إذا كان وزير التربية والتعليم خسر معركة خصخصة المستشفيات الجامعية فقد كسب فقراء مصر وعلماؤها وطلبة الطب فيها صروحاً طبية وتعليمية لطالما كانت خط الدفاع الأخير لتقديم خدمة نوعية متميزة لا يحصل عليها إلا الأثرياء في المستشفيات الخاصة. ويخطئ من يظن أن الأمر انتهي عند هذا الحد.. فالطامعون لن يلقوا بأسلحتهم بسهولة ولن يقبلوا بخسارة قطعة الجاتوه الدسمة حتي لو وقفت هيئات تدريس كليات الطب والمجلس الأعلي للجامعات والدليل أن مشروع القانون لم يلغ بل طرحت مواده للتطوير وشكلت لجنة لتلقي الاقتراحات بما يساهم في تطوير تلك الخدمات العلاجية التي تقدمها المستشفيات. ولأننا أصبحنا نقف علي أرضية التطوير لا الخصخصة فالحديث عن هذه المستشفيات ذو شجون.. بتراجع وزارة التعليم العالي عن تخصيص ميزانيات محددة لها علامة استفهام كبيرة جعلتها تلجأ لما يسمي بالعلاج الاقتصادي الذي تطور مع الوقت لنظام استثماري جشع يدفع فيه محدود الدخل آلاف الجنيهات مضطراً حتي أن هذا البعض منها يحجز الجثث بعد الوفاة من أجل الفاتورة ولا تفرج عنها إلا بعد أن يوقع الأهل علي شيكات وايصالات أمانة. والغريب أنه رغم ارتفاع ثمن الخدمة فهي تقدم علي طريقة مستشفيات الحكومة.. فالمعاملة السيئة للمرضي وذويهم شعار وأبسط المستلزمات الطبية غير موجودة وتطلب أحياناً أثناء إجراء الجراحة فيدخل أهل المريض في سباق مع الزمن في الجري بين الصيدليات.. أيضاً لا يستطيع المريض أو أهله السير بضع خطوات دون أن يدفع "المعلوم" للعمال والتمريض وإلا لقي ما لا يرضيه من اهمال والكل يدفع خوفا. اسعار الاقامة خيالية فهي تصل ل 500 جنيه يومياً للغرفة و400 للمرافق كما هو الحال في قصر العيني الفرنساوي وهي غرف بالمناسبة أبعد ما تكون عن الراحة والنظافة.. لذلك لم أفهم شكوي د. نبيل عبدالمقصود مدير القصر العيني الفرنساوي للمهندس محلب من ضيق ذات اليد وأنا أري كل يوم الآلاف من البشر الذين تكتظ بهم المستشفي يومياً يدفعون المليارات سنوياً.. ولا أظن أن مشكلة هذه المستشفيات هي التمويل بل هي في حاجة لاعادة هيكلة لأنظمة العلاج مع تسعير الخدمة. وحتي نكون منطقيين بعض المستشفيات الجامعية تقدم الخدمة بقرار علاج علي نفقة الدولة لكنها للأسف خدمة متدنية. يحصل عليها من يملك "الواسطة" يترك فيها المريض لخريجي الطب الجدد الذين يحصلون علي التعليمات من الاستشاري بالتليفون وبدلاً من وضع الحالات الحرجة في العناية المركزة فتحول لحقل تجارب لطلبة الطب حتي يأتي الموت!! وإذا كنا سنطرح الأمر للحوار المجتمعي فقد يكون من المفيد أن يقسم العلاج في هذه المستشفيات لثلاثة أقسام أحدها بأسعار السوق لمن يقدر وسيجد إقبالاً كبيراً لأنها تملك اساتذة كباراً يقدمون خبرة لا تتوفر في المستشفيات الخاصة التي تعتمد علي الفندقة والثاني للتعاقدات الحكومية والثالث للفقراء بالمجان ينفق عليه من عوائد علاج القادرين ولا بأس أن يفتح باب التبرعات بشرط تقديم خدمة حقيقية لهم.. هذا مجرد اقتراح مبدئي وأتمني أن أتلقي اقتراحات القراء علي كيفية التطوير لنضعها أمام اللجنة المختصة.