذا تمتد سلطة أمن الدولة علي صحافتنا إلي نقابة الصحفيين أيضا. بل كيف نصف بحق بيان مجلس النقابة ب القوي وهناك اغتيال وجرح لزملاء واعتداء علي حرمة مقر النقابة إذا ما قارناه ببيان المجلس السابق برئاسة النقيب الاصلاحي المستقل الأستاذ جلال عارف في مطلع يونيو2005 والمطالب باقالة وزير الداخلية حبيب العادلي لاعتداء قواته علي زميلات صحفيات وناشطات سياسيات أمام مبني النقابة في25 مايو يوم الاستفتاء علي تعديل المادة76 من الدستور؟ وسط اختطاف وتغييب النقابة علي هذا النحو ازاء حدث كبير وتاريخي بأهمية ثورة25 يناير يتعين التنويه بجهد أفراد من الجمعية العمومية حاولوا أن يملأوا ما استطاعوا هذا الفراغ. ويتقدم هذه المجموعة الزميل الأستاذ قلاش الذي كان بمثابة مركز الحركة وقبلتها. وللمفارقة فان الرجل بالأصل تقدم باستقالته من مجلس النقابة في12 فبراير2008 احتجاجا علي غياب العمل المؤسسي والجماعي وامتنع عن حضور أية اجتماعات للمجلس, فيما تجاهل النقيب والمجلس الاستقالة والرجل وكأنهما غير موجودين. فلا تحقيق في استقالة مسببة ولا قرار بشأنها. وهكذا بدا عضو المجلس المستقيل وكأنه الوحيد الذي تكفل بالاضطلاع بمسئولية العمل النقابي كله في أيام الثورة. فدعا وشارك في صياغة بيان باسم الصحفيين المصريين في30 يناير يؤيد الثورة ويدين القمع البوليسي ويطالب مبارك بالرحيل. وأشرف علي اقامة مركز دائم للصحفيين في ميدان التحرير أمام شركة بنها للالكترونيات علي مقربة من مدخل شارع سليمان باشا. ورعي رفع لافتات باسم الصحفيين المصريين للمرة الأولي في الميدان في اليوم ذاته تعيد أمام الثوار اعتبار الصحافة المصرية وشرف نقابتها المختطفين لحساب الدولة البوليسية. وفي يوم7 فبراير بلغ الالتحام بين هؤلاء الصحفيين المصريين والثورة ذروته بانطلاق جنازة الغائب للشهيد أحمد محمود من مقر النقابة إلي قلب ميدان التحرير لتمتزج بمئات الألوف من الثوار. وقد رددت جنبات الميدان في مشهد مهيب شعارات حرية الصحافة والوطن. وهو ما أخاله مشهدا لم تعرفه مصر منذ مظاهرات حرية الصحافة قبل ما يزيد علي المائة عام, وتحديدا في مارس1909. كما شهد اليوم نفسه التقدم إلي النائب العام بمذكرة وقع عليها أكثر من مائة صحفي بالمؤسسات القومية تطالب بمنع رؤساء مجالس الإدارة والتحرير الحاليين وقتها والسابقين طوال عهد مبارك من السفر احترازيا والتحقيق في مصادر ثروتهم والحفاظ علي الوثائق والمستندات في هذه المؤسسات فضلا عن المطالبة برد المبالغ التي تحصلت عليها قيادات الصحف القومية بغير وجه حق أو نص في القانون وذلك باستقطاع نسبة من إعلانات الصحف جلبت لها علي مدي عشرات السنين مئات الملايين من الجنيهات. ولم تقتصر جهود نفر من الجمعية العمومية علي ذلك. بل طرحوا مسألة شرعية النقيب والمجلس علي ضوء اختطاف النقابة وحكم المحكمة الدستورية في2 يناير2011 ببطلان قانون النقابات المهنية رقم100. ولذا وقع نحو ثلثمائة صحفي في يوم8 فبراير علي طلب عقد جمعية عمومية طارئة بهدف التدارس في آثار حكم المحكمة الدستورية والنظر في سحب الثقة من النقيب ومحاسبة المجلس علي ادائهم خلال الثورة وازاء الاعتداءات علي الصحفيين. إلا أن مجلس النقابة تلاعب بطلب انعقاد الجمعية العمومية مستوفية الشروط القانونية. وتقاعس متعمدا عن الوفاء بالشروط القانونية الواجبة في الدعوة إليها. فلم يعلن عنها في صحيفتين يوميتين قبل انعقادها بأسبوع علي الأقل( نص المادة34 لقانون النقابة رقم76 لسنة1970) وسارع إلي عقدها يوم14 فبراير2011 بعد أربعة أيام فقط من قرار المجلس الدعوة إليها(!) وهكذا منح المجلس النقيب المخلوع فرصة الظهور في الفضائيات مساء اليوم ذاته ليدعي أن الجمعية لم تكتمل وأن معارضيه أقلية, متجاهلا عدم استيفاء حلفائه ورجاله في المجلس للشروط القانونية لصحة الدعوة لانعقادها وتقاعسهم عن إعلام الصحفيين بها. والأكثر غرابة أن الأستاذ مكرم كتب إلي الأستاذ عبدالمحسن سلامة رسالة موجزة قبل موعد الجمعية العمومية بيوم واحد( في13 فبراير2011) يطالبه برفع رغبته في الاعفاء من مهامه النقابية إلي مجلس النقابة بصورة عاجلة. لكنه عاد ليكتب إليه رسالتين في20 فبراير و1 مارس وقعهما بصفة نقيب الصحفيين(!) يدعي فيهما تزييف محاضر الجمعية العمومية الطارئة وفي احصاء اعداد الحضور. وهي بالأصل جمعية لم تجر الدعوة لها بالشروط القانونية الواجبة, فضلا عن انها لم تكتمل أصلا ولم يزعم أحد ما بانها اكتملت(!) بل أن مكرم ذهب في نص الرسالة الأخيرة إلي حد انكار تقدمه باستقالته(!) وذلك بعد نشر خبر قبول المجلس الاستقالة. ومع ذلك تحول يوم14 فبراير إلي مناسبة لعقد مؤتمر لمئات الصحفيين تداولوا خلاله أفكارا لاستعادة النقابة المختطفة والمفتقدة كسند لنضالات الصحفيين في مختلف المؤسسات بهدف تطهيرها من رموز وأساليب النظام الفاسد المستبد ولاستردادها من ايدي الحاكم الفرد وأسرته وحزبه وأجهزة أمنه ورجال أعماله, وكي تصبح خالصة للمهنة والشعب. وفي هذا السياق تقدمت شخصيا إلي المؤتمر بورقة عمل مكتوبة تتضمن18 مقترحا وتوصية. إلا أن الزملاء المكلفين بصياغة بيان وتوصيات المؤتمر تقاعسوا عن إنجاز أي شيء! وعلي أية حال, فقد جدد مجلس النقابة الدعوة للجمعية العمومية الطارئة يوم28 فبراير بذات التقاعس والاهدار للشروط القانونية للدعوة. وبالطبع لم يكتمل انعقادها. بل كان عدد الحضور أقل من اللقاء السابق. واتضح في الشهر التالي أمام أعضاء الجمعية العمومية ملامح تحالف في مجلس النقابة بين أعضاء في الحزب الوطني الحاكم والاخوان المسلمين للابقاء علي حال النقابة المشلول, فيما ارتفعت سخونة الحركات المطالبة بالتغيير في المؤسسات الصحفية القومية, بل الخاصة( صحف رجال الأعمال) كذلك. ولم يكتف أعضاء المجلس بالغياب عن هذا المشهد حتي في مؤسساتهم. بل امتنعوا عن تقديم أي دعم معنوي, حتي ولو باصدار بيان أو بعقد ندوة. وهكذا لم يشارك أي منهم بفاعلية باستثناء الزميل الأستاذ يحيي قلاش في أية أنشطة مطالبة بهذا التغيير., ومن بينها وقفات احتجاجية أمام مقر النقابة وماسبيرو وفي ميدان التحرير وحتي أمام بعض الدور الصحفية. واتجه خمسة أعضاء في المجلس إلي تقديم استقالتهم في محاولة لاقناع زملائهم السبعة الآخرين بالاتفاق علي إعلان وتحديد موعد انتخابات النقيب والمجلس احتراما للشرعية الثورية التي توافقت مع الشرعية القانونية كما تمثلت في حكم المحكمة الدستورية. ولما فشلت جهود الأعضاء الخمسة الأساتذة الزملاء( يحيي قلاش وياسر رزق وجمال فهمي وعلاء ثابت وعبير سعدي) علي مدي اجتماعين للمجلس اضطروا لإعلان استقالتهم الجماعية يوم2 مارس2011. وقد بات واضحا أن تحالفا بين الحزب الوطني والإخوان داخل المجلس مصمم علي تجميد الأوضاع في نقابة الصحفيين والاستمرار وكأن ثورة لم تقع في مصر وكأن حكما لأعلي محكمة في البلاد لم يصدر ليبطل شرعية المجالس المنتخبة للنقابات المهنية وفق القانون100. ولقد كنت شخصيا حاضرا وطرفا في نهاية اجتماع مجلس الصحفيين2 مارس. وشهدت بنفسي كيف يدافع بشراسة الزميل الأستاذ صلاح عبدالمقصود القائم بأعمال النقيب الآن., وهو زميل دراسة ومهنة أكن له كل تقدير واعزاز. وبمعاونة زملائه من الإخوان والوطني في الاحتفاظ بمقاعدهم في المجلس وفي رفض إجراء الانتخابات. وأعاد هذا المشهد إلي الذاكرة ما كان في مارس2004 بين الزميلين الأستاذ عبدالمقصود والأستاذ أحمد موسي عضو المجلس السابق حينما انتقدت اداء موسي وجريدة الأهرام في تحريض وزير الداخلية السابق اللواء الحبيب العادلي للهجوم علي النقابة اثر قيام مرشد الإخوان السابق باعلان مبادرة الاصلاح السياسي للجماعة من احدي قاعاتها. وقتها استشاط موسي غضبا وصاح واصفا الإخوان بالجماعة المحظورة, فبادره عبدالمقصود بالكشف عن أنه اصطحبه خلال الاستعداد لانتخابات الصحفيين التي جاءت بكليهما للصلاة خلف المرشد( صيف عام2003). ومتأخرا جدا في يوم13 مارس2011 تحرك مجلس النقابة المنقسم علي نفسه والتقي وفد منه بالدكتور يحيي الجمل نائب رئيس مجلس الوزراء المكلف بملف الصحافة, وضم الوفد11 عضوا من أعضاء المجلس, في حين تغيب الزميل الأستاذ علاء ثابت لسفره. وقد انقسم وفد النقابة إلي أربعة مستقيلين من عضوية المجلس( الزملاء الأساتذة يحيي قلاش وياسر رزق وجمال فهمي وعبير سعدي) والسبعة المتمسكين بالبقاء( الزملاء الأساتذة صلاح عبدالمقصود وعبدالمحسن سلامة وحاتم زكريا ومحمد عبدالقدوس ومحمد خراجة وجمال عبدالرحيم وهاني عمارة) بل وجد الدكتور الجمل خلال الاجتماع أمامه مذكرتين اثنتين بمطالب الصحفيين تقدمت كل مجموعة بواحدة. ومن يراجع المذكرتين يجد اختلافات في الرؤية حول كيفية تغيير القيادات الصحفية وحول الأولويات. واقع الحال أن علاقة السلطة السياسية وأجهزة الأمن بجماعة الإخوان في النقابات المهنية وبخاصة نقابة الصحفيين بالغة التعقيد. فمع كل عمليات التضييق والاقصاء كانت هناك صفقات وتحالفات خفية تقوم علي اقتسام المقاعد وضمان دعم إدارات الصحف القومية لمرشحي الإخوان المتفق عليهم. وكذا دعم أصوات الإخوان لمرشحي السلطة, بما في ذلك النقيب الحكومي. ولعل في ذلك ما يفك ألغاز تشكيلات المجالس المتعاقبة لنقابة الصحفيين في عهد مبارك وآخرها مجلس2007 ونقيبه الحكومي. وقد انخفض فيه تمثيل تيار الاستقلال النقابي واليسار إلي مقعدين اثنين, بعدما كان أربعة في المجلس السابق. وربما يفسر ذلك أيضا أن أعلي الأصوات للمراكز الخمسة الأولي في انتخابات نوفمبر2007 حصدها ثلاثة من المحسوبين علي الحزب الوطني والحكومة وإدارات الصحف القومية ثم اثنان من الإخوان وقد تصدر القائمة الزميل الأستاذ عبدالمحسن سلامة عضو الحزب الوطني برقم مدهش هو1961 صوتا. المشهد الحالي لنقابة الصحفيين المختطفة مجددا يدعو للرثاء ولا يفيد بأن الثورة مست النقابة بعد. فلدينا نقيب مخلوع ارتبكت مواقفه بين الاعفاء لأسباب صحية وغير صحية وبين انكار الاستقالة. وهناك مجلس( نصفه+ واحد) استقال من دون أن ينفذ فعليا استقالته و(نصفه الآخر+ واحد) متشبث بالسلطة والكراسي علي جثث الشرعيتين الثورية والقانونية. لكنه فعليا لا يمارس مهامه الأساسية دفاعا عن الصحفيين ومصالحهم. وبين هذا وذاك يلوح تحالف من الوطني والإخوان لابقاء النقابة في ثلاجة الشلل والاختطاف. وهكذا مر نحو ثلاثة أشهر لم يدخل خلالها النقابة نقيب وأكثر من شهر ونصف الشهر من دون الإعلان عن اجتماع لمجلسها. بل أنه حتي آخر اجتماع معلوم لم يصدر عنه بيان. أما جمهور الجمعية العمومية فقد بقي معظمه علي سلبيته وانسحابه إلا من قلة مقاتلة مشاغبة لكنها واعية ومخلصة للمهنة والنقابة. وهكذا ذهب أدراج الرياح تحذير كاتب صحفي محترم ونقابي مخضرم هو الأستاذ سمير تادرس من خطورة تحكم رؤساء إدارة وتحرير الصحف في جدول العضوية بالدفع بالمزيد من الإداريين والعاملين بمهام السكرتارية ليصبحوا من حملة الكارنيه. وفي ذلك ضمان آخر لسيطرة السلطة السياسية علي النقابة والمهنة. وهو التحذير المسجل في محضر الجمعية العمومية للنقابة في مارس1975. .. وبعد36 عاما هذا هو حال نقابة الصحفيين ومصر في ثورة لم يعرفها تاريخنا الحديث من قبل.