لست أدري هل هي رقم 1000 تحديداً وربما يكون الرقم أكثر أو أقل. ولكن ما لاشك فيه أنها "غلطة" وتتكرر كثيراً حين يتم تغييب قانون الدولة. وربما تنحية فكرة "الدولة" نفسها جانباً. والارتماء في حضن "الجلسات العرفية" التي أثبتت فشلها تماماً في القضاء علي مثل تلك النوعية من المشاكل. كم كنت أتمني أن ترفض النيابة العامة بالمنيا نتائج الجلسة العرفية التي عقدت برئاسة المحافظ صلاح زيادة لإجراء صلح "باهت" "متهافت" في" قضية أحداث قرية "العور" مركز سمالوط بمحافظة المنيا حين خرج عدد من المتطرفين يوم الجمعة الماضي يعتدون علي الدولة نفسها قبل أن يعتدوا علي أملاك مواطنين أقباط وكنيستهم اعتراضاً علي بناء كنيسة جديدة تخليداً لذكري شهداء مصر الذين ذبحوا بمعرفة عناصر "داعش" في ليبيا الشهر الماضي. وكان المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء قد زار أسر الشهداء. وحمل لهم قراراً جمهورياً أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسي بالموافقة علي إنشاء هذه الكنيسة تضميداً لجراحهم ومشاطرة من الدولة لهم في أحزانهم ورغم اختلافي مع فكرة بناء الكنائس بقرارات جمهورية. إذ أنه لا يوجد أي سند في الدستور الحالي ولا كل الدساتير التي سبقته بدءا بأول دستور عرفته مصر سنة 1882. ثم دستور ..1923 لا يوجد هذا السند الذي يضع أي قيد علي بناء الكنائس أو يستلزم اشتراطات خاصة بها. إلا أنه في النهاية الشكر واجب للرئيس السيسي وللمهندس ابراهيم محلب علي مجرد التفكير في أسر الشهداء. غير أن ثمة تساؤلات لم تجب عليها جلسة "المطيباتية": من الذي حرك هؤلاء المتطرفين للاعتداء علي منشآت عامة وخاصة في هذه القرية؟ وإذا افترضنا جدلا ووافق المعتدي عليهم علي التنازل عن حقهم.. فمن الذي يملك التنازل عن حق المجتمع الذي يدفع الثمن من أمنه واستقراره؟ وما الذي يضير أي إنسان من بناء دور عبادة لأتباع دين سماوي معترف به. بل أنه لا يكتمل ولا يصح إيمانه إذا أنكر هذا الدين؟ وهل تضع هذه الجلسة العرفية بكل ما تستلزمه من عناق و"تقبيل اللحي" حداً حقيقيا لمثل تلك الأعمال التي تنتشر كالسرطان؟ محافظ المنيا قرر تشكيل لجنة من أهل الثقة من الطرفين "5 مسلمين و5 مسيحيين" هدفها التوصل إلي حلول ترضي كافة الأطراف بشأن اختيار المكان الذي سيتم بناء الكنيسة عليه.. وبرر المحافظ ذلك بضرورة التوصل إلي حلول تراعي مشاعر ورغبات جميع المواطنين دون الاضرار بمصلحة طرف علي حساب آخر.. ودعونا نتخيل المشهد بطريقة عكسية إذا قام المسلمون في أي قرية ببناء مسجد.. ما الذي يضير المسيحي من أن يبني مسجد أو حتي عشرة مساجد في أي مكان؟ وماذا لو خرج متطرف أو متعصب وقال كلاما يعكس أفكاره المريضة.. هل يرضخ له المجتمع؟ وهل يجد التطرف الفكري المصحوب بأعمال عنف مجالا للتفهم والتفاهم معه؟ قبل 5 سنوات.. وعقب حادث نجع حمادي الشيهر 7 يناير 2010 أصدرت دراسة عنوانها: "مسلمون وأقباط في عصر مبارك" استطلعت فيها آراء 13 شخصية تمثل مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري والعمري: شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي. والكاتب الكبير مكرم محمد أحمد. والاستاذ الكبير الراحل أنيس منصور. والمهندس نجيب ساويرس. والمفكر الراحل جمال البنا وغيرهم.. وكانت أهم وأول توصية خرجت بها في هذه الدراسة هي: ضرورة إعمال دولة القانون في التعامل مع مثل تلك النوعية من القضايا. بحيث ينال المخطئ حسابه بلا رحمة ولا هوادة أيا كانت هويته وديانته. واليوم وبعد مضي أكثر من خمس سنوات نفيق علي الحقيقة المرة: إن كل شيء تغير في مصر إلا طريقة التعامل "المريضة" مع هذا الملف "الحساس".. للأسف الشديد "مصر العتيقة" ومؤسساتها "العميقة" هي التي تعمل وتحكم وتتحكم. إنها "الغلطة رقم 1000" والمؤكد أنه لو استمر تعاملنا معها علي هذا النحو فربما يأتي اليوم الذي يمكن أن تكون فيه "الغلطة رقم 10 آلاف"!!