أبطل الإسلام عادة التبني التي كانت موجودة في الجاهلية. فقال سبحانه وتعالي: "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم". ولما كان بعض الناس في الجاهلية يطلقون علي سيدنا زيد بن حارثة "زيد بن محمد" نزل قول الله تعالي: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما" "الأحزاب: 40" ذلك أن قضية التبني يترتب عليها ما يترتب من الحقوق. وأخصها اكتساب حقوق غير مشروعة وضياع حقوق مشروعة علي أصحابها وبخاصة في المواريث التي حدد الله "عز وجل" أنصبتها في كتابه العزيز. ثم قال سبحانه محذرا من مخالفتها: "ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين" "النساء:14" ولكن الاسلام عندما أبطل عادة التبني جعل للعناية بالأيتام واللقطاء والضعفاء والمشردين سبلا وأبوابا واسعة. يقول الحق سبحانه وتعالي :"ويسألونك عن اليتامي قل إصلاح لهم خير" والاصلاح هنا يكون في جانب كفالته المادية. وقد يكون اليتيم غنيا يحتاج من يقوم علي صناعته أو زراعته أو تجارته ومن يستثمر له أمواله. فيكون إصلاحه في القيام بذلك له. وقد يحتاج اليتيم مع هذا أو ذاك إلي التعليم والتربية وإلي تعويض دور الأب في ذلك. فالإصلاح هنا يكون تربية وتعليما وتهذيبا. وقد يحتاج اليتيم إلي العطف والحنو والرحمة. وإلي الأب الحاني في المجتمع. فيكون هذا هو الاصلاح له. علي أن جزاء وثواب كفالة اليتيم ورعايته والاحسان إليه جد عظيم في الدنيا والآخرة. يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم" : "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة. وأشار بالسبابة والوسطي". وكما عني الاسلام عناية بالغة بأمر الأيتام عني أيضا بأمر اللقطاء والمشردين وحث علي ضرورة رعايتهم وإكرامهم بما يستوحب أن يتعاون المجتمع بسائر مؤسساته الحكومية والأهلية والمجتمعية علي رعاية هؤلاء وتأهيلهم للاندماج السوي في المجتمع. ولا يقولن أحد أو لا ينبغي أن يقول أحد: لا شأن لي. وأن ينشغل بنفسه. فهؤلاء إن قومناهم نجا المجتمع بأسره. وإلا أصاب المجتمع بمن فيه الاضطراب والخلل. وفي هذا يقول النبي "صلي الله عليه وسلم: "مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها. كمثل قوم استهموا علي سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها. فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا علي من فوقهم. فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذد من فوقنها. فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا. وإن أخذوا علي أيديهم نجوا ونجوا جميعا" "صحيح البخاري". فإذا أصلحنا من شأن الأيتام واللقطاء والمشردين وأطفال الشوارع عاش المجتمع كله آمنا مطمئنا. وخرج من بينهم من يرد له الجميل جميلين. وإن تركنا هذه الفئة مشردة لا تجد من يرعاها ولا من يأخذ بيدها كانت خطراً ووبالاً علي المجتمع كله في نقمة وحقد شديدن لا رادع لها. فإننا لا يمكن أن نجني من الشوك العنب. فمن يزرع خيرا يجني خيرا ومن يرزع نباتا مرا يجني حنظلاً وعلقماً.