ونكتب اليوم عن الصحافة.. وأزمتها مع وزارة الداخلية والتصعيد الذي طرأ علي هذه الأزمة وأوصلها إلي طرق شبه مسدودة في ظل التشبث بالمواقف والعناد السائد. وقد اختلف البعض مع الصحفيين حول طريقة معالجتهم للأزمة ووجهوا انتقادات حادة لمجلس نقابة الصحفيين والنقيب وصلت إلي حد توجيه الإتهامات للصحافة ومعاداتها أيضا وهو الأمر الذي دفع عدد كبير من الصحفيين إلي مطالبة النقابة بإعداد قائمة سوداء تضم أسماء أعداء الصحافة. والنقابة كانت في طريقها لوضع الأسس التي سيتم من خلالها إعداد القائمة ثم تراجعت عن الفكرة أو أرجأت تنفيذها. ولو كانت نقابة الصحفيين قد وقعت ضحية الانفعالات والمزايدات العاطفية وأعلنت عن قوائم سوداء لكانت قد أحدثت بذلك شرخاً كبيراً في الجسد الصحفي ولكانت قد أثارت موجة من الاستياء تضر بقضايا الصحافة ومبادئها. فإذا كنا ندعو إلي التطبيق السليم للديمقراطية وندافع عن حرية التعبير وعن الحق في الخلاف والاختلاف وعن احترام مختلف وجهات النظر فكيف ندعو لقائمة سوداء لمن يختلفون معنا في الفكر أو التوجه والمواقف..! * * * وكان اقحام مؤسسة الرئاسة في الأزمة والمطالبة باعتذار آخر يصدر عنها بمثابة تصعيد غير مبرر وحرق لجميع أوراق الضغط دفعة واحدة واستعداء للجميع في وقت لابد فيه من فتح أبواب الحوار للمساعدة في الخروج من أزمة لها أبعادها السلبية علي الوطن كله. إن الحديث عن ضرورة تدخل الرئيس في كل الأزمات بمختلف مستوياتها يعني أننا دولة بلا مؤسسات وأننا نبحث عن سلطة أخري فوق القانون والأنظمة وأننا لا نثق في قدراتنا علي تقديم الحلول والخروج من الأزمات. ولكنه حديث يعني أن الحكومة غائبة.. وأن الحكومة لم تقم بدورها كما يجب لإحتواء الأزمة منذ البداية. وأن رئيس الوزراء لم يكن حازماً في استدعاء ودعوة كل الأطراف للاجتماع بهم وتوفيق وجهات النظر في دقائق معدودة محذراً من التداعيات ومحملاً الجميع المسئوليةعن عواقب التصعيد والتشبث بالمواقف. * * * ولأنها أزمة تتفاقم سريعاً مثل كل الأزمات التي صادفتنا وحيث الاجواء مشحونة والتوتر سائد في المجتمع. فإن الصحفيين لم يجدوا من يساعدهم فحاولوا مساعدة أنفسهم بالتجمع والتكتل والتوحد والاجتماع في نقابتهم وبحث مشكلتهم. واجتمعوا في أجواء لم تكن في صالحهم.. فالمعلومات التي تم ايصالها للرأي العام أضرت بصورتهم ومواقفهم.. وبعض من تحدث من الصحفيين ساهم في إثارة الرأي العام لأنه كان يتحدث بفوقية واستعلاء يوحي بأن "الصحفي علي رأسه ريشة" أو أنه فوق القانون. وساهمت بعض الفضائيات بتعليقات ومداخلات ألقت بكل المسئولية علي الصحفيين وآدانتهم وشككت في نواياهم وأهدافهم. وتولدت انطباعات خاطئة عن الصحافة والصحفيين لدي الرأي العام لم تكن موجودة من قبل عبر كل العصور والعهود التي كانت فيها الصحافة هي ضمير الأمة الحي الذي لا يباع ولا يشتري. وعندما كانت الصحافة هي البرلمان الحقيقي للشعب المعبر عنه وعن مشاكله وهمومه وقضاياه. وسيكون الصعب أن يتم تغيير هذه الصورة السلبية دون أن يكون هناك خطاب صحفي إعلامي واع يتحدث للرأي العام بكل الهدوء والاحترام بعيداً عن الانفعالات والهتافات وصوت التحدي المكروه والمرفوض. إن علينا أن نبحث في كيفية ايقاف وتجنب حالة العداء والتباعد بين الرأي العام والصحافة حتي لا تكون هذه الأزمة بداية انهيار شامل للمهنة ولكل من يعمل بها وينتسب إليها. * * * وقد تكون الأزمة الدائرة حالياً بداية لحوار جدي تتحرك خلاله الأغلبية الصامتة من الصحفيين أو حزب الكنبة الصحفي لاصلاح المهنة من الداخل وتنقية النقابة من الكثير من العناصر التي انتسبت إليها بطرق ملتوية ودون أسانيد أو مقومات علمية ومهنية. فمنذ ثورة 2011 وهناك محاولات عديدة من النشطاء للالتحاق بالنقابة من خلال الكثير من الصحف والمواقع الخاصة بحيث أصبح 30% من أعضاء النقابة الحاليين من الذين نالوا عضويتها بعد ثورة يناير..! ودخول النشطاء في مهنة الصحافة كان له تأثيره الضار علي المهنة التي شهدت خلطاً بين الرأي والخبر وتضارباً في المصالح والمفاهيم وتزييفاً للحقائق والمعلومات وظهوراً "لشلل" جديدة في النقابة تفرض أسلوبها ورؤيتها في إرهاب منظم للآخرين. * * * ولكنها أزمة ستجد حلاً قريباً مهماً كانت درجة التصلب والتشدد في المواقف لأن هذا الخلاف ليس في صالح أحد.. ولن يخرج منه فائز أو مهزوم.. وليس من صالح الحكومة استمرار استعراض قوتها بتجاهل الأزمة وحصار الصحفيين.. وليس من صالح الصحفيين التشبث بتوصيات انفعالية ورفض تقديم التنازلات للتوصل إلي تسوية مرضية لجميع الاطراف. علينا جميعاً أن ندرك الحقيقة الأهم.. وهي أن الوطن لا يحتمل المزيد من الأزمات والخلافات.. مصر فوق الجميع.