اختلت الموازين بشدة وتدهورت بشكل حاد منظومة الأسعار في مصر مؤخراً في أعقاب اتفاق قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار. وهو أمر كان معروفاً مسبقاً. ولكن ليس بهذا السوء. وذلك الحجم الذي قفزت معه أسعار كل شيء. وأي شيء في مصر.. ولا يزال الحديث مستمراً حول جنون الأسعار. الذي أطاح في طريقه بالأخضر واليابس. وانخفضت معه قيمة الجنيه المصري إلي أدني مستوي له في تاريخه أمام قفزات مجنونة للدولار. وكافة العملات الأجنبية وبشكل لم يسبق له مثيل. وفشلت حتي الآن محاولات الحكومة لوقف التدهور المستمر للعملة المحلية أو حتي مجرد السيطرة علي الأسعار. وأخشي ما أخشاه أن يكون العيار قد فلت وباتت الحكومة عاجزة عن المواجهة وإحكام الرقابة علي الأسعار. وهو ما يبدو أمراً واقعياً حتي الآن. نظراً لما نشهده من ارتفاع مستمر ومتلاحق يومياً لأسعار السلع والخدمات دون ضابط أو رابط يمسك بزمام هذا التدهور. ويوقف مواصلة ارتفاع تكاليف المعيشة في مصر وبشكل ينذر بغضبة اجتماعية وجماهيرية هائلة. يصعب السيطرة عليها وتكون لها عواقب وخيمة علي مستقبل هذا البلد. وأمام هذا الأداء الهزيل والمزري للحكومة والفشل الواضح في تحقيق ظروف معيشية أفضل للمواطنين والتخفيف من حدة آثار تعويم الجنيه المصري وشروط صندوق النقد الدولي الصعبة والمجحفة علي مصر.. بل وعدم قدرة الحكومة علي تنفيذ توجيهات الرئيس الميتمرة للحكومة بالحد من الآثار السلبية للقرارات الاقتصادية الصعبة علي المواطنين. واكتفاء الحكومة ورجالها بإصدار تصريحات جوفاء وهمية لا وجود لها علي أرض الواقع لأنها تعبر عما تتمناه الحكومة ولا تعبر عن حقيقة ما أصاب المواطنين بخيبة الأمل والإحباط واليأس.. وتعالت معه صيحات الشكوي والانتقاد اللاذع للحكومة.. بل رأينا رجالاً ونساءً يبكون في الشوارع أمام شاشات الفضائيات من غلو الأسعار وصعوبة المعيشة وعدم وجود وتوافر لقمة العيش. وهو أمر لم يحدث في مصر في أصعب الظروف التي مرت بها علي مدي تاريخها حتي أيام الحروب والنكسات. أما وأن الأمر قد بلغ منتهاه.. وبلغ السيل الزُبا. كما تقول العبارة الشهيرة.. فقد أصبح تدخل رئيس الجمهورية أمراً حتمياً وبشكل مباشر. وذلك من خلال إصدار قرار بتطبيق التسعيرة الجبرية علي السلع. وبحيث يأخذ كل ذي حق حقه. ويضع حداً صارماً لاستغلال وجشع فئة معينة في مصر معروفة بالاسم للمواطنين.. وبحيث يلقي المخالف جزاءه الرادع في أسرع وقت ليكون عبرة لغيره من الجشعين والمستغلين والذين حققوا ثروات طائلة من جيوب الفقراء والمعدمين والناس علي حد سواء. ما يحدث في مصر الآن غير طبيعياً بالمرة ويجب أن يواجه الرئيس بقرارات وقوانين غير طبيعية حتي تستقيم الأمور ويعود الاستقرار والهدوء وسبل الحياة المعيشية إلي طبيعتها في مصر. دعونا من الشعارات والعناوين البراقة ودعاة السوق الحر والمدافعين عنه فيما يحدث في مصر الآن لا علاقة له بالسوق الحر بل هو سوق مستغل جشع طماع مفترس. أصحابه يحققون ثراءً فاحشاً بدون رحمة.. ليس لدينا سوق حر.. تلك هي الحقيقة. وإذا كانت الليبرالية قائمة علي اقتصاد السوق الحر والرأسمالية المتوحشة. فلتسقط الليبرالية. وليسقط السوق الحر في مصر. لقد فشلت الحكومة بالفعل في إنشاء تعاونيات لخدمة المستهلك. وفشلت في تطبيق ما يسمي بالزسعار الاسترشادية وتركت الحبل علي الغارب للتجار والمستوردين والمنتجين.. فوصلنا إلي أسوأ حال وأصعب ظروف وأتعيش حياة. ولم يعد أمامنا سوي التسعيرة الجبرية لكل السلع بلا استثناء. ولتعود محاكم أمن الدولة الجزئية التي كانت موجودة من قبل لمعاقبة مخالفي التسعيرة. وكانت تصدر أحكاماً رادعة تجمع بين السجن والغرامة.. فكان السوق منضبطاً والتجار يخافون العقاب والناس تعيش في أمان. ولا تشكو من ارتفاع الأسعار. وإذا كان عنوان هذا المقال "التسعيرة الجبرية يا سيادة الرئيس" فهو مقصود.. ذلك لأننا زهقنا من عدم تجاوب الحكومة مع مطالب تطبيق التسعيرة الجبرية علي السلع.. وبما أنه لم يعد هناك فائدة من مواصلة مخاطبة الحكومة. فإن الرئيس هو المسئول الأول عن شعب مصر. وهو الحريص علي توفير الراحة والحياة الكريمة للمواطنين. وهو الذي يواصل إصدار توجيهاته للحكومة بحل مشاكل الناس. فإن قرار تطبيق التسعيرة الجبرية سيسعد المواطنين. ويزيد من شعبية الرئيس. ويسهل أمور الحياة والمعيشة للناس. ولا يخشي أصحاب المصالح في استمرار الوضع المزري للناس حالياً وهم المستفيدون من الحالة التي نعيشها.. وأعود فأكرر: فلتسقط كل النظريات السياسية والاقتصادية. فمصلحة المواطنين أهم وأبقي من أي نظريات تملأ الكتب. ولا قيمة لها علي أرض الواقع!!